الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فما الليل والنهار؟ فقال: الليل الليل الذي تعرف، والنهار النهار الذي تعرف.
وحكي: أنه قال: أصل المثل في قولهم: (الصيد كل الصيد في جوف الفرا): أنه خرج رجال يتصيدون، فاصطاد رجل منهم حمار وحش، واصطاد الآخرون ما بين ظبي وأرنب، واجتمعت نساؤهم، فجعلت المرأة تقول: اصطاد زوجي كذا، فتقول صاحبة الحمار: كل الصيد في جوف الفرا.
وسئل يونس عن مجير أم عامر في قول الشاعر: [من الطويل]
ومن يصنع المعروف في غير أهله
…
يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
أعد لها لما استجارت ببيته
…
قراها من ألبان اللقاح البهازر
فأشبعها حتى إذا ما تمطرت
…
فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لبني المعروف هذا جزاء من
…
يجود بمعروف إلى غير شاكر
فقال: أصل ذلك: أن فتيانا من العرب أثاروا ضبعا، فأفلتت من أيديهم، ودخلت خباء بعض الأعراب، فقال لهم: والله؛ لا تصلون إليها، فأكلت حتى شبعت، وتمددت في جانب الخباء، فغلب الأعرابيّ النوم، فلما استثقل .. وثبت عليه، فقرضت حلقه، وبقرت بطنه، وأكلت حشوته، وخرجت تسعى، فجاء أعرابي فنظر إليها وأنشد الأبيات المذكورة.
توفي يونس سنة اثنتين وثمانين ومائة، وقيل: قبلها بسنة، وقيل: بعدها بسنة.
قيل: إن عمره مائة سنة وسنتان.
872 - [مروان بن أبي حفصة]
(1)
مروان بن أبي حفصة، الشاعر المشهور، من أهل اليمامة.
قدم بغداد، ومدح المهدي، وهارون الرشيد، وهو من الشعراء المجيدين، والفحول المتقدمين.
حكي أنه لما أنشد المهدي قصيدته التي يقول فيها: [من الطويل]
إليك قسمنا النصف من صلواتنا
…
مسيرة شهر بعد شهر نواصله
(1)«الأغاني» (23/ 214)، و «وفيات الأعيان» (5/ 189)، و «سير أعلام النبلاء» (8/ 479)، و «تاريخ الإسلام» (12/ 389)، و «مرآة الجنان» (1/ 389)، و «البداية والنهاية» (10/ 609)، و «شذرات الذهب» (2/ 372).
فلا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا
…
إليك ولكن أهنأ العيش عاجله
فقال له المهدي: كم قصيدتك هذه من بيت؟ قال: سبعون بيتا، قال: فلك سبعون ألف درهم، لا تتم إنشادك حتى تحضر، فأنشد القصيدة، وقبض المال وانصرف.
قال ابن المعتز: وأجود ما قاله مروان قصيدته الغراء اللامية التي يمدح بها معن بن زائدة الشيباني، يقال: أعطاه عليها مالا كثيرا لا يقدر قدره، وقصيدته اللامية المذكورة نحو ستين بيتا، ومنها: قوله: [من الطويل]
بنو مطر يوم اللقاء كأنهم
…
أسود لهم في بطن خفّان أشبل
هم يمنعون الجار حتى كأنما
…
لجارهم بين السّماكين منزل
بهاليل في الإسلام سادوا ولم يكن
…
كأولهم في الجاهلية أول
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا
…
أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
وله في مدائح معن ومراثيه كل معنى بديع، وقد ذكرنا بعض ذلك في ترجمة معن في سنة إحدى وخمسين ومائة (1).
ويحكى: أن ولدا لمروان بن أبي حفصة دخل على شراحيل بن معن بن زائدة فأنشده: [من البسيط]
أيا شراحيل بن معن بن زائدة
…
يا أكرم الناس من عجم ومن عرب
أعطى أبوك أبي مالا فعاش به
…
فأعطني مثل ما أعطى أبوك أبي
ما حل أرضا أبي ثاو أبوك بها
…
إلا وأعطاه قنطارا من الذهب
قال الشيخ اليافعي: (هكذا صواب هذا البيت وإن كان بعض ألفاظه يخل بوزنه في الأصل المنقول منه) اه (2) فأعطاه شراحيل قنطارا من الذهب.
ومما يقرب من ذلك ما روي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حبس الحطيئة؛ لبذاءة لسانه على الناس .. كتب إليه الحطيئة: [من البسيط]
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ
…
حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
…
فارحم هداك مليك الناس يا عمر
(1) انظر (2/ 175).
(2)
«مرآة الجنان» (1/ 391).
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه
…
ألقت إليك مقاليد النهى البشر
ما آثروك بها إذ قدموك لها
…
لكن لأنفسهم قد كانت الأثر
فأطلقه، وشرط عليه أن يكف لسانه عن الناس، فقال: قد منعتني الكسب يا أمير المؤمنين، فاكتب لي كتابا إلى علقمة بن علاثة لأقصده به، فامتنع عمر من ذلك، فقيل له: ما عليك من ذلك يا أمير المؤمنين، فعلقمة ليس هو من عمالك، وقد تشفع بك إليه، فكتب له عمر إلى علقمة بما أراد، فمضى الحطيئة بالكتاب، فصادف علقمة قد مات والناس منصرفون عن قبره، وابنه حاضر فوقف عليه ثم أنشد:[من الطويل]
لعمري لنعم المرء من آل جعفر
…
بحوران أمسى أعلقته الحبائل
فإن تحي لا أملل حياتي وإن تمت
…
فما في حياتي بعد موتك طائل
وما كان بيني لو لقيتك سالما
…
وبين الغنى إلا ليال قلائل
فقال ابنه: كم ظننت أن علقمة كان يعطيك لو وجدته حيا؟ قال: مائة ناقة يتبعها مائة من أولادها، فأعطاه ابنه إياها، والبيتان الآخران يوجدان في «ديوان النابغة الذبياني» (1) في قصيدة له يمدح بها النعمان بن المنذر الغساني.
قال (2): ولم ينل أحد من الشعراء الماضين ما ناله مروان بشعره، فمما ناله ضربة واحدة ثلاث مائة ألف درهم من بعض الخلفاء بسبب بيت واحد.
وقد قدمنا في ترجمة معن أن مروان المذكور لم ينتفع بشعره بعد قوله في ترثية معن من قصيدة: [من الوافر]
وقلنا أين نرحل بعد معن
…
وقد ذهب النوال فلا نوالا
فكان كلما مدح أحدا .. قال له: ألست القائل:
وقلنا أين نرحل بعد معن
…
................. البيت
اذهب فلا لك عندنا نوال، وقد اتفق له ذلك مع المهدي، ثم ابنه الرشيد.
وأخبار مروان ونوادره كثيرة.
وتوفي سنة اثنتين-أو إحدى-وثمانين ومائة.
(1)«ديوان النابغة الجعدي» (ص 90).
(2)
القائل هو ابن المعتز في «طبقات الشعراء» ، نقل كلامه اليافعي في «مرآة الجنان» (1/ 390).