الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1035 - [أبو العتاهية]
(1)
أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم العنزي الشاعر المشهور، من متقدمي المولّدين، في طبقة بشار بن برد، وأبي نواس، وتلك الطائفة.
حكى أشجع الشاعر المشهور قال: أذن الخليفة المهدي للناس في الدخول، فدخلنا، وأمرنا بالجلوس، فاتفق أن جلس بجنبي بشار بن برد؛ أي: الشاعر المشهور، فسكت المهدي، وسكت الناس، فسمع بشار حسا فقال: من هذا؟ فقلت: أبو العتاهية، فقال: أتراه ينشد في هذا المحفل؟ فقلت: أحسبه سيفعل، فأمره المهدي أن ينشد فأنشد:[من المتقارب]
ألا ما لسيدتي ما لها
…
أدلت فأجمل إدلالها
فنخسني بشار بمرفقه وقال: ويحك، أرأيت من ينشد مثل هذا الشعر في هذا الموضع؟ ! حتى بلغ إلى قوله:
أتته الخلافة منقادة
…
إليه تجرّر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له
…
ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره
…
لزلزلت الأرض زلزالها
فقال لي بشار: انظر ويحك يا أشجع؛ هل طار الخليفة عن فراشه؟ قال: فو الله ما انصرف من ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية.
ومن شعره أيضا هذه الأبيات في عمرو بن العلاء: [من الكامل]
إني أمنت من الزمان وصرفه
…
لما علقت من الأمير حبالا
لو يستطيع الناس من إجلاله
…
لحذوا له جلد الخدود نعالا
إن المطايا تشتكيك لأنها
…
قطعت إليك سباسبا ورمالا
فإذا وردن بنا وردن خفائفا
…
وإذا صدرن بنا صدرن ثقالا
فأعطاه سبعين ألفا، وخلع عليه، فغار الشعراء لذلك، فجمعهم فقال: يا معشر
(1)«تاريخ بغداد» (6/ 249)، و «المنتظم» (6/ 219)، و «وفيات الأعيان» (1/ 219)، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 195)، و «الوافي بالوفيات» (9/ 185)، و «مرآة الجنان» (2/ 49)، و «شذرات الذهب» (3/ 52).
الشعراء؛ عجبا لكم ما أشد حسدكم! إن أحدكم يأتينا يمدحنا بقصيدة يشبب فيها بصديقته بخمسين بيتا، فما يبلغها حتى تذهب لذاذة مدحه ورونق شعره، وقد أتى أبو العتاهية يشبب بأبيات يسيرة، ثم قال كذا وكذا، وأنشد الأبيات المذكورة، فما لكم منه تغارون؟ !
وحكى صاحب «الفصوص» في اللغة: أن أبا العتاهية زار يوما بشار بن برد، فقال لبشار: إني لأستحسن قولك اعتذارا من البكاء إذ تقول: [من مجزوء الكامل]
كم من صديق لي أسا
…
رقه البكاء من الحياء
وإذا تفطن لامني
…
فأقول ما بي من بكاء
لكن ذهبت لأرتدي
…
فطرفت عيني بالرداء
فقال بشار: أيها الشيخ؛ ما عرفته إلا من بحرك، ولا شربته إلا من قدحك، وأنت السابق حيث تقول:[من الوافر]
وقالوا قد بكيت فقلت كلا
…
وهل يبكي من الجزع الجليد
فقالوا ما لدمعهما سواء
…
أكلتا مقلتيك أصاب عود
يحكى أن أبا العتاهية كان قد امتنع من الشعر، فأمر المهدي بحبسه في سجن الجرائم، فلما دخله .. رأى منظرا هاله، فدهش، فطلب موضعا يأوي إليه، فإذا بكهل حسن البزة والوجه، عليه سيما الخير، فقصده وجلس إليه من غير سلام لما هو فيه من الجزع والحيرة، وإذا بالرجل ينشد:[من الطويل]
تعودت مس الضر حتى ألفته
…
وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس واثقا
…
بحسن صنيع الله من حيث لا أدري
قال: فاستحسنت البيتين، وتبركت بهما، وثاب إلي عقلي فقلت له: تفضل أعزك الله بإعادتهما علي، فقال: يا إسماعيل؛ ويحك ما أسوأ أدبك وأقلّ عقلك ومروءتك! دخلت ولم تسلم علي تسليم المسلم، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم حتى سمعت مني بيتين من الشعر، لم يجعل الله فيك خيرا ولا أدبا ولا معاشا غيره، فطفقت تستنشدني ابتداء كأن بيننا أنسا وسالف مودة توجب بسط القبض، ولم تذكر ما كان منك، ولا اعتذرت عما بدا من إساءتك وقلة أدبك، فقلت: اعذرني متفضلا، فدون ما أنا فيه يدهش، قال: وفيم أنت؟ ! تركت الشعر الذي هو جاهك عندهم، وسبيلك إليهم، والآن تقوله فتطلق، وأنا