المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌4 - باب القتال في الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب حكم الأُسَرَاءِ

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب الأمان

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب قسمة الغنائم والغلول فيها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الجزية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الصلح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الفيء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(20) كتاب الصيد والذبائح

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ذكر الكلب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌2 - باب ما يحل أكله وما يحرم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(21) كتاب الأطعمة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الضيافة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْل الثَّانِي:

- ‌3 - باب الأشربة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب النقيع والأنبذة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب تغطية الأواني وغيرها

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌(22) كتاب اللباس

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الخاتم

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب النعال

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب الترجل

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب التصاوير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(23) كتاب الطب والرقى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الفأل والطيرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الكهانة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(24) كتاب الرؤيا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

4606 -

[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 6990].

4607 -

[2] وَزَادَ مَالِكٌ بِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: "يَراهَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ ". [ط: 2/ 957].

ــ

الفصل الأول

4606، 4607 - [1، 2](أبو هريرة، عطاء) قوله: (إلا المبشرات) بضم ميم وكسر شين مشددة من البشارة بضم الباء وكسرها: الخبر السار، ويقال لها بالفارسية: مزده، ويفهم من كلام بعضهم اعتبار الصدق فيه، وأما البشارة بالفتح فيفهم من (الصحاح)(1) أنه بمعنى السرور، وقال في (القاموس) (2): البشارة والبشرى بالكسر، ويضم فيهما، وبالفتح: الجمال، وهو أبشر منه، أي: أحسن وأجمل وأسمن، ويستعمل البشارة غالبًا في الخير، وقد يستعمل في الشر نادرًا، كذا قال الطيبي (3)، والمفهوم من (الصحاح) أن المطلق لا يستعمل إلا في الخير، واستعماله في الشر يقع مقيدًا به نحو قوله تعالى:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] وقال بعض المفسرين: إنه بطريق الاستهزاء.

وقوله: (الرؤيا الصالحة) أي: الحسنة، وقالوا: الرؤيا الحسنة على أقسام، منها

(1)"الصحاح"(2/ 590).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 329).

(3)

"شرح الطيبي"(8/ 340).

ص: 560

4608 -

[3] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6983، م: 2264].

ــ

ما هي حسنة ظاهرًا وباطنًا كرؤية الأنبياء والأولياء والكلام معهم، أو ظاهرًا فقط كسماع الملاهي والملاعب، أو قبيح ظاهرًا وباطنًا كلدغ الحيات والعقارب، أو قبيح ظاهرًا فقط كذبح الولد، أقول: الظاهر أن العبرة في حسن الرؤيا وقبحها بتعبيرها، فإن وقع التعبير بشيء حسن فهو حسن عند الرائي، وقبيح فقبيح، فتأمل، وقد يفسر الصالحة بالصادقة، والمعنى الأول وإن كان أظهر وأوفق بمعنى المبشرات، ولكن سياق الحديث ينظر إلى المعنى الثاني؛ لأن المعتبر في النبوة هو الخبر الصادق مبشرًا كان أو منذرًا فإطلاق المبشرات بتغليب أو تجريد، والمراد المخبرات.

4608 -

[3](أنس) قوله: (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) الصواب أن المراد بالصالحة هنا الصادقة كما ذكرنا، وليس هنا ما ينظر إلى كونها بمعنى الحسنة كما كان في الحديث السابق، ثم الظاهر أن المراد بالجزء ليس ما هو مصطلح أرباب المعقول حقيقة، بل المراد أن الرؤيا الصالحة من لواحق النبوة وصفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا شك أن صفات الأنبياء باقية بعدهم ويتصف بها من سواهم من الصالحين.

والمقصود مدح الرؤيا وإعلاء درجتها وأنها من عالم الوحي ومشابهة له وإن لم يكن صاحبها نبيًّا كما جاء في الحديث: (السمت الحسن والتُؤَدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة)(1)، بل جميع صفات الكمال أصله ومنبعه النبوة، والتخصيص لمزيد الاختصاص والامتياز، ولا شك أنها موجودة في غير الأنبياء لأن

(1) أخرجه الترمذي في "سننه"(2010).

ص: 561

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الولاية ظل النبوة، فعلى هذا التوجيه لا يرد ما يقال: إن جزء النبوة لا يكون إلا مع النبوة، لأن الجزء وإن كان وجد بدون الكل، ولكن ليس في تلك الحالة جزءًا له إلا باعتبار ما كان وهو مجاز، فينبغي أن لا تثبت الرؤيا الصالحة لغير النبي، والحال أنها ثابتة له، وإن النبوة نسبة وصفية وكون الرؤيا الصالحة جزءًا لها لا معنى له، فما معنى كونها جزءًا منها؟ وإن النبوة قد ذهبت والرؤيا الصالحة باقية، فكيف يصح كونها جزءًا منها؟ ولا يحتاج إلى أن يجاب عن الأول بأن المراد أن الرؤيا جزء من النبوة في حق الأنبياء؛ لأنه كان يوحى إليهم في المنام مع انتقاض هذا الجواب بما جاء في الحديث الآخر منه:(أن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين)، الحديث.

وعن الثاني والثالث بأن المراد أن الرؤيا جزء من أجزاء علوم النبوة، وعلوم النبوة باقية كما جاء في الحديث:(ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة)، كذا قال الطيبي (1) مع أنه لا يخفى أن الرؤيا ليست جزءًا من علوم النبوة، بل من طرق علومها؛ لأن الرؤيا من طرق العلم، وبأن المراد أن الرؤيا تأتي على وفق النبوة لا أنها جزء منها حقيقة باقية بعد.

وهذا الجواب اعتراف بعدم الجزئية كما قلنا مع أنه لا يظهر المراد من قولهم: إن الرؤيا تأتي على وفق النبوة، ولعل المراد أن الرب تعالى كما يخص بمحض فضله من يشاء من عباده بموهبة النبوة كذلك يخص بعض عباده بعطية الرؤيا، وفهم هذا المعنى من العبارة غير متضح، وبأن النبوة هنا بمعنى الإنباء يعني أن الرؤيا إخبار صدق لا كذب فيه، مع أن هذا المعنى أيضًا لا يناسب الجزئية ولا يثبتها، ولا يناسب اعتبار

(1)"شرح الطيبي"(8/ 340).

ص: 562

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العدد المذكور في الحديث، وبأن جزء النبوة لا يكون نبوة فلا ينافي ذهاب النبوة وبقاءها، وهذا الجواب يخص بالثالث، نعم يتجه الإشكال بأنه ما وجه التخصيص بعدد ست وأربعين.

والمشهور في توجيهه ما قيل: إن زمان الوحي كان ثلاثًا وعشرين سنة، وكان أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة، وذلك في ستة أشهر من سني الوحي، ونسبة ذلك إلى سائرها نسبة جزء إلى ستة وأربعين جزءًا، وتعقب عليه التُّورِبِشْتِي (1) بأن حصر سني الوحي في ثلاث عشرين مسلم، فإنه مما ورد فيه الروايات المعتد بها مع اختلاف في ذلك، وأما كون زمان الرؤيا فيها ستة أشهر، فشيء قدره هذا القائل في نفسه، ولم يساعده فيه النقل، انتهى.

وهذا القول إشارة إلى اختلاف جاء في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة، أي: ثلاثة عشر أو خمسة عشر أو عشر، والمختار هو الأول، ويكون عليه زمان النبوة ثلاثًا وعشرين سنة، وحاصله أن كون الوحي في المنام ستة أشهر في هذه المدة مما لم يثبت، وقد قدح النووي في (شرح صحيح مسلم)(2) في كون زمان الرؤيا ستة أشهر، وقال: لم يثبت ذلك، فالسبيل في تخصيص هذا العدد التسليم والتفويض إلى علم النبوة؛ لأن الوقوف على أمثال هذه العلوم من خواص النبوة، ولا يدرك بقياس العقل كنه حقيقتها، وكذلك حكم الأعداد في سائر المواضع مثل أعداد الركعات والتسبيحات.

وقد جاء في رواية: (جزء من خمسة وأربعين)، وفي أخرى:(من أربعين)،

(1)"كتاب الميسر"(3/ 1018).

(2)

"شرح النووي"(15/ 21).

ص: 563

4609 -

[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 110، م: 2266].

4610 -

[5] وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6996، م: 2217].

ــ

وتوجيه خمس وأربعين أن وفاته صلى الله عليه وسلم في أثناء السنة الثالثة بعد ستين، وتوجيه الأربعين أنه مبني على رواية أن عمره ستون سنة، والراجح المختار هو الأول، وقال الطبري: إن اختلاف العدد في الرؤيا بحسب اختلاف حال الصفاء والكدورة في الرائي، أو باعتبار الخفاء وجلاء الرؤيا، وقد جاء في رواية:(جزء من سبعين جزءًا)، والظاهر أن المراد المبالغة في تعليله وحطه من درجة النبوة لا عين العدد، واللَّه أعلم بحقيقة الحال.

4609 -

[4](أبو هريرة) قوله: (من رآني في المنام فقد رآني) بأي صورة رآه كما يأتي تحقيقه في شرح الحديث الآتي.

4610 -

[5](أبو قتادة) قوله: (فقد رأى الحق) الظاهر أنه مفعول به، أي: رأى الأمر الثابت المحقق، ويحتمل أن يكون مفعولًا مطلقًا أي: رآني الرؤيا الحق، وتذكيره باعتبار أنه مصدر في الأصل أو صفة مصدر.

اعلم أن هذه الأحاديث مع تعدد طرقها واختلاف ألفاظها تدل على أن من رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المنام فقد رآه، وأن رؤياه حق ثابت، وليس للكذب والبطلان حول حماه طريق، وأنه ليس للشيطان ولا ينبغي له أن يتمثل بصورته صلى الله عليه وسلم ويلبس ويدخل في خيال الرائي أنه هو صلى الله عليه وسلم مع أن اللَّه تعالى أقدره ومكنه من أن يتمثل بأي صورة شاء، ويلبس على الخلق ويكذب سواء كان في اليقظة أو في المنام، ولكن لم يقدره على تمثله بصورته صلى الله عليه وسلم والكذب عليه به، هكذا جرت سنة اللَّه، ولن تجد لسنة اللَّه تبديلًا،

ص: 564

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعدّ العلماء ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ومقتضاه أنه لا يجري في أحد ممن سواه صلى الله عليه وسلم، واللَّه أعلم.

ثم اختلفوا فقال جماعة: إن محل هذه الأحاديث أن يراه في صورته الخاصة، وحليته المخصوصة التي كانت له صلى الله عليه وسلم، ثم إن بعضًا من هذه الجماعة وسعوا الأمر وقالوا: يراه بصورة وشكل كان صلى الله عليه وسلم في وقت ما من مدة عمره سواء كان في الشباب أو الكهولة أو في آخر عمره، وبعضهم ضيقوا رحمة اللَّه الواسعة وقالوا: أريد أن يراه على صورة كان في آخر عمره عليها التي قبض عليها حتى اعتبروا عدد الشعرات البيض التي كانت في لحيته ورأسه صلى الله عليه وسلم التي لم تبلغ عشرين شعرة.

وعن حماد بن زيد قال: كان محمد يعني ابن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره، وسنده صحيح.

وقد أخرج الحاكم (1) من طريق عاصم بن كليب حدثني. . . إلى أن قال: قلت لابن عباس: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، قال: صفه لي، قال: فذكرت الحسن بن علي رضي الله عنهما فشبهته به، قال: قد رأيته)، وسنده جيد، لكن يعارضه ما أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني، فإني أرى في كل صورة)، وفي سنده ابن التوأمة وهو ضعيف لاختلاطه، وهو من رواية من سمع منه بعد الاختلاط.

وذهب جماعة إلى أن رؤيته صلى الله عليه وسلم بحليته المخصوصة وصفاته المعلومة رؤية لذاته

(1)"المستدرك"(4/ 435).

ص: 565

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكريمة، وإدراك لحقيقته الشريفة، وعلى غير تلك الصفات إدراك مثال، وكلاهما رؤيا حق ليس منه أضغاث أحلام، ولا مجال للشيطان في تمثله بصورته، لكن الأول حق وحقيقة وتحقيق، والثاني حق وتمثل وتأويل، ولا يحتاج الأول إلى التعبير لعدم تصوير المتخيلة وتلبيسه، والثاني يحتاج إليه كما حققنا في تحقيق الرؤيا، فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم:(فقد رآني) أو (فقد رأى الحق) أنه على كل صورة رأى فهو الحق ومن الحق، وليس بباطل ومن الشيطان.

وقال الشيخ محيي الدين النووي (1): إن هذا القول أيضًا ضعيف، والصحيح أنه رآه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها، والاختلاف في الصفات لا يوجب الاختلاف في الذات كاختلاف الزمان والمكان، فالمرئي في كل صورة هو الذات، والصفة لباس الذات سواء كان في اليقظة أو في المنام.

وأقول: هذا هو الحق، نعم رؤيته بالصفة المعروفة أتم وأكمل لدلالته على صقالة مرآة الرائي، وسلامة دينه، وكمال إيمانه، وبغيرها لخلل في ذات الرائي ونقصان في مرآته كما سنحققه في توضيح ما حققه الإمام الغزالي، فإنه له رحمه الله تحقيقًا في هذا المقام مبنيًا على أن حقيقة الإنسان هو الروح المجردة والنفس الناطقة، والبدن آلة يوصل إدراكه إلى إدراك تلك الحقيقة، وليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(فقد رآني) أنه رأى جسمي وبدني، وإنما المراد أنه رأى مثالًا صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسي، والبدن في اليقظة أيضًا ليس إلا آلة لإدراك النفس، والآلة قد تكون حقيقة وقد تكون خيالية، والنفس الناطقة غير المثال الحقيقي والخيالي، فالذي رأى من شكل

(1)"شرح النووي"(15/ 25).

ص: 566

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وصورة فهو مثال روحه المقدسة التي محل النبوة الموصوف بها لا روحه وشخصه، ومثل ذلك من يرى اللَّه تعالى وتقدس في المنام فإن ذاته تعالى منزه عن الشكل والصورة، لكن تنتهي تعريفاته تعالى إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره من الصور الجميلة التي تصلح أن تكون مثالًا للجمال الحقيقي المعنوي الذي لا صورة فيه ولا لون، ويكون ذلك المثال صادقًا وحقًا وواسطة في التعريف.

فيقول الرائي: رأيت اللَّه في المنام لا بمعنى أني رأيت ذاته تعالى عن ذلك، وكذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذاته المقدسة وروحه المجردة منزه عن الشكل والصورة، ولكن كان له في الحياة بدن كانت الروح متعلقة به ومدبرة فيه، وكان ذلك البدن آلة وواسطة لإدراك تلك الروح المقدسة، وبعد صيرورة ذلك البدن محجوبًا عنا ومودعًا في البقعة الشريفة من المدينة تصير الأبدان الخيالية آلات ووسائط لإدراك تلك الروح، فالمرئي ليس الروح ولا شخص البدن الموح في المدينة، لأن حضور شخص في الأماكن المتعددة المخصوصة في زمان واحد بصفات متعددة مختلفة مما لا يعقل ويتصور إلا على وجه التمثل، فالمرئي في المنامات مثالات روحه المقدسة وهي حقه ومن الحق لا مدخل فيها للبطلان والشيطان، فإن الشيطان لا يقدر على التمثل بمثاله على ما جرت سنة اللَّه تعالى، هذا خلاصة كلام الغزالي منقحًا ملخصًا.

وعلى هذا التحقيق صارت حقيقة الحال واحدة، ولم يبق محل الاختلاف، وثبت أن المرئي حقيقته صلى الله عليه وسلم لكن بالمثال، وسبب اختلاف الأمثلة مع أن المرئي ذاته وهو واحد اختلاف أحوال مرايا قلوب الرائين، فإن لاختلاف أحوال المرايا في الصقالة والكدرة والاستقامة والاعوجاج وأمثالها مدخلًا في اختلاف أحوال الصور والأشكال المرئية فيها في الحسن والجمال والاستقامة والاعوجاج لاختلاف أحوال المرايا في

ص: 567

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصقالة والكدرة والاستقامة والاعوجاج وأمثالها، فمن رآه في صورة حسنة كما هي فهو من صقالة مرآة قلبه وسلامتها من الخلل على حسب التفاوت فيها، ومن رأى على خلاف ذلك فذلك من خلل ونقصان واقع فيها، وكذلك من رآه راضيًا أو ساخطًا أو ضاحكًا أو باكيًا أو شابًّا أو شيخًا إلى غير ذلك من الاختلافات، فتلك من اختلاف أحواله في نفسه، وليس في الذات اختلاف وتعدد، ففي رؤيته صلى الله عليه وسلم ضابطة مفيدة للسالكين يعرفون بها أحوال بواطنهم وقلوبهم في التصفية حتى يعرفوا إلى أيّ حد وصلوا، وأيّ مقام حصلوا، فيعالجوها في التصفية، بل حقيقته صلى الله عليه وسلم مرآة مصقلة مثورة يرون صور أحوالهم فيها.

وعلى هذا المعنى يحمل ما وقع في كلام بعض العرفاء أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا مرة في المنام، فتحققت آخرًا أنه ما رأيت إلا نفسي، فإن هذا الكلام ليس بمعنى أن رؤيته صلى الله عليه وسلم خيال محض، ولا يرى كل أحد إلا متخيلة، حاشا من ذلك، بل معناه أن المرئي حقيقته، ولكن مرآة أحوال الرائي ومعيار معرفتها، وعلى هذا القياس قال أهل التحقيق: إذا سمع كلام من النبي صلى الله عليه وسلم عرض على شريعته المطهرة، فإن وافقها فقد صح وإلا فذلك لخلل في سمعه، كما نقل عن بعض الفقراء أنه رأى في المنام أنه صلى الله عليه وسلم قال له: اشرب الخمر، فتمحل له تأويلات، فعرضه على بعض مشايخ زمانه فقال: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تشرب الخمر فأخطأ سمعك وسمعت: اشرب، مكان: لا تشرب، هذا الكلام في رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام.

أما في اليقظة فقد حكي في ذلك حكايات الصالحين كثيرة بالغة حد التواتر، والمنكر لهذا إما أن يصدق بكرامة الأولياء أو لا، فان كان الثاني فقد سقط البحث معه لأنه يكذب ما أثبته الكتاب والسنة، وإن كان الأول يقال له: إن هذه منها، وعلى ما حققنا

ص: 568

4611 -

[6] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "من رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6993، م: 2266].

ــ

ظهر أن ذلك أيضًا بالمثال، لكنه في اليقظة، وقالوا: إنه لا يخلو عن طريان نوع من الغيبة في الذكر، واللَّه أعلم.

4611 -

[6](أبو هريرة) قوله: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) ذكروا لهذا الحديث محامل وتأويلات، أحدها: أنه يرى تأويل تلك الرؤيا وتصديقها، يعني تكون لها آثار وأنوار يراها في اليقظة في الدنيا، ثانيها: أن المراد رؤيته صلى الله عليه وسلم في الآخرة، وتعقب أن الأمة بأجمعهم يرونه صلى الله عليه وسلم في الآخرة، فما وجه التخصيص بأهل الرؤيا إلا أن تكون الرؤية بمزيد خصوصيته وحصول مزيته في حصول القرب والشفاعة لرفع الدرجات لا يحصل لمن لم يتشرف برؤيته في الدنيا، ولا يبعد أن بعض العصاة الساقطين في ورطة الغفلة يعذبون بالمنع عن رؤية جماله الشريف، فبشر من فاز بهذه السعادة في الدنيا بعدم ابتلائه بهذا العذاب هكذا قالوا.

ثالثها: أن المراد من يراني في المنام فكأنما يراني في اليقظة، والمقصود بيان صحة الرؤيا وحقانيتها بلا شك وريب، ولا يخفى أن إرادة هذا المعنى من عبارة (فسيراني في اليقظة) في غاية البعد، ولكن ورود هذا الحديث في بعض الروايات بلفظ:(فكأنما يراني في اليقظة) يؤيد هذه الإرادة.

رابعها: أن هذه بشارة لأهل عصره ومن لم يهاجر إليه صلى الله عليه وسلم بأنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أن يراه بعد ذلك في اليقظة، ويهاجر ويتشرف بصحبته، وأوحى اللَّه ذلك إليه.

خامسها: أن هذه بشارة لمن شرفه اللَّه برؤيته في المنام أن يوصله إلى درجة

ص: 569

4612 -

[7] وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلَا يُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ،

ــ

يراه في اليقظة عيانًا كما هو حال بعض العارفين من أهل الخصوص، وذلك عند ارتفاع الكدورات النفسانية وقطع العلائق الجسمانية.

وقال صاحب (المواهب اللدنية)(1): وحمل هذا الحديث ابن أبي جمرة على محمل آخر، فذكر عن ابن عباس: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ متفكرًا في هذا الحديث، فدخل على بعض أمهات المؤمنين -لعلها خالته ميمونة واللَّه أعلم- فأخرجت المرآة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم، فنظر فيها صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه، فالمراد أنه يراه في اليقظة في المرآة التي كانت إن أمكنه ذلك، وقال الحافظ ابن حجر (2): وهذا من أبعد المحامل، انتهى.

4612 -

[7](أبو قتادة) قوله: (الرؤيا الصالحة) أي: الحسنة الصادقة (من اللَّه) أي: بشارة منه تعالى وعلامة على لطفه ورحمته على عبده، (والحلم) أي: الرؤيا القبيحة الكاذبة (من الشيطان) أي: واقعة على رضاه وهواه، وإن كان كلاهما صادر بخلقه وقدرته تعالى، والمراد أن الرؤيا الصالحة بشارة من جانب الرب تعالى لعبده حتى يبعثه على حسن ظنه به تعالى وإكثار شكره، ويوجبه مزيد شوق وطلب، والحلم يلعبه الشيطان ليحزن المسلم وبسيء ظنه بربه تعالى، ويفتر سعيه في سلوك طريق الحق، واللَّه أعلم.

وقوله: (فلا يحدث) بالرفع والجزم، وقوله:(إلا من يحب) ليعبرها أحسن

(1)"المواهب اللدنية"(2/ 666).

(2)

"فتح الباري"(12/ 385).

ص: 570

وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفُلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3292، م: 2261].

4613 -

[8] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِه ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2261].

4614 -

[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ يَكَدْ يَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ،

ــ

تعبير مما يحسنه لا بما يسوؤه.

4613 -

[8](جابر) قوله: (فليبصق عن يساره) ذكر في هذا الحديث البصق، وفي الحديث السابق التفل، والبصق: إخراج ماء الفم من داخله حتى يخرج منه شيء من الحلق، وقد تبدل الصاد بالزاي، وما يخرج هو البصاق والبزاق، وبعد البصق التفل معه شيء من ماء الفم، وبعده النفث وهو نفخ معه شيء مع ماء الشفة، وبعده النفخ ليس معه شيء من الماء، ثم قيد في هذا الحديث بجانب اليسار، ولعل التخصيص هذا الجانب بعلاقة الدنائة والخساسة، ونسبته إلى الشر أنسب بالشيطان وطرده.

وقوله: (وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) تغييرًا للحال المكروهة، وهو إذا اضطجع على وجه السنة يكون الجنب الأيمن، ويتحول إلى الأيسر ويتفل عنه ثلاثًا، ويمكن أنه كان اضطجع على وجه السنة، ثم تحول إلى الأيسر، فإن السنة إنما هو الاضطجاء ابتداء فيتفل عن الأيسر ثم يتحول، فليتدبر.

4614 -

[9](أبو هريرة) قوله: (إذا اقترب الزمان لم يكد يكذب رؤيا المؤمن) الحديث، فيه أقوال: أحدها: أن المراد باقتراب الزمان آخر الزمان واقتراب الساعة؛

ص: 571

وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ،

ــ

لأن الشيء إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه، ومنه قيل للقصير: متقارب، وجاء في حديث آخر صريحًا:(لم يكد يكذب رؤيا المؤمن في آخر الزمان)، وسمعت من بعض مشايخي أن المراد اقتراب زمان الموت.

وثانيها: أن المراد زمان استواء الليل والنهار؛ لأن الأمزجة في هذا الزمان أصح وأعدل، فتكون الرؤيا سالمة عن الخلل والتخليط.

وثالثها: أن المراد بتقارب الزمان أن تكون السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة، ووقع في الحديث:(الشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم)، والمراد بها الأسبوع، وذلك أيضًا يكون في آخر الزمان لذهاب الخير والبركة ورفاهية الحال فيه، وقيل: بل يكون في زمان المهدي وبسطة عدله لأنه زمان حسن العيش والنعم والراحة، وهو وإن امتد وطال يرى قصيرًا بخلاف زمان الهم والغم ونكد العيش، فإنه وإن قصر وقل يرى ممتدًا طويلًا، ففي زمن المهدي تجيء الرؤيا الصادقة لأنه زمان الصدق، وقد جاء في الحديث:(أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا).

وقال بعض الشراح: إن اقتراب الزمان كناية عن قصر العمر وقلة البركة، أو المراد تقارب أهل الزمان في الشر والفساد، أو تقارب أجزء الزمان وتشابههما في الشر، أو انقراض زمن الدول والقرون وانقطاعه، فيتقارب أزمانها، ولا يخفى أن سياق الحديث ناظر إلى أن صدق الرؤيا عند اقتراب الزمان من جهة قوة الإيمان وكماله بغلبة الصدق والسداد، فتوجيه تقارب الزمان بالتقارب في الشر والفساد لا يناسبه إلا أن يقال: إن صدق الرؤيا في ذلك الزمان بخاصية لا نعلمها ولا يحيط علمنا بذلك، واللَّه أعلم.

وقوله: (ورؤيا المؤمن جزء. . . إلخ)، قد يختلج هنا أن هذا يدل على كون رؤيا المؤمن مطلقًا لا يكذب، وقد علقه باقتراب الزمان، ولا بد أن يكون ذلك علة

ص: 572

وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُكَذَّبُ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: وَأَنَا أَقُولُ: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيقُمْ فَلْيُصَلِّ، قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ الْغُلَّ فِي النَّوْمِ. . . . .

ــ

ولم يظهر ذلك في بعض الوجوه، فالأحسن التفويض إلى علم الشارع وعدم إحاطة علومنا بذلك، فتدبر، وسيأتي ذكر هذه اللفظة في الفصل الأول من (كتاب الفتن).

ثم لما علم من الحديث صحة الرؤيا وصدقها أورد كلامًا من ابن سيرين، وقد أعطي رضي الله عنه حظًّا وافرًا من علم تعبير الرؤيا لبيان أقسام الرؤيا، وأشار به إلى أن جميع أقسام الرؤيا ليس بصحيحة وقابلة للتعبير والاعتبار إلا قسم منها هو بشارة وإعلام وتعريف من الحق تعالى للعبد، والمراد بقول ابن سيرين:(وأنا أقول) أي: أروي مما ورد من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد ورد ذلك في الأحاديث.

وقوله: (فلا يقصه على أحد) لأنه لما لم يكن له تعبير واعتبار، فحكايته وقصته عبث مما لا يعنيه، وأيضًا إن قصه ويعبره السامع بتعبير يسوؤه يلزم التوهم والتطير، ويوقعه في الوسواس مع أن للتعبير خاصية في الوقوع كما سيأتي، فالأصل أن لا يقصه على أحد وإن كان لا بد أن يقصه فليقصه على من يحبه كما مرّ في الحديث السابق.

وقوله: (قال: وكان يكره الغل في النوم) الغل بضم الغين المعجمة: الطوق في العنق، واعلم أن في ضمير (قال: وكان يكره) احتمالات، أحدها: أن ضمير (قال) لابن سيرين كما هو ظاهر العبارة بالنظر إلى قوله: (قال محمد بن سيرين)، وعلى هذا التقدير ضمير (كان يكره) للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى قال ابن سيرين: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره رؤية الغل في المنام؛ لأنه من صفات أهل جهنم كما قال: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}

ص: 573

وَيُعْجِبُهُمُ الْقَيْدُ، وَيُقَالُ: الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7017، م: 2263].

ــ

[غافر: 71] وثانيها: أن ضمير (قال) لابن سيرين، (وكان يكره) لأبي هريرة، وابن سيرين راو عنه، ومشهور بروايته عنه حتى ذكر في أصول الحديث أنه إذا قيل: قال محمد فهو ابن سيرين عن أبي هريرة، أي: قال ابن سيرين: وكان أبو هريرة يكره الغل، والظاهر أن أبا هريرة سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وعبره باجتهاده.

وثالثها: أن ضمير (قال) للراوي عن ابن سيرين، و (كان يكره) لابن سيرين، يعني كان ابن سيرين يكره الغل في النوم، ولعله كان لهذا الاحتمال لاستلزامه إسناد التعبير إلى ابن سيرين وهو المشهور بتأويل الرؤيا وتعبيرها نوع رجحان.

وقوله: (ويعجبهم القيد) هكذا جاء في رواية البخاري بصيغة الجمع، فعلى الاحتمال الأول الضمير راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وعلى الثاني لأبي هريرة وأتباعه، وعلى الثالث لابن سيرين ومعاصريه من المعبرين، فافهم.

وقوله: (ويقال: القيد ثبات في الدين) وعلامة الكف عن القبائح والمعاصي، وثبات القدم على الطاعات، وهذا التعبير يكون بالنسبة إلى أهل الدين والطاعة، وقالوا: إذا رأى القيد في الرجلين وهو في مسجد أو مشهد خير أو على حالة حسنة فهو دليل لثباته في ذلك، ولو رآه مريض أو مسجون أو مسافر أو مكروب كان دليلا على ثباته فيه، كذا نقل الطيبي (1).

أقول: وهكذا يختلف تعبير الرؤيا باختلاف الرائي، مثلًا: إذا رأى تاجر أنه جالس على السفينة وتهب الرياح الموافقة فهو علامة السلامة في السفر والربح في التجارة،

(1)"شرح الطيبي"(8/ 347).

ص: 574

4615 -

[10] قَالَ البُخَارِيُّ: رَوَاهُ قَتَادَةُ وَيُونُسُ وَهُشَيْمٌ وَأَبُو هِلَالٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ يُونُسُ: لَا أَحْسَبُهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَيْدِ.

وَقَالَ مُسْلِمٌ: لَا أَدْرِي هُوَ فِي الْحَدِيثِ أَمْ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ؟ وَفِي رِوَايَةٍ نَحْوُهُ. . . . .

ــ

وإذا رآه أحد من سالكي طريق الآخرة فتعبيره اتباع الشريعة والوصول إلى مقام الحقيقة.

4615 -

[10] قوله: (قال البخاري. . . إلخ)، بيان لما اختلف فيه الشيخان في هذا الحديث، فالبخاري رواه عن هؤلاء المذكورين عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفًا، وذكر عن واحد منهم وهو يونس بن عبيد أن الحديث مرفوع في القيد، أي في قولهم: ويعجبهم القيد، والقيد ثبات في الدين، وليس موقوفًا على أبي هريرة ولا على ابن سيرين.

وقوله: (و [قال] مسلم) روى الحديث عن أيوب السختياني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة، والرؤيا ثلاث، فالرؤيا الصالحة بشرى من اللَّه، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس، قال: وأحب القيد، وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين) فلا أدري أهو في الحديث أم قاله ابن سيرين، إلى هنا لفظ مسلم، ولا يخفى ما في حديثه وحديث البخاري من المخالفات، وأن قوله:(والرؤيا ثلاث) لا تصريح فيه بكونه قول ابن سيرين إلا أن

ص: 575

وَأَدْرَجَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَهُ: وَأَكْرَهُ الْغُلَّ. . . إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ.

4616 -

[11] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2268].

4617 -

[12] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ،

ــ

يجعل قوله: فلا أدري أهو في الحديث أم قاله ابن سيرين إشارة إلى مجموع قوله: والرؤيا ثلاث. . . إلى آخر الحديث، ثم في رواية أخرى لمسلم عن أيوب وهشام بهذا الإسناد، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: فيعجبني القيد وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة)، وفي رواية أخرى عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأدرج في الحديث قوله: وأكره الغل. . . إلى تمام الكلام، ولم يذكر الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، هذه ألفاظ مسلم في الأحاديث الثلاثة، وبهذا ظهر أن الضمير في (أدرج) و (قوله) لابن سيرين أو لأبي هريرة، وظهر أيضًا تحقيق حال الضمائر في (قال: وكان يكره) فتدبر، واللَّه الموفق.

4616 -

[11](جابر) قوله: (وقال: إذا لعب الشيطان بأحدكم) قيل: قد علم النبي صلى الله عليه وسلم بوحي أو بدلالة أخرى أن رؤيا هذا الرجل من أضغاث أحلام، وإلا فالمعبرون قد عبروا قطع الرأس بزوال النعمة ومفارقة القوم، وتغير الحال وأمثاله، وسيجيء مثل هذا في مواضع أخر كتعبير السوارين بالكذابين، واللَّه أعلم.

4617 -

[12](أنس) قوله: (في دار عقبة بن رافع) قرشي صحابي ابن خالة

ص: 576

فَأُوتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2270].

4618 -

[13] وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ. . . . .

ــ

عمرو بن العاص، و (ابن طاب) كان رجلًا بالمدينة ينسب إليه هذا النوع من الرطب بأن أنشأه وغرسه أو كان يعجبه أكله أو غير ذلك، واللَّه أعلم. ويقال: رطب ابن طاب وعذق ابن طاب وتمر ابن طاب.

وقوله: (أن الرفعة) أخذها من لفظ رافع، (والعاقبة) أخذها من لفظ عقبة، (وأن ديننا قد طاب) وفي رواية: قد أرطب وطاب، أخذًا من رطب ابن طاب، وقد كان [من] عادته الكريمة التفاؤل بالأسماء، ولم يخص ذلك بتعبير الرؤيا بل كان يأخذ في اليقظة أيضًا كما ذكر سابقًا من قصة بريدة الأسلمي في الفصل الثاني من (باب الفأل والطيرة) في حديث بريدة.

4618 -

[13](أبو موسى) قوله: (فذهب وهلي) أي: وهمي، الوهل: الوهم وزنًا ومعنى، يقال: وهل إلى الشيء يهل وهلًا: ذهب وهمه إليه، واعلم أنهم قد ذكروا أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بالمهاجرة من مكة أري في منامه أولًا موضعًا ذات نخيل، وكان يتطرق إليه الاشتراك والاشتباه بمواضع متعددة لما أنه في أرض الحجاز مواضع من هذا القبيل، أحدها (اليمامة) بفتح الياء وخفة الميم، وهي قرية دون المدينة في وسط الشرق عن مكة على ست عشرة مرحلة من البصرة، وعن الكوفة نحوها، والنسبة يمامي، ويمامة: جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وبلاد الجو منسوبة إليها سميت باسمها، وكانت أكثر نخيلًا من سائر بلاد الحجاز، وبها تنبأ مسيلمة الكذاب،

ص: 577

أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ. وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ: أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ،

ــ

والأخرى (هجر) بفتح الهاء والجيم، بلد باليمن بينه وبين عَثَّرَ يوم وليلة، مذكر مصروف، وقد يؤنث ويمنع، وهو اسم أرض البحرين كلها، وهو الذي وقع في حديث القلتين:(إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر) كما مرّ في (كتاب الطهارة). وفي (الصحاح)(1): اسم بلد ينسب إليه التمر.

ثم لما اتضح الأمر وخلصت الأمارات وارتفع الاشتباه تعين أن مهاجره المدينة التي كان اسمها في الجاهلية يثرب وأثرب على وزن مسجد، يقال: إن يثرب اسم لواحد من ولد نوح عليه السلام توطن في هذه الأرض بعد تفرق ذريته، وقد ذهب جماعة من العلماء إلى المنع من تسمية المدينة بيثرب، وأخرج البخاري في (تاريخه) حديثًا:(أن من قال: يثرب مرة، فعليه أن يقول: مدينة عشر مرات تلافيًا لما صدر عنه من الخطيئة)(2)، وروى أحمد وأبو يعلى:(أن من قال للمدينة: يثرب استغفر، اسمها طابة طابة)(3)، وقد جاء في هذا الباب روايات أخر، قالوا: ووجه الكراهة اشتقاقه من ثرب محركًا بمعنى الفساد أو من التثريب بمعنى المؤاخذة والعقاب، أو أنه لما كان في الأصل اسم كافر كره تسميتها به تنزيهًا لساحة غير هذه البلدة المطهرة من دنس الشرك والكفر، وما وقع في القرآن المجيد:{يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ} [الأحزاب: 13] فهو من لسان المنافقين.

(1)"الصحاح"(2/ 852).

(2)

"التاريخ الكبير"(6/ 217).

(3)

"مسند أحمد"(4/ 285)، و"مسند أبي يعلى"(3/ 247).

ص: 578

ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3622، م: 2272].

ــ

وقد وقع في بعض الأحاديث تسمية يثرب، فقيل: إن ذلك قبل ورود النهي، وهذا الحديث أيضًا يحتمله، أو لبيان أصل الجواز، والنهي تنزيهي، والمدينة في الأصل اسم لبيوت مجتمعة جاوزت في الكثرة والعمارة حد القرية، ولم يبلغ حد المصر، فالمصر فوق الكل، والقرية تحت الكل، والبلد والمدينة بينهما في مرتبة واحدة، وبعضهم جعلوا المصر والمدينة في مرتبة، والمدينة بالألف واللام علم لمدينة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غلب عليه كالنجم، والنسبة إليها مدني، وإلى غيرها مديني.

قال الجوهري (1): إذا نسبت إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم قلت: مدني، وإلى مدينة المنصور مديني، وإلى مدائن كسرى مدائني، وقال الحافظ المقدسي: قال البخاري: المديني من أقام بمدينة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يفارقها، والمدني هو الذي تحول عنها، كذا ذكر الكرماني، ولهذه البلدة الشريفة أسماء تجاوز المئة، وقد ذكرنا نبذة منها في كتاب (جذب القلوب إلى ديار المحبوب).

وقوله: (فإذا هو ما جاء اللَّه به من الفتح واجتماع المؤمنين) المراد هو ما حصل من الفتح في ذلك اليوم؛ لأن المسلمين تزلزلوا عن مركزهم الذي أمرهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الثبات فيه، وضربوا على الغنائم، ثم رجعوا إلى الاستقامة فظهرت آثار الفتح والنصرة، ويحتمل أن يكون المراد ما حصل من الفتوح بعد يوم أحد، فافهم.

واعلم أن هذه الرؤيا إن كانت قبيل غزوة أحد فما رأى أحوال الهجرة والخروج، لها أحوال سابقة عليها أريت له صلى الله عليه وسلم الآن، وإن كانت في بدء الهجرة أريت

(1)"الصحاح"(6/ 2201).

ص: 579

4619 -

[14] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي كَفَّيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبُ صَنْعَاءَ وَصَاحِبُ الْيَمَامَةِ".

ــ

له أحوال لاحقة ظهرت بعدها، وتعيين تعبيرها بغزوة أحد موكول إلى علمه وتعليم اللَّه إياه في تعبيره، فإن التعبيرات النبوية بوحي أو إلهام كما أشرنا إليه، ولهذا عبر السيف بالمؤمنين من المهاجرين والأنصار، وإن كانت للسيف تعبيرات أخر عند المعبرين كالولد، والأخ، والزوجة، واللسان، والولاية وأمثالها كما ذكره الطيبي (1)، وكذلك تعبيره صلى الله عليه وسلم السوارين بالكذابين في الحديث الآتي كما سنبينه.

4619 -

[14](أبو هريرة) قوله: (فوضع في كفي) الرواية بإفراد الكف، وقال الطيبي (2): الظاهر بلفظ التثنية كما جاء في الرواية الأخرى: (في يدَيَّ)، وصرح النووي أنها بلفظ التثنية، فبالقياس عليها يكون في هذه الرواية أيضًا بلفظ التثنية، ولا يخفى أن الرواية لا تثبت بالقياس، ثم رؤية السوارين من ذهب لعلها لانهماك الكذابين في زينة الدنيا وشدة كراهة أمرهما وغلظته، والنفخ لاستحقار شأنهما وعدم ثبات أمرهما كالشيء الخفيف والتافه ينفخ ويطير في الهواء ويزول.

و(صنعاء) بلد من بلاد اليمن، وصاحبه الأسود العنسي بفتح العين وسكون النون ادعى النبوة في آخر عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقتله فيروز الديلمي في مرض وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأخبر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: فاز فيروز، و (اليمامة) بلد من بلاد حجاز

(1)"شرح الطيبي"(8/ 349).

(2)

"شرح الطيبي"(8/ 349).

ص: 580

وَفِي رِوَايَةٍ: "يُقَالُ: أَحَدُهُمَا مُسَيْلِمَةُ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ، وَالْعَنْسِيُّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ"، لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ". وَذَكَرهَا صَاحِبُ "الْجَامِعِ" عَنِ التِّرْمِذِيِّ. [خ: 4374، م: 2274، ت: 2292].

4620 -

[15] وَعَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: رَأَيْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"ذَلِكَ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 7018].

ــ

كما عرفت، وصاحبه مسيلمة الكذاب على صيغة التصغير كان اسمه مسلمة بفتح الميم وسكون السين وفتح اللام صغره المسلمون، قتل على يد وحشي بن حرب في خلافة الصديق رضي الله عنه، وقصته مشهورة.

ثم قالوا في تأويل السوارين بهذين الكذابين: إن السوار مشابه بالقيد لليد كما يكون للرجل، والقيد يمنع اليد من الأخذ والبطش والعمل والتصرف كما ينبغي، فالكذابان لما عارضا أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شابها القيد في المنع عن العمل والتصرف كأنهما أخذا يديه ولم يتركا أن يعمل بهما ويتصرف، كذا قالوا، وهذا وجه مناسبة ذكروه بعد وقوع التعبير بهما، وليس أنه صلى الله عليه وسلم عبر بهما أخذًا بهذه المناسبة، بل تعبيره صلى الله عليه وسلم بوحي أو إلهام وقع في قلبه الشريف، هكذا ينبغي أن يفهم، وقد أشرنا إليه مرارًا، وفي الحقيقة: التعبير لا يصلح إلا لأهل الكشف الذين يطلعون على حقيقة الأمر لا بمجرد المناسبة يذكرونها أهل التعبير في الظاهر كما ذكر أهل التحقيق.

4620 -

[15](أم العلاء الأنصارية) قوله: (ذلك عمله يجرى له) بلفظ المجهول من الإجراء أو المعلوم من الجري، وتشبيه العمل بالعين في الجريان وبقاء أثره وجزائه ظاهر، وسمعت الشيخ الجليل الكبير ولي اللَّه عبد الوهاب المتقي يقول: رأيت شيخي

ص: 581

4621 -

[16] وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ:"مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ " قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ. فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: "هَلْ رَأَى مِنْكُمْ أَحَدٌ رُؤْيَا؟ " قُلْنَا: لَا، قَالَ: "لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدَيَّ، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَإِذَا رَجُل جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِه كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ فَيَشُقُّهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنعُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ،

ــ

الشيخ علي المتقي رحمة اللَّه عليه في المنام، فإذا عنده حياض صغار وكبار، وجداول، وأنهار فيشير إليها، ويقول: هذا الجامع الكبير، وهذا الجامع الصغير، وهذا رسالتي فلانة، وهذا كتابي فلان، يعد كتبه ورسائله المصنفة في علوم الدين.

4621 -

[16](سمرة بن جندب) قوله: (إلى أرض مقدسة) في بعض الحواشي: أن المراد أرض الشام، والظاهر من تنكيرها الإطلاق، وأن التوصيف بالمقدسة للمدح، و (الكلوب) بفتح الكاف وتشديد اللام المضمومة: حديدة معوجة الرأس له شعب تعلق بها اللحم، وجمعه كلاليب، يجذب به الشيء بشدة، و (الشدق) بكسر الشين وسكون الدال المهملة: طرف الشفة من جانب الأذن، وفي (الصراح) (1): شدق بالكسر: كنج دهن أشداق جماعت، انتهى. ومنه التشدق، وفي صفته صلى الله عليه وسلم:(يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه)(2) وهي جوانب الفم، وذلك لرحب شدقيه، والعرب

(1)"الصراح"(ص: 380).

(2)

أخرجه الترمذي في "الشمائل"(135).

ص: 582

فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ يَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ، كَمَا كَانَ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا إِلَى ثَقْبٍ (1) مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلَهُ وَاسِعٌ،

ــ

تمتدح به، وأما حديث:(أبغضكم الثرثارون المتشدقون)، فهم المتوسعون في الكلام بلا احتياط، والمتكلفون المتصنعون المتكلمون على أفواههم تفاصحًا وتعظيمًا لنطقهم، وقيل: أراد به المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم، و (الفهر) بكسر الفاء وسكون الهاء: حجر ملأ الكف، وقيل: هو الحجر مطلقًا، وفي (القاموس) (2): الفهر، بالكسر: الحجر قدر ما يُدَقُّ به الجَوْزُ أو ما يملأ الكف، يذكر ويؤنث، انتهى.

وفي الحديث: لما نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1]، جاءت امرأته، وفي يدها فهر (3)، أي: حجر ملأ الكف.

وقوله: (أو صخرة) شك من الراوي، و (الشدخ) الكسر، وفي (الصحاح) (4): كسر الرأس، من باب منع، وفي (النهاية) (5): كسر الشيء الأجوف، و (تدهده) بمعنى تدحرج، و (الثقب) بفتح المثلثة وسكون القاف، وفي رواية:(نقب) بفتح النون،

(1) في نسخة: "نقب".

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 427).

(3)

أخرجه الحاكم في "المستدرك"(2/ 393).

(4)

"الصحاح"(1/ 424).

(5)

"النهاية"(2/ 451).

ص: 583

تَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نارٌ فَإِذَا ارْتَقَتْ (1) ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسْطِ النَّهَرِ، وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ،

ــ

وكلاهما بمعنى، كذا يفهم من (الصحاح)(2)، وفي (القاموس) (3): الثقب بالثاء: الخرق النافذ، وقال: النقب بالنون: الثقب، وفي الحواشي بعلامة (المغرب): الثقب بالثاء: الخرق النافذ، وإنما يقال هذا فيما يقل ويصغر، وأما نقب الحائط ونحوه بالنون فذلك فيما يعظم.

وقوله: (فإذا ارتفعت) أي: اشتعلت وارتفعت.

وقوله: (فارتفعوا) أي: أهله الداخلون فيه، يفهم من المقام.

وقوله: (حتى كاد أن يخرجوا) كاد تامة أو الخبر محذوف، أي: كاد خروجهم يتحقق.

وقوله: (على وسط النهر) صححه الوسط بفتح السين وسكونها، والسكون أظهر.

وقوله: (بين يديه حجارة) جمع حجر، كذا في (القاموس)(4).

(1) في نسخة: "ارتفعت".

(2)

"الصحاح"(1/ 93، 227).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 72، 141).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 348).

ص: 584

فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ وَإِذَا رَجُل قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ، بَيْنَ يَدَيْهِ نارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بِيَ الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا وَسْطَ الشَّجَرَةِ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا، فَصَعِدَا بِيَ الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ مِنْهَا، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، فَقُلْتُ لَهُمَا: إِنَّكُمَا قَدْ طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالَا: نَعَمْ، أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ،

ــ

وقوله: (فجعل كلما جاء) جعل من أفعال المقاربة، وحقه أن يكون خبره فعلًا مضارعًا، فما جاء على خلافه فهو على خلاف الأصل، و (الروضة) موضع يستنقع فيه الماء، والروضة البستان في غاية النضارة، وفي (الكشاف) (1): كل أرض ذات نبات وماء، وفي (القاموس) (2): الروضة والريضة، بالكسر من الرمل والعشب: مُسْتَنْقَعُ الماء، لاستراضة الماء فيها، وفي (الصراح) (3): روضة: مرغزار.

و(الشباب) بفتح الشين وخفة الموحدة جمع شاب، وفي الحديث:(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)(4).

وقوله: (طوفتماني) بالنون وبالباء.

(1)"الكشفاف" للزمخشري (3/ 471).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 594).

(3)

"الصراح"(ص: 280).

(4)

أخرجه الترمذي في "سنن"(3768)، وابن ماجه في "سننه"(118).

ص: 585

يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ، حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنعُ بِهِ مَا تَرَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّقْبِ (1) فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا، وَالشَّيْخُ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ -وَفِي رِوَايَةٍ: مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ- قَالَا: ذَلِكَ مَنْزِلُكَ، قُلْتُ: دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي،

ــ

وقوله: (فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار) لا يذهب عليك أن العمل بالقرآن واجب بالليل والنهار، وأن تلاوة القرآن بالليل عمل به، ولكن لما كانت السنة في الليل العمل به بتلاوته خصها بالليل، والعمل بأحكام أمر القرآن بالنهار باعتبار الغلبة، فافهم.

وقوله: (فهم الزناة) لعله عبر الواقعين في التنور بالزناة لاحتراقهم بنار الشهوة ووقوعهم فيها.

وقوله: (آكل الربا) يأكل الحجر مكان أكل الربا، و (الربابة) بفتح الراء وخفة الموحدتين في آخره تاء: السحاب المتراكم الذي ركب بعضها بعضًا، وقيل: السحابة البيضاء، فالبيضاء صفة مؤكدة.

وقوله: (دعاني) دعا تثنية (دع) أمر بمعنى أتركاني.

(1) في نسخة: "الثقب".

ص: 586