المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌4 - باب القتال في الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب حكم الأُسَرَاءِ

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب الأمان

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب قسمة الغنائم والغلول فيها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الجزية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الصلح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الفيء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(20) كتاب الصيد والذبائح

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ذكر الكلب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌2 - باب ما يحل أكله وما يحرم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(21) كتاب الأطعمة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الضيافة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْل الثَّانِي:

- ‌3 - باب الأشربة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب النقيع والأنبذة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب تغطية الأواني وغيرها

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌(22) كتاب اللباس

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الخاتم

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب النعال

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب الترجل

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب التصاوير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(23) كتاب الطب والرقى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الفأل والطيرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الكهانة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(24) كتاب الرؤيا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

4042 -

[1] عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِئَةً مِنْ أَصْحَابِهِ،

ــ

في كتب السير.

الفصل الأول

4042 -

[1](المسور بن مخرمة) قوله: (عام الحديبية) قرية قريب مكة على نحو اثني عشر ميلًا أبعد مكان من الحل من الحرم، ولا يعرف الآن، وجهل مكانه بل قد نسيه الصحابة أيضًا كما في (صحيح البخاري)(1)، فحرم الناس عن التعرف به، قيل: سميت ببئر هناك وهي مخففة، وقد تشدد، واشتقاقه من الحدب محركة بمعنى خروج الظهر ودخول الصدر والبطن، وشجرة حدباء كانت هنالك.

وقوله: (في بضع عشرة مئة) وفي رواية: (أربع عشرة مئة)، وفي أخرى:(خمس عشرة مئة)، واستغربت هذه العبارة إذ الظاهر أن يقال: ألفًا وأربع مئة أو ألفًا وخمس مئة، وقد جاءت الرواية كذلك أيضًا، وفي رواية:(ألفًا وأربع مئة) أو أكثر.

وقال القسطلاني (2): إنما قيل: أربع عشرة مئة أو خمس عشرة مئة إشعارًا بأنهم كانوا منقسمين إلى المئات، وكان كل مئة ممتازة عن الأخرى، يعني في التوافق والورود والنزول ونحو ذلك، وبمثل هذا يوفق الاختلاف الوارد في العدد، فلعله صلى الله عليه وسلم خرج بأربع عشرة مئة، ثم ازدادوا متناوبين، فمن رأى أول الأمر في النزول والورود وجدهم ألفًا وأربع مئة، ثم وردوا بعدهم ولم يرهم وهكذا، واللَّه أعلم.

(1) انظر: "صحيح البخاري"(4163).

(2)

"إرشاد الساري"(6/ 346).

ص: 108

فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَسَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ خَلأَتِ القَصْواءُ! خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ،

ــ

وقوله: (فلما أتى ذا الحليفة. . . إلخ)، موضع قريب من المدينة وهو ميقات أهلها، وعرف في (كتاب الحج) في (باب حجة الوداع).

وقوله: (حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها) أي: ينزل على أهل مكة من تلك الثنية، وهي الجبل الذي عليه الطريق.

وقوله: (بركت) أي: قعدت، و (حل حل) بمهملة مفتوحة ولام خفيفة: كلمة زجر للبعير، وحثه على السير، والثانية تأكيد في الزجر، حلحل بالإبل، قال لها: حل حل، وحلحلهم: أزالهم عن مواضعهم وحرّكهم فتحلحلوا.

وقوله: (خلأت القصواء) اسم ناقته صلى الله عليه وسلم، وهي في الأصل الناقة المقطوع طرف أذنها، ولم تكن ناقته صلى الله عليه وسلم مقطوعة الأذن، بل كان في أذنها سمت في أصل الخلقة سميت بها لأجل ذلك، وأقول: قد قال في (القاموس)(1): القصية: الناقة الكريمة النجيبة الْمُبْعَدَةُ عن الاستعمال، فيمكن أن تكون القصواء مأخوذًا بهذا المعنى ولعله لم تجئ القصواء بهذا المعنى، وإنما جاء من القصا بمعنى حذف في طرف أذن الناقة والشاة كما يفهم من عبارة (القاموس)، وخلأت الناقة كمنع بمعنى بركت أو حَرَنت فلم تبرح، وكذلك الجمل، أو خاص بالإناث، وقد يقال: خلأ الرجل: لم يبرح مكانه، كذا في (القاموس)(2).

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1216).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 50).

ص: 109

وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ" ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا"، ثُمَّ زَجَرَهَا، فَوَثَبَتْ، فَعَدَلَ عَنْهُمْ، حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيبِيةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبَثهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ،

ــ

وقوله: (ولكن حبسها حابس الفيل) الذي جاء به أبرهة لهدم الكعبة، وهو اللَّه تعالى، و (الخطة) بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة: الأمر العظيم أريد به المصالحة.

وقوله: (يعظمون فيها حرمات اللَّه) أي: يحصل به حرمة الحرم.

وقوله: (فعدل عنهم) أي: مال وتوجه غير جانبهم، والضمير لأهل مكة.

وقوله: (على ثمد قليل الماء) في (القاموس)(1): الثَّمْدَ ويحرك وككتاب: الماء القليل، لا مادة له، والمراد هنا موضعه ليصح وصفه بقليل الماء إلا أن يجعل الإضافة بيانية.

وقوله: (يتبرضه الناس) أي: يأخذونه قليلًا قليلًا، والتنوين في (تبرضًا) للتقليل، وفي (القاموس) (2): البَرَضُ: القليل كالبُراض، وبَرَضَ الماءُ: خرج وهو قليل.

وقوله: (فلم يلبثه) صحح بضم الياء وألبث ولَبِثَ بمعنى، واللبث: المكث، والفعل كسمع وهو نادر؛ لأن المصدر من فعل بالكسر قياسه بالتحريك إذا لم يتعد، كذا في (القاموس)(3)، ونزَحَ البئر: استقى ماءها حتى يَنْفَدَ أو يَقِلَّ كأنزحها، والنزح

(1)"القاموس المحيط"(ص: 259).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 587).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 236).

ص: 110

وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نفَرٍ منْ خُزَاعَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: . . . . .

ــ

محركة: الماء الكَدِرُ، والبئر نُزِحَ أكثر مائها، (وشكي) بلفظ المجهول، و (العطش) مرفوع.

وقوله: (يجيش) بالجيم المعجمة، أي: يغور الماء، في (القاموس) (1): جاش البحر والقِدْرُ وغيرهما يَجيش جيشًا وجُيُوشا وجَيشَانًا: غلى، والعين: فاضت.

وقوله: (بالري) أي: بكسر الراء وتشديد الياء من روي بالماء واللبن كرضي، وروي وتروى وارتوى بمعنى.

وقوله: (حتى صدروا عنه) أي: رجعوا، ولم يبق لهم حاجة إلى الماء والماء باقٍ بعد (2)، و (بديل) بلفظ التصغير، (ابن ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء، و (خزاعة) بلا لام: حي من الأزد وسموا بها لأنهم تَخَزَّعوا عن قومهم، أي: تقطعوا وأقاموا بمكة، والخزاعة: القطعة تُقْتَطُع من الشيء، من الخزع بمعنى القطع، والتخلف عن الصحب، كذا في (القاموس)(3).

و(عروة بن مسعود) الثقفي، وكل هؤلاء الرجال أسلموا بعد ذلك في أوقات.

وقوله: (وساق) أي: الراوي (الحديث) أشار إلى أن الحديث طويل، اختصره،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 544).

(2)

"والماء باق بعد" ثبت في (ع) و (ك) فقط.

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 657).

ص: 111

إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اكْتُبْ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ: مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ" فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنْ لَا يَأْتِيَكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ:"قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا"، ثُمَّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَات فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} الآيَةَ [الممتحنة: 10]. فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوهُنَّ،

ــ

و(سهيل بن عمرو) كان أحد الأشراف من قريش وخطيبهم ولابنه أبي جندل قصة.

وقوله: (قاضى) أي: صالح، في (القاموس) (1): القضاء، ويقصر: الحكم. قَضَى عليه يَقْضِي قَضْيًا وقَضَاءً وقَضِيَّةً، وهي الاسم أيضًا، وبهذا المعنى تسمى العمرة التي بعد هذا العام، أي: عمرة أديت بعد المقاضاة والمصالحة عند الشافعي، وعندنا بمعنى القضاء مقابل الأداء، فعندنا المحرم إذا أحصر يحلُّ ويقضي بعد ذلك، عرف ذلك في موضعه بالتفصيل.

وقوله: (فانحروا ثم احلقوا) وهذا حكم الإحصار، فعند الشافعي رحمه الله ينحر وإن لم يبلغ هديه الحرم؛ لأن الحديبية من الحل، ونحن نقول: بعض الحديبية من الحرم.

وقوله: (فنهاهم اللَّه تعالى أن يردوهن) لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1216).

ص: 112

وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الصَّدَاقَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ نَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَينِ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُرَى سَيفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا، أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا" فَقَالَ: . . . . .

ــ

الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10].

وقوله: (وأمرهم أن يردوا الصداق) يعني: إن جاؤوا في طلبهن، وقد سلموا الصداق إليهن وإلا لا تعطوا شيئًا، وذلك لأن صلح الحديبية جرت على أن من جاء منكم رددناه، فلما تعذر عليه رد النساء لورود النهي عنه لزمه رد مهورهن، وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان بعد بالحديبية إذ جاءه سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة، فأقبل زوجها مسافر المخزومي طالبًا لها فنزلت، فاستحلفها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحلفت، فأعطى زوجها ما أنفق وتزوجها عمر لقوله تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، كذا في (تفسير البيضاوي)(1)، ومنه يعلم أن الصلح وقع على رد الرجال والنساء جميعًا على رواية:(لا يأتيك منا أحد إلا رددته)، وقيل: الصلح وقع على رد الرجال خاصة، ورواية الكتاب يعضده لقوله:(لا يأتيك منا رجل)، واللَّه أعلم.

وقوله: (لقد رأى هذا ذعرًا) أي: خوفًا، والذُّعْرُ بضم الذال المعجمة: الخوف، ذُعِرَ كَعُنِيَ، فهو مذعور، وبالفتح: التخويف، كالإذعار، والفعل كجعل، وبالتحريك:

(1)"تفسير البيضاوي"(2/ 487).

ص: 113

قُتِلَ واللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَيْلُ (1) أُمِّهِ مِسْعَرَ حَوْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ"، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ قَالَ: . . . . .

ــ

الدهش، وكصُرَدِ: الأمر المخوفُ، كذا في (القاموس)(2).

وقوله: (وإني لمقتول) أي: سأقتل بعده على ما رأيت حال أبي بصير.

وقوله: (ويل أمه) كلمة تستعمل في موضع التعجب وعدم الرضاء.

وقوله: (مسعر حرب) فيه استعارة بالكناية، والمسعر (3) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين، والسعار: ما سعر به، وموقدٌ نَارِ الحرب، والسعير: النار، والسُّعْرُ والسُّعَارُ كغراب بالضم: الحر، وَسَعَرَ النَّارَ والْحَرْبَ، كمنع: أوقدها، كسَعَّرَ وأسْعَرَ.

وقوله: (لو كان له) أي: لأبي بصير أحد، قال الطيبي (4): معناه لو فرض له معين وناصر لأثار الفتنة وأفسد الصلح، وقيل: معناه لو كان له أحد يعرفه أنه لا يرجع إليّ حتى لا أرده إليهم، ويمكن أن يكون معناه لو كان له أحد يأخذه ويرده إليهم، قاله تخويفًا وتهديدًا، وإرضاء لهم وإيماء له أن يفر، واللَّه أعلم.

و(سيف) بالكسر: ساحل البحر، وساحل الوادي، أو يقال: لكل ساحلٍ سِيفٌ، أو إنما يقال ذلك لسِيف عُمان، كذا في (القاموس)(5).

(1) قال القاري (6/ 2618): بالنصب على المصدر، وفي نسخة بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف.

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 370).

(3)

انظر: "القاموس المحيط"(ص: 380).

(4)

"شرح الطيبي"(8/ 71).

(5)

"القاموس المحيط"(ص: 758 - 759).

ص: 114

وَانْفَلَتَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيهِم. . . . .

ــ

وقوله: (انفلت أبو جندل) أي: هرب من الكفار، وجاء إلى أبي بصير ومن معه من المسلمين ممن كانوا قيدوه.

وقوله: (فواللَّه ما يسمعون بعير) العير بالكسر يقال للإبل بإحمالها، والمراد القافلة، وقال في (القاموس) (1): العير بالكسر: القافلة، مؤنثة، أو الإبل تَحْمِلُ الْمِيرَةَ، أو كل ما امتِيرَ عليه، إبلًا كانت أو حميرًا أو بغالًا.

وقوله: (تناشده اللَّه والرحم) الضمير المستكن لقريش، والبارز للنبي صلى الله عليه وسلم، و (اللَّه) منصوب مفعول (تناشد)، و (الرحم) عطف على (اللَّه)، أي: تحلفه باللَّه وتسأله به وبالرحم، أي: بحق القرابة التي بينه وبينهم، وإذا حذفت حرف القسم ينصب المقسم به وقد يجر.

وقوله: (لما أرسل إليهم) أي: إلى أبي بصير وأصحابه أن يأتوا بالمدينة ولا يتعرضوا لغيرنا، و (لما) بالتشديد بمعنى إلا، وهي في القرآن كثيرة بعد (أن) النافية على بعض القراءات، قال التُّورِبِشْتِي (2): وقد ذكر الجوهري في كتابه: إن قول من قال: (لما) بمعنى (إلا) فليس يعرف في اللغة، قلت: وقد ذكر أهل التفسير لا سيما

(1)"القاموس المحيط"(ص: 416).

(2)

"كتاب الميسر"(3/ 929).

ص: 115

فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 1694، 2731].

4043 -

[2] وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: صَالَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: . . . . .

ــ

المشتهرون منهم في علم العربية في قوله سبحانه: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] على قراءة من قرأ بالتشديد أنها بمعنى إلا، ويحمل قول الجوهري على أنه لم يصادفه فيما بلغه من كلامهم، والعرب تستعمل هذا الحرف في كلامهم على الوجه الذي في الحديث، إذا أرادوا المبالغة في المطالبة كأنهم يبتغون من المسؤول أن لا يهتم بشيء إلا بذلك، انتهى.

وقال صاحب (القاموس)(1): وإنكار الجوهري كونه بمعنى إلا غير جيد، يقال: سألتك لما فعلت، أي: إلا فعلت، ومنه:{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4} {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: 32]، وقراءة عبد اللَّه:(إِنْ كُلُّ لمَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ).

وقوله: (فمن أتاه فهو آمن) جواب شرط محذوف، أي: إذا أرسل إليهم واستردهم إلى المدينة، فمن أتاه منا مسلمًا فهو آمن، ولا نسترده منه.

4043 -

[2](البراء بن عازب) قوله: (على ثلاث أشياء) واشتراطه صلى الله عليه وسلم بهذه الشروط كان لضعف حال المسلمين، وعجزهم عن مقاومة الكفار، وكانت مصالح عظيمة في هذا الصلح مما ظهرت ثمراته الباهرة وفوائده المتظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكة، وإسلام أهلها كلهم، ودخول الناس في دين اللَّه أفواجًا، وبالجملة كان في

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1069).

ص: 116

عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَعَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ وَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ وَالسَّيْفِ وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ، فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجُلُ فِي قُيُودِهِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2698، 2700، م: 1783].

4044 -

[3] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ إِنَّهُ مَنْ ذهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ،

ــ

اختيار الصلح حِكَمٌ وأسرار لا تعدّ ولا تحصى، ولا يحيط به إلا علام الغيوب ونبيه السيد المحبوب.

وقوله: (على أن من أتاه) أي: مسلمًا.

وقوله: (من المشركين) بيانية أو ابتدائية.

وقوله: (على أن يدخلها) أي: مكة، (من قابل) أي: العام الآتي، و (الجلبان) بضم الجيم واللام وتشديد الباء: جراب من أديم يوضع فيه السلاح، والمقصود أن لا يأتوا في صورة القهر والغلبة.

وقوله: (يحجل) بضم الجيم، أي: يمشي على وثبة كما يمشي الغراب، والحجل: مشي الغراب، في (القاموس) (1): حَجَلَ المقيد يَحْجِل ويَحْجُل حَجْلًا وحَجَلانًا: رَفَعَ رِجْلًا وَتَريَّثَ فِي مشيه على رجله، والغراب: نزا في مشيه.

4044 -

[3](أنس) قوله: (فأبعده اللَّه) منا أو ليس لنا معه شأن فهو أولى

(1)"القاموس المحيط"(ص: 904).

ص: 117

وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1784].

4045 -

[4] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي بَيْعَةِ النِّسَاءِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَة: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12]، فَمَنْ أَقَرَّتْ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا:"قَدْ بَايَعْتُكِ" كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2713، م: 1866].

ــ

بمصاحبتهم.

وقوله: (ومن جاءنا منهم سيجعل اللَّه له فرجًا ومخرجًا) كما جعل لأبي بصير.

4045 -

[4](عائشة) قوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} آخر الآية {عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12].

وقوله: (فمن أقرت) أي: قبلت وقررت بهذا الشرط، أي: المذكور في هذه الآية وحده لجعلها في حكم الواحدة في باب البيعة.

وقوله: (كلامًا) إما تمييز أو مفعول مطلق، يعني كانت بيعته صلى الله عليه وسلم للنساء بالكلام لا بأخذ اليد كما في الرجال، وقد اختار بعض المشايخ جعل يدها في الماء الذي جعل يده فيه، أو أخذها طرفًا من الثوب وطرفًا بيد الشيخ، ولا يُدرى له سند، واللَّه أعلم، وإيراد حديث مبايعة النساء في (باب الصلح) لاشتراكهما في الاشتراط، ولأنه قد وقعت المبايعة في قضية الصلح يوم الحديبية، وتسمى بيعة الرضوان كما يخبر عنه قوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].

ص: 118