الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمية تقدمه وتؤثره، وتسأله عن أيام العرب وعلومها، قال له الوليد بن يزيد يوما: بم استحققت هذا الاسم؛ فقيل لك: الراوية؟ فقال: أروي لكل شاعر يعرفه أمير المؤمنين أو سمع به، ثم أروي لأكثر منهم ممن لا يعرفه أمير المؤمنين ولا سمع به، ثم لا ينشدني أحد شعرا قديما ولا حديثا إلا ميزت القديم من الحديث، فقال له: فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟ قال: كثير، ولكني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون الإسلام، فامتحنه الوليد وأمره بالإنشاد، فأنشد حتى ضجر الوليد، ثم وكل به من استخلفه أنه يصدقه عنه، ويستوفي عليه، فأنشد ألفين وتسع مائة قصيدة جاهلية، فأعطاه الوليد مائة ألف درهم.
وتوفي في سنة خمس وخمسين ومائة، ولما مات .. رثاه عبد الله الأعلى المعروف بابن كناسة:[من المنسرح]
لو كان ينجي من الردى حذر
…
نجاك مما أصابك الحذر
يرحمك الله من أخي ثقة
…
لم يكن في صفو وده كدر
فهكذا يفسد الزمان ويف
…
نى العلم ويدرس الأثر
ودفن بقرية من أعمال ماسبذان، وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة من قصيدة له:[من الطويل]
وأكرم قبر بعد قبر محمد
…
نبي الهدى قبر بماسبذان
عجبت لأيد هالت الترب فوقه
…
ضحى كيف لم ترجع بغير بنان
قال الشيخ اليافعي: وفي البيت الأول مجازفة عظيمة لا تليق؛ حيث فضل قبره على كل قبر من قبور الأنبياء وغيرهم غير قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فأبدله بقوله:
سقى الله قبرا من سحائب رحمة
…
ثوى فيه حماد بماسبذان (1)
764 - [الأعمش]
(2)
سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم أبو محمد المعروف بالأعمش لعمش كان
(1)«مرآة الجنان» (1/ 332).
(2)
«طبقات ابن سعد» (8/ 461)، و «الجرح والتعديل» (4/ 146)، و «وفيات الأعيان» (2/ 400)، و «تهذيب الكمال» (12/ 76)، و «سير أعلام النبلاء» (6/ 226)، و «تاريخ الإسلام» (9/ 161)، و «مرآة الجنان» -
به، أصله من دباوند قرية بطبرستان، وحمل أبوه إلى الكوفة صغيرا، فاشتراه رجل من بني كاهل من بني أسد فأعتقه.
روى عن ابن أبي أوفى، وأبي وائل، وإبراهيم النخعي، وإبراهيم التيمي، ومجاهد، وخلق كثير.
ورأى أنس بن مالك ولم يسمع منه؛ فما يرويه عنه مرسل.
وروى عنه شعبة، والسفيانان، وحفص بن غياث، وعالم سواهم.
وكان ثقة عالما فاضلا، قال وكيع: بقي الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى.
وكان لطيف الخلق حلو المزاح، جاءه أصحاب الحديث يوما ليسمعوا منه، فخرج إليهم وقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم .. ما خرجت إليكم.
وجرى بينه وبين زوجته كلام، فدعا رجلا ليصلح بينهما، فقال لها الرجل: لا تنظري إلى عموشة عينيه وخموشة ساقيه؛ فإنه إمام وله قدر، فقال الأعمش: ما أردت إلا أن تعرفها عيوبي.
ولما حدث بحديث: «من نام عن الصلاة حتى يصبح .. بال الشيطان في أذنه أو أذنيه» (1) .. قال: ما عمشت عيني .. إلا من بول الشيطان في أذني.
وقال له داود بن عمر الحائك: ما تقول في شهادة الحائك؟ قال: تقبل مع عدلين.
وعاده جماعة في مرضه، فأطالوا الجلوس عنده، فأخذ وسادته وقام وقال: شفى الله مريضكم بالعافية.
وزاره مرة الإمام أبو حنيفة وطوّل الجلوس، فلما أراد القيام .. قال: ما أراني إلا ثقلت عليك، قال: إنك لتثقل علي وأنت في بيتك.
قال أبو معاوية الضرير: بعث إليه هشام بن عبد الملك: اكتب لي مناقب عثمان، ومساويء علي، فأخذ الأعمش القرطاس، وأدخله في فم شاته، فلاكته، وقال لرسوله:
قل له: هذا جوابك، فقال له الرسول: إنه قد آلى أنه يقتلني إن لم آته بجوابك، وتحمل
= (1/ 305)، و «البداية والنهاية» (10/ 524)، و «تهذيب التهذيب» (2/ 109)، و «تقريب التهذيب» (ص 254)، و «شذرات الذهب» (2/ 217).
(1)
أخرجه البخاري (1144)، ومسلم (774).