الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1061 - [موسى بن داود الخلقاني]
(1)
موسى بن داود الضبي، أبو عبد الله، أصله من الكوفة، وسكن بغداد، وكان على قضاء طرسوس، ويعرف بالخلقاني.
سمع سليمان بن بلال وغيره، وروى عنه محمد بن أحمد بن أبي خلف وغيره.
وتوفي سنة ست-أو سبع-عشرة ومائتين على خلاف.
1062 - [الأصمعي]
(2)
أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي المعروف بالأصمعي، الأخباري اللغوي البصري الإمام العلامة المشهور، صاحب النوادر والملح، والغرائب والأشعار.
وعن الأصمعي قال: أحفظ ستة عشر-أو أربعة عشر-ألف أرجوزة، منها المائة، والمئتان.
ومن أعجب ما يحكى من حفظه: ما ذكره في «المقتبس» عن ابن دريد أو أبي حاتم قال: كنا عند الحسن بن سهل وبالحضرة جماعة من أهل العلم، منهم: جرير بن حازم، ومعمر بن المثنى، والأصمعي، والهيثم بن عدي في جماعة من هذا السن، وحاجب الحسن يعرض عليه القصص، وهو يوقع في كل قصة ما ينبغي لها حتى أمرّ خمسين قصة، فلما تقصى ما بين يديه .. أقبل علينا وقال: قد فعلنا في يومنا هذا خيرا كثيرا، ووقعنا في هذه القصص بما فيه فرح لأهلها، ونرجو أن نكون مثابين مشكورين، فأفيضوا بنا في حق أنفسنا نتذاكر العلم، فأخذوا في ذكر الحفاظ من أصحاب الحديث، كالزهري والشعبي وقتادة وشعبة وسفيان، فقال أبو عبيدة: وما الحاجة إلى ذكر هؤلاء الجلة وما ندري أصدق المخبر عنهم أم كذب؟ ! إن في الحضرة رجلا يزعم أنه ما نسي شيئا، وأنه ما يحتاج أن يعيد
(1)«طبقات ابن سعد» (9/ 348)، و «تهذيب الكمال» (29/ 57)، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 136)، و «تاريخ الإسلام» (15/ 421)، و «تذكرة الحفاظ» (1/ 387)، و «مرآة الجنان» (2/ 77).
(2)
«المعارف» (ص 543)، و «تاريخ بغداد» (10/ 409)، و «وفيات الأعيان» (3/ 170)، و «تهذيب الكمال» (18/ 382)، و «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 273)، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 175)، و «الوافي بالوفيات» (19/ 187)، و «تاريخ الإسلام» (15/ 274)، و «مرآة الجنان» (2/ 64)، و «بغية الوعاة» (2/ 112)، و «النجوم الزاهرة» (2/ 190)، و «شذرات الذهب» (3/ 76).
نظره في دفتر، إنما هي نظرة، ثم قد حفظ ما فيه، يعرّض بالأصمعي، ثم قال الحسن:
نعم يا أبا سعيد، يجيء من هذا بما ينكر جدا؟ فقال الأصمعي: نعم أصلحك الله، ما أحتاج أن أعيد النظر في دفتر، وما أنسيت شيئا قط، فقال الحسن: فنحن نجرب هذا القول بواحدة، يا غلام؛ هات الدفتر الفلاني؛ فإنه يجمع كثيرا مما قد أنشدتناه وحدثتناه، فأدبر الغلام ليأتي بالدفتر، فقال الأصمعي: أعزك الله، وما حاجة إلى هذا؟ أنت وقعت على خمسين قصة، أنا أعيد القصص التي مرت، وأسماء أصحابها، وتوقيعاتها كلها، فامتحن ذلك بالنظر إليها، فأكبر ذلك من حضر، وعجبوا واستضحكوا، وكان الحسن قد عارض بتلك التوقيعات وأثبتها في دفتر البيت، فقال الحسن: يا غلام؛ اردد القصص، فردّت وقد شدت في خيط كي تحفظ، فابتدأ الأصمعي فقال: القصة الأولى لفلان بن فلان، قصته كذا وكذا، ووقعت أعزك الله كذا وكذا، حتى أنفذ على هذا السبيل سبعا وأربعين قصة، فقال الحسن: يا هذا؛ حسبك الساعة، والله أقتلك-يعني: أصيبك بعيني-يا غلام؛ خمسين ألفا فأحضرها بدرا، ثم قال: يا غلمان؛ احملوا معه إلى منزله، فتبادر الغلمان بحملها، فقال: أصلحك الله، تنعم بالحامل، كما أنعمت بالمحمول، قال: هم لك، ولست منتفعا بهم، واشتريتهم منك بعشرة آلاف درهم، احمل يا غلام مع أبي سعيد ستين ألفا، قال: فحملت معه، وانصرف الباقون بالخيبة.
أصله من البصرة، ثم قدم بغداد في أيام الرشيد، وسبب قدومه ومعرفته بالرشيد ما ذكر في «المقتبس» أيضا: أنه لما قدم الرشيد البصرة .. قال جعفر بن يحيى للصباح بن عبد العزيز: قد عزم أمير المؤمنين على الركوب في زلال في نهر الأيلة، ثم يخرج إلى دجلة، ويرجع في نهر معقل، وأحب أن يكون معه رجل عالم بالقصور والأنهار والقطائع؛ ليقصها له، فقال: لا أعرف من يفي بهذا ويصلح له غير الأصمعي، قال: فأتني به، فأتيته به، فتحدث بين يدي جعفر، فأضحكه وأعجبه، فأدخله إلى الرشيد، فركب معه، فجعل لا يمر بنهر ولا بأرض إلا خبر بأصلها وفرعها، وسمى الأنهار، ونسب القطائع، فقال الرشيد لجعفر: ويحك، ما رأيت مثل هذا قط! من أين غصت عليه؟ ! فلما قارب البصرة .. قال للرشيد: والذي شرفني بخطابك؛ إن لي من كل ما مررت به موضع قدم، فضحك الرشيد وقال: اشتر له يا جعفر أرضا، فاشترى له بنهر الأيلة أربعة عشر جريبا بألف وأربع مائة دينار، وكان جعفر قد نهاه عن سؤال الرشيد، ووعده بكل ما يريد، فقال: أما نهيتك عن سؤاله؟ ! قال: انتهزت الفرصة، فأخبرته خبري، فكرم.
قال: رأيت بالبادية شيخا قد سقط حاجباه على عينيه، فسألته عن سنه فقال: مائة وعشرون سنة، فقلت: أرى منك بقية، قال: تركت الحسد، فبقي على الجسد، فقلت له: هل قلت شيئا؟ قال: بيتين في إخواني، فاستنشدته فقال:[من الطويل]
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي
…
أرحني فقد أفنيت كل خليل
أراك بصيرا بالذين أحبهم
…
كأنك تنحو نحوهم بدليل
دخل العباس بن الأحنف على الرشيد وعنده الأصمعي، فقال له الرشيد: أنشدنا من ملحك الغريبة، فأنشده:[من الهزج]
إذا ما شئت أن تصن
…
ع شيئا يعجب الناسا
فصور ههنا فوزا
…
وصور ثمّ عباسا
ودع بينهما شبرا
…
وإن زدت فلا باسا
فإن لم يدنوا حتى
…
ترى رأسهما راسا
فكذبهما وكذبه
…
بما قاست وما قاسا
فلما خرج العباس .. قال: يا أمير المؤمنين؛ مسترق من العرب والعجم، فقال الرشيد: ما كان من العرب؟ قلت: رجل يقال له: عمر، هوي جارية يقال لها: قمر، فقال يشبّب:[من الهزج]
إذا ما شئت أن تصن
…
ع شيئا يعجب البشرا
فصور ههنا قمرا
…
وصور ههنا عمرا
فإن لم يدنوا حتى
…
ترى بشريهما بشرا
فكذبها بما ذكرت
…
وكذبه بما ذكرا
فقال: فما كان من العجم؟ قلت: رجل يقال له: فلق-بسكون اللام بين الفاء المفتوحة والقاف-هوي جارية يقال لها: روق، فقال:[من الهزج]
إذا ما شئت أن تصن
…
ع شيئا يعجب الخلقا
فصور ههنا روقا
…
وصور ههنا فلقا
فإن لم يدنوا حتى
…
ترى خلقيهما خلقا
فكذّبها بما لقيت
…
وكذبه بما يلقا
قال: فبينما نحن كذلك؛ إذ دخل الحاجب فقال: عباس بالباب، فقال: ائذن له، فدخل، فقال: يا عباس؛ تسرق معاني الشعر وتدعيه؟ فقال: ما سبقني إليه أحد، فقال: هذا الأصمعي يحكيه عن العرب والعجم، ثم قال: يا غلام؛ ادفع الجائزة إلى الأصمعي، قال: فلما خرجنا .. قال العباس: كذبتني وأبطلت جائزتي، فقلت: أتذكر يوم كذا وكذا؟ ثم أنشأ يقول: [من البسيط]
إذا وترت امرءا فاحذر عداوته
…
من يزرع الشوك لم يحصد به عنبا
ويحكى عن الأصمعي أنه قال: مررت بالبادية، فوجدت امرأة حسنة تنزع من بئر وتنشد:[من الرجز]
أستغفر الله لذنبي كلّه
…
قتلت إنسانا لغير حلّة
مثل غزال كانس في ظله
…
وقد مضى الليل ولم أمله
والخمر مفتاح لهذا كلّه
فقلت لها: قاتلك الله ما أفصحك وأبلغك! فقالت: وهل ترك القرآن لذي فصاحة بلاغة؟ ! فقلت لها: أتقرءين القرآن؟ قالت: نعم، وأعرف آية جمعت أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين، فقلت: وما هي؟ قالت: قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.}
قال الأصمعي: قال لي الرشيد ليلة وهو يسير في قبة: حدثني، قلت: يا أمير المؤمنين؛ إن مزرد بن ضرار كان شاعرا مليحا ظريفا، وإن أمه كانت تبخل عليه بزادها، وإنها غابت عن بيتها يوما، فوثب مزرد على ما في بيتها فأكله وقال:[من الطويل]
ولما غدت أمي تزور بناتها
…
أغرت على العكم الذي كان يمنع
خلطت بصاعي عجوة صاع حنطة
…
إلى صاع سمن فوقه يتربع
ودبّلت أمثال الأثافي كأنها
…
رءوس نقاد مزقت لا تجمع
وقلت لبطني أبشر اليوم إنه
…
حمى أمنا مما تصد وتجمع
فإن كنت مصفورا فهذا دواؤه
…
وإن كنت غرثانا فذا يوم تشبع
فضحك الرشيد.
وسأل الرشيد يوما أهل مجلسه عن صدر هذا البيت:
...............
…
ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه
فلم يعرفه أحد، فقال إسحاق الموصلي: الأصمعي عليل، وأنا أمضي إليه وأسأله عنه، فقال الرشيد: احملوا إليه ألف دينار لنفقته، قال: فجاءت رقعة الأصمعي وفيها:
أنشدني خلف الأحمر لأبي النشناش النهشلي: [من الطويل]
وسائلة أين الرحيل وسائل
…
ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه
وداوية تيهاء يخشى به الردى
…
سرت بأبي النشناش فيها ركائبه
ليدرك ثأرا أو ليكسب مغنما
…
جزيلا وهذا الدهر جمّ عجائبه
وذكر القصيدة كلها.
كان الرشيد إذا ركب .. عادله الفضل بن الربيع، وكان الأصمعي يسير قريبا من الرشيد بحيث يحاذيه، وإسحاق الموصلي يسير قريبا من الفضل، وكان الأصمعي لا يحدث الرشيد شيئا إلا ضحك، فحسده إسحاق فقال للفضل: كل ما يقول كذب، فقال الرشيد: أي شيء يقول؟ فأخبره الفضل، فغضب الرشيد وقال: والله؛ إن كان ما يقول كذبا .. إنه لأظرف الناس، وإن كان حقا .. إنه لأعلم الناس.
ونوادر الأصمعي وغرائبه كثيرة. وكان ذا علم غزير، ومعرفة بالحديث والغريب.
روى عن سليمان التيمي، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وغيرهما.
وروى عنه نصر بن علي الجهضمي وغيره.
ومصنفاته تزيد على ثلاثين كتابا، ومن مسنده عن عائشة رضي الله عنها:«إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإن لها من الله طالبا» (1).
وبإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما في الكنز الذي ذكره الله تعالى في قصة الخضر:
(كان لوحا من ذهب مضروبا، مكتوبا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، عجبا لمن يعرف الموت كيف يفرح؟ ! ولمن يعرف النار كيف يضحك؟ ! ولمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ ! ولمن يؤمن بالقضاء والقدر كيف ينصب في طلب الرزق؟ ! ولمن يؤمن
(1) أخرجه ابن ماجه (4243)، والدارمي (2768)، وأحمد (6/ 70).
بالحساب كيف يعمل الخطايا؟ ! لا إله إلا الله محمد رسول الله) (1).
وبإسناده عن سلمة بن بلال قال: قال علي رضي الله عنه: [من الهزج]
فلا تصحب أخا الجهل
…
وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى
…
حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء
…
إذا ما هو ماشاه
وللشيء على الشيء
…
مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب
…
دليل حين يلقاه
وقال: عن عمر رضي الله عنه قال: هذا المال لا يصلحه إلا ثلاث: أخذه من حله، ووضعه في حقه، ومنعه من السرف.
وقال: لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بطريق الحرة رجلا فقال له: ما اسمك؟ قال: طارق، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقة، قال:
أين منزلك؟ قال: بحرة النار، قال: بأيها؟ قال: بذات لظى، قال: أدرك أهلك فقد احترقوا، فرجع إلى أهله، فوجدهم قد احترقوا.
وبإسناده قال صلى الله عليه وسلم: «من أنعم الله نعمة عليه .. فليحمد الله، ومن استبطأ الرزق .. فليستغفر الله، ومن حزبه أمر .. فليقل: لا حول ولا قوة إلا بالله» (2).
توفي الأصمعي رحمه الله سنة ست عشرة ومائتين.
قال أبو أحمد العسكري: وقد حرص المأمون على الأصمعي وهو بالبصرة أن يصير إليه، فلم يفعل، واحتج بضعفه وكبره، فكان المأمون يجمع المشكل من المسائل، ويسيّر ذلك إليه، فيجيب عنه.
قال أبو العيناء: أنشدني أبو العالية الشامي-يعني يرثي الأصمعي-: [من البسيط]
لا در در بنات الأرض إذ فجعت
…
بالأصمعي لقد أبقت لنا أسفا
عش ما بدا لك في الدنيا فلست ترى
…
في الناس منه ولا من علمه خلفا
(1) أخرجه البيهقي في «الشعب» (208)، وانظر «الدر المنثور» (5/ 421).
(2)
أخرجه البيهقي في «الشعب» (642).