الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال للديك: ما في الأرض حيوان أقل وفاء منك؛ أخذك أهلك بيضة فحضنوك، ثم خرجت على أيديهم، وأطعموك في أكفهم، ونشأت بينهم حتى إذا كبرت صرت لا يدنو منك أحد إلا طرت ههنا وههنا وصوّت، وأخذت من الجبال كبيرا، فعلموني وألفوني، ثم يخلى عني، فآخذ الصيد في الهواء أجيء به إلى صاحبي، فقال له الديك: إنكم لو رأيتم من البزاة في سفافيدهم المعدّة للشيّ مثل ما رأيت من الديوك .. لكنتم أنفر مني أيها البزاة (1)، وكذلك أنتم لو تعلمون ما أعلم من المنصور .. لم تتعجبوا من خوفي مع ما ترون من تمكن حالي معه.
ثم إن المنصور فسدت نيته فيه، ونسبه إلى أخذ الأموال، وهمّ أن يوقع به، فتطاول ذلك، فكان كلما دخل عليه ظن أنه سيوقع به، ثم يخرج سالما، قيل: إنه كان معه شيء من الدهن قد عمل فيه سحر؛ فكان يدهن به حاجبه إذا دخل على المنصور، فسار في العامة دهن أبي أيوب مثلا، ثم إنه أوقع به في سنة ثلاث وخمسين، وعذبه وعذب أخاه خالدا حتى مات في العذاب.
ومات أبو أيوب سنة أربع وخمسين ومائة.
756 - [الحكم بن أبان العدني]
(2)
الحكم بن أبان العدني.
روى عن طاوس وجماعة.
وكان شيخ أهل اليمن وعالمهم بعد معمر، رحل إليه العلماء، وكان إذا هدأت العيون .. وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله حتى يصبح.
توفي سنة أربع وخمسين ومائة.
757 - [أبو عمرو بن العلاء]
(3)
أبو عمرو بن العلاء بن عمار المازني البصري، أحد القراء السبعة المشهورين، والصحيح: أن كنيته اسمه.
(1) السّفّود: عود من حديد ينظم فيه اللحم ليشوى.
(2)
«طبقات ابن سعد» (8/ 105)، و «تاريخ الإسلام» (9/ 357)، و «العبر» (1/ 223)، و «تهذيب التهذيب» (1/ 461)، و «تقريب التهذيب» (ص 174)، و «شذرات الذهب» (2/ 248).
(3)
«المعارف» (ص 531)، و «المنتظم» (5/ 232)، و «الكامل في التاريخ» (5/ 183)، و «وفيات الأعيان» -
قرأ على أبي العالية وجماعة، وروى عن أنس وغيره.
قال: نظرت في العلم قبل أن أختتن. قال أبو عبيدة: كان أبو عمرو أعلم الناس بالقرآن والعربية والشعر وأيام العرب، وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها، فلما رجع إلى علمه الأول .. لم يكن علمه إلا من حفظه بقلبه، وكان إذا دخل شهر رمضان .. لم ينشد بيتا حتى ينقضي.
قال رحمه الله: أول العلم الصمت وحسن الاستماع، ثم حسن السؤال، ثم حسن اللفظ، ثم نشره عند أهله.
وقال: فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها.
وقال: ما تساب اثنان .. إلا غلب ألأمهما.
وقال: إذا تمكن الإخاء .. قبح الثناء.
وقال: ما ضاق مجلس بين متحابين، ولا اتسعت الدنيا بين متباغضين.
وقال: أحسن المراثي ابتداء قول فضالة بن كلدة العبسي: [من المنسرح]
أيتها النفس أجملي جزعا
…
إن الذي تحذرين قد وقعا
بان الذي جمع السماحة وال
…
نجدة والبر والتقى جمعا
الألمعي الذي يظن بك الظ
…
ن الذي قد رأى وقد سمعا
قال أبو عمرو: حججنا سنة، فمررنا ذات ليلة بواد، فقال لنا المكري: إن هذا الوادي كثير الجن؛ فأقلوا الكلام حتى تقطعوه، قال: مررنا بهم مختلسين، تبين منهم الرءوس واللحى، نسمع حسهم ولا نراهم، فسمعنا منهم هاتفا يقول:[من الطويل]
وإن امرءا دنياه أكبر همه
…
لمستمسك منها بحبل غرور
قال: والله؛ لقد ذهب عنا ما كنا فيه من الغم.
(3) - (3/ 466)، و «تهذيب الكمال» (34/ 120)، و «سير أعلام النبلاء» (6/ 407)، و «معرفة القراء الكبار» (1/ 223)، و «فوات الوفيات» (2/ 28)، و «مرآة الجنان» (1/ 325)، و «البداية والنهاية» (10/ 532)، و «تهذيب التهذيب» (4/ 561)، و «شذرات الذهب» (2/ 248).
انتقل إلى اليمن مختفيا من الحجاج، فخرج سحرا يريد الانتقال فسمع رجلا ينشد:[من الخفيف]
صبر النفس عند كل ملم
…
إن في الصبر حيلة المحتال
لا تضيقن في الأمور فقد تك
…
شف غمّاؤها بغير احتيال
ربما تجزع النفوس لأمر
…
وله فرجة كحل العقال
فقال له أبو عمرو: وما الأمر؟ قال: مات الحجاج، قال: فلم أدر بأيهما أنا أفرح:
بموت الحجاج، أم بقوله: فرجة؟ أي: بفتح الفاء، وكنا نقول: فرجة من الفرج؛ أي:
بضم الفاء، قال الأصمعي: بالفتح من الفرج، وبالضم: فرجة الحائط.
دخل أبو عمرو على سليمان بن علي عم السفاح، فسأله عن شيء، فصدقه فلم يعجبه، فخرج وهو يقول:[من المتقارب]
أنفت من الذل عند الملوك
…
وإن أكرموني وإن قربوا
إذا ما صدقتهم خفتهم
…
ويرضون مني بأن أكذب
وكأنه أهمل عمل (أن) هنا على لغة من لا يعملها مع اجتماع شروط العمل فيها؛ حملا على (ما) أو لعلها المخففة من الثقيلة، ولم يأت بالفاصل من السين ونحوها على الوجه الضعيف، وجعله الشيخ اليافعي إقواء (1).
وأخبار أبي عمرو كثيرة، وفضائله شهيرة، ولد بمكة سنة سبعين، أو خمس وستين، أو ثمان وستين.
وتوفي بطريق الشام-وقيل: بالكوفة-سنة أربع وخمسين، ولما حضرته الوفاة .. أفاق من غشيته، فرأى ابنه بشرا يبكي، فقال: وما يبكيك وقد أتت عليّ أربع وثمانون سنة؟ ! ورثاه بعضهم بقوله: [من الطويل]
رزئنا أبا عمرو ولا حي مثله
…
فلله ريب الحادثات بمن فجع
فإن تك قد فارقتنا وتركتنا
…
ذوي خلة ما في انسداد لها طمع
فقد جرّ نفعا فقدنا لك أننا
…
أمنا على كل الرزايا من الجزع
توفي سنة أربع وخمسين ومائة.
(1) انظر كلام اليافعي في «مرآة الجنان» (1/ 326).