الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
984 - [الإمام الشافعي]
(1)
أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي، الإمام الشافعي المشهور، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف رابع أب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عاشر أب للشافعي رضي الله عنه.
ذكر العلماء الأعلام: أبو بكر البيهقي، والحاكم أبو عبد الله، والخطيب البغدادي: أن هاشما ولد الشافعي ثلاث مرات؛ لأن أم السائب هي الشفاء بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف، وأم الشفاء هي خليدة-بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة، وكسر اللام، وبعد اللام مثناة من تحت-ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف، أخت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب، فهو ابن خالة علي من هذه الحيثية، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن جده المطلب بن عبد مناف أخو هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن دريد: [من الطويل]
لرأي ابن إدريس ابن عمّ محمد
…
ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع
وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن جدته أمّ جده السائب الشفاء بنت الأرقم بن هاشم (2).
وكان الشافعي رحمه الله تعالى كثير المناقب، جم المفاخر، عديم النظير، منقطع القرين، اجتمع فيه من العلوم بكتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة وآثارهم، واختلاف أقاويل العلماء، وكلام العرب من النحو واللغة والشعر وغير ذلك .. ما لم يجتمع في غيره، حتى إن الأصمعي مع جلالة قدره في هذا الشأن قرأ عليه أشعار الهذليين.
(1)«الجرح والتعديل» (7/ 201)، و «تاريخ بغداد» (2/ 54)، و «تاريخ دمشق» (51/ 278)، و «المنتظم» (6/ 137)، و «معجم الأدباء» (6/ 452)، و «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 44)، و «وفيات الأعيان» (4/ 163)، و «السلوك» (1/ 150)، و «تهذيب الكمال» (24/ 355)، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 5)، و «تاريخ الإسلام» (14/ 304)، و «الوافي بالوفيات» (2/ 171)، و «مرآة الجنان» (3/ 13)، و «تهذيب التهذيب» (3/ 497)، و «شذرات الذهب» (3/ 19).
(2)
انظر «مناقب الشافعي» للبيهقي (1/ 84)، و «تاريخ بغداد» (2/ 56).
وقال الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالى: ما عرفت ناسخ الحديث ومنسوخه حتى جالست الشافعي.
وأثنى عليه الزمخشري المعتزلي، وعظّمه، ورجّح قوله، وقوّى حجته.
واستنبط الشافعي رحمه الله تعالى علوما لم يسبق إليها، كعلم أصول الفقه، وتلخيصه باب القياس تلخيصا سنيا وغير ذلك، وفضائله ومناقبه رضي الله عنه كثيرة، ومن المنسوب إليه من الشعر-وغالب شعره حكمة-:[من الوافر]
بقدر الكد تكتسب المعالي
…
ومن رام العلا سهر الليالي
ومن شعره: [من الطويل]
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
…
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرّج هم واكتساب معيشة
…
وعلم وآداب وصحبة ماجد
ومنه: [من الطويل]
أخي لن تنال العلم إلا بستة
…
سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة
…
وإرشاد أستاذ وطول زمان
ومنه: [من الخفيف]
قيمة المرء فضله عند ذي الفض
…
ل وما في يديه عند الرعاع
فإذا ما حويت مالا وعلما
…
كنت عين الزمان بالإجماع
وإذا منهما غدوت خليا
…
كنت في الناس من أخس المتاع
ومنه: [من الطويل]
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
…
جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
…
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
…
تجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لم يغو بإبليس عالم
…
فكيف وقد أغوى صفيك آدما
وأم الشافعي فاطمة بنت عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
يروى أن أمه لما حملت به .. رأت كأن المشتري خرج من فرجها، وارتفع، ثم وقع
بمصر، ثم تشظت منه قطع، فوقع في كل بلد شظية، فأوّل بخروج عالم منها يختص علمه بمصر أولا، ثم يتفرق في البلاد.
ولد سنة خمسين بعد موت أبيه بغزة من الأرض المقدسة، ثم حمل إلى عسقلان، فلذا توهم بعضهم أنه ولد بعسقلان، فكفله جده لأمه، وارتحل به البلاد، وحثه على طلب العلم، ونشأ بمكة، وحفظ القرآن بها لتسع سنين، وأخذ القراءات بها عن أصحاب عبد الله بن كثير، وتفقه بمكة على سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد الزنجي.
ثم قدم المدينة فحفظ «الموطأ» عن ظهر قلبه حفظا محققا، وقرأ على مالك بن أنس، وبالغ مالك رضي الله عنه في إكرامه، ثم دخل اليمن مع جده عبيد الله، وأخذ عن هشام بن يوسف الأنباري، وأبي حنيفة بن الفقيه سماك، ومطرف بن مازن، والدبري، ثم ارتحل إلى العراق، وأخذ بالكوفة عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، واستعار منه كتب أبي حنيفة.
ثم دخل بغداد، فولى الرشيد قضاء اليمن لمصعب بن عبيد، فاستصحب الشافعي معه لما يتحققه من فقره وانقطاعه وفضله، فلما صار مصعب باليمن .. استناب الشافعي على قضاء نجران، فحكم أحكاما محررة، وصار له باليمن ذكر، فحسده مطرف بن مازن المذكور أولا، فكتب إلى الرشيد: إن أردت اليمن يثبت لك .. فأخرج عنه محمد بن إدريس، فكتب الرشيد إلى نائبه في اليمن حماد اليزيدي أن يصدره إليه، فبعث به إلى الرشيد، قال: فوافق قدومي على الرشيد استيلاء محمد بن الحسن وأبي يوسف عليه، وقد حمل إليه أني من أصحاب عبيد الله بن الحسن لا أرى الخلافة إلا في الطالبيين، وحصل بينه وبينهما محاورات ومراجعات في مسائل فقهية ظهر فيها للرشيد علمه وفضله، فخلع عليه وعليهما، وحمل كلاّ منهما على مركوب، وخص الشافعي بخمسين ألف درهم، ففرقها في طريقه، ولم يصل منزله منها بشيء، فعظم قدره عند الرشيد، فأقام ببغداد مدة صنف فيها كتبه القديمة، ورواها عنه أربعة من جلة أصحابه، وهم: الإمام أحمد ابن حنبل، وأبو ثور، والزعفراني، والكرابيسي.
ثم عزم إلى مصر، فدخلها سنة تسع وتسعين ومائة، فأخذ بها عن الست نفيسة، وصنف بها كتبه الجديدة، ك «الأم» و «الرسالة» وغيرهما.
قال ابن خلكان: (واتفق العلماء قاطبة من أهل الفقه والأصول والنحو والحديث وغير
ذلك على ثقة الشافعي وأمانته وعدالته، وورعه وزهده، ونزاهة عرضه، وشرف نسبه، وصحة حسبه، وحسن سيرته، وعلو قدره، أثنى عليه مشايخه وغيرهم من العلماء) (1).
وقال الإمام أحمد: ما حمل أحد محبرة إلا وكان للشافعي عليه فضل ومنة.
وقال: ما رأيت أحدا أتبع للسنة من الشافعي.
وقال الزعفراني: كان أصحاب الحديث نياما حتى جاء الشافعي أيقظهم، فتيقظوا.
وفي «صفوة الزبد» عن الإمام أحمد أنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يصحح لهذه الأمة دينها» وكان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وتلاه في الثانية الشافعي.
قال ابن خلكان: وللشافعي رضي الله عنه مناقب كثيرة جمعها العلماء، واشتهر من المصنفات في مناقبه وأحواله نحو ثلاثة عشر مصنفا، منها لداود الظاهري مصنف في مجلدين، وللفخر الرازي مصنف في مجلد، وبالجملة ففضائله أشهر من أن تذكر، وعلومه أكثر من أن تحصر. [من الوافر]
وليس يصح في الأذهان شيء
…
إذا احتاج النهار إلى دليل
توفي رضي الله عنه بمصر ليلة الجمعة بعد أن صلّى العشاء، آخر ليلة من رجب سنة أربع ومائتين، ودفن بعد عصر الجمعة.
وفي «صفوة الزبد» عن الربيع بن سليمان قال: كنا جلوسا في حلقة الشافعي بعد دفنه، فوقف أعرابي وسلم وقال: أين قمر هذه الحلقة، بل شمسها؟ قلنا: مات، فبكى ثم قال: رحمه الله وغفر له، لقد كان يفتح ببيانه مغلق الحجة، ويسد على خصمه واضح المحجة، ويغسل من الغبار وجوها مسودة، ويوسع بالرأي أبوابا منسدة، ثم مضى وتركنا نتعجب منه.
قال الربيع المرادي: رأيت الشافعي بعد موته فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أجلسني على كرسي من ذهب، ونثر علي اللؤلؤ الرطب.
(1)«وفيات الأعيان» (4/ 166).