الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
4514 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ داءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5678].
4515 -
[2] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ داءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءٌ الدَّاءَ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2204].
ــ
مثل البخور والألوان وحفظ الساعات أيضًا مكروه حرام عند أهل الديانات.
الفصل الأول
4514 -
[1](أبو هريرة) قوله: (ما أنزل اللَّه داء) أي: ما خلق وقدر داء إلا خلق وقدر له دواء، وقد يعبر عن الخلق والتقدير بالإنزال من السماء؛ لأن كل الأمر الإلهي التكويني ينزل من السماء، قال اللَّه تعالى:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]، وقال الطيبي (1): ما أصاب أحدًا بداء إلا قدر له دواء.
4515 -
[2](جابر) قوله: (برأ بإذن اللَّه) في (القاموس)(2): برأ المريض يبرأ ككرم وفرح، بِرْءًا وبُرْءًا وبُرُوءًا، وأبْرَأَهُ اللَّهُ، فهو بارِئٌ وبَرِيءٌ، والجمع بِراءٍ كَكِرَامٍ، وفي (الصراح) (3): برأ بالضم: به شدن أز بيماري، بفتح العين في الماضي والمضارع، وأهل الحجاز يقولون: برأت من المرض، برأ بالفتح وهو بارئ من مرضه، وبراءة: بيزار شدن أز عيب ودام ومانند آن، بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع برء آفريدن بفتحهما وهو البارئ.
(1)"شرح الطيبي"(8/ 284).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 46).
(3)
"الصراح"(ص: 3).
4516 -
[3] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتي عَنِ الْكَيِّ (1) ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5680].
ــ
4516 -
[3](ابن عباس) قوله: (الشفاء في ثلاث: في شرطة محجم) في (القاموس)(2): الحجم: المص، والمحجم بكسر: ما يحجم به، وحرفته: الحجامة ككتابة. واحتجم: طلبها، والشرطة: ضرب المشرط على موضع الحجامة، في (الصراح) (3): مشرط مشراط: نشتر.
ثم ظاهر عبارة الحديث يدل على الحصر كما في قولهم: الكرم في العرب، وهو صحيح باعتبار الإشارة إلى أنواع الأمراض باعتبار ذكر بعض عمدة أفراده، وتوجيهه ما قال بعض العلماء: إن هذا الحديث إشارة إلى معالجة جميع الأمراض يعني المادية، فإن الأمراض المادية إما دموية أو صفراوية أو بلغمية أو سوداوية، فإن كانت دموية فعلاجه بإخراج الدم، وإليه الإشارة بقوله: محجم، وإن كانت الأقسام الثلاثة الأخر فعلاجه بالإسهال، وعليه نبه بقوله:(شربة عسل) فإنه من المسهلات، وأشار بذكر الكي إلى حالة يعجز الطبيب عن المعالجة فيها؛ لأنه يندفع بالكي الخلط الباغي الذي لا تتحسم مادته إلا بالكي، ولهذا قالوا: آخر الدواء الكي، انتهى ملخصًا.
وأما النهي عن الكي مع كونه علاجًا وشفاء فمن جهة أن العرب كانوا يعظمون شأنه ويقولون: إنه يحسم المادة بالقطع وإن لم يفعل أدى إلى الهلاك حتى اشتهر بينهم آخر الدواء الكي، فنهى عنه تحرزًا عن الوقوع في شبكة الشرك الخفي، والنهي
(1) في نسخة: "من الكي".
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 1007).
(3)
"الصراح"(ص: 293).
4517 -
[4] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: رُمِيَ أُبَيٌّ يَوْمَ الأَحْزَابِ. . . . .
ــ
تنزيهي، وإن فعل ويرجو الشفاء من اللَّه سبحانه جاز، وقيل: النهي عن الكي إنما هو في موضع خطر وتردد حيث يخاف السراية والهلاك ولم يقطع بالنفع.
وتفصيل الكلام في هذا المقام أن الأحاديث والأخبار في باب الكي وردت متخالفة، بعضها يدل على الجواز كما يعلم من فعله صلى الله عليه وسلم ببعض أصحابه رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين كما هو مذكور في الكتاب، وبعضها دال على النهي عنه كهذا الحديث والحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود عن عمران بن الحصين رضي الله عنه أنه قال: كان ينهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الكي، فابتلينا به فلم نفز الفلاح والنجاح (1)، وحديث مسلم (2) عنه رضي الله عنه أنه قال: كنت أسمع التسليم من الملائكة، فلما اكتويت حجبت عنه، فتبت فرجع الحال كما كان أو كما قال. وقد جاء في حديث:(إني لا أحب الكي)، وقد ورد المدح والثناء على تركه كما في حديث المتوكلين.
ووجه التوفيق بين الأحاديث أن النهي محمول على حالة الاختيار من غير داعية مرض، أو لا يحتاج إليه في دفع المرض بإمكان العلاج بدواء آخر، أو على ما ذكرنا من أن النهي للحذر عن الوقوع في ورطة الشرك الخفي، وقيل: إن أمره صلى الله عليه وسلم بالكي لبعض أصحابه من جهة فساد الجراحة وقطع العضو، والبرء في ذلك متيقن، وبالجملة الأفضل ترك الكي اللهم إلا إذا انحصر العلاج فيه بقول طبيب حاذق، واللَّه أعلم.
4517 -
[4](جابر) قوله: (رمي أبي) أي: ابن كعب كما جاء في الحديث الآتي، وكان ذلك في غزوة الأحزاب.
(1) أخرج نحوه الترمذي (2049)، وأبو داود (3865).
(2)
"صحيح مسلم" نحوه (1226).
عَلَى أَكْحَلِهِ فَكَوَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2207].
4518 -
[5] وَعَنْهُ قَالَ: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ، ثُمَّ وَرَمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2208].
4519 -
[6] وَعَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ، طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا،
ــ
وقوله: (على أكحله) وهي اسم لعرق في متصل الذراع والساعد يغلب فيه الفصد، ويسمى عرق الحياة، ونهر الحياة، والعامة يسمونه عرق الأعضاء السبعة، وفي كل عضو منه شعبة، واسم مفرد في اليد اسمه أكحل، وفي الفخذ النساء بفتح النون، لكن يقال هنا: عرق النساء بإضافة العرق إليه، ولا يقال هنا: عرق الأكحل بل الأكحل بدون الإضافة، وعرق النساء اسم مرض شديد مشهور، وتسميته به؛ لأن ألمه ينسي ما سواه ويشغل المريض به.
4518 -
[5](وعنه) قوله: (رمي سعد بن معاذ في أكحله) وهو أيضًا في غزوة الخندق التي تسمى غزوة الأحزاب.
وقوله: (بمشقص) أي: بنصل، وفي (القاموس) (1): المشقص، كمنبر: نَصْلٌ عريض، أو سهم فيه ذلك، أو النصل الطويل، أو سهم فيه ذلك، والمعبلة، كمكنسة: النصل الطويل العريض، وفي (الصراح) (2): مشقص: بيكان بهن دراز، وقال أيضًا: معبلة: بيكان بهن دراز.
4519 -
[6](وعنه) قوله: (فقطع منه عرقًا) وهو الأكحل كما مرّ في
(1)"القاموس المحيط"(ص: 574، 947).
(2)
"الصراح"(ص: 270).
ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2207].
4520 -
[7] وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: السَّامُ: الْمَوْتُ، وَالْحَبَّةُ السَّوْداءُ: الشَّونِيزُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5688، م: 2215].
ــ
الحديث السابق.
4520 -
[7](أبو هريرة) قوله: (الشونيز) بفتح الشين وضمها وكسر النون، ويقال: الشنيز والشهنيز أيضًا، كذا في (القاموس)(1)، ثم اعلم أنه قال الطيبي (2): إن لفظ الحديث وإن كان عامًا لكنه مخصوص بأمراض تحدث من الرطوبة والبلغم؛ لأن الشونيز حار يابس فهو شفاء للداء المقابل له في الرطوبة والبرودة، وذلك لأن الدواء يكون أبدًا بالمضاد، والعلاج (3) بالمشاكل، انتهى. قيل: محمول على العموم لأن الحبة السوداء يدخل في كل داء بالتركيب، وقال الكرماني (4): يتعين العموم بدليل الاستثناء، وقال صاحب (سفر السعادة): كان جمع من الأكابر يعالج في مجموع الأمراض بالحبة السوداء، وبعضهم يستعمل في مجموعها العسل، فكان يرزق الشفاء ببركة حسن اعتقاده.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 476).
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 287).
(3)
كذا في الأصل، وفي "شرح الطيبي":"الغذاء".
(4)
"شرح الكرماني"(20/ 211).
4521 -
[8] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اسْقِهِ عسَلًا" فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ:"اسْقِهِ عَسَلًا". فَقَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا استِطْلَاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ" فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5684، م: 2217].
ــ
4521 -
[8](أبو سعيد الخدري) قوله: (صدق اللَّه) الأكثرون على أن المراد به صدق تعالى في قوله: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69]، وقال بعضهم: أوحي إليه صلى الله عليه وسلم أن شفاء بطنه في شربة عسل، وقال: هذا التوجيه أولى؛ لأن قوله: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} لا يدل على أن العسل شفاء لكل داء، على أنّ مجاهدًا ذهب إلى أن الضمير راجع إلى القرآن وإن كان ضعيفًا من القول مخالفًا للظاهر، ولما ذهب إليه جمهور المفسرين من الصحابة والتابعين، والأحاديث الواردة في ذلك.
وقوله: (وكذب بطن أخيك) أي: أخطأ الشفاء ولم يقبله، والعرب يستعمل الكذب في الخطأ، يقول: كذب سمعه: إذا أخطأ ولم يدرك حقيقة ما سمع، وقال الإمام فخر الدين الرازي (1): إنه صلى الله عليه وسلم أدرك بنور الوحي أن العسل ينفع آخرًا عن استطلاق بطنه، ولما لم يظهر في الحال كأنه قال البطن أو صاحب البطن: إنه غير نافع عنه، وقد كذب في هذا القول، فلهذا المعنى أطلق الكذب، فافهم.
وقوله: (فسقاه فبرأ) وقد ظهر من هذا كمال حذاقته صلى الله عليه وسلم في هذا العلاج، وذلك لأن الاستطلاق كان لامتلاء المادة الفاسدة فلا بد من إخراجه، ولهذا كرر الأمر بسقيه؛
(1)"التفسير الكبير"(20/ 239).
4522 -
[9] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالقُسْطُ الْبَحْرِي". مُتَفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5696، م: 1577].
ــ
لأن الدواء ما لم يبلغ في المقدار ما يوافق إزالة المرض لم ينفع، وإذا نقص من ذلك المقدار لا يزيل المرض، وإذا زاد أسقط القوى، ولما لم يسقه في كل مرة ما يقاوم المرض كان يزيد مرضه وأمر بإعادة السقي حتى يبلغ حده، فقال:(صدق اللَّه) أي: في كون العسل شفاء، أو فيما أوحي أنه ينفع من هذا الدواء، (وكذب بطن أخيك)، وكذبه عبارة عن كثرة المواد الفاسدة، ولما سقاه ما يفي في إخراج تلك المواد ظهر نفعها وبرأ.
وقال بعض العلماء: الطب النبوي لا نسبة له إلى طب الأطباء؛ لأنه متيقن النجح، إذ هو صادر عن وحي إلهي ومشكاة نبوة وكمال عقل، وأما طب غيره فهو في الغالب صادر عن حدس وظن وتجربة، وهي مثار الخطر ومظان الخطأ، ومن لم ينتفع بالطب النبوي فذلك من نقص إيمانه وسوء اعتقاده، ومن تلقاه بصدق قبول وحسن اعتقاد انتفع به يقينًا، ولذلك حمل بعضهم كذب البطن على عدم صدق النية وخلوص الاعتقاد، فافهم، وباللَّه التوفيق.
4522 -
[9](أنس) قوله: (والقسط البحري) بضم القاف ويقال: بالكاف أيضًا، وسكون السين المهملة من الأدوية المشهورة، وعقاقير البحر طيب تتبخر به النفساء، وفيه منافع كثيرة: يدرّ الحيض والبول، ويدفع السموم، ويحرك شهوة الجماع، ويقتل شربه ديدان المعدة، وينفع حمى الربع ويدفع طلاؤها الكلف والبهق، وينفع بخوره الزكام والسحر والوباء وغيرها من المنافع المذكورة في كتب الطب، والقسط نوعان بحري وهندي، والبحري أبيض وهو أفضل من الهندي، وأقل حرارة منه، ووصف بالعربي أيضًا، وجاء في رواية:(والقسط الهندي) وفسروه بالعود الهندي أيضًا.
4523 -
[10] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ الْعُذْرةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5696، م: 1577].
4524 -
[11] وَعَن أُمِّ قَيْسٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بِهَذَا الْعَلَاقِ؟ عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ،
ــ
4523 -
[10](وعنه) قوله: (من العذرة) بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة: وجع يهيج في الحلق فيغمز ذلك الموضع، فيخرج منه دم أسود.
وقوله: (وعليكم بالقسط) وقد جاء في حديث أحمد في (مسنده) طريق العلاج بالقسط بأن تحل القسط بالماء ويسعط، والسعوط: هو صب الدواء في الأنف، وطريقه أن يستلقي المريض على ظهره ويخفض رأسه ويصب الدواء في أنفه حتى يصل إلى الدماغ فيخرج الداء بالعطاس، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمدح السعوط وكان يسعط بنفسه، وقد استبعد بعض من ينسب إلى الطب علاج العذرة بالقسط بأن القسط حار، وعروض العذرة للصبيان من الحرارة لا سيما في القطر الحجازي وهو حار أيضًا، ودفعه بعض العلماء بأن مادة العذرة دم يغلبه البلغم، فيوافقه العلاج بالقسط لأنه مجفف ومقو للعضو، وقد يكون نفع الدواء بالخاصية مع أنه يمكن أن يكون ذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
4524 -
[11](أم قيس) قوله: (على ما تدغرن) ما استفهامية، والدغر بالدال المهملة والغين المعجمة آخره راء: غمز الحلق ورفع المرأة لهاة الصبي بإصبعها.
وقوله: (بهذا العلاق) بفتح العين، وقد يجعل في بعض النسخ بالكسر والضم، وفي بعضها:(بهذا العلق)، ومعناه هذا الغمز والدغر المذكور، وفي بعض الروايات (الإعلاق) من باب الإفعال، وقيل: هذه الرواية أولى وأصوب، وبعضهم ادعوا شهرتها
فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ، يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5713، م: 2214].
ــ
مع أن الرواية الأولى للبخاري، والثانية جاءت في مسلم، ومعنى الإعلاق هو العلاج المذكور، وقد يجعل الهمزة للإزالة بمعنى إزالة العلوق، والعلوق هو الداهية، ولو جعل بمعنى إزالة العلق محركة بمعنى الدم لكان أيضًا وجهًا.
وقوله: (فإن فيه سبعة أشفية) أي: فيه شفاء من مبعة أمراض، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى سبعة من منافعه إلى ما يناسب أحوال القوم وهو لا ينافي الزيادة عليها، وخص منها (ذات الجنب) وهي من الأمراض المهلكة بالذكر، وقيل: المراد بالسبعة الكثرة مطلقًا، ويجيء في كلام العرب بهذا المعنى كالسبعين، واللَّه أعلم.
وقوله: (منها ذات الجنب) وهو ورم حار في نواحي الصدر في العضلات الباطنة والحجاب الداخل والحجاب الحاجز بين آلات الغذاء وآلات النفس، ويسمى هذا القسم منه الخالص، وهو أعظم وأخوف الأقسام، أو في عضلات خارجة ظاهرة، أو حجاب خارج بمشاركة الجلد، ومن أمراض ذات الجنب حمى حارة وسعال وضيق نفس ووجع ناخس وعطش واختلاط الذهن، وهي حجاب من الأمراض الشديدة المهلكة العسيرة العلاج، نعوذ باللَّه منها، وقد أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علاجها بالقسط البحري، وفي (جامع الترمذي)(1) عن زيد بن أرقم بقسط بحري وزيت، ثم بين الفرق بين علاج ذات الجنب والعذرة بالقسط البحري بقوله:(يسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب)، وقد عرفت معنى السعوط، واللدود: صب الدواء من أحد جانبي الفم، وقد مرّ بيانه وتفصيله في الفصل الثاني من (باب الترجل).
(1)"سنن الترمذي"(2079).
4525 -
[12] وَعَنْ عَائِشَةَ وَرَافِعٍ بنِ خَدِيجٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3263، م: 2210].
ــ
4525 -
[12](عائشة، ورافع بن خديج) قوله: (فابردوها بالماء) بهمزة وصل وضم راء من باب نصر متعد، في (الصراح) (1): برد: سرما نقيض حر، وسرد كردن بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع، وماء مبرود وبرودت خنكي وسردي، نقيض حرارت بضم العين فيهما، وأبردته لغة رديئة، وفي (القاموس) (2): برد كنصر وكرم، وماء بارد وبرود، وبُراد بالضم ومبرود، وقد برّده بردًا جعله باردًا، وأبرده جاء به باردًا، وفي (النهاية) (3): أبردوا بالظهر، فالإبراد: انكسار الوهج والحر، وهو من الإبراد بمعنى الدخول في البرد. ثم هذا الخطاب بأهل الحجاز باعتبار الأكثر والأغلب؛ لأن أكثر ما يعرض لهم الحمى اليومية من شدة حرارة الشمس أو حركة مفرطة أو غضب أو يقظة، ولا شك أن الحمى الصفراوية ينفعها التبريد بالماء.
ثم اختلفوا في أن التبريد هل يشمل الغسل، فقال بعضهم: نعم، بدليل، ما جاء في الحديث:(إذا حم أحدكم فليرشّ عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر)(4)، وفي (مسند الإمام أحمد) (5):(كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا حمّ دعا بقربة من ماء فأفرغها على رأسه فاغتسل)، وفي (جامع الترمذي) (6): (إذا أصاب أحدكم الحمى فإنما الحمى قطعة
(1)"الصراح"(ص: 122).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 256).
(3)
"النهاية"(1/ 114).
(4)
أخرجه النسائي في "سننه"(7612).
(5)
لم أجده في "مسند أحمد" وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(4/ 447).
(6)
"سنن الترمذي"(2084).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من النار فليطفئها عنه بالماء، فليستنقع نهرًا جاريًا ليستقبل جرية الماء) الحديث، مضى في الفصل الثالث من (باب العيادة)، فهذه الأحاديث صريحة في أن التبريد شامل للاغتسال، ولما كان المراد هنا الحمى الصفراوية التي تعرض لأهل المزاج الحار اشتد التبريد بحسب اشتداد الحرارة الصفراوية.
ونقل الطيبي (1) أن معنى الحديث تبريد الحمى الصفراوية بسقي الماء البارد ووضع أطراف المحموم فيه، فإنما أمر بإطفاء الحمى وتبريدها بالماء على هذا الوجه دون انغماس الماء وغط الرأس، والأطباء يسلمون أن الحمى الصفراوية يبرد صاحبها بسقي الماء البارد الشديد البرودة، ويسقونه الثلج، ويغسلون أطرافه بالماء البارد.
وقد ذكر مسلم في (صحيحه)(2) عن أسماء أنها صبت الماء في جيب المرأة الموعوكة وقالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (ابردوها بالماء)، فهذه أسماء راوية الحديث مع قربها من النبي صلى الله عليه وسلم تأول الحديث على نحو ما قلناه، وأما ما روينا عن الترمذي فشيء خارج عن القواعد الطبية داخل في قسم المعجزات، ألا ترى كيف قال:(صَدِّق رَسُولَكَ)، وفي آخره:(بإذن اللَّه)، انتهى.
وأما الرش فيقول هذا القائل: إنه ليس صريحًا في الغسل بل في نحو ما قال، وأما اغتساله صلى الله عليه وسلم فليكن من خصائصه، هذا والإنصاف أنه لما سلم القائل سقي الماء والثلج وصبه على المحموم، وغسل أطرافه بالماء البارد الشديد البرودة، فلو اشتد على ذلك لجاز الاغتسال أيضًا، واكتفاء أسماء بالسقي والصب من هذه الجهة وهو ظاهر، واللَّه أعلم.
(1)"شرح الطيبي"(8/ 290).
(2)
"صحيح مسلم"(2211).
4526 -
[13] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2196].
4527 -
[14] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5738، م: 2195].
4528 -
[15] وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَة -تَعْنِي صُفْرَةً-، فَقَالَ: . . . . .
ــ
4526 -
[13](أنس) قوله: (رخص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين) أي: أصابتها، و (الحمة) بضم المهملة وفتح الميم مخففة: السم، أو الإبرة يضرب بها الزنبور والحية ونحو ذلك، أو يلدغ بها، وحمة العقرب: سيفه، وفي (الصراح) (1): حمة العقرب: نيش كزدم وزهروي، وأصلها حَمْوٌ وحَمْيٌ، والهاء عوض عن الواو أو الياء، و (النملة) واحدة النمل، وهي قروح في الجنب كالنمل، وبثرة تخرج في الجسد بالتهاب واحتراق ويرم مكانها يسيرًا، ويدب إلى موضع آخر كالنملة، وسببها صفراء حارة تخرج من أفواه العروق الدقاق ولا تحتبس فيما هو داخل من ظاهر الجلد لشدة لطافتها وحدتها.
4527 -
[14](عائشة) قوله: (أن نسترقي) بالنون على صيغة المعلوم وبالياء على لفظ المجهول.
4528 -
[15](أم سلمة) قوله: (سفعة) بلفظ المرة، من سفع بمعنى: ضرب ولطم، وسفع بناصيته: قبض عليها فاجتذبها، والسفع يجيء بمعنى العلامة، وفسر قوله تعالى:{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15] بمعنى لنجرنه بها إلى النار أو بمعنى لنعلمه علامة
(1)"الصراح"(ص: 553).
"اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5739، م: 2195].
4529 -
[16] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ، وَأَنْتَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ:"مَا أَرَى بِهَا بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2199].
4530 -
[17] وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2200].
ــ
أهل النار، كذا في (القاموس)(1)، وبهذا المعنى فسر الحديث بقوله: أي: علامة من الشيطان أو ضربة واحدة منه، ويجيء السفعة بمعنى العين، يقال: فلان مسفوع، أي: معيون، وأصابته سفعة، أي: عين، والسوافع: لوافح السموم، والسفع من اللون: سواد أشرب حمرة، وفسره الراوي بالصفرة، وهو يناسب بمعنى العلامة، أو هو تفسير بأثر الضربة والأخذة، فتدبر.
وقوله: (فإن بها النظرة) أي: نظرة الجن، ويقال: عيونهم أحَدّ من أسنّة الرماح.
4529 -
[16](جابر) قوله: (فعرضوها) أي: الرقية على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
4530 -
[17](عوف بن مالك الأشجعي) قوله: (ما لم يكن فيه شرك) أراد بها حقيقته بأن يكون في معناه ما يلزم منه الشرك باللَّه، أو أراد ذكر أسماء الأصنام والشياطين، واعلم أن جملة الكلام فيها أنه صلى الله عليه وسلم قد كان ينهى في أول الأمر عن الرقى
(1)"القاموس المحيط"(ص: 672).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لما أنه كان في الجاهلية رقى فيها أسماء الشياطين والأصنام، وكانوا منهمكين فيها، ويرون التأثير منها، حسمًا لمواد الشرك ومراسم الكفر.
ثم لما نزل القرآن العظيم الذي هو هدى وشفاء للمؤمنين استرقى به، وما كان من رقى الجاهلية أمر بعرضها عليه صلى الله عليه وسلم، فما لم يكن فيه بأس أجازه وأمر به أمر ترخيص وإباحة، فتارة خصص بعض الأدواء بالذكر اهتمامًا بشأنه لشيوعه فيما بينهم وكثرة النفع في الاسترقاء فيها، وربما ذكر في بعضها بطريق الحصر بأنه لا رقية إلا فيه، ومبناه أيضًا على المبالغة والاهتمام.
ويحتمل أن يكون وقوع الرخصة بالترتيب بأن رخص في بعضها ثم في بعض آخر بناء على الاهتمام المذكور، وبالجملة الرقية جائزة في كل داء وعلة ومن عين الإنسان والجن بالقرآن والأسماء الإلهية خالصة، أما بغيرها مجردة أو مخلوطة فلا، وكذا بما لم يعلم معناه إلا إذا ثبت من جانب الشارع كما في رقية العقرب:(شَجنية قَرَنيّهٌ مِلْحَةُ بَحْر قَفَطَا)، ذكره الجزري في (الحص الحصين)(1) برمز (طس)، وليس أن الرقية بغير الكلمات الإلهية لا تؤثر ولا تنفع، بل ربما كان ظهور الأثر فيها أسرع، وهذا هو مزلة أقدام الزائغين، بل قمعًا لمادة الشرك والكفر وتثبيتًا لقدم التوحيد، ولا بد أن تكون عاقبته وخيمة كما سيأتي من حديث زينب امرأة ابن مسعود، وقالوا: إن الجن لمكان معاداتهم الإنسان طبعًا يحبون الشياطين بهذه العلاقة؛ لأن عدو العدو حبيب، فإذا قرأ الغرائم والرقى بأسماء الشياطين يجيبونها ويخرجون من مواضعها، وكذا لديغ الحية فإنه ربما يكون أثر الجن لتمثله بها بما استرقي بأسماء الشياطين، يسيل سمها
(1)"عدة الحصن الحصين"(ص: 148).