الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة العاشرة بعد المائتين
فيها: توفي أبو عمرو الشيباني (1) -واسمه: إسحاق بن مرار الكوفي اللغوي صاحب التصانيف-وله تسعون سنة، وكان ثقة خيّرا كاملا علامة، وعلي بن جعفر الصادق (2)، وكان من جملة السادات الأشراف، ومحمد بن صالح الكلابي أمير عرب الشام، ومروان بن محمد الدمشقي صاحب سعيد بن عبد العزيز، كان إماما صالحا خاشعا في جملة الشاميين، والحافظ يحيى بن إسحاق، والمحدث يحيى بن غيلان، والحافظ منصور بن سلمة.
وفيها: مات حميد بن عبد الحميد الطوسي، وفتح عبد الله بن طاهر مصر، وولى يحيى بن أكثم القضاء (3).
وفيها: أقدم المأمون محمد بن علي بن موسى من المدينة إلى بغداد، وزوجه ابنته أم الفضل، وأذن له في حملها إلى المدينة (4)
وفيها: ظفر المأمون بعمه إبراهيم بن المهدي بعد أن اختفى ببغداد مدة، وله في اختفائه حكايات طريفة، فظفر به منتقبا في زي النساء، فحمل على هيئته تلك إلى المأمون، وأجلس حتى رآه الناس، ثم حبسه مدة، ثم عفا عنه بشفاعة زوجته بوران بنت الحسن بن سهل، ونادمه، ولهما في ذلك حكايات مستحسنة تدل على مكارم الأخلاق من العفو والحلم (5).
وفيها: ركب المأمون إلى المطبق حتى قتل إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام المعروف بابن عائشة وصلبه، وقتل معه محمد بن إبراهيم الإفريقي وثلاثة نفر، وكان الأمر قد تم له مع أكثر القواد على أن يخرجوه من المطبق في صبيحة تلك الليلة، ويثبوا بالمأمون، فعلم المأمون بذلك فبادرهم، ووجد لابن عائشة صناديق فيها كتب القواد وغيرهم إليه، فأحضر الصناديق وقال للناس: أنا أعلم أن فيكم ذا الرأي الذي لا اسم له فيها، ومنكم العاتب، والمستزيد، وإن نظرت فيها .. لم أصف لكم، ولم تصفوا لي،
(1) تقدم في ترجمته أنه توفي سنة (213 هـ) وذكره في هذه السنة بناء على ما قيل بوفاته فيها، والله أعلم.
(2)
علي بن جعفر الصادق هو جد آل باعلوي الموجودين الآن بحضرموت، نفع الله بهم، آمين. اه هامش (ت).
(3)
«تاريخ الطبري» (8/ 609)، و «الكامل في التاريخ» (5/ 545).
(4)
«تاريخ الطبري» (8/ 623)، و «المنتظم» (6/ 241)، و «الكامل في التاريخ» (5/ 564)، وفيها: أن هذه الحادثة كانت سنة (215 هـ) عند ما سار المأمون لغزو الروم، والله أعلم.
(5)
«تاريخ الطبري» (8/ 603)، و «المنتظم» (6/ 200)، و «الكامل في التاريخ» (5/ 542).
فتوبوا إلى ربكم من نكثكم، ولا تعاودوا من فعل مثل هذا فيضيق عنه العفو، ثم أمر بإحراق الصناديق ولم يفتحها (1).
وفيها: بنى المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل بواسط، وأقام بها بضعة عشر يوما، وقام أبوها الحسن بن سهل أمير المأمون بمصالح الجيش جميعه تلك الأيام، وغرم خمسين ألف ألف درهم، وكان العسكر خلقا لا يحصى، فلم يكن فيهم من اشترى لنفسه ولا لدوابه حتى على الحمالين والمكارية والملاحين، وكل من حضر في ذلك العسكر، يقال: بلغ غرم الحسن بن سهل في ذلك خمسين ألف ألف درهم، وكان عرس لم يسمع بمثله في الدنيا، نثر فيه على الهاشميين والقواد والوجوه والكتاب بنادق مسك فيها رقاع بأسماء ضياع، وأسماء جوائز، ودواب وغير ذلك، وكل من وقع في حجره شيء منها ملك ما هو مكتوب فيها من هذه المذكورات من ضيعة أو غيرها، ثم نثر على عموم الناس بعد ذلك الدراهم والدنانير، ونوافج المسك، وبيض العنبر، وفرش للمأمون حصير منسوج بالذهب، فلما جلس عليه .. نثرت على قدميه لآلئ كثيرة، فلما رأى تساقط اللآلى المختلفة على الحصير المنسوج بالذهب .. قال: قاتل الله أبا نواس، كأنه شاهد هذه الحالة حيث يقول في صفة الخمرة والحباب الذي يعلوها عند المزاج:[من البسيط]
كأن صغرى وكبرى من فواقعها
…
حصباء درّ على أرض من الذهب
وقد غلّط النحويون أبا نواس في هذا البيت؛ لذكره (فعلى) أفعل التفضيل من غير إضافة ولا تعريف.
ثم إن المأمون أطلق للحسن بن سهل خراج فارس والأهواز مدة سنة بعد أن وصله بعشرة آلاف ألف درهم، ووهب لولده ألف ألف درهم، وأقطعه الصلح، وقالت الشعراء والخطباء في ذلك فأطنبوا، ومما يستطرف فيه قول محمد بن حازم:[من مجزوء المديد]
بارك الله للحسن
…
ولبوران في الختن
يا بن هارون قد ظفر
…
ت ولكن ببنت من
فلما نمي هذا الشعر إلى المأمون .. قال: والله؛ ما ندري خيرا أراد أم شرا.
ودخل المأمون على بوران الليلة الثالثة من وصوله، فلما جلس .. نثرت عليه خدمها ألف درة كانت في طينة ذهب، وفي المجلس بنات الملوك من أخوات المأمون وعماته
(1)«تاريخ الطبري» (8/ 603)، و «المنتظم» (6/ 199)، و «الكامل في التاريخ» (5/ 541).