الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21) كتاب الأطعمة
*
الفَصْلُ الأَوَّلُ:
4159 -
[1] عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5376، م: 2022].
ــ
21 -
كتاب الأطعمة
جمع طعام، بمعنى ما يؤكل، من باب سمع، وقد يخص بالبر غلبة.
الفصل الأول
4159 -
[1](عمر بن أبي سلمة) قوله: (في حجر) بفتح الحاء ويكسر، وكان ربيبًا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد تزوج أمه أم سلمة.
وقوله: (وكانت يدي تطيش) الطيش: الخفة، أي: تتحرك وتمتد، أي: كنت آكل من نواحي الصحفة، ولا أقتصر على ما يليني من الطعام على ما هو عادة الغلمان.
قال الطيبي (1): الصحفة دون القصعة وهي ما تشبع خمسة، والقصعة تشبع عشرة، أقول: لعله لم يرد التحديد، بل المراد بيان الأقل منهما على قياس في جمع القلة والكثرة وإلا ثبت وسايط وليس لها أسماء، وفي (القاموس) (2): أعظم القصاع الجفنة ثم
(1)"شرح الطيبي"(8/ 136).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 762).
4160 -
[2] وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2017].
ــ
الصحفة، وقال في مادة الجفن: الجفنة: القصعة، ويفهم منه أن القصعة يطلق على كل منهما وليست مقابلة لهما، ويوافقه ما في (مجمع البحار) (1) في شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها)(2): هي إناء كالقصعة المبسوطة. وقال في (النهاية)(3): والعرب تَدْعو السيد المِطعَام جَفْنَة لأنه يضعها ويُطْعِم الناسَ فِيها، وفي (القاموس) (4): الجفنة: الرجل الكريم، فلم يقيده بالطعام فيمكن أن تعتبر العلاقة كونه متصفًا بصفات الخير ومملوءًا به كالجفنة من الطعام، فتدبر.
4160 -
[2](حذيفة) قوله: (يستحل الطعام) قال النووي (5): أي يتمكن من أكله، والجمهور على أن أكل الشيطان حقيقة، إذ العقل لا يحيله وهو جسم يتغذى، وقد يأول بأن المراد به اتخذ سبيلًا، أي: تطير بركة الطعام بترك التسمية، انتهى.
وقوله: (أن لا يذكر) بلفظ المجهول، و (أن) بفتح الهمزة بتقدير حرف الجر أي: لأجل أن لا يذكر اسم اللَّه عليه، واعلم أن المسنون هو التسمية في ابتداء الطعام، ولكن يكفي في عدم استحلال الشيطان وتمكنه التسمية ولو في أثناء الطعام، صرح به النووي، وظاهر هذا الحديث يدل على هذا بإطلاقه لو لم يقيد بالابتداء بقرينة الأحاديث الأخر، فتدبر.
(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 290).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5152)، وأبو داود في "سننه"(2176).
(3)
"النهاية"(1/ 280).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 1093).
(5)
"شرح النووي"(13/ 189).
4161 -
[3] عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2018].
4162 -
[4] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2020].
4163 -
[5] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِهَا". . . . . .
ــ
4161 -
[3](جابر) قوله: (قال الشيطان) أي: لأتباعه وأعوانه، وقيل: ويجوز أن يكون المخاطب الرجل وأهل بيته دعاء عليهم من الشيطان، وقال الطيبي (1): وهو بعيد؛ لقوله: (قال الشيطان: أدركتم المبيت) والمخاطبون به أعوانه، أقول: لا شك في بعد هذا المعنى، وبعد ارتكاب الحمل عليه لم يتعين الخطاب في قوله:(أدركتم المبيت) لأعوانه، بل يجوز أن يكون دعاء لأهل البيت من الشيطان بالدوام والاستقرار على المبيت، فافهم.
4162 -
[4](ابن عمر) قوله: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه) التيامن مستحب في كل شيء، والتخصيص بالطعام والشراب لغاية الاهتمام أو لوقوع التقريب في ذكرهما.
4163 -
[5](ابن عمر) قوله: (فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها) فينبغي
(1)"شرح الطيبي"(8/ 138).
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2020].
4164 -
[6] وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2033].
4165 -
[7] وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ، وَالصَّحْفَةِ وَقَالَ:"إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيَّةٍ الْبَرَكَةُ؟ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2033].
4166 -
[8] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا. . . . .
ــ
أن يخالف في فعله، وقيل: المراد يحمل أولياءه على ذلك، ثم يحتمل أن تكون هذه العلة مخصوصة برعاية التيامن في الأكل والشرب أو عامة لكل ما يستحب التيامن فيه إلا في الوضوء ونحوه، ويشمل الحمل على المعنى الأخير الكل، فافهم.
4164 -
[6](كعب بن مالك) قوله: (يأكل بثلاثة أصابع) هي الإبهام والسبابة والوسطى، ولا يعرف حال الإصبعين الأخريين أيقبضهما أو يتركهما مبسوطتين، والظاهر هو الأول حتى يوجد النقل.
وقوله: (ويلعق يده) أي: أصابعه كما في الحديث الآتي.
وقوله: (قبل أن يمسحها) أي: بمنديل ونحوه، وفي بعض النسخ:(بشيء)، ثم يغسلها بعد اللعق.
4165 -
[7](جابر) قوله: (في أيّة) بالتنوين، أي: في أيَّ أكلة أو طعمة، وفي بعض النسخ:(في أيه) بتذكير (أي) وهاء الضمير، أي: في جزء الطعام الذي أكل أو الذي بقي في الصحفة أو علق بالأصابع، ويؤيده الحديث الآتي عن جابر.
4166 -
[8](ابن عباس) قوله: (حتى يلعقها) بفتح الياء والعين من اللعق،
أَوْ يُلْعِقَهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5456، م: 2031].
4167 -
[9] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (1) يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى (2) ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعَهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ يَكُونُ الْبركَة؟ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2033].
4168 -
[10] وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا آكُلُ مُتَّكِئًا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5398، م: 5399].
ــ
(أو يلعقها) بضم الياء وكسر العين من الإلعاق، أي: يلعقها غيره الصبيان والخادم ونحوهما.
4167 -
[9](جابر) قوله: (من شأنه) صفة (شيء) والضمير (لأحدكم) أي: في كل أمر من أموره، وقال الطيبي (3): أي شيء كائن من شأن الشيطان حضوره عنده.
وقوله: (ولا يدعها) أي: لا يترك اللقمة الساقطة (للشيطان) كناية عن تضييع اللقمة والاستحقار بها والاستكبار عنها، وهي من أخلاق الشيطان، ويجوز أن يكون المراد لا يدعها ليأكله الشيطان وهذا هو الحقيقة.
4168 -
[10](أبو جحيفة) قوله: (لا آكل متكئًا) قال الشيخ مجد الدين الشيرازي
(1) في نسخة: "رسول اللَّه".
(2)
قال المظهر: فليبعده وليزل ما كان بها من تراب، وليأكله بشرط أن يكون ما سقطت عليه اللقمة من أرض أو غيرها طاهرًا، فإن كان نجسًا لا يجوز أكله، بل يطعمه هرة أو كلبًا. "المفاتيح"(4/ 501).
(3)
"شرح الطيبي"(8/ 139).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في (سفر السعادة)(1): إن الاتكاء على ثلاثة أنواع، أحدها: أن يضع جنبه على الأرض، وثانيها: أن يجلس متربعًا، وثالثها: أن يضع إحدى يديه على الأرض ويتكأ عليها، ويأكل باليد الأخرى، وكلها مذموم، انتهى.
وقال الخطابي (2) وأكثر شراح الحديث: إن العامة تحسب أن المتكئ هو المائل في قعوده على أحد شقيه وليس كذلك، بل هو هنا المتكئ على وطاء تحته، وكل من استوى قاعدًا على وطاء فهو متكئ، وقال النووي (3):(متكئًا) أي: متمكنًا في الجلوس متربعًا أو معتمدًا على وطاء، وقال الكرماني (4):(لا آكل متكئًا) أي: لم أقعد متكئًا على الأوطئة حال الأكل فعل من يستكثر من الأطعمة، ولكني أقعد مستوفزًا وآكل علقة من الطعام، وليس المراد من الاتكاء الميل على أحد جانبيه، ومن حمل عليه تأول على مذهب الطب فإنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلًا، ولا يسيغه هنيئًا، وربما تأذى به، انتهى.
وقيل: الاتكاء هنا القعود على وجه التمكن والاستواء، بل السنة في الأكل أن يجلس مائلًا إلى الطعام ومتوجهًا ومنحنيًا إليه، وأورد السيوطي في "عمل اليوم والليلة": أنه لا يأكل متكئًا ولا ساقطًا على وجهه ولا قائمًا، بل يجلس على ركبتيه أو على هيئة الإقعاء أو على قدميه أو يرفع الركبة اليمنى ويجلس على الركبة اليسرى، وقال شراح البخاري: اختلف في صفة الاتكاء، فقيل: أن يتمكن للجلوس في الأكل على أيّ صفة
(1)"سفر السعادة"(ص: 318).
(2)
"معالم السنن"(4/ 242).
(3)
"شرح النووي"(13/ 227).
(4)
"شرح الكرماني"(20/ 34).
4169 -
[11] وَعَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خِوَانٍ وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ،
ــ
كان، وقيل: أن يميل على أحد شقيه، وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى، والأول هو المعتمد، وهو شامل للقولين، والحكمة في تركه أنه من فعل ملوك العجم والمتعظمين وأنه أدعى إلى كثرة الأكل وعظم البطن، وأحسن الجلسات للأكل الإقعاء على الوركين ونصب الركبتين ثم الجثو على الركبتين وظهور القدمين ثم نصب الرجل اليمنى، والجلوس على اليسرى.
4169 -
[11](قتادة) قوله: (على خوان) في (القاموس)(1): الخوان كغراب وككتاب: ما يؤكل عليه.
وقوله: (ولا في سكرجة) بضم سين وكاف وراء وتشديدها: إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم، وهي فارسية، وأكثر ما يوضع فيه الكواميخ ونحوها، وقال الكرماني (2): وقد صوب بعضهم فتح الراء، وقال الطيبي: وتوضع فيه المشتهيات من الجوارشات ونحوها من المخللات حول الأطعمة للتشهي والهضم، انتهى. وقيل: هي قصاع صغار والأكل فيها تكبر وإنه علامة البخل.
وقوله: (ولا خبز له مرقق) قال الطيبي (3): إنه كناية عن عدم أكله صلى الله عليه وسلم الخبز المرقق كما يعرف من الحديثين الآتيين، وقيل: ظاهر العبارة نفي الخبز له يعني قد كان يأكل إذا لم يخبز له بل خبز لغيره، ولكن المراد هو الأول، وأقول: هو المتبادر إلى الفهم عند الإنصاف، وبعض الأحاديث يشرح بعضًا، وكذا المتبادر من الحديثين
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1100).
(2)
"شرح الكرماني"(20/ 27).
(3)
"شرح الطيبي"(8/ 140).
قِيلَ لِقَتَادَةَ: عَلَى مَا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5386، 5415].
4170 -
[12] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ،
ــ
الآتيين بيان عدم الأكل على وجه التأكيد، وإن احتملا التأويل والتقييد بأن يقال: لم ير بأن يجعل له، فتدبر.
وقوله: (قيل لقتادة: على ما يأكلون؟ ) قال الطيبي (1): الظاهر أن يسأل على ما يأكل، وفيما يأكل، وما يأكل، فلم عدل إلى السؤال عن الجماعة، واقتصر على الأول منها؟ انتهى. ويمكن أن يوجه الأول بأنه لما كان في نفي الأكل على خوان محل أن يسأل أنه لما كان لا يأكل على خوان فعلى ما كان يأكل ويضع طعامه عليه؟ بخلاف الأكل في سكرجة فإنه منفي مطلقًا، وظاهر أنه كان يأكل الخبز فإذا نفى المرقق تعين غيره، بخلاف الخوان فإنه إذا نفى الأكل عليه لا بد أن يكون هنا شيء آخر يوضع عليه الطعام ويؤكل، وأما توجيه الثاني فما ذكره أن الصحابة كانوا يقتدون بسنته ويقتفون آثاره فاستغنى به عن ذلك، فالسؤال عن أحوالهم في الحقيقة سؤال عن حاله صلى الله عليه وسلم على أنه لو جعل الضمير في (يأكلون) للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه جميعًا لم البعد كل البعد، واللَّه أعلم.
(والسفر) بضم السين وفتح الفاء: جمع سفرة بسكون الفاء، والسفرة: طعام المسافر، ومنه سُفْرة الجلد، كذا في (القاموس)(2).
4170 -
[12](أنس) قوله: (ما أعلم) نفى العلم لاحتمال أنه أكل ولم يعلمه
ــ
(1)
"شرح الطيبي"(8/ 141).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 380).
وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5385، 5421، 6457].
4171 -
[13] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. وَقَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنْخُلًا مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. قِيلَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ، فَيَطِيرُ مَا طَارَ،
ــ
وإن كان الغالب لكونه ملازمًا له صلى الله عليه وسلم علمه لو أكل، و (السميط) فعيل بمعنى المفعول من السمط، يقال: سَمَطَ الْجَدْيَ فهو مسموط وسميط: نتف صوفه بالماء الحارّ، كذا في (القاموس)(1)، يعني: ثم شوّى، وفي (الصراح) (2): سمط باكيزه كردن موئ بره وبزغاله أز جهة بريان كردن.
4171 -
[13](سهل بن سعد) قوله: (النقي) هو بفتح النون وكسر القاف وتشديد النون، وقيل: من النقاء وهو الدقيق الذي نخل مرة بعد أخرى، يقال له: الحوّارى بضم الحاء وشد الواو وفتح الراء، قال في (القاموس) (3): هو الدقيق الأبيض وهو لباب الدقيق، والمراد هنا: خبزه بتقدير المضاف، وقال في (النهاية) (4): النقي هو الخبز الحوارى، وهو ما نقي دقيقه.
وقوله: (ابتعثه) بمعنى بعثه، في (القاموس) (5): بعثه، كمنعه: أرسله كابتعثه فانبعث، و (المنخل) بضم الميم والخاء وسكون النون وقد يفتح خاؤه: الغربال، يعني
(1)"القاموس المحيط"(ص: 619).
(2)
"الصراح"(ص: 292).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 356).
(4)
"النهاية"(5/ 112).
(5)
"القاموس المحيط"(ص: 164).
وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5413].
4172 -
[14] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5409، م: 2064].
4173 -
[15] وَعَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ، فَكَانَ يَأْكُلُ قَلِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكْلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5397].
ــ
لم يكن في زمنه غربال بين المسلمين.
وقوله: (ثرَّيناه) بالتشديد من التثرية أي: بللناه، يقال: ثرى التربة تثرية: بلّها، والثرى: الندى أو التراب الندي.
4172 -
[14](أبو هريرة) قوله: (ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا قط) لأن ذلك من عادة أهل الثروة والأتراف والمستحقرين لنعم اللَّه.
4173 -
[15](وعنه) قوله: (في مِعًى واحد) بالكسر والقصر منونًا وجمعه أمعاء بالمد: ما ينتقل إليه الطعام بعد المعدة، وقد يفتح، وفي (الصراح) (1): معا بالكسر: روده أمعاء، ثم قيل: إن هذا تمثيل لزهد المؤمن في الدنيا ولحرص الكافر ولا يعنى قلة الأكل وكثرته، وقيل: هو حث وتحريض للمؤمن على التحامي عما يجره الشبع من القسوة وطاعة الشهوة، ووصف الكافر بكثرة الأكل إغلاظ على المؤمن وتأكيد لما رسم له، وقيل: هو خاص في رجل بعينه كان يأكل كثيرًا فأسلم فقلّ أكله، كذا في (النهاية)(2)، وهذا أوفق لمورد الحديث. وفي (الصحاح) (3): معنى أن المؤمن يأكل
(1)"الصراح"(ص: 589).
(2)
"النهاية"(4/ 344).
(3)
"الصحاح"(6/ 2495).
4174، 4175 - [16، 17] وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عُمَرَ الْمُسْنَدَ مِنْهُ فَقَطْ. [م: 2062، 2061].
4176 -
[18] وَفِي أُخْرَ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَافَهُ ضَيْفٌ وَهُوَ كَافِرٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلَابَهَا،
ــ
من وجه واحد وهو الحلال، والكافر يأكل من وجوه ولا يبالي ما أكل ومن أين يأكل. وقال النووي: المؤمن يسمي اللَّه تعالى عند طعامه فلا يشركه الشيطان.
وقال أهل الطب: لكل إنسان سبعة أمعاء، والمؤمن لاقتصاده وتسميته يكفي ملء أحدها بخلاف الكافر، ويحتمل أنه في بعض الكافر وبعض المؤمن، وقيل: أراد كامل الإيمان، ويقال: إن المراد أن من شأن المؤمن ذلك لامتلاء باطنه بالنور والبركة وعدم شرهه وحرصه بخلاف الكافر، وقيل: إن المؤمن يأكل من وجه واحد وهو الحلال، والكافر يأكل من وجوه لا يبالي ما أكل ومن أين يأكل، وقال الطيبي (1): المراد بالسبعة المبالغة والتكثير مثله في قوله تعالى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27]، فتدبر.
4174، 4175، 4176 - [16، 17، 18](أبو موسى، وابن عمر، وأبو هريرة) قوله: (ضافه ضيف) أي: نزل به شخص بالضيافة، وقيل: اسمه ثمامة بن أثال، وله قصة ذكرت في (كتاب الجهاد)، وقيل: جهجاه أو نضرة بن أبي نضرة الغفاري، كذا ذكر النووي في (شرح مسلم)(2).
وقوله: (حلابها) هو بالكسر: اللبن الذي يحلب، أو الإناء الذي يحلب فيه اللبن،
(1)"شرح الطيبي"(8/ 142).
(2)
"شرح النووي"(14/ 26).
ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ، حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِأُخْرَى فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". [م: 2063].
4177 -
[19] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5392، م: 2058].
4178 -
[20] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2059].
ــ
كذا في (النهاية)(1).
وقوله: (سبع شياه) في (الصراح)(2): شاة: كوسفند، وأصله شاهة لأن تصغيرها شويهة، والجمع شياه بالهاء، تقول: ثلاث شياه.
وقوله: (فلم يستتمها) كذا في متن مسلم، وفي نسخة من (صحيح مسلم) قرئت على الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب (القاموس):(فلم يشربها).
4177 -
[19](وعنه) قوله: (طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة) المراد أن شبع الأقل قوت الأكثر، وفيه الحث على المكارمة والتقنع بالكفاية.
4178 -
[20](جابر) قوله: (طعام الواحد يكفي الاثنين) الحديث، هذا أزيد
(1)"النهاية"(1/ 421).
(2)
"الصراح"(ص: 536).
4179 -
[21] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5417، م: 2216].
4180 -
[22] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَّبَ خُبْزَ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءُ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَي الْقَصْعَةِ،
ــ
في المكارمة والتقنع، وليس له حد معين في القلة والكثرة، ويختلف باختلاف الأحوال.
4179 -
[21](عائشة) قوله: (التلبينة) بتقديم الموحدة على التحتانية: هي حساء يتخذ من دقيق أو نخالة وربما يجعل فيه عسل، يشبه اللبن في البياض والرقة، ولهذا سميت تلبينة، وقال الطيبي (1): يتخذ من الدقيق واللبن، فعلى هذا تسميته بالتلبينة ظاهرة، وهي تسمية بالمصدر من لبن القوم بالتشديد: إذا سقاهم اللبن.
وقوله: (مجمة) بضم الميم وكسر الجيم بعدها ميم مشددة: من الجمام وهو الراحة، وقد تفتح الميم والجيم.
4180 -
[22](أنس) قوله: (مرقًا) بفتح الميم والراء، و (القديد) لحم مملوح مجفف من القدد هو القطع طولًا، و (الدباء) بضم الدال وتشديد الباء ممدود: القرع بالفارسية كدو، والواحد دباءة، وقد يقصر.
وقوله: (حوالي) بفتح اللام وسكون تحتانية، وحواليه وحواله وحوليه وحوله
(1)"شرح الطيبي"(8/ 144).
فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2092، 5379، 5436، م: 2031].
4181 -
[23] وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أُميَّةَ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يتَوَضَّأْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 208، 5408، م: 355].
4182 -
[24] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5431].
ــ
بفتح لام وحاء في جميعها، أي: جوانبه، كذا قال النووي (1)، وفيه جواز مد اليد إلى ما لا يليه إذا اختلف ولم يعرف من صاحبه كراهة، كذا قال الطيبي (2).
وقوله: (بعد يومئذ) الظاهر أن (بعد) مضاف إلى ما بعده ليكون مفتوحًا، و (يومئذ) مجرورًا ومفتوحًا، وقد يقطع عن الإضافة ويضم، ويجعل (يومئذ) بيانًا للمضاف إليه المحذوف، كذا قال الطيبي (3)، وفيه بعد وتكلف.
4181 -
[23](عمرو بن أمية) قوله: (يحتز) من الحز بالحاء المهملة والزاي بمعنى القطع، والجز بالجيم أيضًا يجيء بمعنى القطع، لكن الرواية بالحاء، وأيضًا بالجيم يستعمل في مثل الشعر والحشيش، وبالحاء في اللحم ونحوه.
4182 -
[24](عائشة) قوله: (يحب الحلواء) الحلواء يمد ويقصر، ولا يقع إلا على ما دخلته الصنعة جامعًا بين الدسومة والحلاوة، وحبه صلى الله عليه وسلم الحلواء ليس على
(1)"شرح النووي"(1/ 234).
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 144).
(3)
"شرح الطيبي"(8/ 144).
4183 -
[25] وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدْمَ. فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ،
ــ
معنى التشهي لها، وإنما هو إذا قدمت له نال منها نيلًا صالحًا، فيعلم به أنه يعجبه طعمها، ووقع في الحديث:([قلب] المؤمن حلو)(1)، وهل المراد به محبة الحلوى أو وجدان الحلاوة من إيمانه؟ وقد جاء:(وجد حلاوة الإيمان من رضي باللَّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا)، واختلف هل هي محسوسة أو معقولة؟ ويشهد للأول من قال: واطرباه غدا ألقى الأحبة محمدًا وحزبه، كذا في (مجمع البحار)(2)، ولا يخلو عن خفاء، فتأمل.
4183 -
[25](جابر) قوله: (سأل أهله الأدم) بضم الهمزة وسكون الدال هكذا صحح في الأصول المصححة، ومنها (صحيح مسلم) المقروء على الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب (القاموس) في مواضع متعددة، وفي بعض النسخ بضم الدال وهو ظاهر عبارة الطيبي، وقال الشيخ ابن حجر المكي في "شرح الشمائل": الأدم بسكون الدال مفرد كالإدام، وجمعه الأدم بضم الدال، واللَّه أعلم.
قال صاحب (النهاية)(3): الإدام بالكسر، والأدم بالضم: ما يؤكل مع الخبز، انتهى. ولا بد من قيد آخر وهو أن يصلح الخبز، وهذا هو المعنى اللغوي مأخوذ من الموادمة وهي الموافقة والمخالطة، ولكن قال علماؤنا: الإدام ما اصطبغ به كالخل والملح والزيت لا اللحم والبيض والجبن، هذا عندهما، وعند محمد: ما يؤكل مع
(1) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(8/ 88).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 553).
(3)
"النهاية"(1/ 31).
وَيَقُولُ: "نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ، نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2052].
4184 -
[26] وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "الْكَمأَةُ مِنَ الْمَنِّ. . . . .
ــ
الخبز غالبًا فهو إدام، وهو رواية عن أبي يوسف، كذا في (الكافي)(1).
وقوله: (نعم الإدام الخل) مكررًا مرتين، والمقصود من مدحه التنبيه على ترك الإسراف في المأكل ومنع النفس عن الملاذ، وقال في (القاموس): والخل: ما حَمُضَ من عصير العنب وغيره، وأجوده خل الخمر، مركب من جوهرين حار وبارد، نافع للمعدة واللِّثة والقروح الخبيثة والحكة ونهش الهوام وأكل الأفيون وحرق النار وأوجاع الأسنان، وبخار حاره للاستسقاء وعُسْر السمع والدَّوِي والطنين، كذا في (القاموس)(2).
4184 -
[26](سعيد بن زيد) قوله: (الكمأة) قال في (النهاية)(3): واحدها كمء على خلاف القياس، والقياس العكس كما في تمر وتمرة، وهي من النوادر، وهي بفتح كاف وسكون ميم وفتح همزة، والعامة لا تهمزه: شيء أبيض مثل شحم ينبت من الأرض يقال له: شحم الأرض، وفي العجم ديوكلاه، ويقال له في ديارنا: جترمار.
وقوله: (من المن) لم يرد أنها نوع من المن المنزل على بني إسرائيل، فإنه شيء كان يسقط عليهم كالترنجبين، بل أراد أنه شيء ينبت من الأرض من غير مؤنة وعلاج كالمن كان ينزل من السماء هكذا، وقيل: المراد أنه مما مَنَّ اللَّه به على عباده بإنعامه.
(1) انظر: "المبسوط"(8/ 177).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 914).
(3)
"النهاية"(4/ 199).
وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُوسَى عليه السلام". [خ: 5708، م: 2049].
4185 -
[27] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5440، م: 2043].
ــ
وقوله: (وماؤها شفاء للعين) قيل: إنه شفاء لها باستعمالها بحتًا، وقيل: يربي بها الكحل والتوتيا ونحوهما مما يكتحل به، لا أنه يكتحل به بحتًا لأنه يؤذي العين، وقيل: إن كان في العين حرارة فماؤه مجردًا شفاء وإلا فبالتركيب، والصواب أنه شفاء مطلقًا، وهو ظاهر الحديث كما في قوله تعالى:{شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69].
قال النووي (1): رأيت أنا وغيري من كان به عمى فكحل بمائه مجردًا فأبصر، وهو الشيخ كمال الدين الدمشقي صاحب صلاح ورواية للحديث، استعمل اعتقادًا وتبركًا به، وقال في (فتح الباري) (2): تؤخذ الكمأة فتشق وتوضع على الجمر حتى يغلي ماؤها، فيكتحل بمائها لأن النار تلطفه، انتهى. وسيجيء تتمة الحديث في (كتاب الطب والرقى).
4185 -
[27](عبد اللَّه بن جعفر) قوله: (يأكل الرطب بالقثاء) بكسر القاف وضمها، والكسر أشهر وتشديد المثلثة ممدودًا: الخيار، وفي (الشمائل) للترمذي (3): يأكل البطيخ بالرطب، وفي رواية: يأكل الخربز بالرطب، والخربز بكسر الخاء وسكون
(1)"شرح النووي"(14/ 5).
(2)
"فتح الباري"(10/ 164).
(3)
"الشمائل"(121).
4186 -
[28] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالأسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَطْيَبُ" فَقِيلَ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: "نَعَمْ،
ــ
الراء: البطيخ أيضًا معرب خربزة، وقد جاء: يأكل القثاء والقثد بالمجاج، والقثد بالقاف والمثلثة المفتوحتين: نبت يشبه القثاء. وفي (القاموس)(1): القثد محركة: نبت يشبه القثاء، أو ضرب منه، والمجاج بضم الميم بعده جيم: العسل.
وأما المراد بالجمع بينهما فقيل في المعدة، وقيل: في المضغ وهو الأظهر، وقيل: المقصود من الجمع كسر حر أحدهما ببرد الآخر وكسر برده بحرّه كما سيأتي في (الفصل الثاني)، يقول: يكسر حر هذا برد هذا وبرد هذا حرّ هذا، والظاهر أنه من الاتفاقات الواقعة أحيانًا، وقال السخاوي في (المقاصد الحسنة) (2): رواية يزيد بن رومان: الطبيخ بتقديم الطاء على الباء بمعنى المطبوخ.
4186 -
[28](جابر) قوله: (بمرّ الظهران) وادي على عدة أميال من مكة، ويقول له العامة: وادي فاطمة.
وقوله: (الكباث) بفتح الكاف وتخفيف الباء الموحدة: ثمرة الأراك أو نضيجها.
وقوله: (فقيل: أكنت ترعى الغنم؟ ) لما كانت معرفة الكباث ونحوه مخصوصة بأهل البادية ورعاة الغنم الذين يدورون في البوادي سألوه عن ذلك، وكانوا يعرفون ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فتذكروه حينئذٍ وسألوه سؤال تقرير، ويحتمل أن الحاضرين السائلين كانوا لم يعرفوه منه صلى الله عليه وسلم، فالاستفهام على حقيقة، واللَّه أعلم.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 292).
(2)
"المقاصد الحسنة"(434).
وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا رَعَاهَا؟ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5453، 3406، م: 2050].
4187 -
[29] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُقْعِيًا يَأْكُلُ تَمْرًا، وَفِي رِوَايَةٍ: يَأْكُلُ مِنْهُ أَكْلًا ذَرِيعًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2044].
4188 -
[30] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2489، م: 2045].
ــ
وقوله: (وهل من نبي إلا رعاها؟ ) ظاهر العبارة يفهم أن كل نبي رعاها، وقيل: أراد به أن اللَّه تعالى لم يضع النبوة إلا في أهل التواضع لا في أبناء الدنيا وملوكهم، وفي رعي الغنم العلم بسياسة الرعاية والشفقة على ضعفائهم، واللَّه أعلم.
4187 -
[29](أنس) قوله: (مقعيًا) المراد به هنا وضع الأليتين على الأرض ونصب الساقين، وفي الإقعاء المنهي عنه في الصلاة أقوال، أحدها هذا، وقد ذكرت في أبواب (كتاب الصلاة).
وقوله: (يأكل منه) كأنه جرى ذكر التمر، فأعاد الراوي الضمير إليه، ويحتمل أن صاحب (المصابيح) روى الراوية بالمعنى بإعادة الضمير إلى التمر المذكور في الرواية الأولى. وكان لفظ الراوي: يأكل من التمر.
وقوله: (أكلًا ذريعًا) أي: سريعًا مستعجلًا، قيل: كان هنا أمر أهم من ذلك فاستعجل لذلك.
4188 -
[30](ابن عمر) قوله: (أن يقرن) من باب نصر وضرب.
وقوله: (حتى يستأذن أصحابه) قيل: كان ذلك النهي في ابتداء الأمر حين كانوا في ضيق المعيشة ثم نسخ لخبر: (كنت نهيتكم عن القران في التمر، وإن اللَّه وسع عليكم فقارنوا)، هذا ولكن يحرم ذلك بلا شبهة إذا كانوا شركاء في الإنفاق من غير وجود رضًا صريحًا أو دلالة، وأما في صورة الشركة فالأدب باق.
4189 -
[31] وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ". وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ" قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2064].
4190 -
[32] وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ. . . . .
ــ
ولعل ورود الحديث في غير صورة الشركة نهيًا وإباحة على ما يدل عليه ظاهر قوله: (إلا أن يستأذن صاحبه)، ولو حمل النهي على الإطلاق والإباحة على غير صورة الشركة لكان له وجه أيضًا كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم:(كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها): إن النهي كان مطلقًا، أي: للرجال والنساء، فأبيح للرجال، والنساء باقية على النهي، فتدبر، واللَّه أعلم.
4189 -
[31](عائشة) قوله: (لا يجوع أهل بيت عندهم التمر) فيه فضيلة التمر، وجواز ادخاره للعيال والحث عليه، وهكذا رأينا من عادة أهل المدينة المطيبة على ساكنها السلام والتحية (1).
4190 -
[32](سعد) قوله: (من تصبح) أي: أكل وقت الصباح، أي: على الريق.
وقوله: (تمرات عجوة) روي بالإضافة من إضافة العام إلى الخاص وبالتنوين
(1) قال المظهر: هذا الحديث يدل على أن كل بيت لا تمر فيه يجوع أهله، وإن كان فيه الخبز وغيره من الأطعمة، وليس الأمر كذلك، بل مراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الحديث أهل المدينة، ومن كانت عادتهم أن يكون التمر قوتهم وليس لهم الخبز، أو يكون لهم الخبز ولكن اعتادوا أن لا يشبعوا بالخبز دون التمر، ويحتمل أن يريد صلى الله عليه وسلم تعظيم شأن التمر كيلا يحتقر الناس التمر الذي هو نعمة من نعم اللَّه. "المفاتيح"(4/ 508).
لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلَا سِحْرٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5445، 5769، م: 2047].
4191 -
[33] وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً، وَإِنَّهَا تِرْيَاقٌ أَوَّلَ البُكْرَةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2048].
ــ
مع نصب عجوة على أنه تمييز، أو جرها على أنه عطف بيان، والعجوة بفتح المهملة وسكون الجيم: نوع من تمر المدينة يضرب إلى السواد من أجود تمرها، يقال: إنه من غرس النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد:(العجوة من الجنة)، وقد ثبت غرسه في قضية إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه كما في (شمائل الترمذي)، ويحتمل أن يكون في غيرها، واللَّه أعلم. (والسم) مثلثة السين والفتح أشهرها، وكذلك سم الخياط، والمراد هنا إما القاتل المعروف، أو ما يشمل سموم الحية والعقرب وأمثالهما المسماة سامة، وقد وقع الاستعاذة من شرها في قوله:(من شر السامة والهامة).
4191 -
[33](عائشة) قوله: (إن في عجوة العالية) الإضافة إلى (العالية) لأنها لا تكون إلا في تلك النواحي من المدينة ولو كان في غيرها أيضًا، لعل هذه الخاصية اختصت بها، وفي رواية لمسلم:(من أكل سبع تمرات من بين لابتيها)، ويفهم منه وجود هذه الخاصية في جميع تمرات المدينة، ويمكن تخصيصها بالعجوة من العالية بقرينة باقي الأحاديث.
وقوله: (وإنها ترياق) وهو بكسر التاء وضمها: دواء مركب معروف، ومنه الترياق الفاروق، وقد يكون خرزة يدفع السم بالخاصية، وهذه الجملة إما مبنية إن خص الشفاء بالسم كما يفهم من الحديث السابق أو تخصيص بعد التعميم إن عم، وقد جاء في بعض الروايات:(شفاء لكل داء)، فتعين التخصيص.
وقوله: (أول البكرة) متعلق بقوله: (ترياق) لكونه في معنى نافعة للسم، ثم
4192 -
[34] وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا، إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنْ يُؤْتَى بِاللُّحَيْمِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6458، م: 2972].
4193 -
[35] وَعَنْهَا قَالَتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ يَوْمَيْنِ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ إِلَّا وَأَحَدُهُمَا تَمْرٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6455، م: 2971].
ــ
كون العجوة شفاء مما ذكر إما بخاصية ذلك النوع أو من دعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة وهو المختار، وعدد السبع توقيفي موكول إلى علم الشارع، ومثل هذا من مظان امتحان الإيمان، وقد وقع الكلام فيه في (شرح سفر السعادة)(1).
4192 -
[34](عائشة) قوله: (إلا أن يؤتى) قيل: إنه استثناء منقطع، أي: لكن وقت إيتاء اللحم وإرساله إلينا كنا نأكل منه، والأظهر أنه متصل، إما من قوله:(نوقد) أي: لا نوقد نارًا ولا نطبخ شيئًا إلا وقت إيتاء اللحم، فحينئذ نوقدها لطبخه أو مما يفهم من قوله:(إنما هو التمر والماء) من الجزء السلبي للحصر، أي: لا يكون قوتنا غير التمر في جميع الأوقات إلا وقت الإيتاء، والتصغير في (اللحيم) للتقليل، وقيل: للتعظيم والمحبة لكونه سيد الإدام أو محبوبًا في مثل هذا الوقت، ثم الظاهر تنكيره المفيد للتقليل، ولعل تعريفه لكونه متعينًا حاضرًا في الذهن خصوصًا في هذا الوقت.
4193 -
[35](عائشة) قوله: (إلا وأحدهما تمر) أي: أحد اليومين ذو تمر أو يوم تمر، ثم الظاهر أنه استثناء منقطع فإن حال كون أحدهما تمرًا ليس حال الشبع يومين من خبز بر، ويجوز أن يكون من قبيل: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم سلول،
(1)"شرح سفر السعادة"(ص: 483).
4194 -
[36] وَعَنْهَا قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5383، م: 2975].
ــ
أي: ما شبع آل محمد يومين في حال من الأحوال إلا حال كون اليومين موصوفين بكون أحدهما تمرًا، وهذا ليس حال الشبع لما قد عرف عرفًا أن ذلك ليس بشبع فلا يكون ثمة شبع فضلًا عن أن يكون من خبز بر.
ثم الموجود في نسخ (المشكاة): (خبز)، وقد جاء عن عائشة في (شمائل الترمذي) (1): ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعن أبي أمامة: ما كان يفضل عن أهل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خبز الشعير، ويفهم من عبارة الطيبي أن المذكور هنا أيضًا خبز شعير، وفي (صحيح البخاري) في (كتاب الأطعمة): ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعًا حتى قبض، وفي بعض الروايات: ما شبع آل محمد ثلاثة أيام، أي: متواليات، وفي رواية: ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام، وذلك لفقرهم أو لإيثارهم على الغير أو لأنه مذموم.
4194 -
[36](عائشة) قوله: (من الأسودين) المراد بهما: التمر والماء تغليبًا؛ لأن الأسود إنما هو التمر دون الماء، والتغليب يجري في اسم الجنس كالأبوين، وفي العلم كالحسنين، وذكر الماء تبعًا وطفيلًا للتمر فإنهم كانوا في سعة من الماء ولو كانوا في غور منه، فلا يكون الشبع منه، ولا حاجة إلى اعتبار التغليب فيه، كما فعله الطيبي (2) باعتبار إرادة الشبع والري معًا، ثم عدم الشبع بهما إنما هو بعدم الشبع في ذلك
(1)"شمائل الترمذي"(ص: 98).
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 151).
4195 -
[37] وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأُ بَطْنَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2988].
4196 -
[38] وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ أَكَلَ مِنْهُ، وَبَعَثَ بِفَضْلِهِ إِلَيَّ، وَإِنَّهُ بَعَثَ إِلَيَّ يَوْمًا بِقَصْعَةٍ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا لأَنَّ فِيهَا ثُومًا،
ــ
الزمان لكمال الرياضة والتقوى لا من القلة، والحديث الآتي: وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه، ربما ينظر بظاهره إلى الثاني، ويحتمل حمله على الثاني أيضًا، والقلة لجوده وإيثاره.
4195 -
[37](نعمان بن بشير) قوله: (في طعام وشراب) إما ظرف، أي: كائنين فيهما أو مفرطين متوسعين.
وقوله: (ما شئتم) إما أن تكون (ما) موصولة بدل من طعام وشراب، أي: أيّ شيء شئتم، أو مصدرية، أي: أيّ وقت مشيئتكم، ثم المراد به إما إلزام الشكر عليهم بالغناء ودفع الفقر والحاجة وإثبات التقصير بترك اتباعه صلى الله عليه وسلم في هذه العزيمة والتعيير والتوبيخ عليه.
وقوله: (لقد رأيت نبيكم) يجتمع مع المعنيين كليهما عند التأمل، و (الدقل) أردأ التمر أو ما لم يكن أجناسًا معروفة، كذا في (القاموس)(1).
4196 -
[38](أيوب) قوله: (وعن أبي أيوب: قال كان النبي. . . إلخ)، وكان ذلك حين نزل صلى الله عليه وسلم في بيته، وخصه بهذه الفضيلة أول ما هاجر إلى المدينة،
(1)"القاموس المحيط"(ص: 919).
فَسَأَلْتُهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ أَكْرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ". قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا كَرِهْتَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2053].
4197 -
[39] وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا" أَوْ قَالَ: "فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا أَوْ لِيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ"،
ــ
وكان الصحابة يبعثون إليه بأطعمته.
وقوله: (فسألته) لما رأى أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكله على خلاف عادته في تأليف قلوب أصحابه ظن أنه حرام عليه صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك.
وقوله: (فإني كره ما كرهت) وإن لم يكن عندي وجه الكراهة ما عندك، بل علة الكراهة عندي نفس كراهتك، وهكذا الحال في اتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم من غير نظر إلى سبب فعله، هذا ما يفهم من العبارة وهو حق، ويمكن أنه جعل سبب الكراهة حضور مجلسه صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتناجي معهم، ولكنه قصد إثبات حقيقة الاتباع الذي يكون الباعث عليه صرف المحبة.
4197 -
[39](جابر) قوله: (أو قال: فليعتزل مسجدنا) قيل: المراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد جنس المسجد، والمراد مساجد المؤمنين، وكذا الحكم في الجامع، وإليه الإشارة بقوله:(فليعتزلنا)، وقد مرّ في (باب المساجد ومواضع الصلاة) من (كتاب الصلاة).
وقوله: (أو ليقعد في بيته) إما أن يكون هذا أيضًا من شك الراوي، وكان المراد أنه صلى الله عليه وسلم إما أن قال: من أكل ثوما أو بصلًا فليعتزلنا، أو قال: فليعتزل مسجدنا، أو قال: من أكل ثومًا أو بصلًا فليقعد في بيته، ولم يجالس أحدًا لا في المسجد ولا في غيره، وأن لا يكون من شك الراوي، ويكون متعلقًا بالثاني، أعني: فليعتزل مسجدنا بطريق التخيير، ويكون المعنى يحرم عليه دخول المسجد الذي هو منزل الملائكة
وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتُ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَقَالَ:"قَرِّبُوهَا" إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: "كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُناجِي". . . . .
ــ
ومجلس الرسول وعظماء أصحابه، ولكن يباح له المصاحبة والمجالسة مع سائر الناس من أهل البوادي والأسواق، أو لم يجالس أحدًا من الناس ويقعد في بيته وأهله المشاركين له غالبًا في أكلهما، فهذا أولى بحال المؤمن في عدم إيذاء الناس، وعدم زيادة لفظ (قال) على قوله:(أو ليقعد) كما زاد على قوله: (فليعتزل مسجدنا)، ربما يرجح الاحتمال الثاني فليفهم.
وقوله: (أتي بقدر) بكسر القاف معروف، وفي رواية:(ببدر) بموحدة مفتوحة بدل القاف، وهو طبق يتخذ من الخوص، سمي به لاستدارته كالبدر، وقالوا: هذا أصوب؛ أما رواية فهم أعرف بذلك، وأما دراية فلأن الظاهر المتعارف إهداء الطعام في الطبق دون القدر، إلا أن يقال: إن هذا الطعام الذي فيه الخضرات تناسب القدر، والأمر في ذلك سهل، و (الخضرات) بفتح الخاء وكسر الضاد، في (القاموس) (1): الخضر ككتف: البقلة الخضراء، ويروى بضم الخاء وفتح الضاد بمعناه، والأول أصح، والمراد مثل الثوم والبصل.
وقوله: (قربوها إلى بعض أصحابه) أي: مشيرًا إلى بعض أصحابه، أي: قال: قربوها إلى فلان.
وقوله: (قربوها) يؤيد رواية القدر؛ لأن القدر يذكر ويؤنث بخلاف البدر، ويجوز أن يرجع إلى الخضرات.
وقوله: (فإني أناجي من لا تناجي) أراد به جبرئيل عليه السلام والملائكة، أي: أكلمهم
(1)"القاموس المحيط"(ص: 36).
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 855، م: 564].
4198 -
[40] وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكُ لَكُمْ فِيهِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 2128].
4199 -
[41] وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ،
ــ
وأجالسهم، والملائكة أشد تحرزًا وتأذيًا من الروائح النتنة، وكان صلى الله عليه وسلم يترصد نزول الوحي والملائكة في كل حين، ولعله يصادف هذا الوقت، أو أنه صلى الله عليه وسلم لما كان يجالس الملائكة ترك ما كانوا يكرهونه ويؤذيهم مطلقًا؛ تنظفًا ورعاية لحقوق الصحبة في ترك ما يؤذي الصاحب مطلقًا، فافهم.
4198 -
[40](المقدام) قوله: (كيلوا طعامكم) احترازًا عن الإسراف والتعين في الإنفاق، وعن الجهالة في البيع والشراء والقرض وأمثالها، والبركة لازمة لرعاية مقتضى الحال والتدبير خصوصًا إذا وردت فيه السنة.
4199 -
[41](أبو أمامة) قوله: (مائدته) في (القاموس)(1): المائدة: الطعام، أو الخوان عليه الطعام؛ فإن حمل على الأول فالضمير للنبي قطعًا، وإن أريد الثاني جاز أن يكون للطعام ويأول معنى رفعه إلى رفع المائدة، فإن قيل: قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان، قيل: لعله لم يأكل عليه عادة وأكل لموافقة جماعة، كذا قال الكرماني (2)، وإذا أريد بالمائدة الطعام فلا إشكال، وقيل: المراد السفرة والطبق الذي وضع عليه الطعام.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 303).
(2)
انظر: "شرح الكرماني"(20/ 27).
غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 5458].
ــ
وقوله: (غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا) صححوا هذه العبارة، وبينوا معناها على وجوه، أحدها: رفع (غير) و (ربنا)، فهذه كلها صفات للرب تعالى، و (ربنا) مبتدأ و (غير مكفي) خبره، (ولا مودع ولا مستغنى عنه) عطف عليه بزيادة (لا) للتأكيد كما في {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، و (مكفي) من الكفاية، والمعنى أن اللَّه تعالى هو المطعم والكافي وهو غير مطعم ولا مكفى أخذًا من قوله تعالى:{وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14]، واعتبار عدم الكفاية في الإطعام باعتبار المقام وإلا جاز اعتبارها مطلقًا؛ إذ الرب تعالى يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء، (ولا مودع) أي: غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده، (ولا مستغنى عنه) معناه ظاهر.
وقد كتب في بعض النسخ: (غير مودع) بكسر الدال، أي: غير تارك عبده الملتجئ إليه خائبًا، إشارة إلى مضمون قوله تعالى:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3].
ويجوز أن يكون رفعهما لكونهما خبرين لمبتدأ محذوف، أو لكون (غير) خبرًا، و (ربنا) بدلًا منه، ويمكن أن يكون رفع (ربنا) أو رفعهما على المدح.
وثانيها: نصب (غير) و (ربنا)، فنصب (ربنا) على النداء بحذف حرف النداء أو على المدح، وأما نصب (غير) فعلى الحال إما من الطعام الدال عليه سياق الكلام أو نحو ذلك، و (مكفيء) مهموز من كفأت الإناء، أي: قلبته، والمكفيء: الإناء المقلوب للاستغناء عما فيه أو لعدمه، فالحمد للَّه على إطعام الطعام أو على ما رزقنا هذا الطعام حال كون الطعام غير مقلوب ولا مردود، ويقرب منه في المعنى (ولا مودع)
4200 -
[42] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكُلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2734].
وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنْيَا فِي "بَابِ فَضْلِ الْفُقَرَاءِ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ــ
أي: متروك و (لا مستغنى عنه) أو من الحمد، و (مكفي) إما بهذا المعنى أو من الكفاية أي: نحمدك حمدًا لا نكتفي به بالمرة الواحدة بل نعود فيه مرة بعد أخرى، ولا متروك ولا مستغنى عنه، بل يجب الإتيان به لتوارد النعم، ولو قيل: في الطعام أيضًا من الكفاية، أي: ليس هو مما يكتفى به مرة واحدة، بل نعود فيه ونحتاج إليه مرة بعد أخرى لكان وجهًا.
وثالثها: رفع (غير) على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: وهو غير مكفي والضمير للطعام، ويجوز أن يكون للَّه أو للحمد على ما عرفت، ونصب (ربنا) على النداء أو المدح.
ورابعها: عكس هذا الوجه، أما نصب (غير) فعلى الحال، ورفع (ربنا) على الخبرية لمحذوف، أو على المدح، وقد يجوز جره على البدلية إما من (اللَّه) أو من الضمير في (عنه) إن كان للَّه، فهذا استيفاء الوجوه المحتملة هنا، ولم نر من جمعها كلها، بل قد يكون فيما ذكرنا بعض ما لم يذكروه، واللَّه أعلم.
4200 -
[42](أنس) قوله: (الأكلة) بفتح الهمزة للمرة، ويضمها بمعنى اللقمة، والأول هو أكثر، و (الشربة) بالفتح ليس إلا.