الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلب .. جد، وإذا لعب .. أطمعك لعبه، وإذا رمته .. بعد عنك، وإذا جد فيما قصد له ..
آيسك من نفسه، قيل له: مثل من؟ قال: مثل جرير؛ حيث يقول إذا لعب: [من الكامل]
إن الذين غدوا بلبّك غادروا
…
وشلا بعينك ما يزال معينا
غيّضن من عبراتهن وقلن لي
…
ماذا لقيت من الهوى ولقينا
وقال حين جدّ: [من الكامل]
إن الذي حرم المكارم تغلبا
…
جعل النبوة والخلافة فينا
مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم
…
يا خزر تغلب من أب كأبينا
هذا ابن عمي في دمشق خليفة
…
لو شئت ساقكم إلي قطينا
أي: خدما وأتباعا، والخزر-بضم الخاء المعجمة وسكون الزاي-: جمع أخزر، وهو الذي في عينه صغر وضيق كما هو معروف في الترك، فكأنه نسبه إلى غير العرب.
ويقال: إن عبد الملك لما بلغه ذلك .. قال: ما زاد ابن كذا وكذا على أن جعلني شرطيا له، أما إنه لو قال: لو شاء ساقكم إلي قطينا .. لسقتهم إليه.
والأبيات المذكورة قالها جرير في هجاء الأخطل التغلبي، وكان بينه وبين جرير من المنافسة ما يكون بين الأقران المتعاصرين.
ولما بلغ جريرا وفاة الفرزدق .. بكى وقال: أما والله؛ إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجمنا واحدا، وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقلما مات ضد إلا وتبعه صاحبه، وكان كما قال، فتوفي جرير باليمامة في رمضان سنة عشر ومائة بعد الفرزدق بأربعين يوما وقد نيف على ثمانين سنة.
542 - [الفرزدق]
(1)
الفرزدق الشاعر، واسمه: همام بن غالب، ويكنى: أبا الأخطل، ويرجع نسبه إلى مجاشع بن دارم، وأمه: ليلى بنت حابس، أخت الأقرع بن حابس وله ولأبيه مناقب مشهورة في الكرم.
(1)«طبقات فحول الشعراء» (2/ 298)، و «الأغاني» (9/ 367)، و «المنتظم» (4/ 616)، و «وفيات الأعيان» (6/ 86)، و «سير أعلام النبلاء» (4/ 590)، و «تاريخ الإسلام» (7/ 211)، و «مرآة الجنان» (1/ 238)، و «البداية والنهاية» (9/ 311)، و «النجوم الزاهرة» (1/ 268)، و «شذرات الذهب» (2/ 58).
يقال: صعد الوليد بن عبد الملك المنبر، فسمع صوت ناقوس في بيعة، فأمر بهدم البيعة، فكتب إليه الأحزم ملك الروم: إن هذه البيعة قد أقرها من كان قبلك، فإن يكونوا أصابوا .. فقد أخطأت، وإن تكن أصبت .. فقد أخطئوا، فقال: من يجيبه؟ فقال الفرزدق: أنا، فكتب إليه:{وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ* فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ} .
وسئل بعض أهل العلم عن السبايا المزوجات من الكفار: هل يحل للسابي وطؤها؟ فأبطأ في الجواب، فقال الفرزدق:[من الطويل]
وذات حليل أنكحتها رماحنا
…
حلالا لمن يبني بها لم تطلّق
ويقال: إنه اجتمع هو والحسن البصري، فقال للحسن: أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد؟ قال: ما يقولون؟ قال: يقولون: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس، فقال الحسن: كلا، لست بخيرهم، ولست بشرهم، ولكن ما أعددت لمثل هذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ستين سنة.
ويقال: إن الفرزدق لقي علي بن أبي طالب.
وتنسب إلى الفرزدق مكرمة يرجى له الرحمة بها، وذلك: أن هشام بن عبد الملك حج في أيام أبيه، فجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه فلم يقدر عليه لكثرة الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام؛ إذ أقبل زين العابدين علي بن الحسين، فلما انتهى إلى الحجر .. تنحى له الناس فاستلمه، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي هابه الناس يا بن أمير المؤمنين؟ فقال هشام: لا أعرفه؛ مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق-وكان حاضرا-: أنا أعرفه، فقال الشامي:
من هو يا أبا فراس؟ فقال: [من البسيط]
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
…
والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم
…
هذا التقي النقي الطاهر العلم
.. الأبيات المشهورة، وهي نحو خمسة وعشرين بيتا، فغضب هشام وحبس الفرزدق، فبعث إليه زين العابدين اثني عشر ألف درهم، فردها وقال: مدحته لله تعالى لا للعطاء، فقال زين العابدين: إنا أهل بيت إذا وهبنا شيئا .. لا نستعيده، فقبلها الفرزدق.