الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَ الأَلُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2254].
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
4437 -
[19] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ صَلَوَاتُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ (1) يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2760].
4438 -
[20] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. [حم: 4/ 366، ت: 2761، ن: 13].
ــ
وقوله: (وبكافور يطرحه مع الألوة) أي: تارة كان يتبخر بالعود الخالص، وأخرى مخلوط بالكافور.
الفصل الثاني
4437 -
[19](عباس) قوله: (وكان إبراهيم خليل الرحمن يفعله) قد سبق معنى الفطرة أنها السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فالتخصيص بإبراهيم تنويه وتعظيم لشأن القص، ولذا وصفه بخليل الرحمن، أو كان ابتداء شرعيته من إبراهيم عليه السلام كما دل عليه حديث الأولية المذكور في آخر الفصل الثالث من هذا الباب، ولعل المراد مبالغته عليه السلام واستدامته على ذلك بخلاف الأنبياء السابقين عليه إذ لم يكن في شواربهم ما يحوجهم إلى القص كما لم يكن لهم شيب، واللَّه أعلم.
4438 -
[20](زيد بن أرقم) قوله: (فليس منا) أي: من سنتنا أو من أهلها.
(1) قوله: "صلوات الرحمن عليه" سقط في نسخة.
4439 -
[21] وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [ت: 2762].
4440 -
[22] وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَيْهِ خَلُوقًا فَقَالَ: "أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ:"فَاغْسِلْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ، ثُمَّ لَا تَعُدْ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. [ت: 2816، ن: 5121].
ــ
4439 -
[21](عمرو بن شعيب) قوله: (كان يأخذ منه لحيته من عرضها وطولها) تسوية وإصلاحًا لها، فعلم أن تسوية اللحية على هذا الوجه سنة، وهو لا ينافي إحفاء اللحية وتوفيرها المأمور به، وإنما ينافيه قصها وقصرها عن القدر المسنون، بل قالوا: لو طالت وازدادت بترك الإصلاح والأخذ مدة لم يقص بل يترك على حالها، وقد سبق الكلام فيه في أوائل الكتاب فلا نعيده.
4440 -
[22](يعلى بن مرة) قوله: (يعلى) بفتح التحتانية وسكون العين (ابن مرة) بضم الميم وتشديد الراء.
وقوله: (خلوقًا) بفتح الخاء المعجمة في آخره قاف: طيب مشهور يجعل فيه الزعفران.
وقوله: (ألك امرأة؟ ) قيل: إن المراد أنه إن كانت له امرأة أصابه الخلوق من بدنها وثوبها ببدنه وثوبه كان معذورًا، والمنهي عنه هو قصده وتعمده، انتهى. يعني ليس المراد أنه إن كانت له امرأة جاز استعمال الخلوق لأجلها رعاية لجانبها كما قد يوهمه ظاهر الحديث، بل المراد ما ذكره، واللَّه أعلم.
4441 -
[23] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقْبَلُ اللَّه صَلَاةَ رَجُلٍ فِي جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلُوقٍ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4178].
4442 -
[24] وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسرٍ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ تَشَقَّقَتْ يَدَايَ، فَخَلَّقُونِي بِزَعْفَرَانٍ، فَغَدَوْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَقَالَ:"اذْهَبْ فَاغْسِلْ هَذَا عَنْكَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4176].
4443 -
[25] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "طِيبُ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ،
ــ
4441 -
[23](أبو موسى) قوله: (في جسده) لعل المراد به ما يشمل الثوب الذي على جسده أيضًا.
4442 -
[24](عمار بن ياسر) قوله: (وقد تشققت يداي) من إصابة الرياح واستعمال الماء كما يكون في الشتاء، في (الصراح) (1): شق بالفتح: كفتكَئ، شقوق جماعت، يقال: بيد فلان وبرجله شقوق.
وقوله: (فخلقوني بزعفران) على صيغة الماضي من التفعيل، أي: طلوا يدي ولطخوهما، وجعلوا في تشقق يدي للمداواة، والخلوق يتركب من الزعفران وغيره، وتخصيص الزعفران بالذكر للإشارة إلى ارتكاب المنهي عنه، ثم الظاهر أن التشديد المذكور والأمر بالغسل لعدم العلم بأن ذلك كان منه لعذر المداواة، أو لأن ذلك لا يصلح علاجًا له.
4443 -
[25](أبو هريرة) قوله: (وخفي لونه) قد علمت أن المراد لون فيه
(1)"الصراح"(ص: 380).
وَطِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. [ت: 2787، ن: 5117].
4444 -
[26] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُكَّةٌ يَتَطَيَّبُ مِنْهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4162].
4445 -
[27] وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ، وَتَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ،
ــ
زينة، فينبغي أن يكون خفيًا لئلا يلزم التزين، وأما النساء فملتحفات فيستر اللون تحتها، وأما خفاء الريح فللاحتراز عن الفتنة بفوحها إلى الأجانب، فافهم.
4444 -
[26](أنس) قوله: (سكة) قال الطيبي (1): السك بالضم، ضرب من الطيب، وفي (مجمع البحار) (2): طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل، وقال الكرماني (3): قلادة من طيب، وقيل: خيط ينظم فيه خرز من الطيب، وقال في (القاموس) (4): السك بالضم: طيب يتخذ من الرامك مدقوقًا منخولًا معجونًا بالماء، ويُعْرَك شديدًا، ويمسح بدهن الخيري لئلا يلصق بالإناء، ويُترك ليلة، ثم يُسْحَقُ المسك ويُلْقَمُه، ويُعْرك شديدًا ويُقَرَّصُ، ويُتْرك يومين، ثم يُثْقَبُ بِمَسَلَّة، ويُنظم في خيط قِنَّبٍ، ويترك سنة، وكلما عَتُقَ طابت رائحته.
4445 -
[27](وعنه) قوله: (يكثر دهن رأسه) الدهن بالفتح: استعمال الدهن.
(1)"شرح الطيبي"(8/ 255).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 95).
(3)
"شرح الكرماني"(21/ 106).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 868).
وَيُكثِرُ الْقِنَاعَ كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زَيَّاتٍ. رَوَاهُ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ". [شرح السنة: 12/ 82].
ــ
وقوله: (ويكثر القناع) بكسر القاف، قيل: المراد الطيلسان الذي كان يتطلس به، ويتقنع، ومنه المقنعة للمرأة: ما تستر به رأسها، وقال في (القاموس) (1): القناع: أوسع من المقنعة، فكان موضع الرأس منه يتدهن ويصير كثوب زيات، وقيل: بل الصواب أن المراد به خرقة كان يجعلها تحت العمامة لئلا يتسخ بالدهن، كذا قال الشارحون، وقال التُّورِبِشْتِي (2): لم نجد في هذه اللفظة عن أحد من أهل المعرفة بالأحاديث ومعانيها ما يتحقق المعنى المراد من القناع، والذي يتبين لنا أنه أراد بذلك أحد الشيئين: إما اتخاذ القناع على رأسه شبه الطيلسان على رأسه، وإما اتخاذه ذلك عند التدهن لئلا تتسخ العمامة منه، ولا يتوهم أن ثيابه التي كان يلبس كانت تصير وسخة بالدهن؛ لأنه أبعد من النظافة، وكان صلى الله عليه وسلم يحب البياض من الثياب.
ثم اعلم أن الشيخ الجزري قال في تصحيح (المصابيح): الربيع بن صبيح كان عابدًا، لكنه ضعيف في الحديث، وله مناكير؛ منها: حديث كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع، وكأن ثوبه ثوب زيات، كذا في (شرح الشمائل) لمولانا الحنفي، قلت: الظاهر أن النكارة في إكثار هذه الأمور، وينافيه ظاهر حديث أبي داود الآتي: كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، وينافيه حديث النهي عن الترجل إلا غبًّا كما يأتي في الحديث الآتي، فتدبر. واللَّه أعلم.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 699).
(2)
"كتاب الميسر"(3/ 992).
4446 -
[28] وَعَنْ أُمِّ هَانِئ قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا بِمَكَّةَ قَدْمَةً، وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [حم: 6/ 341، د: 4191، ت: 1781، جه: 3631].
4447 -
[29] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِذَا فَرَقْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ صَدَّعْتُ فَرْقَهُ عَنْ يَافُوخِهِ، وَأَرْسَلْتُ ناصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4189].
ــ
4446 -
[28](أم هانئ) قوله: (قدمة) للمرة من القدوم، والمراد قدومه لفتح مكة.
وقوله: (غدائر) جمع غديرة بالدال المهملة: وهي الضفيرة، والضفائر هي الذوائب المضفورة، أي: المفتولة.
4447 -
[29](عَائِشَة) قوله: (إذا فرقت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأسه) أي: إذا أردت الفرق، والفرق الفصل بين الشيئين، ومنه فرق الرأس، وهو الطريق في شعر الرأس إذا قسم نصفين، و (الصدع) في الأصل الشق في شيء صلب كالزجاج ونحوه، وقد يطلق على مطلق الشق، واليافوخ: حيث التقى عَظم مُقدَّم الرأس وعظم مُؤخره، وفي حديث العقيقة:(ويوضع على يافوخ الصبي)، هو موضع يتحرك من وسط رأس الطفل، كذا في (النهاية)(1).
وقوله: (وأرسلت ناصيته لين عينيه) المراد أنه كان أحد طرفي الفرق عند اليافوخ، والآخر عند الجبهة، وكان ناصيته وهو شعر مقدم الرأس محاذيًا لما بين عينيه بحيث يكون نصف شعر ناصيته من جانب يمين ذلك الفرق، والنصف الآخر من جانب يساره،
(1)"النهاية"(5/ 291).
4448 -
[30] وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [ت: 1756، د: 4159، ن: 5055].
ــ
كذا فسره الطيبي (1)، وهذه الحيثية التي ذكره ليس مفهوم (أرسلت ناصيته)، ولكن لازم معنى الفرق ومفهوم منه، والناصية اسم لشعر الرأس من جانب الجبهة، وليس في صورة الفرق مرسلًا بين العينين، كيف ذلك! والإرسال ضد الفرق، فبيّن الشارح المراد بقوله: أي: جعلت رأس فرقه محاذيًا لما بين عينيه بحيث يكون نصف شعر ناصيته من جانب يمين ذلك الفرق، والنصف الآخر من جانب يساره، فافهم.
4448 -
[30](عبد اللَّه بن مغفل) قوله: (نهى عن الترجل إلا غبًّا) قال الطيبي (2): الغب أن يفعل يومًا ويترك يومًا، والمراد به النهي عن المواظبة عليه والاهتمام به؛ لأنه مبالغة في التزين، انتهى. كأنه يريد أن خلاصة المراد عدم المواظبة والاستدامة وليس خصوصية الفعل يومًا والترك يومًا مرادًا، وفي (النهاية) (3) في حديث:(زر غبًّا)، الغب أن ترد الإبل الماء يومًا وتدعه يومًا ثم تعود، فنقله إلى الزيارة وإن جاء بعد أيام، يقال: غبَّ الرجل: إذا جاء زائرًا بعد أيام، وقال الحسن: إذا جاء بعد أسبوع، ومنه:(أغبوا في عيادة المريض) أي: لا تعودوه كل يوم، لما يجد المريض من ثقل العيادة، ومنه:(نهى عن الترجل إلا غبًّا) تحرزًا عن الاهتمام بالتزين والمواظبة والتهالك، وفي (شرح جامع الأصول) (4) حديث: (ما يأكلون
(1)"شرح الطيبي"(8/ 256).
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 256).
(3)
"النهاية"(3/ 336).
(4)
"جامع الأصول"(7/ 482).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللحم إلا غبًّا) أي: لا يدومون على أكله، وهو في أوراد الإبل أن تشرب يومًا وتدعه يومًا، وفي غيره: أن يفعل الشيء يومًا ويدعه أيامًا، انتهى. وقال في (القاموس) (1): الغب بالكسر: ورد يوم وظِمء آخر، وفي الزيارة: أن تكون كل أسبوع، ومن الحمى: ما تأخذ يومًا وتدع يومًا، انتهى.
واعلم أن النهي عن الامتشاط كل يوم يشمل الرأس واللحية، والترجل وإن كان غالب استعماله في الرأس، وفي اللحية يقال: التسريح، وبهذا الاعتبار قد تضعف الاستدلال كما قيل على ذلك بحديث النهي عن الترجل إلا غبًّا، لكن المراد به التمشيط مطلقًا بقرينة ما جاء في حديث أبي داود صريحًا من النهي عن الامتشاط كل يوم، فعلى هذا ما يفعله بعض الناس من امتشاط اللحية بعد كل وضوء لا يكون سنة، ولم يصح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذا قيل، ولكن جاء في بعض الآثار أن امتشاط اللحية بعد الوضوء ينفي الفقر، كذا في (كتاب النورين في إصلاح الدارين) لبعض العلماء، وقال الشيخ ولي الدين العراقي في حديث أبي داود: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا في كل يوم، لا فرق بين الرأس واللحية في ذلك.
فإن قلت: روى الترمذي في (الشمائل)(2) عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته؟ .
قلت: لا يلزم من إكثار التسريح كل يوم بل الإكثار يصدق على الشيء الذي يفعل بحسب الحاجة، فإن قلت: نقل أنه كان يسرح لحيته كل يوم مرتين؟ قلت: لم
(1)"القاموس المحيط"(ص: 123).
(2)
"الشمائل"(33).
4449 -
[31] وَعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: مَا لِي أَرَاكَ شَعِثًا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الإرْفَاهِ،
ــ
أقف على هذا بإسناد، ولم أر من ذكره إلا الغزالي في (الإحياء)(1)، ولا يخفى ما فيه من الأحاديث التي لا أصل لها، انتهى كلام العراقي، ونقله السيوطي في (حاشية أبي داود)، ثم اعلم أن ذلك نهي تنزيه لا تحريم، والمعنى فيه أنه من باب الترفه والتنعم فيجتنب، كذا نقل عن الشيخ ولي الدين العراقي المذكور، ثم الظاهر أن النهي عن الامتشاط كل يوم يخص الرجال دون النساء؛ لأن التجمل والتزين في حقهن غير مكروه، وقال بعض العلماء: النهي شامل للكل إلا أن الكراهة في حق النساء أخف؛ لأن باب التزين في حقهن أوسع، كذا في (مجمع البحار)(2).
4449 -
[31](عبد اللَّه بن بريدة) قوله: (عن كثير من الإرفاه) بكسر الهمزة أصله في ورود الإبل الماء متى شاءت، شبه كثرة الادّهان والتنعم به، وفي (القاموس) (3): الرفاهة والرفاهية مخففة: رغد الخِصْب، ولين العيش، رفُه عيشه، ككرم فهو رفيه ورافه ورفهان ومترفه: مستريح متنعم، وأرفههم اللَّه تعالى ورفَّههم ترفيهًا. ورفه الرجل، كمنع، رفهًا، ويكسر، ورفوهًا: لان عيشه، والإبل: وردت الماء متى شاءت، وفي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم وإن كان يدهن ويمتشط ويكثر ذلك ويحبه ويأمر به ويرغب فيه، لكن كان قد يأمر بعض الزهاد وأهل الرياضة من الصحابة بخلافه، وحاصله أنه كان
(1)"إحياء علوم الدين"(1/ 266).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 600).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 1147).
قَالَ: مَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكَ حِذَاءً؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4160].
4450 -
[32] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4163].
4451 -
[33] وَعَن أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [ت: 1753، د: 4205، ن: 5077].
ــ
ينهى عن الإفراط والمبالغة في التنعم والترفه والانهماك في التدهين والترجيل والتزيين كما هو عادة أهل التنعم والإتراف، ويأمر بالتوسط والاقتصاد لا بترك الطهارة والنظافة وتحسين الهيئة؛ لأن النظافة من الدين.
وقوله: (ما لي لا أرى عليك حذاء) بكسر المهملة والذال المعجمة وبالمد: النعل، كذا في (النهاية)(1)، وفي حديث اللقطة:(معها حذاؤها وسقاؤها) يريد أخفاف الإبل المشابهة للنعال، وحذا النعل: قَدَّرَهَا، وقَطَعَها.
وقوله: (أن نحتفي أحيانًا) أي: حفاة تواضعًا وكسرًا للنفس، وليتمكن عند الاضطرار إليه.
4450 -
[32](أبو هريرة) قوله: (من كان له شعر فليكرمه) يريد إصلاحه بالادهان والغسل والتنظيف بالمعنى الذي ذكر.
4451 -
[33](أبو ذر) قوله: (الحناء والكتم) بفتح الكاف والتاء الفوقانية المخففة، وبعضهم يشددها، والتخفيف أشهر، نبت يخلط بالوسمة ويصبغ به الشعر،
(1)"النهاية"(1/ 357).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: هو الوسمة، كذا قال الطيبي (1)، وفي (القاموس) (2): الكتم محركة: الكتمان، وبالضم: نبت يخلط بالحناء، ويخضب به الشعر، فيبقى لونه، وأصله إذا طبخ بالماء، كان منه مداد للكتابة، انتهى.
والوسمة بفتح الواو وضمها وبكسر السين وسكونها أربع لغات: نبت، وقيل: شجر باليمن يخضب بورقه الشعر أسود، كذا في (مجمع البحار)(3)، وفي (القاموس) (4): الوسمة: ورق النيل، أو نبات يُخْضَب بورقه، ثم المراد من الحديث إما الخضاب بمجموع الحناء والكتم أو بأحدهما منفردًا، فقال صاحب (النهاية) (5): يشبه أن يراد استعمال الكتم عن الحناء إذ معه يوجد السواد، وقد صح النهي عنه، وقال: لعل الحديث بالحناء أو بالكتم على التخيير، ولكن الروايات على اختلافها بالحناء والكتم، انتهى.
ثم إنهم لم يبينوا أن الخضاب بالكتم وحده ما لونه، وفي بعض الحواشي: أن الخضاب بالحناء وحده أحمر، وبالكتم وحده أخضر، ويعلم من كلام بعضهم أن الخضاب بالكتم منفردًا يوجب سوادًا خالصًا، ولكن إذا خلط وجمع مع الحناء يصير أحمر مائلًا إلى السواد دون السواد، فعلى هذا يكون المراد الخضاب بمجموع الحناء والكتم كذا قيل.
(1)"شرح الطيبي"(8/ 257).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 1063).
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(5/ 61).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 1075).
(5)
"النهاية"(4/ 150).
4452 -
[34] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِهَذَا السَّوَادِ، كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ، لَا يَجِدُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [د: 4212، ن: 5075].
4453 -
[35] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ،
ــ
4452 -
[34](ابن عباس) قوله: (بهذا السواد) أي: بهذا اللون الذي هو السواد كما هو الظاهر من وصف اسم الإشارة لرفع الإبهام عن الجنس، والإشارة بهذا يكون للتحقير وتقبيح شأنه، أو المراد النوع الخاص من السواد، فيكون قوله:(كحواصل الحمام) أي: صدورها بيانًا لذلك النوع، أي: السواد الصرف غير مشوب بلون آخر.
وقوله: (لا يجدون رائحة الجنة) مبالغة في الزجر والتهديد على الخضاب بالسواد، وفي بعض الحواشي: يعني يدخلون الجنة ولكن لا يجدون روائحها، ويحرمون من وجدانها، وقيل: يأتي من الجنة ريح طيبة في العرصات يتلذذون بها ويهنئون بها عليهم تعب الوقوف بالعرصات ويحرمون هؤلاء منها، واللَّه أعلم.
4453 -
[35](ابن عمر) قوله: (النعال السبتية) منسوب إلى السبت بكسر السين وسكون الباء: وهو جلود البقر المدبوغة أو كل جلد مدبوغ أو بالقرظ، وقد يطلق السبت على النعل توسعًا كما جاء في الحديث:(يا صاحب السبتين)، وفي رواية قد يروى بصيغة النسبة، وفي (الشمائل) (1) للترمذي: قيل لابن عمر: نراك تلبس النعال
(1)"الشمائل"(79).
وَيُصَفِّرُ لِحْيتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرانِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِك. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. [ن: 5243].
ــ
السبتية، فقال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يلبسها، وإنما اعترض عليه؛ لأنه كان عادتهم لبس النعال بالشعر غير مدبوغة؛ ولأنها نعال أهل النعمة والسعة.
وقوله: (ويصفر لحيته بالورس والزعفران) الورس: نبات أصفر يصبغ به، وفي (القاموس) (1): نبات كالسمسم ليس إلا باليمن، يزرع فيبقى عشرين سنة، ورّسه توريسًا: صبغه به، وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم لم يخضب ولم يبلغ شيبه حد الخضاب، وهو الصحيح المختار عند جمهور المحدثين، وقد جاء في أحاديث كثيرة، وما جاء على خلافه فله محامل وتأويلات قد عرفت، وقال صاحب (سفر السعادة) (2): إنه صلى الله عليه وسلم لم يصبغ شعره قطّ، وإذا كان يستعمل الطيب كثيرًا حسبوه مخضوبًا، انتهى. فالمراد بقوله: يصفر لحيته بهما أنه كان يستعملهما فيها ويغسلها بهما تنظيفًا وتطهيرًا، ولما كان شعره صلى الله عليه وسلم أسود لم يصبغ به؛ لأن الأسود لا يقبل لونًا آخر، وكذا سمعت من الشيخ رحمه الله، وأما ابن عمر لما كان شيبه أبيض وكان يستعمل الصفرة اتباعًا له صلى الله عليه وسلم كان يصبغ به شعره، وكان الصحابة يخضبون بالحمرة وبالصفرة كما جاء في الأحاديث، أما هو صلى الله عليه وسلم فلم يخضب قط، واللَّه أعلم.
وقوله: (وكان ابن عمر يفعل ذلك) أي: يصفر اللحية بالورس والزعفران، والأولى أن يكون إشارة إلى مجموع ما ذكر من لبس النعال السبتية وتصفير اللحية كما جاء في الأحاديث، ورويناه في (كتاب الشمائل).
(1)"القاموس المحيط"(ص: 536).
(2)
"سفر السعادة"(ص: 330).
4454 -
[36] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ:"مَا أَحْسَنَ هَذَا". قَالَ: فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، فَقَالَ:"هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا"، ثُمَّ مَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالصُّفْرَةِ فَقَالَ:"هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4211].
4455 -
[37] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 5752].
4456، 4457 - [38، 39] وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالزُّبَيْرِ. [ن: 5073، 5074].
4458 -
[40] وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِم، مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلَامِ كتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، وَكفَّرَ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4202].
ــ
4454 -
[36](ابن عباس) قوله: (بالحناء والكتم) هذا صريح في الجمع بينهما، فيحمل عليه في الحديث السابق أيضًا.
4455، 4456، 4457 - [37، 38، 39](أبو هريرة، وابن عمر والزبير) قوله: (ولا تشبهوا باليهود) فإنهم لا يغيرون كما مرّ في الفصل الأول من حديث أبي هريرة، وزاد هناك: النصارى أيضًا.
4458 -
[40](عمرو بن شعيب) قوله: (فإنه نور المسلم) أي: سبب له في القيامة، فالمراد نور الآخرة على ما قرره الطيبي (1)، ولو كان المراد نورانية حسن
(1)"شرح الطيبي"(8/ 259).
4459 -
[41] وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ شَابَ شَيْبةً فِي الإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. [ت: 1634، ن: 3132].
4460 -
[42] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ لَهُ شَعْرٌ فَوْقَ الْجُمَّةِ وَدُونَ الوَفْرَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 1755].
ــ
وجمال الحلية وما يحصل للمشايخ من صلاح السريرة وصفاء الباطن في هذا العالم لم يبعد، وحصول حسن الجزاء والنورانية التي تترتب عليه، وفي الآخرة على حاله، فإن قلت: فإذا كان حال الشيب كذلك فلم شرع ستره بالخضاب؟ قلنا: ذلك لمصلحة أخرى دينية، وهو إرغام الأعداء وإظهار الجلادة لهم.
فإن قلت: فلم لم يجز النتف لأجل هذه المصلحة؟ قلت: النتف استئصال الشيب من أصله، ومفض في الآخرة إلى تشويه الوجه وسوء المنظر بخلاف الخضاب؛ فإنه زيادة وصف على الأصل، فبينهما فرق، على أنه قد يروى عن أبي حنيفة جواز النتف إذا لم يكن بقصد التزين والتكلف، وعن محمد أنه لا بأس به، نعم المختار في المذهب خلاف ذلك.
4459 -
[41](كعب بن مرة) قوله: (كانت له نورًا يوم القيامة) يؤيد الحمل على النور في ذلك اليوم، ولكنه لا منافاة، ويناسب الحمل على النور في الدنيا، وقوله في الحديث السابق:(كتب اللَّه له بها حسنة وكفر عنه بها خطيئة ورفعه بها درجة) وإن كانت هذه الأشياء أيضًا موجبة للنور يوم القيامة، فتدبر.
4460 -
[42](عائشة) قوله: (وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفرة) اعلم
4461 -
[43] وَعَنِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسْدِيُّ لَوْلَا طُولُ جُمَّتِهِ وَإِسْبَالُ إِزَارِهِ" فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا، فَأَخَذَ شَفْرَةً، فَقَطَعَ بِهَا جُمَّتَهُ إِلَى أُذُنيهِ وَرَفَعَ إِزارَهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4089].
4462 -
[44] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ لِي ذُؤَابَةٌ. . . . .
ــ
أن لشعر رأس الإنسان ثلاثة أسماء: الجمة بضم الجيم وتشديد الميم، والوفرة بفتح الواو وسكون الفاء، واللمة بكسر اللام وتشديد الميم، فالجمة إلى المنكبين، والوفرة إلى شحمة الأذن، واللمة بين بين، نزل من الأذن وألم إلى المنكبين ولم يصل إليهما، فشعره صلى الله عليه وسلم كان لمة نزل من الأذن وصار دون الوفرة وأسفل منها، ولم يصل إلي المنكب وبقي فوقها، وهذا على اختلاف الأوقات والأحوال، وقد جاءت الجمة بمعنى مطلق الشعر كما وقع في (الشمائل) (1): تضرب جمته شحمة أذنيه، وفي (القاموس) (2): الجمة بالضم: مجتمع شعر الرأس.
4461 -
[43](ابن الحنظلية) قوله: (خريم) بضم المعجمة وراء، بلفظ التصغير.
وقوله: (لولا طول جمته) طول الشعر ليس مذمومًا، ولعله صلى الله عليه وسلم رأى في هذا الرجل تبخترًا وتعلقًا بطول جمته فنبهه على ذلك وضم إلى الإسبال للإزار الذي هو حرام بلا شبهة، وبالجملة الإفراط والتجاوز عن الحد مذموم مطلقًا.
4462 -
[44](أنس) قوله: (كانت لي ذؤابة) بضم الذال المعجمة: الناصية
(1)"الشمائل"(26).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 1006).
فَقَالَتْ لِي أُمِّي: لَا أَجُزُّهَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمُدُّهَا وَيَأْخُذُهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4196].
4463 -
[45] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ:"لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ". ثُمَّ قَالَ: "ادْعُوا لِي بَنِي أَخِي". فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرَاخٌ فَقَالَ: "ادْعُوا لِي الْحَلَّاقَ"
ــ
أو منبتها من الرأس، كذا في (القاموس)(1)، وفي (الصراح) (2): ذوائب: كيسو، وفي (النهاية) (3): هي الشعر المضفور من الرأس، و (الذؤابة) مهموز، لكنه جاء على غير القياس، جمعه ذوائب بالواو؛ لأنهم استثقلوا وقوع الألف بين الهمزتين، فأبدلوا من الأولى واوًا.
وقوله: (يمدها ويأخذها) أي: كان ينبسط معه فيأخذها ويمدّها كما يفعل بالصبيان، وفي بعض الحواشي: يمدّها حتى يصل إلى الأذن، ثم يقطع الزوائد من الأذن، وأمه كانت لا تجز ولا تقطع بل تتركها طويلة تبركًا وتيمنًا بمساس يده الشريفة بها.
4463 -
[45](عبد اللَّه بن جعفر) قوله: (أمهل آل جعفر) أي: تركهم يبكون عند نعي جعفر من غزوة موتة، وكانوا ثلاثة: عبد اللَّه وعوفًا ومحمدًا رضي الله عنهم.
وقوله: (كأنا أفراخ) في (القاموس)(4): الفرخ: ولد الطائر، وكل صغير من الحيوان والنبات، وجمعه أفرخ وأفراخ وأفرخة.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 92).
(2)
"الصراح"(ص: 29).
(3)
"النهاية"(2/ 151).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 248).
فَأَمَرَهُ فَحَلَقَ رُؤُوسَنَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [د: 4192، ن: 5227].
4464 -
[46] وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّ امْرَأَةَ كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ. فَقَالَ لَها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرأَةِ، وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَرَاوِيهُ مَجْهُولٌ. [د: 5271].
ــ
وقوله: (فحلق رؤوسنا) وذلك لما رأى من شغل أمهم عن ترجيل شعورهم بما أصابها من المصيبة، فأشفق عليهم الوسخ والقمل.
4464 -
[46](أم عطية الأنصارية) قوله: (لا تنهكي) من نهكه كفرح وأنهكه: بالغ فيه، والنهك والإنهاك: المبالغة في كل شيء، فالمعنى لا تبالغي في القطع ولا تستقصي في الختان، يدل على أن المبالغة في ذلك يخل في الحظ والأحبية، وقد ورد أيضًا أن الختان يورثهما، فأصل الختان مورث، والمبالغة في ذلك مخل.
وقوله: (أحظى للمرأة) في (القاموس)(1): الحظوة بالضم والكسر والحِظَة، كعدة: المكانة، والحظ من الرزق، وحظي كل واحد من الزوجين عند صاحبه، كرضي، واحتظى، وفي (مجمع البحار) (2): حظيت المرأة عند زوجها تحظى حظوة بالضم والكسر: سعدت به ودنت من قلبه وأحبها، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: تزوجني في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نسائه كان أحظى مني، أي: أقرب إليه وأسعد.
وقوله: (وأحب إلى البعل) التذاذًا ولعدم السماجة في المنظر.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1172).
(2)
"مجمع البحار"(1/ 519).
4465 -
[47] وَعَنْ كَرِيْمَةَ بِنْتِ هَمَّامٍ: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عائشةَ عَنْ خِضَابِ الْحِنَّاءِ فَقَالَتْ: لَا بَأْسَ وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ، كَانَ حَبِيبِي يَكْرَهُ رِيحَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [د: 4164، ن: 5090].
4466 -
[48] وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! بَايِعْنِي فَقَالَ: "لَا أُبَايِعُكِ حَتَّى تُغَيِّرِي كفَّيْكِ، فَكَأَنَّهُمَا كَفَّا سَبُعٍ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4165].
ــ
4465 -
[47](كريمة بنت همام) قوله: (بنت همام) صحح في أصل النسخة بضم الهاء وتخفيف الميم، وفي بعضها بفتح الهاء وتشديد الميم.
وقوله: (سألت عائشة عن خضاب الحناء) الظاهر أنها سألت عن خضاب النساء اليدين والرجلين بالحناء كما يفهم من سياق الحديث لقولها: (ولكني أكرهه) لأن عائشة لم تبلغ أوان خضاب الرأس، فافهم.
وقوله: (كان حبيبي يكره) في بعض الحواشي: استدل به بعض الشافعية على أن الحناء ليست طيبًا كما هو مذهب الحنفية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الطيب فلو كان طيبًا لم يكرهه، ويمكن أن يقال: إن محبته صلى الله عليه وسلم جنس الطيب لا يستلزم محبته كل فرد منه، وأيضًا محبة أفراد الطيب لا يكون في درجة واحدة، وقد يكون بعضها أحب من بعض بلا شبهة، فكان المراد أنه كان يجد فيه شيئًا من الكراهة ولا يحبه كل المحبة حتى يسر ويحظى به، فكرهته لذلك.
4466 -
[48](عائشة) قوله: (فكأنهما كفا سبع) كرهه صلى الله عليه وسلم للتشبه بالرجال، وتشبه النساء بالرجال مكروه، حتى يكره للنساء التختم بخاتم الفضة، ولو تختمت يستحب أن تصبغه بزعفران ونحوه، ثم قد سبق إلى الفهم من الحديث أن مبايعته صلى الله عليه وسلم للنساء كان بأخذ اليد، وليس كذلك، فإنه قد مرّ في آخر الفصل الأول من (باب الصلح)
4467 -
[49] وَعَنْهَا قَالَتْ: أَوَمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بِيَدِهَا كِتَابٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَبَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فَقَالَ:"مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَمْ يَدُ امْرَأَةٍ؟ " قَالَتْ: بَلْ يَدُ امْرَأَةٍ قَالَ: "لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ" يَعْنِي بِالْحِنَّاءِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [د: 4166، ن: 5089].
4468 -
[50] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لُعِنَتِ الْوَاصِلَةُ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ، وَالنَّامِصَةُ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ، وَالْوَاشِمَةُ، وَالْمُسْتَوشِمَةُ مِنْ غَيْرِ داءٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4170].
ــ
من حديث عائشة المتفق عليه أنها قالت: كان مبايعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلامًا يكلمها به، وقالت: واللَّه ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، فهو صلى الله عليه وسلم إنما قال لهند ذلك لما وقع نظره على يدها، فكره للتشبه بالرجال كما يأتي في الحديث الآتي.
4467 -
[49](وعنها) قوله: (أومت) أي: أشارت، أصله أومأت بالهمزة فخففت الهمزة فصارت ألفًا، كذا نقل من (المفاتيح)(1).
وقوله: (بيدها كتاب) مبتدأ وخبر، كأنها جاءت بكتاب إليه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (يعني بالحناء) تفسير من الراوي، وفيه شدة استحباب الخضاب بالحناء للنساء.
4468 -
[50](ابن عبَّاس) قوله: (لعنت الواصلة والمستوصلة. . . إلى آخره)، مرّ تفسير هذه الألفاظ في الفصل الأول.
وقوله: (من غير داء) أي: من غير علة وضرورة، ولعله تدعو الضرورة إلى ارتكاب بعض هذه الأشياء من مرض أو غيره.
(1)"شرح المفاتيح"(5/ 54).
4469 -
[51] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرأَةِ، وَالْمَرأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4098].
4470 -
[52] وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: إِنَّ امْرَأَةً تَلْبَسُ النَّعْلَ قَالَتْ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَةَ مِنَ النِّسَاءِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4099].
4471 -
[53] وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ كَانَ آخِرُ عَهْدِهِ بإِنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ فَاطِمَةَ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَاطِمَةَ، فَقَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ وَقَدْ عَلَّقَتْ مَسْحًا أَوْ سِتْرًا عَلَى بَابِهَا، .
ــ
4469 -
[51](أبو هريرة) قوله: (الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل) قد مرّ شرحه في الفصل الأول من حديث ابن عباس: (لعن اللَّه المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)، ولكن خص هنا باللبسة، والتشبه أعم من ذلك.
4470 -
[52](ابن أبي مليكة) قوله: (إن امرأة تلبس النعل) المراد نوع من النعال مخصوص بالرجال لبسه.
وقوله: (الرجلة من النساء) بضم الجيم، أنث الرجل لإطلاقه على المرأة، ويقال: امرأة رجلة: إذا تشبهت بالرجال.
4471 -
[53](ثوبان) قوله: (كان آخر عهده) أي: أمره بالوداع والكلام أو وصيته، و (فاطمة) خبر (كان) بحذف المضاف، أي: عهد فاطمة، أو العبارة محمولة على القلب، أي: كان إنسان آخر عهده ملتبس به فاطمة.
وقوله: (وأول من يدخل عليها) أي: بعد القدوم (فاطمة) محمول على الظاهر، و (الغزاة) أصله غزوة، نقلت حركة الواو إلى ما قبلها وقلبت ألفًا.
وَحَلَّتِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ قُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَدِمَ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَظَنَّتْ أَنَّ مَا مَنَعَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَا رَأَى، فَهَتَكَتِ السِّتْرَ، وَفَكَّتِ الْقُلْبَيْنِ عَنِ الصَّبِيَّيْنِ، وَقَطَعَتْهُ مِنْهُمَا، فَانْطَلَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْكِيَانِ، فَأَخَذَهُ مِنْهُمَا فَقَالَ: "يَا ثَوْبَانُ! اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى فُلَانٍ، إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي أَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا. يَا ثَوْبَانُ! اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلَادَةً مِنْ عَصْبٍ،
ــ
وقوله: (وحلت) أصله حليت فقلبت الياء ألفًا وحذفت، أي: زينت، و (قلبين) بضم القاف، أي: سوارين.
وقوله: (أن ما منعه) يحتمل أن يكون (ما) موصولة و (منعه) صلة، و (ما رأى) خبر (أن)، وأن يكون (ما) كافة و (ما رأى) فاعل (منعه)، وحقها على الأول أن تكتب مفصولة، وعلى الثاني موصولة، والمكتوب في النسخ مفصول، ومع ذلك يحتمل وجهين، والأمر في مخالفة رسم الخط سهل.
وقوله: (وقطعته) أي: كل واحد من القلبين، وكذا قوله:(فأخذه) على أحد المعنيين اللذين ذكرهما الطيبي حيث قال (1): أي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من الرأفة والرقة عليهما، أو أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك القلب، بجعل الضمير واقعًا موقع اسم الإشارة.
وقوله: (اذهب بهذا) إشارة إلى القلبين، ويجوز في اسم الإشارة الإفراد مع تعدد المشار إليه، وأجري الضمير هنا مجرى اسم الإشارة.
وقوله: (أن يأكلوا طيباتهم) كناية عن الاستمتاع بالطيبات ولذات الدنيا، وذكر الأكل للغالب.
وقوله: (من عصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين، اعلم أنهم اختلفوا
(1)"شرح الطيبي"(8/ 263).
وَسِوَارينِ مِنْ عَاجٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. [حم: 5/ 227، د: 4213].
ــ
في تفسير معنى العصب والعاج، أما العصب فالمشهور من معناه المذكور في كتب اللغة والحديث: البرد اليماني الذي يعصب غزلها، أي: يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، يقال: برد عصب، وبرود عصب بالتنوين والإضافة، وقيل: برود مخططة، والعصب: الفتل، والعصاب: الغزال، ولا يخفى أن هذا المعنى غير مناسب بالمقام؛ لأن القلادة التي هي اسم لحلي الجيد لا معنى لجعله من البرود، وذكر في (النهاية) (1) عن الخطابي أنه قال: إن لم تكن الثياب اليمانية فلا أدري ما هي، وقال أبو موسى: لعله العصب بفتح الصاد، وهو أطناب مفاصل الحيوان وهو شيء مدور، فلعلهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات الطاهرة، فيقطعونه شبه الخرز، فإذا يبس يتخذون منه القلائد، وإذا أمكن اتخاذها من عظام السلحفاة جاز من عصب أشباهها اتخاذ خرز القلائد، ثم قال: وذكر بعض أهل اليمن أن العصب سن دابة بحرية تسمى فرس فرعون، يتخذ منه الخرز، انتهى. وهذا المعنى إن صح في غاية المناسبة للمقام ويوافق قرينه من اشتراء سوارين من عاج.
وأما العاج فالمعروف بين العامة أنه سن الفيل وهو طاهر عند أبي حنيفة؛ لأن عظم الميتة طاهر عنده لعدم سراية الموت فيها، ويطهر بالذبح أيضًا إلا ما هو نجس العين، والفيل ليس بنجس العين عنده، وعند الشافعي رحمه الله في قوله المشهور عنه هو نجس، ولا يجوز استعماله ولا التجارة فيه عنده، وقال بعضهم: العاج ليس اسمًا لسن الفيل، بل هو عظم ظهر السلحفاة البحرية أو عظم دابة بحرية غيرها اسمه الذبل بفتح الذال المعجمة وباء موحدة يتخذ منه السوار والمشط ونحوهما.
(1)"النهاية"(3/ 245).
4472 -
[54] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اكْتَحِلُوا بِالإِثْمِدِ. . . . .
ــ
وقال في (النهاية)(1) في حديث: (له مشط من عاج)، هو الذبل، وقيل: شيء يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية، وأما العاج الذي هو عظم الفيل فنجس عند الشافعي، وطاهر عند أبي حنيفة رحمه الله. ومنه حديث قوله لثوبان:(اشتر لفاطمة سوارين من عاج)، وقيل: احتجوا به على تجارة في العاج والامتشاط به، ونقل ذلك عن بعض السلف، وقال الزهري في عظام الموتى نحو الفيل وغيره: أدركت ناسًا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها لا يرون به بأسًا، كذا في ترجمة البخاري (2)، ويأوله المانع بعظم سلحفاة البحرية، وفي (القاموس) (3): العاج: وهو الذبل وعظم الفيل، وقال: الذبل: جلد السلحفاة البحرية وعظام ظهر دابة بحرية يتخذ منه الأسورة والأمشاط، وفي (الصحاح) (4): العاج: هو عظم الفيل، والواحد عاجة، وقال التُّورِبِشْتِي (5): ذكر الخطابي في تفسيره أن العاج هو الذبل ونقل ذلك عن الأصمعي، ومن العجب العدول عن اللغة المشهورة إلى ما لا يشتهر بين أهل اللسان، والمشهور أن العاج عظم أنياب الفيلة.
4472 -
[54](ابن عَبَّاس) قوله: (اكتحلوا بالإثمد) هو بكسر الهمزة والميم، وصاحب (القاموس) (6) ذكره في مادة: ثمد في فصل الثاء من باب الدال، ويفهم منه
(1)"النهاية"(3/ 316).
(2)
"صحيح البخاري"(ك: 4، باب: 69).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 196، 921).
(4)
"الصحاح"(1/ 332).
(5)
"كتاب الميسر"(3/ 996).
(6)
"القاموس المحيط"(ص: 259).
فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ". وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ بِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَةً فِي هَذِهِ، وَثَلَاثَةً فِي هَذِهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 1757].
4473 -
[55] وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْتَحِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ بِالإِثْمِدِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ، قَالَ: وَقَالَ: "إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاويتُمْ بِهِ اللُّدُودُ، وَالسُّعُوطُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالْمَشِيُّ،
ــ
أن الألف زائدة، وكذا في (الصحاح)(1)، ثم المشهور تفسيره بحجر يكتحل به، ونقل عن (المهذب) أنه قال: الإثمد: سرمه، وقال: سياق الحديث يدل على أنه من نوع خاص من الكحل، ويقال: إنه كحل أصفهاني، كذا في (شرح الشمائل).
وقوله: (فإنه يجلو البصر) أي: بالاعتياد والاستدامة، و (الشعر) بفتح العين وقد تسكن، معروف، والمراد هنا الأهداب.
وقوله: (زعم) أي: قال ابن عباس، وقد يطلق على القول المحقق وإن غلب استعماله في المشكوك، كذا قالوا.
وقوله: (ثلاثة في هذه) وقد جاء في رواية أبي داود: ثلاثة في اليمين واثنين في اليسرى، وكان يبتدأ باليمنى ويختم بها، وفيه رعاية فضيلة اليمنى من وجهين، وفي كل من الطريقين رعاية الإيتار المأمور به بقوله:(من اكتحل فليوتر)(2)، ففي الأول بالاكتحال في كل عين ثلاثة، وفي الآخر يكون المجموع خمسة، والأول هو الأصح.
4473 -
[55](وعنه) قوله: (اللدود والسعوط والحجامة والمشي) اللدود بفتح
(1)"الصحاح"(2/ 451).
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(35)، وابن ماجه في "سنن"(3498).
وَخَيْرَ مَا اكْتَحَلْتُمْ بِهِ الإِثْمِدُ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ، وَإِنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ. . . . .
ــ
اللام ويقال: اللديد أيضًا: ما يسقى المريض من أحد شقي فيه، وفي بعض الشروح: يعني الجانب الذي فيه العلة، واللديدان جانبا الفم بل جانبا كل شيء، ولا يخفى أن الظاهر أن يقال: دواء يسقى من جانب الفم، ولكن عبارة أكثر الشارحين وقع هكذا: يسقى من أحد جانبي الفم، وقال في (القاموس) (1): يصب من أحد جانبي الفم، إلا عبارة (سفر السعادة) (2) حيث قال: دواء يصب من جانب الفم، وأما عبارة (الصراح) (3) حيث قال: دارو كه در كرانه دهان ريزند، ولعل ذكر أحد الجانبين وقع على جري العادة، وترك ذكر الدواء اعتمادًا على الظهور.
وقوله: (والسعوط) بفتح السين: دواء يصب في الأنف، (والحجامة) بكسر الحاء: إخراج الدم بالمحجم بكسر الميم: الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص، وبفتحها موضع الحجامة، وفي معنى الحجامة الفصد، لكن الفصد يصلح للديار الباردة والحجامة للحارة، والظاهر أن إخراج الدم بالدباء في حكم الفصد، وبالسلك (4) في معنى الحجامة، وأما (المشي) على وزن فعيل، فهو اسم للدواء المسهل، مشتق من المشي؛ لأنه يحمل شاربه على المشي والتبرز إلى الخلاء، وقد يجيء المشو على وزن العدو، والمشاء على وزن السماء.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 300).
(2)
"سفر السعادة"(ص: 288).
(3)
"الصراح"(ص: 146).
(4)
كذا في الأصل.
يَوْمُ سبْعَ عَشْرَةَ، وَيَوْمُ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَيَوْمُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ"، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ عُرِجَ بِهِ مَا مَرَّ عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريبٌ. [ت: 2048].
4474 -
[56] وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ، ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوا بِالْمَيَازِرِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو داوُدُ. [ت: 2802، د: 4009].
ــ
وقوله: (يوم سبع عشرة، ويوم تسع عشرة، ويوم إحدى وعشرين) قالوا: إن الدم بل جميع الرطوبات من أول الشهر إلى نصفه يكون في زيادة وغلبة وغليان، وفي آخره في نقصان ونزول وسكونة، وفي الوسط معتدل لا سيما هذه الأيام الثلاثة التي هي أوتار، وسيجيء تفصيل أحكام الحجامة وتعيين أوقاتها في (كتاب الطب والرقى).
وقوله: (إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) عطف على (كان النبي صلى الله عليه وسلم) فيكون مقول ابن عباس، ويحتمل أن يكون عطفًا على (إن خير ما تداويتم) فيكون قول النبي صلى الله عليه وسلم على طريقة الالتفات.
وقوله: (عليك بالحجامة) وسيجيء هذا الحديث في (كتاب الطب والرقى)، وهناك ذكر أمر الأمة بالحجامة أيضًا ومضمون ما ذكر هنا أيضًا يشتمل عليه.
4474 -
[56](عائشة) قوله: (عن دخول الحمامات) اعلم أنه لم يثبت دخوله صلى الله عليه وسلم الحمام، وقد ذكر في بعض كتب الفقه، ولم يصح ذلك عند المحدثين، والحديث المذكور فيه منسوب إلى الوضع عندهم، قال الشيخ مجد الدين الشيرازي (1):
(1)"سفر السعادة"(ص: 330).
4475 -
[57] وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: قَدِمَ عَلَى عَائِشَةَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ فَقَالَتْ: مَنْ أَيْنَ أَنْتُنَّ؟ قُلْنَ: مِنَ الشَّامِ، قَالَتْ: فَلَعَلَّكُنَّ مِنَ الْكُورَةِ الَّتِي تَدْخُلُ نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تَخْلَعُ امْرَأَةٌ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا". وَفِي رِوَايَةٍ: "فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلَّا هَتَكَتْ سِتْرَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. [ت: 2803، د: 4010].
4476 -
[58] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ. . . . .
ــ
والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل ولا رأى الحمام، والحمام المشهور بمكة بحمام النبي لعله صلى الله عليه وسلم غسل في ذلك المحل غسلًا فبنوا الحمام فيه تبركًا، انتهى. ويحتمل أن يكون تسميته بحمام النبي؛ لأنه في ناحية مولده صلى الله عليه وسلم قريبًا منه، ولكن وقع في الأحاديث ذكر الحمام وأحكامه فنهيت النساء عن دخوله إلا لعذر، والرجال إلا بالمئزر وهو الإزار، وقد كره العلماء قراءة القرآن وذكر اللَّه تعالى في الحمام.
4475 -
[57](أبو المليح) قوله: (من الكورة) بالضم: المدينة، والصقع بضم الصاد المهملة والقاف: بمعنى الناحية.
وقوله: (قلن: بلى) يعلم من هذا الحديث استعمال (بلى) في ما سوى تصديق ما بعد النفي، فإن كان هذا اللفظ من النساء المذكورات وهن مما يوثق بفصاحتهن، أو كانت من عائشة في حكاية قولهن أو غيرها من بعض الرواة الموثوق بعربيتهم فهو حجة على النحاة، وإلا فلا.
4476 -
[58](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون
فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا: الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إِلَّا بِالأُزُرِ، وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إِلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4011].
4477 -
[59] وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ بِغَير إِزارٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ تُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. [ت: 2801، ن: 401].
ــ
فيها) أسند الوجدان إليهم دون الفتح؛ لأن الفتح ليس مضافًا إليهم، بل هو من عند اللَّه تعالى لقوله تعالى:{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126]، وقوله:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} [الفتح: 1]، وفي الحديث دلالة على أن الحمامات مخصوصة بأرض العجم ليست في القديم في أرض العرب، وهو يؤيد عدم دخول النبي صلى الله عليه وسلم إياها، و (الأزر) بضم الهمزة وسكون الزاي، جمع إزار.
وقوله: (أو نفساء) بأن لم تجد ماء مسخنًا والبرد شديد، وكذا حكم الحائضة، ولعل تخصيص النفساء بالذكر؛ لأن العذر والضعف فيه أشد وأكثر.
4477 -
[59](جابر) قوله: (فلا يدخل) من الإدخال و (حليلته) و (الحمام) مفعولاه.
وقوله: (على المائدة) المائدة: خوان عليه طعام، فإذا لم يكن عليه طعام فهي خوان، وهي فاعلة بمعنى مفعولة، مثل: عيشة راضية، كذا في (الصحاح)(1).
(1)"الصحاح"(2/ 541).