المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٧

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌4 - باب القتال في الجهاد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب حكم الأُسَرَاءِ

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب الأمان

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب قسمة الغنائم والغلول فيها

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الجزية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب الصلح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الفيء

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(20) كتاب الصيد والذبائح

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب ذكر الكلب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌2 - باب ما يحل أكله وما يحرم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب العقيقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(21) كتاب الأطعمة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الضيافة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب

- ‌ الْفَصْل الثَّانِي:

- ‌3 - باب الأشربة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب النقيع والأنبذة

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب تغطية الأواني وغيرها

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌(22) كتاب اللباس

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الخاتم

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب النعال

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌3 - باب الترجل

- ‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب التصاوير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(23) كتاب الطب والرقى

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الفأل والطيرة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الكهانة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(24) كتاب الرؤيا

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

(22) كتاب اللباس

*‌

‌ الفَصْلُ الأَوَّلُ:

4304 -

[1] عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5813، م: 2079].

ــ

22 -

كتاب اللباس

اللباس مصدر بمعنى الملبوس كالكتاب بمعنى المكتوب، والبناء بمعنى المبنى، والماضي والمضارع منه على حد علم يعلم، وأما الذي بمعنى الالتباس فهو من باب ضرب يضرب.

الفصل الأول

4304 -

[1](أنس) قوله: (أن يلبسها) أي: لأن يلبسها، أي: لأجل مصلحة اللبس لا لغيرها كالافتراش والإنفاق مثلًا، وهذا معنى التقييد، (الحبرة) بالرفع إن كان قوله:(أحب) بالنصب، وبالنصب إن كان بالرفع، اسم كان أو خبره، و (الحبرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الباء ويقال له: الحبير على وزن الخبير، من برود اليمن، من القطن ولذا أحبه، وفيه خطوط خضر، قيل: لذلك كان يحبه، لأن الأخضر من ثياب الجنة، وقيل: خطوط حمر، والمحبة لاحتمال الوسخ، واللَّه أعلم.

وقوله: (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل) رواه مسلم. هذا الحديث ليس في النسخ التي عندنا، والصواب عدمه؛ لأن المؤلف

ص: 331

4305 -

[2] وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ جُبَّةً رُومِيَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 363، م: 274].

ــ

قد قال في آخر الفصل: وسنذكر حديث عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة، في مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لكن شرحه الطيبي وموجود في (المصابيح) فلنشرحه، فقوله:(ذات غداة) من إضافة المسمى إلى الاسم، والموصوف محذوف، أي: مدة ذات، هذا الاسم كقولهم: ذات مرة، فذات هنا مؤنث ذو، لا بمعنى نفس الشيء وحقيقته، و (المرط) بكسر الميم وسكون الراء: رداء من صوف أو خز، كذا في (القاموس)(1)، وفي (النهاية) (2): المرط من الصوف، وقد يكون من خز وغيره.

وقال الكرماني (3): المرط بكسر الميم: رداء أو إزار أو ثوب أخضر، و (المرحل) بفتح الحاء المهملة على وزن معظم: الذي فيه صور رحال الإبل وهي ليس بحرام، وإنما الحرام ما صور بصور الحيوان، وقد يروى بالجيم يعني المصور بصور الرجال من الإنسان، ولعله كان قبل تحريم التصاوير، وقيل: المصور بصور المراجل جمع مرجل بمعنى القدر، وقال النووي (4): الذي عليه الجمهور من أهل الإتقان روايته بالحاء المهملة.

4305 -

[2](المغيرة بن شعبة) قوله: (جبة رومية) وفي بعض الروايات: جبة شامية.

وقوله: (ضيقة الكمين) وقد جاء في الرواية: "إذا توضأ أخرج يديه من الكمين"

(1)"القاموس المحيط"(ص: 633).

(2)

"النهاية"(4/ 319).

(3)

"شرح الكرماني"(7/ 206).

(4)

"شرح النووي"(14/ 261).

ص: 332

4306 -

[3] وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كِسَاءً مُلَبَّدًا وَإِزَارًا غَلِيظًا، فَقَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3108، 5818، م: 2080].

ــ

يعني من ضيقها، وقد جاء أنه لبسها في سفر، وقال صاحب (سفر السعادة) (1): إنه صلى الله عليه وسلم لبس الجبة والقباء والقميص، في (القاموس) (2): القبة: ثوب معروف، وقال الكرماني (3): ثوب مخصوص، وقال القاضي عياض في (مشارق الأنوار) (4): الجبة: ثوب قطع وخيط، وهذا على إطلاقه يشمل القباء والقميص، ويخرج منه الرداء والإزار والعمامة وأمثالها، وفي (المشارق) أيضًا: القباء: ثوب ضيق من ثياب العجم مشهور، والظاهر ثوب مخيط ليس له جيب، والقميص الذي له جيب، ويفهم ذلك مما في (القاموس) (5) حيث قال: القبوة: انضمام ما بين الشفتين، ومنه القباء من الثياب، وقال ابن الأثير في (النهاية) (6): القبو: الطاق المعقود بعضه إلى بعض.

4306 -

[3](أبو بردة) قوله: (كساء ملبدًا) أي مرقعًا صار كاللبدة، في (القاموس) (7): تلبد الصوف ونحوه: تداخل ولَزِق بعضه ببعض، واللبدة بالكسر: بساط معروف، وفي هذا الحديث وأمثاله بيان ما كان صلوات اللَّه وسلامه عليه من

(1)"سفر السعادة"(ص: 261).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 1214).

(3)

"شرح الكرماني"(4/ 35).

(4)

"مشارق الأنوار"(1/ 138).

(5)

"القاموس المحيط"(ص: 1214).

(6)

"النهاية"(4/ 10).

(7)

"القاموس المحيط"(ص: 299).

ص: 333

4307 -

[4] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6456، م: 2082].

4308 -

[5] وَعَنْهَا قَالَتْ: كَانَ وِسَادُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. . . . .

ــ

الزهادة في الدنيا والإعراض عن متاعها وملاذها، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم قد لبس في بعض الأحيان أحسن الملابس وأغلاها إما بيانًا للجواز وائتلافًا لقلب مهديها أو رفعًا للتكلف حين حضر ذلك، والأكثر أنه حين لبس مثل هذا اللباس وهبها في ساعة وألبسها غيره.

وتحقيق المقام أن الأحاديث كما وردت في باب فضيلة الزهد وترك التنعم والترفه في ملاذ الدنيا وملابسها ومطاعمها والترغيب والتحريض على ذلك، كذلك وقعت في شأن التجمل والترفيه والترخيص إظهارًا للنعمة والغنى، وتركًا للتكلف، والمعتبر في ذلك القصد والنية، فترك التجمل ولبس أدون الثياب إن كان للبخل والخسة أو إظهارًا للفقر والتزهد والطمع فيما أيدي الناس ومرائيًا بهم فهو مذموم، وعلى قصد الزهد والتواضع والإيثار محمود، والتجمل والتزين والترفع ولبس أفخر الملابس إن كان على وجه التكبر والخيلاء والتفاخر والبطر والإسراف فهو قبيح وحرام، وإن كان لإظهار النعمة والغناء حتى يقصد إليه الفقراء والمساكين، والتعفف وستر الحال فهو حسن غير حرام، وهذا هو القول الفصل، وقد وقع البسط في هذا الكلام في (شرح سفر السعادة)(1) فلينظر ثمة، وباللَّه التوفيق.

4307 -

[4](عائشة) قوله: (أدمًا حشوه ليف) الأدم بفتحتين: اسم جمع للأديم، وهو الجلد المدبوغ المصلح بالدباغ، و (الليف) بكسر اللام: قشر النخل.

4308 -

[5](عائشة) قوله: (كان وساد) اسم بمعنى الوسادة، وهي المتكأ،

(1)"شرح سفر السعادة"(ص: 439 - 440).

ص: 334

الَّذِي يَتَّكِئُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2082].

4309 -

[6] وَعَنْهَا قَالَتْ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِنَا فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5807].

4310 -

[7] وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ،

ــ

والمِخَدَّة، ويثلث، ويجمع على وسد ووسائد، كذا في (القاموس)(1).

4309 -

[6](وعنها) قوله: (بينا نحن جلوس في بيتنا. . . إلخ)، هذا طرف من حديث الهجرة، فإنه صلى الله عليه وسلم بعد قضية بيعة العقبة كان منتظرًا لنزول الوحي بالهجرة وتعيين وقتها ومكانها، والصديق رضي الله عنه كان يلتمس منه المرافقة، فقال له صلى الله عليه وسلم: نعم إن أذنت بذلك، فنزل الأمر بالهجرة، فجاء صلى الله عليه وسلم أبا بكر في ظهيرة، فأخبره بذلك، وبشره بالرفاقة، فخرج في الليلة من طريق خوخة كانت في دار أبي بكر رضي الله عنه إلى جبل ثور في أسفل مكة، ودخلا غارًا فيه القصة إلى آخرها.

وقوله: (متقنعًا) التقنع: ستر الرأس بالرداء وإلقاء طرفه على الكتف، ويقال له: التطلس أيضًا بمعنى لبس الطيلسان على الرأس، ودل الحديث على فعله صلى الله عليه وسلم ذلك وجوازه، وقد خالف فيه بعض الناس، والحديث رد عليهم، وبعضهم قالوا: يجوز لسبب أو عذر كما فعله صلى الله عليه وسلم اتقاء الحر أو استخفاء من قريش، والصحيح أنه جائز مطلقًا، وهو من أفعال الصالحين، وقد روي ذلك عنه صلى الله عليه وسلم وعظماءِ أصحابه والتابعين، وقد أشبع الكلام فيه في (سفر السعادة)(2) فليطلب ثمة.

4310 -

[7](جابر) قوله: (فراش للرجل. . . إلخ)، فاعل للفعل المحذوف

(1)"القاموس المحيط"(ص: 307).

(2)

"سفر السعادة"(ص: 264).

ص: 335

وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابعُ لِلشَّيْطَانِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2084].

4311 -

[8] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَنْظُرُ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5788، م: 2087].

4312 -

[9] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ (1) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّه إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5784، م: 2085].

ــ

أي: يكفي للرجل هذه الثلائة، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي: الذي يكفي للرجل، وينبغي له هذه الثلاثة، وما زاد عليه فهو مذموم؛ لأنه محل الخيلاء والمباهات، وهذا معنى كونه للشيطان، أو المراد أنه لما لم يُحْتَج [إليه] كان عليه مبيت الشيطان ومقيله، وإفراد الفراش للمرأة لا ينافي أن الأفضل الأوفق للسنة بياته معها؛ لأن ذلك لمرض أو عذر أو لتيسر قيام الليل، ويعلم من ذلك عدم وجوب البيات مع المرأة.

وقوله: (والثالث للضيف) أما إذا كانت العادة كثرة نزول الضيفان، فهل يجوز جعل الفراش أكثر من ذلك، الظاهر نعم؛ لأنه لا يكون للمباهات والخيلاء، والمدار على ذلك، كما في اللباس.

4311 -

[8](أبو هريرة) قوله: (جر إزاره بطرًا) أي: تكبرًا وطغيانًا وإن لم يكن لذلك فلا يحرم، قالوا: ولكن يكره كراهة تنزيه، وأما إذا كان لعذر ينبغي أن لا يكون مكروهًا كما يفهم مما يجيء في الفصل الثالث من حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه لا يكره إذا لم يكن للخيلاء وإن كان بغير عذر، فليفهم ذلك.

4312 -

[9](ابن عمر) قوله: (خيلاء) بالضم والكسر: الكبر والعجب، اختال

(1) وفي نسخة: "عن".

ص: 336

4313 -

[10] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3485].

ــ

فهو مختال، كذا في (النهاية)(1)، وفي (القاموس) (2): الخيلاء والخيل والخيلة والمخيلة: الكبر، ورجل خائل ومختال: متكبر.

4313 -

[10](وعنه) قوله: (بينما رجل يجر إزاره) الظاهر أنه إخبار عما وقع في بعض الأمم الماضية، وقيل: المراد منه قارون.

وقوله: (فهو يتجلجل) أي: يتحرك مضطربًا، أي: ينزل في الأرض مع اضطراب شديد، ويندفع من شق إلى شق، كذا قال الشيخ (3)، وفي (القاموس) (4): التجلجل: السؤوخ في الأرض، والتحرك، والتضعضع.

واعلم أن أكثر ما يقع الجر والإسبال في الإزار، وقد ورد فيه وعيد شديد حتى إنه أمر مسبل الإزار بإعادة الصلاة والوضوء، وقد جاء في الأحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان أنه يغفر فيها للكل إلا للعاق ومدمن الخمر ومسبل الإزار، والتحقيق أن الإسبال يجري في جميع الثياب، ويحرم فيما زاد على قدر الحاجة، وما ورد به السنة فهو إسبال، والتخصيص بالإزار من جهة كثرة وقوعه؛ لأن أكثر لباس الناس في زمان النبوة رداء وإزار، وقد يجيء في الفصل الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جرّ منها شيئًا خيلاء)،

(1)"النهاية"(2/ 93).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 917).

(3)

انظر: "فتح الباري"(10/ 261).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 900).

ص: 337

4314 -

[11] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فِي النَّارِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 5887].

4315 -

[12] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ، أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدٍ،

ــ

الحديث. ووقع في الأول من حديثي ابن عمر هنا (من جرّ ثوبه) مطلقًا، ثم العزيمة في الإزار إلى نصف الساق، وكان إزاره كذلك. وقال:(إزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين)، وهذا من إضافة الجمع إلى التثنية أو المقصود تعميم النصف من حقيقته ومما يقرب منه، والرخصة فيه إلى الكعبين، فما أسفل من الكعبين فهو حرام، وحكم ذيل القباء والقميص كذلك، والسنة في الأكمام أن يكون إلى الرسغين، والإسبال في العمامة بإرخاء العذبات زيادة على العادة عددًا وطولًا، وغايتها إلى نصف الظهر، والزيادة عليه بدعة، وإسبال محرم، وهذا التطويل والتوسيع الذي تُعورف في بعض ديار العرب من الحجاز ومصر مخالف للسنة وإسراف موجب لإضاعة المال، فما كان منها بطريق الخيلاء فهو حرام، وما كان بطريق العرف والعادة وصار شعار القوم لا يحرم، وإن كان الإفراط فيه لائحًا عن كراهة، وحكم النساء كذلك، لكن يستحب لهن الزيادة على الرجال قدر الشبر، ورخص إلى ذراع تسترًا، كذا جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها.

4314 -

[11](أبو هريرة) قوله: (ما أسفل من الكعبين) أي: ما كان أسفل أو ما هو أسفل منصوب أو مرفوع، والمراد بكون ما أسفل من الإزار في النار كون صاحبه فيها بسبب ذلك.

4315 -

[12](جابر) قوله: (أو يمشي في نعل واحدة) لأنه تشويه ومخالف للوقار وسبب لعسر المشي، وربما كان سببًا للعثار.

ص: 338

وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ أَوْ يَحْتَبِيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَاشِفًا عَنْ فَرْجِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2099].

ــ

وقوله: (وأن يشتمل الصماء) بالواو وفي أخويه بـ (أو)، كذا في جميع النسخ المصححة، واشتمال الصماء بالمد: هو تجليل الجسد كله بثوب واحد بلا رفع جانب يخرج منه اليد، سميت صماء؛ لأنها سدت المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها صدع، قال في (القاموس) (1): حجر أصم، وصخرة صماء: صُلْبٌ مُصْمَتٌ، وفي مادة الصمم معنى الثقل والانسداد، ونقل الطيبي عن الفقهاء (2): هو أن يشتمل بثوب ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على أحد منكبيه، وإنما يحرم هذا لأنه ينكشف به بعض عورته.

وقال الشيخ ابن الهمام في (شرح الهداية)(3): هو أن يَلُفَّ بثوب واحد رأسه وسائر جسده فلا يدع منفذًا ليده، وهل يشترط عدم الإزار مع ذلك؟ عن محمد: يشترط، وعن غيره: لا.

وقوله: (أو يحتبي في ثوب واحد كاشفًا عن فرجه) الاحتباء: أن يجلس على وركيه، وينصب ساقيه، ويجمع الظهر والساقين بثوب أو باليدين، وهذا أكثر جلسة العرب في مجالسهم، وهي شائعة في الحرم الشريف، وقد جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم محتبيًا عند الكعبة، فإذا كان الرجل لابسًا ثوبًا واحدًا كالرداء ويحتبي تنكشف عورته ضرورة إلا أن يكون الرداء واسعًا فحينئذٍ لا بأس بالاحتباء في ثوب واحد لعدم الانكشاف،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1041).

(2)

"شرح الطيبي"(8/ 209).

(3)

"فتح القدير"(1/ 412).

ص: 339

4316، 4317، 4318، 4319 - [13، 14، 15، 16] وَعَنْ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5832، 5833، م: 2069، 2073، 2074].

4320 -

[17] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الآخِرَة". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5835، م: 2068].

ــ

وظهر من هذا البيان أن قوله: (كاشفًا) حال منتقلة قيد للاحتباء.

4316، 4317، 4318، 4319 - [13، 14، 15، 16](عمر، وأنس، وابن الزبير، وأبو أمامة) قوله: (لم يلبسه في الآخرة) لعدم صبره لقوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20]، وهكذا جزاء ارتكاب الشهوات المحرمة لعدم الصبر عنها، وقيل: ذلك كناية عن عدم دخول الجنة، وهو خلاف الظاهر.

4320 -

[17](ابن عمر) قوله: (من لا خلاق له في الآخرة) الظاهر أن المراد: لا نصيب له من لبس الحرير فيها، كما جاء في الحديث الآخر:(لم يلبسه في الآخرة)، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا، قال في (القاموس) (1): الخلاق، كسحاب: النصيب الوافر من الخير، وقيل: المراد من لا حظ له في نعيمه، وقيل: من لا اعتقاد له بأمر الآخرة.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 812).

ص: 340

4321 -

[18] وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5837، م: 2067].

4322 -

[19] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حُلّة سِيَرَاء، فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ فَلَبِسْتُهَا،

ــ

4321 -

[18](حذيفة) قوله: (وأن نجلس عليه) يدل على أن فرش الحرير أيضًا غير مباح، وقد ذكر حكمه في الفقه.

4322 -

[19](علي) قوله: (حلة سيراء) الحلة: اسم لثوبين رداء وإزار، وسيراء بكسر السين وفتح التحتانية ممدودًا: نوع من البرود فيه خطوط صفر، يخالطه حرير، كذا في (القاموس)(1)، قال في (المشارق) (2): الحلة: ثوبان رداء وإزار سميا بذلك؛ لأنه يحل كل منهما على الآخر، قال الخليل: ولا يقال حلة لثوب واحد، وقال أبو عبيد: الحلل برود اليمن، وقال بعضهم: إنما تكون حلة إذا كانت جديدة لحلها عن طيها، والأول أكثر وأشهر، وحلة سيراء، وحلة سندس، وحلة حبرة، وحلة حرير، كله على الإضافة، لكن بعضهم يجعل (سيراء) نعتًا ويرويه: حلة بالتنوين.

وقال الخطابي (3): قيل: حلة سيراء، كما قيل: ناقة عشراء، وكان أبو مروان بن سراج ينكره ويضبطه على الإضافة، وكذا ضبطناه على ابنه وغيره من شيوخنا المتقنين، قال سيبويه: لم يأت فعلاء صفة إلا اسما نحو سيراء، وهي ثياب ذوات ألوان وخطوط

(1)"القاموس المحيط"(ص: 384).

(2)

"مشارق الأنوار"(1/ 306).

(3)

"معالم السنن"(1/ 246).

ص: 341

فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ:"إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا، إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَيْنَ النِّسَاءِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2614، م: 2071].

4323 -

[20] وَعَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. . . . .

ــ

كأنها السيور وهي الشراك يخالطها حرير، قال الخليل وغيره: هو ثوب مضلع بالحرير، وقيل: الأشبه أنه مختلف الألوان، وفي كتاب أبي داود، تفسيره في الحديث: السيراء المضلع بالقز، وقيل: هو نبت شبهت به الثياب، وقال مالك: السيراء وشي من حرير، قال ابن الأنباري: والسيراء أيضًا الذهب، وقيل: هو الحرير الصافي.

وقوله: (فعرفت الغضب في وجهه) قيل: وجه الغضب أنه وإن لم يكن حرامًا فليس من شأن المتقين أن يلبسوه ويلبسه مثله رضي الله عنه، فكان الواجب أن يتحرى فيه، وهذا ينظر إلى أنه لم يكن حريرًا محضًا، وكيف يتصور أن يلبسه رضي الله عنه؟ ! بل كان مخلوطًا، ومع ذلك لم يكن من شأنه لبسه، فافهم.

وقوله: (لتشققها خمرًا) بضمتين جمع خمار بالكسر، حال، أي: تقطعها قطعة قطعة قدر خمار وتقسمها بين النساء، وفي رواية:(بين الفواطم) وهي جمع فاطمة، وكانت عدة فواطم مجتمعة في بيته رضي الله عنه، أولهن وأفضلهن فاطمة الزهراء البتول ابنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، والثانية فاطمة بنت أسد بن هاشم، زوجة أبي طالب، أم علي وجعفر وعقيل وطالب، وفي شأنها قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(كانت أمي بعد أمي)، وألبسها قميصه بعد موتها، ودخل في قبرها، وهي أول هاشمية ولدت هاشمين من هاشمي، والثالثة فاطمة أم الفضل بنت حمزة عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وسيد الشهداء، وقيل: الثالثة فاطمة بنت وليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وكانت من المهاجرات الأول.

ص: 342

نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا هَكَذَا، وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِصْبَعَيْهِ: الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ وَضَمَّهُمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5829، م: 2069].

4324 -

[21] وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: أَنَّهُ خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ. [خ: 5829، م: 2069].

4325 -

[22] وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْت أَبِي بَكرٍ: أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةً طَيَالِسَةً كِسْرَوَانِيَّةً لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ، وَفُرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ،

ــ

4323، 4324 - [20، 21](عمر) قوله: (خطب بالجابية) بلدة بالشام، وباب الجابية من أبوابها.

4325 -

[22](أسماء) قوله: (جبة طيالسة) الطيالسة جمع طيلسان بفتح اللام، وحكي تثليث لامه وهو معرب تالسان، والوجه أنه جمع طيلس وهو لغة في الطيلسان، وجبة مضاف إليها (1) وهو من لباس العجم منسوب إليهم حتى إنهم يقولون: يا ابن الطيالسة يريدون يا أعجمي، وهو مدور أسود من صوف، و (كسرى) معرب خسرو بفتح كاف وكسرها، لقب ملوك الفرس، والنسبة كسروي وكسرواني، وروي خسروانية، و (اللبنة) بكسر لام وسكون باء: رقعة تعمل موضع جيب القميص والجبة، وقيل: يوضع تحت الإبط، و (فرجيها) أي: شقيها، شق من قدام وشق من خلف، وهو منصوب بفعل مقدر، أي: ورأيت أو وجدت فرجيها.

وقوله: (مكفوفين) حال على التقديرين؛ لأن (وجدت) هنا بمعنى صادفت، ومعناه مخيطين بالحرير، أي: خيط شقّاها من قدام ومن خلف به، وفي (النهاية) (2):

(1) قال القاري (7/ 2769): وفي نسخة: "بالوصف".

(2)

"النهاية"(4/ 191).

ص: 343

وَقَالَتْ: هَذِه جبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُهَا، فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى نَسْتَشْفِي بِهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2069].

4326 -

[23] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهَمَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

أي: جبة معمولة على ذيلها وأكمامها وجيبها كفاف من حرير، وكفة كل شيء بالضم: طرفه وحاشيته، وكل مستطيل كفة بالضم ككفة الثوب، فكل مستدير كفة بالكسر ككفة الميزان، وقد يفتح فيها.

وقوله: (وقالت هذه جبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) مقصودها أن هذا ليس بمحرم، وسيجيء في الفصل الثاني في حديث أبي داود عن عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم قال:(لا ألبس القميص المكفف بالحرير)، ويدفع التعارض بينه وبين هذا الحديث بأن المراد هنا ما لم يزد على أربعة أصابع، وحديث القميص محمول على أكثر، وقيل: إن في القميص مزيد تجمل وترفه بخلاف الجبة، وقيل: ذلك ناسخ لهذا، وفيه نظر؛ لأن إخراج أسماء تلك الجبة تدل على إباحتها، فكيف كان منسوخًا؟ نعم لو قيل: نَسْخُ هذا له لكان وجهًا، كما قيل في بعض الحواشي، ومع ذلك لا يحسن القول بالنسخ على الاحتمال بدون معرفة التاريخ، كذا قال الشيخ (1)، وقيل: حديث عمران محمول على الورع، وحديث أسماء على الرخصة.

4326 -

[23](أنس) قوله: (لحكة بهما) قال الأطباء: سبب الحكة بخارات حديدة عارضة، فاليابسة منها يحدث بصفراء محترقة تخالط الدم، والرطبة من البلغم

(1) انظر: "فتح الباري"(10/ 288).

ص: 344

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: إنَّهُمَا شَكَوَا الْقُمَّلَ فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ. [خ: 5839، م: 2046].

ــ

المالح المخالط بالدم، وحدوثها في أغلب الأحوال من كثرة أكل الأطعمة المالحة الحريقة الحلوة والتوابل الحارة، وعلاجها مذكور في الكتب الطبية، وقد تحدث من كثرة القمل، قالوا: والحكة بهما رضي الله عنهما كانت منه، فأمر بعلاجها بلبس الحرير، وقالوا: من خواص الحرير تقوية القلب وتفريحه ودفع غلبة السوداء والأمراض التي تحدث منها، وهو حار رطب.

وقيل: معتدل وليس فيه شيء من اليبوسة والخشونة، فلهذا ينفع عن الحكة والجرب وأمثالهما ولملاسته لا يتمكن فيه القمل، وقال في (الموجز): الإبريسم حار مفرح ولبسه يمنع القمل، وقال في شرحه: إن ابن سينا ذكر الإبريسم في الأدوية القلبية، وقال: حار يابس في الدرجة الأولى، ففيه تلطيف وتنشيف، فالتلطيف للحرارة، والتنشيف لليبوسة، ونقل عن صاحب (التقويم) أنه حار رطب، والظن أنه معتدل في الرطوبة واليبوسة، وهو من المفرحات القوية لملائمة جوهر الروح مطلقًا، وليسمن البدن لا لاغتذاء البدن منه بل بسبب تقوية الروح الطبيعي على تصرفه في الغذاء، انتهى.

وفي شرح آخر: إن منع الحرير إنما هو عن القمل الذي يحدث عن سبيل التولد؛ لأنه يفسد ما يحدث من البيض فلا يتولد منه القمل، انتهى. ويعلم من هذا الحديث أن لبس الحرير حرام إلا لحاجة ومصلحة كالجرب والقمل والحر والبرد، وهذا مذهب الشافعي، وعند مالك لا يجوز مطلقًا، وقال في (الهداية) (1): لا بأس بلبس الحرير

(1)"الهداية"(4/ 366).

ص: 345

4327 -

[24] وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: "إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ، فَلَا تَلْبَسْهُمَا". وَفِي رِوَايَةٍ: قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: "بَلْ أَحْرِقْهُمَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2077].

وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ عَائِشَةَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ فِي "بَابِ مَنَاقِبِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم".

ــ

والديباج في الحرب عندهما؛ لأنه يدفع صلابة السلاح ويورث الهيبة في عين العدو، وعند أبي حنيفة مكروه لإطلاق النهي، والضرورة تندفع بالمخلوط، وهما يقولان: الخالص أدفع.

4327 -

[24](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (بل أحرقهما) قيل: الإحراق مبالغة في الإخراج والإفناء ببيع أو هبة، فإنه قد يستعمل فيه، وإنما لم يأذن له في الغسل؛ لأن المعصفر لم يكره للنساء، فالغسل يوجب تضييع الماء، فإما أن يلبسه نساء أو يبيعه أو يهبه لتستعمله نساء أخر، وقد روي كما يجيء في آخر الفصل الثاني أنه أحرق الثوبين، فلما جاء من الغد أخبره بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: هلا كسوت أهلك، فإنه لا بأس به للنساء.

ثم اعلم أن في لبس الأحمر اختلافًا بين العلماء، فقال بعضهم: يحرم مطلقًا، وقيل: يباح مطلقًا، وقيل: المنهي المصبوغ بعد النسيج دون ما صبغ غزله ثم نسج ولم يكن له رائحة، وقيل: يجوز لبسه في البيوت وأفنيتها دون المحافل، والمختار في مذهبنا أنه يكره كراهة تحريم، وتكره معه الصلاة، ثم اختلفوا أن الكراهة لأجل الصبغ أو اللون حتى يكره الأحمر وإن لم يكن معصفرًا، والمختار أنه لِلَّون، كذا حققه القاسم الحنفي من أعاظم علماء الحنفية بديار مصر، واللَّه أعلم.

ص: 346