الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
913 - [عتاب بن بشير الحراني]
(1)
عتاب بن بشير، يقال: إنه مولى بني أمية أبو الحسن الحراني.
سمع إسحاق بن راشد وغيره، وروى عنه محمد بن سلام وغيره.
قال البخاري: وتوفي سنة أربع وتسعين ومائة (2)، وذكره غيره فيمن توفي سنة تسعين ومائة.
914 - [يحيى بن خالد البرمكي]
(3)
يحيى بن خالد بن برمك البرمكي، أبو النجباء: جعفر، والفضل، ومحمد، وموسى.
كان جده برمك من مجوس بلخ، ولا يعلم إسلامه.
نعم؛ يحكى أنه دخل على عبد الملك بن مروان وعند عبد الملك صورة ديكين، من خاصيتهما: أنهما إذا دخل ذو سم .. تناقما، فلما دخل برمك .. تناقم الديكان المصوران، فأمر عبد الملك بتفتيشه، فلم يجدوا معه شيئا، فسأله هل معه شيء من السم؟ فقال: نعم خاتم مسموم أدخره لوقت الضرورة، وقدمه لعبد الملك.
وأما ابنه خالد .. فإنه ولي الوزارة للسفاح ثم للمنصور، وقد ذكرناه في العشرين الثالثة من هذه المائة (4).
وأما ابنه يحيى صاحب الترجمة .. فإنه كان من النبل والعقل وجميل الخلال على أكمل حال، وكان المهدي قد ضم إليه ولده هارون الرشيد، وجعله في حجره، فأدبه وهذبه، فلما ولي هارون .. عرف له حقه، وقال: أنت أجلستني في هذا المجلس ببركتك ويمنك
(1)«طبقات ابن سعد» (9/ 490)، و «التاريخ الكبير» (7/ 56)، و «التاريخ الأوسط» (2/ 180)، و «تهذيب الكمال» (19/ 286)، و «تاريخ الإسلام» (12/ 289)، و «تهذيب التهذيب» (3/ 48).
(2)
لم يذكر وفاته في «التاريخ الكبير» ، وفي «الأوسط» (2/ 180)، و «الصغير» (2/ 251): أنه توفي سنة (190 هـ).
(3)
«المعارف» (ص 381)، و «تاريخ بغداد» (14/ 133)، و «المنتظم» (5/ 546)، و «الكامل في التاريخ» (5/ 374)، و «وفيات الأعيان» (6/ 219)، و «سير أعلام النبلاء» (9/ 89)، و «تاريخ الإسلام» (12/ 448)، و «مرآة الجنان» (1/ 424)، و «شذرات الذهب» (2/ 417)، و «البداية والنهاية» (10/ 636).
(4)
انظر (2/ 225).
وحسن تدبيرك، وقد قلدتك الأمر، ودفع إليه خاتمه، وفي ذلك يقول الموصلي:[من الطويل]
ألم تر أن الشمس كانت سقيمة
…
فلما ولي هارون أشرق نورها
بيمن أمين الله هارون ذي الندى
…
فهارون واليها ويحيى وزيرها
ومن كلام يحيى: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الهدية، والكتاب، والرسول، وكان يقول لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون.
ومما يدل على غزارة عقله، وصواب رأيه: ما يحكى أن الرشيد استشاره في هدم إيوان كسرى، فأشار عليه بالترك، فلم يحمله هارون على النصحية، وظن أنه أحب بقاء آثار المجوس؛ لما يقال: إن أصل البرامكة مجوس، وربما شافهه بذلك تبكيتا، فشرع الرشيد في الهدم، فغرم على هدم قطعة يسيرة أموالا جزيلة، وصعب الهدم عليه وتعسر؛ لقوة إحكام بنائه، فاستشار يحيى ثانيا في ترك الهدم، فأشار عليه بألا يترك ما شرع فيه من الهدم، فقال: سبحان الله! أشرت أولا بترك الهدم، وأشرت ثانيا بالهدم، فقال ما معناه:
أشرت أولا بترك الهدم؛ ليعرف شرف الإسلام وعلوه وقوة تأييده على من رأى تلك الآثار التي ظهر عليها الإسلام، وأذل أهلها، وأزال ملكهم الذي كان زواله لا يرام، وعزه لا يضام، فلما لم تقبل شوري، وشرعتم في هدمه، واستشرتني في ترك ذلك .. أشرت عليك بعدم الترك؛ لئلا يدل ذلك على ضعف الإسلام فيقال: عجز المسلمون عن هدم ما بناه المخالفون لدينهم، والهدم أسهل من البناء، فعرف الرشيد نصيحته في ذلك.
وله في الجود والكرم حكايات مشهورة:
منها: ما حكى إسحاق النديم الموصلي قال: كانت صلات يحيى بن خالد إذا ركب لمن تعرض له في الطريق .. مائتي درهم، فركب ذات يوم، فتعرض له شخص وأنشده:[من الخفيف]
يا سمي الحصور يحيى أتيحت
…
لك من فضل ربنا جنتان
كل من مر في الطريق عليكم
…
فله من نوالكم مائتان
مائتا درهم لمثلي قليل
…
وهي منكم للقابس العجلان
قال يحيى: صدقت، وأمر بحمله إلى داره، فلما رجع من دار الخلافة .. سأله عن حاله، فذكر أنه تزوج امرأة، وقد أخذ بواحدة من ثلاث: إما أن يؤدي المهر وهو أربعة
آلاف، وإما أن يطلق، وإما أن يضم للمرأة منزلا وخادما وما يكفيها إلى أن يتهيأ له نقلها، فأمر له يحيى بعشرين ألفا: أربعة آلاف للمهر، وأربعة آلاف لثمن المنزل، وأربعة آلاف للكفاية، وأربعة آلاف للخدمة، وأربعة آلاف يستظهر بها.
ودخل عليه يوما أبو قابوس الحميري فأنشده: [من البسيط]
رأيت يحيى أدام الله نعمته
…
عليه يأتي الذي لم يأته أحد
ينسى الذي كان من معروفه أبدا
…
إلى الرجال ولا ينسى الذي يعد
فأجزل صلته.
وقال فيه مسلم بن الوليد الأنصاري: [من الطويل]
أجدك هل تدرين أن رب ليلة
…
كأن دجاها من قرونك ينشر
صبرت لها حتى تجلت بغرة
…
كغرة يحيى حين يذكر جعفر
فقضى حوائجه، ووصله بجملة من المال.
وفي جوده وجود ابنه ينشد هذان البيتان:
سألت الندى هل أنت حر فقال لا
…
ولكنني عبد ليحيى بن خالد
فقلت شراء قال لا بل وراثة
…
توارثني عن والد بعد والد
وكان يحيى يقول: إذا أقبلت الدنيا .. فأنفق؛ فإنها لا تبقى.
ونادى إسحاق بن إبراهيم الموصلي أحد غلمانه فلم يجبه، فقال: سمعت يحيى بن خالد يقول: يدل على حلم الرجل سوء أدب غلمانه.
وأخباره كثيرة، ومكارمه شهيرة، فلا نطول بذكرها.
ولما غضب الرشيد على البرامكة وقتل جعفرا .. حبس أباه يحيى المذكور، فلم يزل في الحبس إلى أن توفي سنة تسعين ومائة، ودفن في شاطئ الفرات، فوجد في جنبه رقعة مكتوب فيها بخطه: قد تقدم الخصم والمدعى عليه في الأثر، والقاضي هو الحكم العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينة، فحملت إلى الرشيد، فلم يزل يبكي يومه كله، وبقي أياما يتبين الأسى في وجهه.