الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مخرمة بن نوفل بن عبد مناف بن زهرة-أبو بكر، أو أبو عبد الله المدني.
سمع إبراهيم بن عبد الله بن حنين، ويزيد بن أبي حبيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر وغيرهم.
روى عنه عبدة بن سليمان، وإبراهيم بن سعد، ويزيد بن هارون.
وكان بحرا من بحور العلم، حافظا ذكيا، عالما بالسير والأخبار والأنساب، ومن كتبه أخذ ابن هشام سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك كل من تكلم في هذا الباب، فعليه اعتماده وإليه استناده.
قال الشافعي: من أراد التبحر في المغازي .. فهو عيال على محمد بن إسحاق.
وقال الزهري: من أراد المغازي .. فعليه بابن إسحاق.
وكان ثبتا في الحديث عند أكثر أهل العلم.
ويحكى: أن يحيى بن معين، وأحمد ابن حنبل، ويحيى بن سعيد القطان وثقوا محمد بن إسحاق، ووثقه البخاري أيضا، وإنما لم يخرج عنه، وكذلك مسلم لم يخرج له إلا حديثا في الرجم (1)؛ من أجل طعن مالك بن أنس فيه؛ لأنه بلغه عن ابن إسحاق أنه قال: هاتوا حديث مالك؛ فأنا طبيب لعلله.
توفي ببغداد سنة إحدى وخمسين-أو سنة خمسين-ومائة؛ ودفن بمقبرة الخيزران أم هارون الرشيد وموسى الهادي ابني محمد المهدي نسبت إليها؛ لأنها مدفونة فيها، وهي أقدم المقابر في الجانب الشرقي.
743 - [معن بن زائدة]
(2)
معن بن زائدة الشيباني أمير سجستان أحد الأبطال والأجواد.
كان في أيام بني أمية متنقلا في ولايتهم مواليا لابن هبيرة الفزاري، فلما انتقلت الدولة
= (4/ 276)، و «تهذيب الكمال» (24/ 405)، و «سير أعلام النبلاء» (7/ 33)، و «تاريخ الإسلام» (9/ 588)، و «مرآة الجنان» (1/ 313)، و «تهذيب التهذيب» (3/ 504)، و «شذرات الذهب» (2/ 235).
(1)
«صحيح مسلم» (1703/ 31).
(2)
«تاريخ الطبري» (8/ 41)، و «تاريخ بغداد» (13/ 236)، و «المنتظم» (5/ 211)، و «الكامل في التاريخ» (5/ 174)، و «وفيات الأعيان» (5/ 244)، و «سير أعلام النبلاء» (7/ 97)، و «تاريخ الإسلام» (9/ 631)، و «العبر» (1/ 217)، و «مرآة الجنان» (1/ 314)، و «البداية والنهاية» (10/ 529)، و «شذرات الذهب» (2/ 237).
إلى بني العباس .. جهز السفاح أخاه المنصور لحرب ابن هبيرة، فحارب معن مع ابن هبيرة المنصور، فلما هزم المنصور عسكر ابن هبيرة .. استتر معن خوفا منه، ولم يزل مستترا إلى يوم الهاشمية، وهو يوم مشهور ثار فيه جماعة من أهل خراسان على المنصور، ووثبوا عليه، وجرت مقتلة عظيمة بينهم وبين أصحاب المنصور بالهاشمية التي بناها السفاح بالقرب من الكوفة، وقد قدمنا ذلك في سنة إحدى وأربعين (1)، وكان معن بن زائدة متواريا في القرب منهم، فخرج معتما متلثما، وتقدم إلى القوم وقاتل قتالا أبان فيه عن نجدة وشهامة، وفرقهم وأفرج عن المنصور، فقال له المنصور: من أنت ويحك؟ فكشف لثامه وقال: أنا طليبك يا أمير المؤمنين معن بن زائدة، فأمنه المنصور وأكرمه وصيره من خواصه، ثم دخل في بعض الأيام على المنصور، فقال له: هيه يا معن تعطي مروان بن أبي حفصة مائة ألف درهم على قوله: [من الكامل]
معن بن زائدة الذي زادت به
…
شرفا على شرف بنو شيبان
فقال: كلا يا أمير المؤمنين، إنما أعطيته على قوله في هذه القصيدة:[من الكامل]
ما زلت يوم الهاشمية معلنا
…
بالسيف دون خليفة الرحمن
فمنعت حوزته وكنت وقاية
…
من وقع كل مهند وسنان
فقال: أحسنت يا معن.
وقال له يوما: ما أكثر وقوع الناس في قومك، فقال: يا أمير المؤمنين:
إن العرانين تلقاها محسدة
…
ولن ترى للئام الناس حسادا
ويقال: إن الأبيات المذكورة ليست لمروان بن أبي حفصة، وإنما قالها بعض أهل البادية في مروان بن محمد، ودخل الجزيرة لينشدها مروان بن محمد، فوافى انهزامه وكسيرته وزوال ملك بني أمية، فبقي حائرا مترددا، فلقيه مروان بن أبي حفصة، فسأله عن حاله فأخبره بقصته، فقال له: إن الذي كنت تأمل منه الجزاء قد مات، ولا عاد تنفعك هذه القصيدة شيئا، فهل لك أن تنحلني إياها وأعطيك كذا وكذا على ألاّ تنتحلها ولا تتسمى بها؟ وكان في قصيدة الأعرابي:
[من الكامل]
مروان يا بن محمد أنت الذي
…
زادت به شرفا بنو مروان
(1) مراد المصنف رحمه الله تعالى ما سيأتي في حوادث تلك السنة (2/ 200).
فجعلها مروان بن أبي حفصة مدحا في معن بن زائدة بعد أن غيرها وزاد فيها ونقص.
ودخل معن يوما على المنصور وقد أسن، فقال له: لقد كبرت يا معن! قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين، فقال: إنك لجلد! قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين، فقال:
وفيك بقية، قال: هي لك يا أمير المؤمنين، وعرض هذا الكلام على عبد الرحمن بن زيد زاهد البصرة، فقال: ويح هذا؛ ما ترك لربه شيئا.
وحكى الأصمعي قال: وفد أعرابي على معن بن زائدة، فمدحه وطال مقامه على بابه، ولم تحصل له جائزة، فعزم على الرحيل، فخرج معن راكبا، فأمسك الأعرابي عنان دابته وقال:[من الطويل]
وما في يديك الخير يا معن كله
…
وفي الناس معروف وعنك مذاهب
ستدري بنات العم ما قد أتيته
…
إذا فتّشت عند الإياب الحقائب
فأوقر معن خمس نوق من كرام إبله ميرة وثيابا، وقال: انصرف يا بن أخي إلى بنات عمك، فلئن فتشن الحقائب .. ليجدن ما يسرهن، فقال: صدقت وبيت الله.
وذكر الخطيب في «تاريخه» : (عن أبي عثمان المازني قال: حدثني صاحب شرطة معن قال: بينما أنا على رأس معن؛ إذا هو براكب يوضع، فقال: ما أحسب الرجل يريد غيري، ثم قال لحاجبه: لا تحجبه، فجاء حتى مثل بين يديه وأنشد:[من المنسرح]
أصلحك الله قلّ ما بيدي
…
فما أطيق العيال إذ كثروا
ألح دهر رمى بكلكله
…
فأرسلوني إليك وانتظروا
فقال معن-وأخذته أريحية-: لا جرم والله؛ لأعجلن أوبتك، ثم قال: يا غلام؛ أعطه الناقة الفلانية، وألف دينار، فدفعها إليه وهو لا يعرفه) (1).
واتفقت له قصة غريبة في اختفائه، وذلك: أن المنصور جد في طلبه، وجعل لمن يأتيه به مالا، قال: فتعرضت للشمس حتى لوحت وجهي، وخففت عارضي، ولبست جبة صوف، وركبت جملا متوجها إلى البادية لأقيم بها، فلما خرجت من باب حرب-أحد أبواب بغداد- .. تبعني أسود متقلد بسيف حتى إذا غبت عن الحرس أناخ بي الجمل، وقبض على يدي فقلت: ما لك؟ ! فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت: ومن أنا حتى
(1)«تاريخ بغداد» (13/ 237).
أطلب؟ ! قال: أنت معن بن زائدة، فقلت: يا هذا؛ اتق الله، وأين أنا من معن؟ ! فقال: دع هذا، فو الله؛ إني لأعرف بك منك، فلما رأيت منه الجد .. قلت: هذا عقد جوهر بأضعاف ما جعله المنصور لمن يأتيه بي، فخذه ولا تكن سببا في سفك دمي، فنظر إلى العقد وقال: صدقت في قيمته، ولست قابله حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني ..
أطلقتك، فقلت: قل، فقال: إن الناس قد وصفوك بالجود؛ فهل وهبت مالك كله قط؟ قلت: لا، قال: فنصفه؟ قلت: لا، قال: فثلثه؟ قلت: لا، حتى بلغ العشر، فاستحييت فقلت: أظن أني قد فعلت ذلك، قال: ما ذاك بعظيم، أنا والله راجل ورزقي من المنصور كل شهر عشرون درهما، وهذا الجوهر قيمته ألف دينار، وقد وهبته لك، ووهبتك نفسك لجودك المأثور بين الناس، ولتعلم أن في الدنيا أجود منك؛ فلا تعجبك نفسك، ولتحتقر بعد هذا كل شيء تفعله، ولا تتوقف عن مكرمة، ثم رمى العقد في حجري، وترك خطام البعير، وولى منصرفا، فقلت له: يا هذا؛ قد والله فضحتني، ولسفك دمي أهون عليّ مما فعلت، فخذ ما دفعته لك، فضحك وقال: أردت أن تكذبني في مقالي هذا، والله؛ لا أخذته، ولا آخذ لمعروف أبدا، ومضى لسبيله، قال: والله؛ لقد طلبته بعد أن أمنت، وبذلت لمن يجيء به ما شاء، فما عرفت له خبرا، وكأن الأرض ابتلعته.
ولي معن اليمن مدة، ثم ولي سجستان في آخر عمره، وله فيها آثار، وقصده الشعراء بها، فبينا هو في داره يحتجم والصناع يعملون له شغلا .. اندس بينهم قوم من الخوارج، فقتلوه وهو يحتجم في سنة إحدى-أو اثنتين أو ثمان-وخمسين ومائة، فتبعهم ابن أخيه يزيد بن مزيد بن زائدة فقتلهم بأسرهم، ورثى معنا الشعراء بأحسن المراثي، ومن ذلك قول مروان بن أبي حفصة:[من الوافر]
مضى لسبيله معن وأبقى
…
مكارم لن تبيد ولن تنالا
كأن الشمس يوم أصيب معن
…
من الإظلام ملبسة جلالا
هو الجبل الذي كانت نزار
…
تهدّ من العدو به الجبالا
تعطلت الثغور لفقد معن
…
وقد يروى بها الأسل النهالا
وأظلمت العراق وأورثتنا
…
مصيبته المجللة اختلالا
وظل الشام يرجف جانباه
…
لركن العزّ حين وهى فمالا
وكادت من تهامة كلّ أرض
…
ومن نجد تزول غداة زالا
فإن يعل البلاد له خشوع
…
فقد كانت تطول به اختيالا
أصاب الموت يوم أصاب معنا
…
من الأحياء أكرمهم فعالا
وكان الناس كلّهم لمعن
…
إلى أن زار حفرته عيالا
وفيها يقول:
وقلنا أين نرحل بعد معن
…
وقد ذهب النوال فلا نوالا
ويقال: إن مروان بعد هذه المرثية لم ينتفع بشعره؛ فإنه كان إذا مدح خليفة أو من دونه .. قال له أنت القائل في مرثيتك لمعن:
وقلنا أين نرحل بعد معن
…
وقد ذهب النوال فلا نوالا
وقد جئت تطلب نوالنا وقد ذهب النوال، لا شيء لك عندنا، اتفق له ذلك مع المهدي وابنه الرشيد.
وفي كتاب «طبقات الشعراء» لابن المعتز: (أن مروان بن أبي حفصة دخل على جعفر البرمكي، فقال له: أنشدني مرثيتك في معن بن زائدة، فقال: بل أنشدك مدحي فيك، فقال جعفر: أنشدني مرثيتك في معن، فأنشده القصيدة المقدم ذكرها وجعفر يسيل دمعه على خده، فلما فرغ .. قال له جعفر: هل أثابك على هذه المرثية أحد من ولده وأهله شيئا؟ قال: لا، قال: فلو كان معن حيا ثم سمعها منك .. كم يثيبك عليها؟ قال:
أصلح الله الوزير أربع مائة دينار، قال جعفر: فإنا نظن أنه كان لا يرضى لك بذلك، قد أمرنا لك عن معن رحمه الله بالضعف عما ظننت وزدناك، فاقبض من الخازن ألفا وست مائة دينار، فقال مروان يذكر جعفرا، وما سمح به عن معن:[من الوافر]
نفحت مكافئا عن قبر معن
…
لنا مما تجود به سجالا
فعجلت العطية يا ابن يحيى
…
لنادبه ولم ترد المطالا
فكافئ عن صدى معن جواد
…
بأجود راحة بذل النوالا
بنى لك خالد وأبوك يحيى
…
بناء في المكارم لن ينالا
كأن البرمكي بكل مال
…
تجود به يداه يفيد مالا
ثم قبض المال وانصرف) (1).
(1)«طبقات الشعراء» (ص 45).