الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. فَقَالَ: "لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ". قَالَ: فَفَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَينِ أسرَتْهُمَا ثَقِيفٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 1641].
*
الفَصْلُ الثَّانِي:
3970 -
[11] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ. . . . .
ــ
وقوله: (إني مسلم) أي: إني أسلمت، فهو إخبار عن إسلامه قبل ذلك، ففيه أن الكافر إذا وقع في الأسر فادعى أنه كان قد أسلم قبله لم يقبل منه إلا ببينة، ويمكن أن يكون إن شاء لم يقبله صلى الله عليه وسلم لأنه قد علم أنه لا يقوله إلا نفاقًا واضطرارًا، وكان صلى الله عليه وسلم قد يعمل بالحقيقة كأمره بقتل بعض من كان مآل أمره إلى الكفر كما ذكروه في خصائصه صلى الله عليه وسلم، ويدل على ذلك قوله:(لو قلتها وأنت تملك أمرك) أي: حال اختيارك ورغبتك، واللَّه أعلم.
وقوله: (ففداه بالرجلين) المشهور في مثل هذه العبارة أن يكون مدخول الباء فداءً وبدلًا، ولا يستقيم هذا المعنى هنا، فالمراد أنقذه وأخذ عوضه الرجلين، فتدبر.
الفصل الثاني
3970 -
[11](عائشة) قوله: (في فداء أسرائهم) يعني الذين أسروا ببدر، و (زينب) هي أكبر بناته صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (في فداء أبي العاص) بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، زوج زينب أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة من الأب، فهو ابن خالة
أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ:"إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا" فَقَالُوا: نَعَمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا منَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: "كُونَا بِبَطْنِ يَأْجِجَ حَتَّى تمُرَّ بِكُمَا زينَبُ فَتَصْحَبَاهَا. . . . .
ــ
زينب، فلما كانت وقعة بدر وأسر أبو العاص، وكانت زينب تحته إذ ذاك فبعثت بقلادة لها كانت خديجة أعطتها إياها حين زفت إلى أبي العاص، وهذا معنى قوله:(أدخلتها بها على أبي العاص).
وقوله: (رقّ لها) أي: لأجل القلادة أو لزينب لتذكره عهد خديجة وصحبتها، (وقال) أي: لأصحابه: (إن رأيتم) جزاء الشرط محذوف، أي: لكان حسنًا، وفيه جواز المنّ على الأسير بلا فداء (1)، و (أسيرها) هو العاص، و (الذي لها) هو ما أرسلت في فدائه من القلادة.
وقوله: (أخذ عليه) أي: أخذ العهد على أبي العاص (أن يخلي سبيل زينب إليه) أي: يرسلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويأذن لها بالهجرة إلى المدينة، ولم يرد تخلية سبيلها بالطلاق، وكان حكم المناكحة بين المسلمات والكفار بعد باقيًا، كذا قال التُّورِبِشْتِي (2).
وقوله: (وبعث زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار) وهذا مخصوص بما ورد فيه لمقام الأمن لمكان بنت النبي وإرساله صلى الله عليه وسلم من يثق بهما، وقال اتقاء من شر كفار مكة:(كونا ببطن يأجج) أي: قفا ولا تدخلا مكة، وبطن يأجج هو اسم موضع،
(1) قال شيخنا في "التقرير": إن قيل: بل في بدل زينب، فأيّ حرج فيه، انتهى.
(2)
"كتاب الميسر"(3/ 910).
حَتَّى تَأْتِيَا بهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. [حم: 6/ 276، د: 2692].
ــ
والبطن: ما غمض من الأرض، ويأجج: اسم واد، وضبطت هذه اللفظة بوجوه، ولم يقيد بضبطه الطيبي ولا التُّورِبِشْتِي، والذي في (القاموس) (1): أنه بالياء التحتانية والجيمين ذكره في مادة أجج، وقال: يأجج كيسمع وينصر ويضرب: موضع بمكة، وقال في فصل الياء: يأجج كيمنع ويضرب موضع، وذكر في أج ج، وقال سيبويه: ملحق بجعفر.
وقال في (مجمع البحار)(2) في حرف الياء: بطن يأجج بالهمز وكسر الجيم: مكان على ثمانية أميال من مكة، وفي (المغني)(3) بالحاء المهملة في الآخر، ونقل في (الحاشية) عن ابن الملك في (شرح المصابيح) (4): أنه بالنون والجيم والحاء المهملة بعد الجيم، وفي بعض النسخ بالياء حرف العلة والجيمين: موضع بمكة وهو من بطون الأودية التي حول الحرم، وقيل: موضع أمام مسجد عائشة، انتهى.
وقوله: (حتى تأتيا بها) فأتيا بها فهاجرت إلى المدينة، وأبو العاص على دينه ثم آمن وهو بمكة وهاجر إلى المدينة وله قصة (5)، فسلم النبي صلى الله عليه وسلم إليه زينب بالنكاح
(1)"القاموس المحيط"(ص: 177).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(5/ 204).
(3)
"المغني"(ص: 293).
(4)
"شرح مصابيح السنة"(4/ 415).
(5)
وهي أنها لما هاجرت زينب وأبو العاص على دين الكفر، فاتفق أن خرج إلى الشام في تجارة، فلما كان بقرب المدينة أراد بعض المسلمين أن يخرجوا إليه فيأخذوا ما معه ويقتلوه، فبلغ ذلك زينب، فقالت: يا رسول اللَّه، أليس عقد المسلمين وعهدهم واحدًا؟ قال: نعم. قالت: فاشهد أني أجرت أبا العاص. فلما رأى ذلك أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرجوا إليه عزلًا بغير سلاح، فقالوا له: يا أبا العاص، إنك في شرف من قريش، وأنت ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم =
3971 -
[12] وَعَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَسَرَ أَهْلَ بَدْرٍ قَتَلَ عُقْبَةَ ابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَمَنَّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ. رَوَاهُ فِي "شَرْحِ السّنة". [شرح السنة: 11/ 78].
3972 -
[13] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ قَتْلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ . . . . .
ــ
الأول، وقيل: بنكاح جديد، فولدت له عليًّا مات صغيرًا، وأمامة وتزوجها علي بن أبي طالب بعد موت فاطمة رضي الله عنه.
3971 -
[12](وعنها) قوله: (وعن) كتب في بعض النسخ: (عن)، وترك بياض لاسم الراوي، وفي بعضها:(عنها)، وفي بعض النسخ:(وعن ابن مسعود)، وكذا ترك بعد لفظ (رواه) بياض لاسم المخرج، فألحق في بعضها:(رواه في شرح السنة)، وفي بعضها:(رواه الشافعي وابن إسحاق في السيرة)، واللَّه أعلم.
و(عقبة) بالقاف (ابن أبي معيط) بضم الميم وفتح العين وسكون التحتانية، الملعون الذي ألقى الكرش على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، و (أبو عزة) بفتح العين المهملة وتشديد الزاي، (الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم، كان شاعرًا.
3972 -
[13](ابن مسعود) قوله: (من للصبية) بكسر الصاد وسكون الباء: جمع الصبي، أي: من يكفل لأطفالي ويربيهم.
= وصهره، فهل لك أن تسلم فتغتنم ما معك من أموال أهل مكة، قال: بئسما أمرتموني به أن أنسخ ديني بغدرة، فمضى حتى قدم مكة، فدفع إلى كل ذي حقّ حقّه، ثم قال فقال: يا أهل مكة، أوفت ذمّتي؟ قالوا: اللَّهمّ نعم. فقال: فإني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، ثم قدم المدينة مهاجرًا، فدفع إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زوجته بالنكاح الأول. انظر:"الإصابة"(7/ 207).
قَالَ: "النَّارُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 2686].
3973 -
[14] وَعَنْ عَلِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ جِبْرِيلَ هَبَطَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: خَيِّرْهُمْ، يَعْنِي أَصْحَابَكَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: القَتْلَ أَوِ الفِدَاءَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ قَابِلًا مِثْلُهُمْ". قَالُوا: الْفِدَاءَ وَيُقْتَلُ مِنَّا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غرِيبٌ. [ت: 1567].
ــ
وقوله: (النار) استهزاء منه صلى الله عليه وسلم، وأشار إلى ضياع أولاده، وقيل: المراد ما تهتم بهم واهتم بشأن نفسك وما هُيِّئَ لك من النار، فافهم.
3973 -
[14](علي) قوله: (خيرهم يعني أصحابك) الحديث، اعلم أنه قد ذكر في التفاسير في شأن نزول قوله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآيتين [الأنفال: 67] أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتي يوم بدر بسبعين أسيرًا فاستشار فيهم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: قومك وأهلك استبقهم لعل اللَّه يتوب عليهم، وخذ منهم فدية يقوى بها أصحابك، وقال عمر: اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر، وإن اللَّه أغناك عن الفداء، فخير أصحابه في القتل أو الفداء على أن يقتل منهم في العام القابل مثل هؤلاء الأسارى في العدد وهو السبعون ويكون الظفر للكفار، قالوا: اخترنا الفداء وأن يقتل منا سبعون، فوقع كذلك في غزوة أحد استشهد سبعون رجلًا من المسلمين، فيهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير وأمثالهما، فنزلتا، فدخل عمر رضي الله عنه على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان، فقال: يا رسول اللَّه! أخبرني فإن أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت، فقال:(أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) لشجرة قريبة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:(لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ)، وذلك أنه أيضًا أشار بالإثخان، قالوا: وإنما اختاروا
3974 -
[15] عَنْ عَطِيَّةَ القَرَظِيَّ قَالَ: كُنْتُ فِي سَبْي قُرَيْظَةَ، عُرِضْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَانُوا يَنْظُرُونَ فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعَرَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ، فَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تُنْبِتْ، فَجَعَلُونِي فِي السَّبْي. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ. [د: 4404، جه: 2541، دي: 2/ 223].
ــ
ذلك رغبة منهم في إسلام أسارى بدر، وفي نيلهم درجة الشهادة في السنة القابلة، ورقة منهم على أهل القرابة منهم.
هذا ولكن استشكل ما ذكر بأنهم لما خُيروا واختاروا أحد الأمرين لم تتوجه المعاتبة عليهم، فإن التخيير ينافي ذلك؟ وأجيب بأن التخيير وارد على سبيل الامتحان كما في تخيير أزواجه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية [الأحزاب: 28]، والامتحان في أنهم هل يختارون ما هو مرضي عند اللَّه أم ما تعجبهم أنفسهم وهو الفدية فلما اختاروا الثاني عوتبوا، فتدبر.
هذا وقد استبعد التُّورِبِشْتِي (1) صحة حديث التخيير؛ لكونه مخالفًا لظاهر ما يدل عليه التنزيل، وأيضًا قد حكم عليه الترمذي أنه غريب، قال الطيبي (2): هذا لا يشعر بالطعن فيه؛ لأن الغريب قد يكون صحيحًا، وأقول: الغريب قد يجيء بمعنى الشاذ، وأكثر ما يقول الترمذي: إنه غريب يكون بهذا المعنى، وقد صرح به صاحب (جامع الأصول).
3974 -
[15](عطية القرظي) قوله: (فمن أنبت الشعر) أي: العانة.
وقوله: (فكشفوا عانتي) وذلك للضرورة للاشتباه في السن وعدم الاعتماد
(1)"كتاب الميسر"(3/ 910).
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 20).