المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثالث: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌4 - باب القتال في الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب حكم الأُسَرَاءِ

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب الأمان

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب قسمة الغنائم والغلول فيها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الجزية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الصلح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الفيء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(20) كتاب الصيد والذبائح

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ذكر الكلب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌2 - باب ما يحل أكله وما يحرم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(21) كتاب الأطعمة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الضيافة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْل الثَّانِي:

- ‌3 - باب الأشربة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب النقيع والأنبذة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب تغطية الأواني وغيرها

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌(22) كتاب اللباس

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الخاتم

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب النعال

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب الترجل

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب التصاوير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(23) كتاب الطب والرقى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الفأل والطيرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الكهانة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(24) كتاب الرؤيا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الثالث:

*‌

‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

4063 -

[9] عَنِ الْمُغِيْرَةِ قَالَ: إِنَّ عمَرَ بْنَ عَبدِ العَزِيزِ جَمَعَ بَنِي مَرْوَانَ حِينَ اسْتُخْلِفَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَهُ فَدَكُ فَكَانَ يُنْفِقُ مِنْهَا، وَيَعُودُ مِنْهَا عَلَى صَغِيرِ بَنِي هَاشِمِ، وَيُزَوِّجُ مِنْهَا أَيِّمَهُمْ، وَإِنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهَا فَأَبَى، فَكَانَتْ كَذَلِكَ فِي حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، فَلَمَّا أَنْ وُلّيَ أَبُو بكرٍ عَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، فَلَمَّا أَنْ وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَمِلَ فِيهَا بِمِثْلِ مَا عَمِلَا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ أَقْطَعَهَا مَرْوَانُ، ثُمَّ صَارَتْ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَرَأَيْتُ أَمْرًا مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ لَيْسَ لِي بِحَقِّ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي رَدَدْتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ. يَعْنِي: عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 2972].

ــ

الفصل الثالث

4063 -

[9](المغيرة) قوله: (أيمهم) الأيم بفتح الهمزة وتشديد التحتانية المكسورة: المرأة التي مات زوجها، وقد يطلق على الرجل أيضًا، والأول هو أكثر.

وقوله: (ثم أقطعها) الإقطاع: أن يجعل السلطان أرضًا لمن يريد، قيل: كان ذلك في زمن عثمان.

وقوله: (لعمر بن عبد العزيز) من وضع المظهر موضع المضمر.

اعلم أن في قصة أموال بني النضير وقصة فدك وخيبر مما كان من أملاكه صلى الله عليه وسلم وبقي بعده وجرى فيه ما جرى كلامًا طويلًا وخطبًا جليلًا، ونريد أن ننقل شيئًا منها، لشهرتها ودورانها على ألسنة الناس وإن انجرّ إلى التطويل كما فعلنا في أمثاله من المسائل

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الغريبة، واللَّه الموفق وهو يهدي السبيل.

فنقول: ذكر في (صحيح البخاري)(1): قال: حدثنا أبو اليمان، أنا شعيب، عن الزهري، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النصري -بفتح النون وسكون الصاد المهملة- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاه، فبينا أنا جالس إذ جاءه حاجبه يرفأ، -بفتح التحتانية وسكون الراء وفتح الفاء، والهمزة بعدها- فقال: هل لك في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وسعد يستأذنون؟ فقال: نعم، فأدخلهم، فلبث قليلًا، ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعلي يستأذنان؟ قال: نعم، فلما دخلا، قال عباس: يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا، وهما يختصمان في الذي أفاء اللَّه على رسوله صلى الله عليه وسلم من بني النضير، فاستب عليٌّ وعباسٌ، فقال الرهط: يا أمير المؤمنين! اقض بينهما، وأرِح أحدهما من الآخر.

فقال: اتئدوا أنشدكم باللَّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:(لا نورث ما تركناه صدقة)؟ قالوا: قد قال ذلك، فأقبل عمر على عباس وعلي رضي الله عنهم فقال: أنشدكما باللَّه، هل تعلمان أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك؟ قالا: نعم، قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن اللَّه عز وجل كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره، فقال:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} -إلى قوله- {قَدِيرٌ} [الحشر: 6]، فكانت هذه خالصة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم واللَّه ما احتازها دونكم، ولا استأثرها عليكم، لقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال منها، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم

(1)"صحيح البخاري"(4033، 3094، 7305، 5358).

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال اللَّه، فعمل ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حياته، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: فأنا ولي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأنتم حينئذٍ، فأقبل على عليٍّ وعباسٍ وقال: تذكران أن أبا بكر عمل فيه كما تقولان، واللَّه يعلم أنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى اللَّه عز وجل أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فقبضته سنتين من إمارتي أعمل فيه بما عمل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، واللَّه يعلم أني فيه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني كلاكما، وكلمتكما واحدة، وأمركما جميع، فجئتني -يعني عباسًا- فقلت لكما: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة).

فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعته إليكما، على أن عليكما عهد اللَّه عز وجل وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وما عملت فيه منذ وليت، وإلا فلا تكلماني، فقلتما: ادفعه إلينا بذلك، فدفعته إليكما، أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك، فواللَّه الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي بقضاء غير ذلك، حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنه فادفعا إلي فأنا أكفيكماه.

قال -يعني الزهري-: فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير، فقال: صدق مالك ابن أوس، أنا سمعت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تقول: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أبي بكر، يسألنه ثمنهن مما أفاء اللَّه عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم، فكنت أنا أردهن، فقلت لهن: ألا تتقين اللَّه، ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:(لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال)؟ فانتهى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما أخبرتهن، قال -يعني عروة-: فكانت هذه الصدقة بيد علي، منعها عليٌّ عباسًا فغلبه عليها، ثم كان بيد حسن ابن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن حسين، وحسن بن حسن، كلاهما

ص: 142

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كانا يتداولانها، ثم بيد زيد بن حسن، سلام اللَّه تعالى عليهم أجمعين، وهي صدقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حقًّا.

هذا حديث البخاري في (كتاب الغزوات) في قصة بني النضير، وفيه: عن عروة عن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال)، واللَّه لقرابة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحبّ إلي أن أصل من أصل قرابتي.

وذكر في (جامع الأصول)(1) الحديث المذكور من رواية البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود والنسائي، وذكر من قول عمر رضي الله عنه: قال أبو بكر: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا نورث ما تركنا صدقة)، فرأيتماه كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا، واللَّه يعلم أنه لصادق بارّ تابع للحق، ثم توفي أبو بكر فقلت: وأنا ولي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا، واللَّه يعلم أني لصادق بار تابع للحق. وقال أبو داود: إنما سألاه أن يصيره نصفين بينهما، لا أنهما جهلا في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا نورث ما تركنا صدقة)، فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب، فقال عمر: لا أوقع عليه اسم القسم، أدعه على ما هو عليه.

وفي رواية: وكان فيما احتج به عمر، فذكر مثل حديث الكتاب في آخر (الفصل الثاني)، وذكر بعد قوله: جعله بين فقراء المهاجرين: ولم يعط الأنصار منها شيئًا إلا رجلين، كانت بها حاجة، وذكر أنها كانت بيد زيد بن الحسن ثم كانت بيد عبد اللَّه بن الحسن، ثم وليها بنو العباس، وذكر عن أبي حديث المغيرة بن شعبة كما في (الفصل

(1)"جامع الأصول"(2/ 697).

ص: 143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثالث) من الكتاب.

وقال البخاري (1) في (كتاب الخمس) أيضًا: عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين أخبرته: أن فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مما أفاء اللَّه عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة). فغضبت فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من خيبر، وفدك، وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركًا شيئًا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعمل به، إلا عملت به، فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس، وأما خيبر وفدك، فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم.

وذكر في (جامع الأصول)(2) هذا الحديث من حديث البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي عن عائشة، وزاد لمسلم بعد قوله:(ستة أشهر): (إلا ليالي)، وقبل (لست تاركًا):(لست بالذي أقسم من ذلك شيئًا)، وفيه: وإني لا أغير شيئًا من صدقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن حالتها التي كانت عليها في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفي رواية بعد قوله: وإنما يأكل آل محمد من هذا المال، يعني: مال اللَّه ليس لهم أن يزيدوا على الأكل.

(1)"صحيح البخاري"(3092).

(2)

"جامع الأصول"(9/ 637).

ص: 144

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأخرج في (باب ميراث النبي صلى الله عليه وسلم) للترمذي (1) عن أبي هريرة قالت: جاءت فاطمة إلى أبي بكر، فقالت: من يرثك؟ فقال: أهلي وولدي، قالت: فما لي لا أرث أبي؟ فقال أبو بكر: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (لا نورث)، ولكني أعول من كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعول، وأنفق على من كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينفق عليه.

وأخرج لأبي داود عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة تطلب ميراثها إلى أبي بكر فقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أطعم اللَّه نبيًا طعمة فهي للذي يقوم من بعده).

وأخرج للبخاري ومسلم والموطأ وأبي داود عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن إلى أبي بكر يسألن عن ميراثهن، فقالت عائشة: أليس قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (لا نورث ما تركناه صدقة)؟ (2).

وفي رواية لأبي داود: ألا تتقين اللَّه ألم تسمعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (لا نورث ما تركنا فهو صدقة، وإنما هذا المال لآل محمد فإذا مت فهو إلى من ولي الأمر من بعدي)؟ (3).

هذه روايات هذا الباب في الكتب، ولها طرق متعددة تركناها اكتفاء بما ذكر، والذي يظهر منها أن حديث:(لا نورث ما تركنا صدقة)، وكون أملاكه صلى الله عليه وسلم مشتركًا

(1)"سنن الترمذي"(1608).

(2)

"صحيح البخاري"(6730)، و"صحيح مسلم"(1758)، و"موطأ مالك"(2/ 993)، و"سنن أبي داود"(2976).

(3)

"سنن أبي داود"(2977).

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بين المسلمين ومصالحهم، وأن أمره إلى من يلي أمره بعد، متفق عليه بين الصحابة حتى العباس وعلي وليس مخصوصًا روايته بأبي بكر الصديق، لكنه يشكل هنا أنه إن كان الدفع إلى علي وعباس صوابًا فلم لم يدفعها عمر إليهما أولًا؟ وإلا فلم دفعها آخرًا؟ قالوا: منع أولًا على الوجه الذي كانا يطلبانه من التملك، وثانيًا أعطاهما على وجه التصرف فيها كما تصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

قال الخطابي: وهذه القضية مشكلة جدًا، وذلك أنهما إذا كانا قد أخذا هذه الصدقة من عمر على الشريطة التي شرطها عليهم، وقد اعترفا بأنه قد قال صلى الله عليه وسلم:(ما تركنا صدقة)، وقد شهد المهاجرون بذلك، فما الذي بدا لهما بعد حتى تخاصما، والمعنى في ذلك أنه قد شق عليهما الشركة، وطلبا أن يقسم بينهما ليستبد كل واحد منهما بالتدبير والتصرف فيما يصير إليه، فمنعهما عمر القسم لئلا يجري عليه اسم الملك؛ لأن القسم إنما يقع في الأملاك، ويتطاول الزمان يظن به الملكية، وأشكل من هذا قضية سيدتنا فاطمة رضي الله عنها، فإنا لو قلنا: كانت جاهلة بهذه السنة فذاك بعيد، وإن التزمنا ذلك بأنه لا بعد في أنه لم يتفق لها سماع ذلك الحديث فيشكل أنها بعد سماع الحديث عن أبي بكر وشهادة الصحابة بذلك كيف غضبت؟ ولو كان الغضب قبل سماع الحديث كيف لم ترجع عن غضبها حتى امتد، ولم تزل مهاجرة أبي بكر؟

قال الكرماني في شرح (صحيح البخاري)(1): أما غضب فاطمة فهو أمر حصل على مقتضى البشرية وسكن بعد ذلك، وأما هجرانها فمعناه انقباضها عن لقائه لا الهجران المحرم من ترك السلام ونحوه، انتهى، وقد جاء في الأخبار أنه لم يحضر أبو بكر

(1)"شرح الكرماني"(13/ 75).

ص: 146

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جنازة فاطمة رضي الله عنها ولم يصل إليها (1)، فقيل: إنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر، قالوا: وهذا غلط وافتراء، وكيف توصي رضي الله عنها بذلك مع أن الأحق بالإمامة هو السلطان، ولهذا ترك الحسين رضي الله عنه مروان أن يصلي على الحسن رضي الله عنه، وقال: لولا حكم الشريعة ما تركتك تصلي عليه، وقيل: كانت وفاة فاطمة رضي الله عنها في الليل فلم يعلم بها أبو بكر رضي الله عنه، وهذا أيضًا بعيد؛ لأن أسماء بنت عميس كانت حينئذٍ تحت أبي بكر، وهي التي تولت غسل الزهراء وتجهيزها، ويبعد أن تحضر زوجته ولا يحصل له الوقوف عليه.

ومما يصرح بعلم أبي بكر بوفاة فاطمة رضي الله عنها ما روي أنها قالت: أستحيي أن يخرجوني بعد وفاتي بحضرة الرجال من غير ستر، وكانوا يخرجون النساء كما يخرجون الرجال، فقالت أسماء بنت عميس -وفي رواية: أم سلمة رضي الله عنها: رأينا في الحبشة يعملون من جرائد النخل نعشًا مثل الهودج نعمله لك، فعملت عندها على مثال ذلك، فرأته الزهراء ورضيت بها وتبسمت سرورًا بذلك، وما رآها أحد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تبسمُ حزنًا، فأوصت إلى أسماء أن تكوني متولية لأمري في الغسل والتجهيز، وعلي معك، ولا تتركي أحدًا يدخل عليَّ معك، فلما توفيت رضي الله عنها جاءت عائشة رضي الله عنها تريد الدخول، فمنعتها أسماء، فاشتكت عائشة إلى أبيها وقالت: ما لهذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتمنعني من الدخول عليها، وعملت لجنازتها مثل هودج العروس، فجاء أبو بكر على باب دار فاطمة وقام وقال: يا أسماء لم منعت أزواج النبي من الدخول على بنته صلى الله عليه وسلم؟ وأيّ شيء عملت لها مثل هودج العروس؟ فقالت أسماء: هي أمرتني أن لا أترك أحدًا يدخل عليها بعد وفاتها، والذي عملت فهو بإذنها وأريتها

(1) كذا في الأصل، والظاهر:"عليها".

ص: 147

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إياه فرضيت به وسرت، فقال أبو بكر: افعلي ما أوصتك به ولا بأس.

فهذا صريح في علم أبي بكر بوفاتها، وقيل: يحتمل أن أبا بكر قد علم ذلك وقصد حضور جنازتها، ولكن لما كتم أمرها علي وأخفاه، ولم يندب إلى أبي بكر أحدًا علم أن له في الإخفاء مصلحة، فلم يرض أبو بكر أن يجري على خلاف رضاه ومصلحته.

وقال الشيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني (1): يحتمل أن أبا بكر انتظر أن يطلبه علي رضي الله عنه فيحضر، وظن علي رضي الله عنه أنه يجيء بلا طلب، فمضى الوقت وكان ليلًا، هكذا ذكر السمهودي في (تاريخ المدينة)، وجاء في بعض الروايات أنه لما وقع بين أبي بكر وفاطمة رضي الله عنها ما وقع ذهب أبو بكر إليها، وقام على بابها في حر الشمس واعتذر إليها، وقال: واللَّه إن قرابة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحب وأولى إليّ من قرابتي، ولكني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . . هذا الحديث، والصحابة شاهدون على ذلك، فرضيت فاطمة عنه رضي الله عنه والحمد للَّه، وقد تذكر روايات في صلاة أبي بكر وإمامته، وعبد الرحمن ابن عوف وغيره من الصحابة معه واللَّه أعلم، وينقل في هذه القصة حكايات لا تعويل عليها، والظاهر أنها مفتريات، واللَّه أعلم بحقيقة الحال.

تم (كتاب الجهاد) بعون اللَّه وتوفيقه، ويتلوه (كتاب الصيد والذبائح).

* * *

(1) انظر: "فتح الباري"(6/ 202).

ص: 148

(20)

كتاب الصيد والذبائح

ص: 149