الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4531 -
[18] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ، فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2188].
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
4532 -
[19] عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: "نَعَمْ يَا عِبادَ اللَّهِ! تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. [حم: 4/ 278، ت: 2038، د: 3855].
ــ
من بدن الإنسان ويندفع بها، فالرقية بما عدا القرآن وكلمات اللَّه حرام بالاتفاق، وهذا موضع الصبر والثبات لأهل الإيمان الكامل، وقليل ما هم.
4531 -
[18](ابن عباس) قوله: (العين حق) قد سبق تحقيقه وكيفية إصابة العين وما يتعلق بها في الفصل الأول من (باب الترجل)، فلا نعيده وإن كان الأنسب ذكره في هذا الباب.
وقوله: (فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين) أي: ولو كان شيء مضرًا ومهلكًا بغير قضاء اللَّه وقدره لكان العين، والمراد المبالغة في شدة ضررها على تقدير فرض المحال، وأما كيفية الاستغسال والغسل فسيأتي في آخر الفصل من حديث أبي أمامة.
الفصل الثاني
4532 -
[19](أسامة بن شريك) قوله: (يا عباد اللَّه! تداووا) الظاهر أن الأمر للإباحة، فإن التداوي ليس بواجب، ولهذا مدح المتوكلين الذين لا يتداوون ولا يسترقون، وفي (مطالب المؤمنين): ولا بأس بالتداوي، وبه نقول، وقد تداوى
4533 -
[20] وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى (1) يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [ت: 2040، جه: 3444].
ــ
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تعليمًا للجواز، وقال الطيبي (2) في شرح الحديث الأول من الفصل الأول: فيه إشارة إلى استحباب الدواء، وهو مذهب جمهور السلف وعامة الخلف، وفي كون المذهب هذا خفاء مع أن في كون الحديث إشارة إلى ما ذكر أيضًا نظرًا، نعم لو داوى أحد على قصد الاتباع والموافقة بفعله صلى الله عليه وسلم يثاب على ذلك، كما في سائر المباحات الموافقة لفعله عليه الصلاة والسلام، وأما كون نفس التداوي من غير نظر إلى هذا مستحبًا محل نظر، ولو فرق أحد بين العلاجات الطبية الوهمية والظنية وبين ما هو متيقن كحرارة الزنجبيل والفلفل، فلو أهلكت أحدًا البرودة وهو قادر عليها ولم يستعملها ولم يأكل وهلك يأثم، وهي حكم النار والتسخن بها مثلًا لكان له وجه، وتحقيقه في محله، وأما إنكار التداوي بناء على أن كل شيء بقدر اللَّه فجهل بتقدير عالم الأسباب، إذ التداوي أيضًا بقدر اللَّه على طبق ما ورد: فررنا من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه، كالأمر بالدعاء، وقتال الكفار، والتحصن، وتجنب الإلقاء إلى التهلكة.
4533 -
[20](عقبة بن عامر) قوله: (فإن اللَّه يطعمهم ويسقيهم) يعني لا تظنوا أن عدم الطعام والشراب مهلك بهم ومضر لهم، فإن اللَّه تعالى يبقيهم ويقومهم من غير حاجة إلى ذلك، والإبقاء والتقويم بقدرة اللَّه تعالى لا بالطعام والشراب، وله
(1)"تعالى" سقط في نسخة.
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 285).
4534 -
[21] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنَ الشَّوْكَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [ت: 2050].
4535 -
[22] وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَدَاوَى مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ وَالزَّيْتِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2079].
4536 -
[23] وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْعَتُ الزَّيْتَ وَالْوَرْسَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2078].
ــ
سبب في الظاهر وهو عدم التفات النفس إليهما باشتغالهما بالبدن وتدبيره، وكون الرطوبات البدنية غذاء في تلك الأيام بتحليل الحرارة الغريزية إياها، وأما تشبيه الطيبي (1) ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:(أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) فليس كما ينبغي، وأي مناسبة بينهما، وإن اعترف بأن بينهما بونًا بعيدًا، وليس الاشتراك بينهما إلا في أنه قد يكون حالة وسبب غير الطعام والشراب يكون به هناك البقاء والحياة.
4534 -
[21](أنس) قوله: (أسعد بن زرارة) بضم الزاي قبل الراء، و (الشوكة) بفتح الشين المعجمة: حمرة تعلو الجسد وهو المراد هنا، وقد يطلق على إبرة العقرب.
4535 -
[22](زيد بن أرقم) قوله: (أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري) وقد مرّ شرحه في الفصل الأول من حديث أم قيس.
4536 -
[23](وعنه) قوله: (ينعت) أي: يصفها للعلاج منه، وقيل: يمدح، و (الورس) بفتح الواو وسكون الراء: نبت أصفر يصبغ به.
(1)"شرح الطيبي"(8/ 295).
4537 -
[24] وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهَا: "بِمَ تَسْتَمْشِينَ؟ " قَالَت: بِالشُّبْرُمِ، قَالَ:"حارٌّ جارٌّ". قَالَتْ: ثُمَّ اسْتَمْشَيْتُ بِالسَّنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَوْ أَنَّ شَيْئًا كَانَ فِيهِ الشِّفَاءُ مِنَ الْمَوْتِ لَكَانَ فِي السَّنَا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غرِيبٌ. [ت: 2081].
ــ
4537 -
[24](أسماء بنت عميس) قوله: (بم تستمشين؟ ) أي: تسهلين بطنك وتطلبين الإسهال، والمشي على وزن غني، والمشو كعدو، ومشاء كسماء: الدواء المسهل، مأخوذ من المشي؛ لأنه يلزم شرب الدواء المسهل، و (الشبرم) بضم شين معجمة وسكون باء موحدة وراء مضمومة: نبت يورث الإسهال، وقيل: حب يطبخ ويشرب ماؤه، وفي (القاموس) (1): شجر ذو شوك، ونبات آخر له حب كالعدس، وأصل غليظ ملآن لبنًا، والكل مسهل، واستعمال لبنه خطر، وإنما يستعمل أصله مصلحًا، وقد ذكر طريق إصلاحه بما يطول ولا يتعلق لنا غرض بذلك.
وقوله: (حمار حمار) بالحاء كرر تأكيدًا لحرارته، وقد يروى الثاني بال جيم من باب الإتباع مثل حسن بسن، و (السنا) بفتح السين مقصورًا، وقد يروى بالمد: نبت حجازي، وأفضله المكي، وهو دواء شريف ليس فيه خوف ضرر قطعًا قريب من الاعتدال، وحار في الدرجة الأولى، يسهل الصفراء والسوداء والبلغم، ويقوي جرم القلب، وينفع من الوسواس السوداوي بالخاصة.
وقوله: (الشفاء من الموت) بأن يحيا من الموت بعد عروضه على قياس الشفاء من المرض، أو من استعمله لم يعرضه الموت على ما يفهم ظاهرًا من قوله: (شفاء
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1037).
4538 -
[25] وَعَنْ أَبِي الدَّرْداءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوا، وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3874].
4539 -
[26] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [حم: 2/ 305، د: 3870، ت: 2045، جه: 3459].
ــ
من كل داء إلا الموت)، فافهم.
4538 -
[25](أبو الدرداء) قوله: (ولا تداووا بحرام) وقد ورد النهي عن التداوي بالمحرمات على الإطلاق وبالخمر على الخصوص في أحاديث كثيرة بطرق متعددة، وقال بعض المحققين من الأطباء الإسلامية في قوله سبحانه:{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219]: أن ليس المراد منفعة البدن وصحته بل المراد الانتعاش والنشاط يعرض للطبيعة ويحدث لشربها، وهو مضر بالبدن ومهلك له بالآخرة كما يظهر من حال أهل الأديان، أعاذنا اللَّه منه، انتهى. وهذا إنما قال على تقدير التنزل، وإلا فهذه الآية منسوخة بقوله تعالى:{رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]، وهذا الحكم مخصوص عند الشافعية بما خصته السنة كشرب أبوال الإبل للعرنيين، والمسألة مذكورة في أصول الفقه على اختلاف فيها.
4539 -
[26](أبو هريرة) قوله: (عن الدواء الخبيث) قيل: أراد به النجس خبث النجاسة والحرمة، وقيل: كراهة الطعم والرائحة ونحوهما مما لا تقبله الطبيعة.
4540 -
[27] وَعَنْ سَلْمَى خَادِمَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: مَا كَانَ أَحَدٌ يَشْتَكِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعًا فِي رَأْسِهِ إِلَّا قَالَ: "احْتَجمْ"، وَلَا وَجَعًا فِي رِجْلَيْهِ إِلَّا قَالَ:"اخْتَضِبْهُمَا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3858].
4541 -
[28] وَعَنْهَا قَالَتْ: مَا كَانَ يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُرْحَةٌ وَلَا نَكْبَةٌ إِلَّا أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا الْحِنَّاءَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2054].
ــ
4540 -
[27](سلمى) قوله: (اختضبهما) أي بالحناء، وفي (سفر السعادة) (1) من رواية أبي داود: ولا شكا أحد وجعًا في بطنه إلا قال له: (اختضب بالحناء)، وأورده عن (سنن ابن ماجه): أن النبي صلى الله عليه وسلم غَلَّف بالحناء، ويقول:(إنه نافع بإذن اللَّه من الصداع)، قال صاحب (سفر السعادة): المراد نوع من الصداع، يكون ماديًّا من الحرارة الملتهبة ومختلطًا بالخل أنفع.
4541 -
[28](وعنها) قوله: (ما كان يكون) في (كان) ضمير الشأن اسمه، والجملة بعده خبره، وقيل: الثاني زائدة، و (القرح) بضم القاف: ريش، وكذلك القرح بفتحها لغتان كالجهد والجهد، وقيل: المفتوح لغة حجازية، وقيل: بالضم اسم، وبالفتح مصدر.
وقوله: (ولا نكبة) بالفتح: ما يصيب الإنسان من شدة وبلاء، والمراد بها هنا جراحة تصيب العضو، وبالقرحة التي تخرج من البدن من غليان الدم وغيره، وفي (مجمع البحار) (2): النكبة بفتح النون وسكون الكاف: جراحة من الحجر أو الشوك، والقرحة من نحو السيف، وفي (القاموس) (3): القرح، ويضم: عض السلاح ونحوه
(1)"سفر السعادة"(ص: 291).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 802).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 228).
4542 -
[29] وَعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْتَجمُ عَلَى هَامَتِهِ وَبَيْنَ كتِفَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ:"مَنْ أَهْرَاقَ مِنْ هَذِهِ الدِّمَاءِ، فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَتَدَاوَى بِشَيْءٍ لِشَيْءٍ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. [د: 3859، جه: 3484].
4543 -
[30] وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ عَلَى وَرِكِهِ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3863].
ــ
مما يخرج بالبدن، أو بالفتح: الآثار، وبالضم: الألم، وقرح، كمنع: جرح، وكسمع: خرجت به القروح، والقريح: الجريح، والمقروح: من به قروح، انتهى. وقد قرئ في قوله تعالى:{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [آل عمران: 140] بالفتح والضم، قال البيضاوي (1): هما لغتان كالضَّعْف والضُّعْف، وقيل: هو بالفتح الجراح، وبالضم ألمها، وهو موافق لما في (القاموس).
4542 -
[29](أبو كبشة) قوله: (وعن أبي كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة وفتح الشين.
وقوله: (يحتجم على هامته) واحد الهام، وفي الحديث: يزيل الهام عن مقيله، وهي أعلى الرأس، وهي الناصية والمفرق، (واضربوا الهام) أي: اقطعوا روؤس الكفار، أي: جاهدوا.
وقوله: (من هذه الدماء) الظاهر أن المراد دماء هذه الأعضاء المذكورة، أو جنس الدماء من أي عضو كان.
4543 -
[30](جابر) قوله: (من وثء) بالهمزة ذكره في (القاموس)(2) في
(1)"تفسير البيضاوي"(1/ 181).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 64).
4544 -
[31] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ: أَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا أَمَرُوهُ: "مُرْ أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غرِيبٌ. [ت: 2052، جه: 3477].
ــ
باب الهمزة، وقال: الوثاءة: وصم يصيب اللحم لا يبلغ العظم، أو تَوَجُّعٌ فى العظم بلا كسر، أو هو الفك، وقال الطيبي (1): وجع يصيب العضو من غير كسر.
4544 -
[31](ابن مسعود) قوله: (ليلة أسري به) ليلة مضاف إلى الجملة مبني على الفتح، ويجوز أن يكون بالتنوين، وتكون الجملة صفة، وحينئذ يقدر الضمير، أي: فيها، لكن اللفظ العربي هو الأول، كذا قال شيخ شيوخنا في الحديث ابن حجر الهيتمي المكي.
وقوله: (مر أمتك بالحجامة) الظاهر أن المراد بالحجامة إخراج الدم شاملًا للفصد كما أشير إليه في حديث: (الشفاء في ثلاث: شرطة محجم)، كما سبق، وجعله بعضهم مقابلًا للفصد وقال: سبب فضيلة الحجامة أن الحجامة تستخرج الدم مر، نواحي الجلد، والأطباء مجمعون على أن الحجامة في البلاد الحارة أفضل من الفصد؛ لأن دماءهم رقيقة نضجة تسري إلى سطح البدن، وتخرج بالحجامة دون الفصد، والفصد نافع لأعماق البدن ومناسب بالبلاد الباردة، وقال الطيبي (2): الحكمة في مبالغة الملائكة في أمر الحجامة سوى ما اشتهر فيه من المنافع البدنية أن الدم أصل، القوى الحيوانية، فإذا انتقص ضعفت القوى النفسانية المانعة من المكاشفات الغيبية، انتهى. وهذا الوجه يفيد نفع إخراج الدم مطلقًا سواء كان بالحجامة والفصد بخلاف الوجه
(1)"شرح الطيبي"(8/ 298).
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 299).
4545 -
[32] وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ: أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ، فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3871].
4546 -
[23] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَجِمُ فِي الأَخْدَعَيْنِ. . . . .
ــ
الأول، فإنه يفيد نفع الحجامة بخصوصها، فكان المراد بـ (أمتك) قومك، أعني العرب الحجازي، واللَّه أعلم.
4545 -
[32](عبد الرحمن بن عثمان) قوله: (عن ضفدع) بكسر الضاد والدال وجاء بفتح الدال أيضًا، وفي (القاموس) (1): على وزن زبرج وجعفر وجندب ودرهم.
وقوله: (عن قتلها) أي: عن قتل الضفاع، واستعمالها في الدواء، إما لحرمتها أو لنجاستها أو لخباثتها، وتنفر الطبع عنها، وقد أوردوا هذا الحديث في (باب النهي عن التداوي بالحرام)، وليس المراد أن قتلها منهي عنه بالذات، فلو تداوى بها لزم قتلها كما يتبادر إلى الوهم؛ لأن قتل الحيوان الحلال الطاهر الطيب للتداوي غير منهي عنه، فكيف بالحرام النجس الخبيث، فالمراد بالنهي عن القتل النهي عن التداوي بها، وقال الطيبي (2): القتل مأمور به إما لكونه من الفواسق، وليس بها، أو لإباحة الأكل، وليس بذلك لنجاسته، وتنفر الطبع عنه، وإذا لم يجز القتل لم يجز الانتفاع به، فافهم.
4546 -
[33](أنس) قوله: (في الأخدعين) هما عرقان في جانبي العنق،
(1)"القاموس المحيط"(ص: 685).
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 299).
وَالْكَاهِلِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَة وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ. [د: 386، ت: 2051، جه: 3483، 3486].
4547 -
[34] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَحِبُّ الْحِجَامَةَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ. رَوَاهُ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ". [شرح السنة: 12/ 151].
4548 -
[35] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً (1) مِنْ كُلِّ دَاءٍ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3861].
ــ
كذا قال الطيبي (2)، وفي (القاموس) (3): الأخدع: عرق في الْمَحْجَمَتَيْن، وهو شعبة من الوريد، وفي (الصراح) (4): أخدع: ركَـ بشت، و (الكاهل) مقدم ظهر البعير وما يكون عليه المحمل، وهو ما بين الكتفين.
4547 -
[34](ابن عباس) قوله: كان يستحب الحجامة لسبع عشرة. . . إلخ)، قالوا: الحكمة في ذلك أن الدم يغلب في أوائل الشهر، ويقل في أواخره، فأوساطه تكون أولى وأوفق كما مرّ.
4548 -
[35](أبو هريرة) قوله: (كان شفاء له من كل داء) ترغيب وتوكيد،
(1) في نسخة: "كان له شفاء".
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 299).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 656).
(4)
"الصراح"(ص: 309).
4549 -
[36] وَعَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ أَبَاهَا كَانَ يَنْهَى أَهْلَهُ عَنِ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3862].
4550 -
[37] وَعَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءَ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ فَأَصَابَهُ وَضَحٌ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ". . . . .
ــ
ولعل المراد دواء يناسب إخراج الدم، واللَّه أعلم.
4549 -
[36](كبشة بنت أبي بكرة) قوله: (عن كبشة) صوابه (كيسة) بتحتية مشددة وبمهملة، كذا نقل عن (التقريب)(1).
وقوله: (يوم الثلاثاء) بالمد ويضم، كذا في (القاموس)(2).
وقوله: (يزعم) أي: يقول.
4550 -
[37](الزهري) قوله: (يوم الأربعاء) مثلثة الباء ممدودة، كذا في (القاموس)(3). (فأصابه وضح) الوضح بفتح الواو والضاد المعجمة، أي: برص، وفي (النهاية) (4): الوضح: البياض من كل شيء، وفي الحديث:(كان يرفع يديه في السجود حتى يتبين وضح إبطيه)(5) أي: بياض تحتهما، وفي (القاموس) (6): الوضح
(1)"تقريب التهذيب"(ص: 752).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 165).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 662).
(4)
"النهاية"(5/ 195).
(5)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(497)، والنسائي في "سنن"(1147).
(6)
"القاموس المحيط"(ص: 238).
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ: وَقَدْ أُسْندَ وَلَا يَصِحُّ. [د في المراسيل: 451].
4551 -
[38] وَعَنْهُ مُرْسَلًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ احْتَجَمَ أَوِ اطَّلَى يَوْمَ السَّبْتِ أَوِ الأَرْبِعَاءِ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ فِي الوَضَحِ". رَوَاهُ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ". [شرح السنة: 12/ 151 - 152].
4552 -
[39] وَعَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَأَى فِي عُنُقِي خَيْطًا فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: خَيْطٌ رُقِيَ لِي فِيهِ، قَالَتْ: فَأَخَذَهُ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتُمْ آلَ عَبْدَ اللَّهِ لأَغْنِيَاءٌ. . . . .
ــ
محركة: بياض الصبح، والقمر، والبرص، والغرة، والتحجيل في القوائم.
وقوله: (وقد أسند ولا يصح) اعلم أن صاحب (سفر السعادة)(1) قال: لم يثبت في باب الحجامة واختيارها في بعض الأيام حديث إلا قوله: (مر أمتك بالحجامة)، وحديث الصحيحين:(إن كان في شيء شفاء، ففي شرطة حجام أو شربة، عسل أو لدغة بنار)، وقد تكلمنا على ذلك في شرحه، فلينظر ثمة.
4551 -
[39](وعنه) قوله: (أو اطلى) بتشديد الطاء افتعل، من طلاه به: لطخه كطلاه بالتشديد، والمراد هنا طلاء العضو بالدواء.
4552 -
[39](زينب) قوله: (أنتم آل عبد اللَّه لأغنياء) والظاهر أن (أنتم) مبتدأ، و (آل عبد اللَّه) منصوب على الاختصاص، و (لأغنياء) خبره، وهو دليل على جواز دخول اللام للتأكيد على الخبر كما جاز دخولها على المبتدأ، وكفى به دليلًا إذا ثبت أنه من قول ابن مسعود أو الراوي عنه إذا كان ممن يوثق بعربيته، ولا يعارضه أقوال النحاة، بل يجب أن ينزلوا عن أحكامهم بوجدان ما يخالفها في الأحاديث إذا ثبت أنه من قول
(1)"سفر السعادة"(ص: 150).
عَنِ الشِّرْكِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ"، فَقُلْتُ: لِمَ تَقُولُ هَكَذَا؟ . . . . .
ــ
الرسول صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام، إذ هم الفصحاء الذين جالسوا أفصح الفصحاء وكلموه وحاوروه، كذا قال بعض الشارحين في قول عائشة:(اتزر) بالإدغام على ما سبق ذكره في (كتاب الحيض)، ولذلك غير بعض النحاة المتأخرين كابن مالك وغيره بعض الأحكام مما خالف فيه النحاة لعدم اطلاعهم وتمام استقرائهم، وذلك لعدم إحاطة الكل بالكل بالاستقراء التام، كوصية الشافعي رحمه الله عليه في الشرعيات لأصحابه: إذا حكمت بحكم ووجدتم الحديث الصحيح بخلافه فمذهبي الحديث، وقد أفتى بعض المشايخ رحمه الله من مذهبه كالرافعي والنووي وغيرهما إذا وجدوا حديثًا صحيحًا بخلاف ما ذهب إليه إمامهم وهو الإنصاف، رحم اللَّه من أنصف، وأما تقدير الزجاج المبتدأ في قوله تعالى:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63]، أي: لهما ساحران، فلما ثبت عنده من أن الأصل دخول اللام على المبتدأ ولا حاجة إليه، وقد ثبت جواز دخوله على الخبر، ولعله لم يبلغه أو لم يثبت عنده ما دخل فيه اللام على الخبر، واللَّه أعلم.
وقوله: (عن الشرك) أي: أفعال المشركين؛ لأنهم كانوا يسترقون بأسماء الشياطين والأصنام، أو لأنه يفضي إلى اعتقاد تأثيره حقيقة، وذلك شرك وكفر بلا شبهة، أو المراد الشرك الخفي بترك التوكل والاعتماد على اللَّه سبحانه، وقوله:(إن الرقى) أي: التي كانت في الجاهلية بأسماء الشياطين والأصنام، و (التمائم) جمع تميمة وهي خرزات تعلقها النساء في أعناق الأولاد، ويعتقدون أنها تدفع العين، و (التولة) بكسر التاء وفتح الواو واللام: وهو نوع من السحر يفعل في الخيط أو القرطاس لمحبة الرجال النساء.
لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تُقْذَفُ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَإِذَا رَقَاهَا سَكَنَتْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا ذَلِكِ عَمَلُ الشَّيْطَانِ، كَانَ يَنْخَسُهَا بِيَدِهِ، فَإِذَا رُقيَ كُفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"أَذْهِبِ الْبَأْسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقْمًا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3883].
4553 -
[40] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النُّشْرَةِ. . . . . .
ــ
وقوله: (تقذف) على لفظ المجهول، أي: ترمى من غاية الألم، أو على لفظ المعلوم، أي: ترمي بالأذى والدمع، والأول أظهر دراية، وإن كانت الثانية أقوى رواية، كذا أفاد بعض المشايخ من أهل الحرمين، واللَّه أعلم.
وقوله: (إنما ذلك) أي: الوجع الذي كان في عينك لم يكن وجعًا في الحقيقة بل كانت ضربة من ضربات الشيطان، و (النخس) من نخس الدابة كنصر وجعل: غرز مؤخرها أو جنبها بعود ونحوه، ونخسه: طرده، وقد مرّ شيء مما يتعلق بهذا المقام في الفصل الأول في شرح الحديث الثالث عشر من حديث أنس.
4553 -
[40](جابر) قوله: (عن النشرة) بضم النون وسكون الشين المعجمة: نوع من الرقية، يسترقى بها الممسوس بالجن، وقد جاء في (باب السحر) أنه نشره بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]، وفي (القاموس) (1): بالضم: الرقية يعالَجُ بها المجنون والمريض، وفي (الصراح) (2): التنشير: أفسون كردن، ونشرة: تعويذ، ووجه التسمية انتشار الداء وانكشاف البلاء به، وبالجملة حاصل معناه: الرقية والتعويذ،
(1)"القاموس المحيط"(ص: 449).
(2)
"الصراح"(ص: 215).
فَقَالَ: "هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3868].
4554 -
[41] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3869].
ــ
فالمراد بما (هو من عمل الشيطان) ما كان من عمل الجاهلية مشتملًا على أسماء الشياطين والأصنام أو بلسان غير معلوم المعنى، فإن كان ورود هذا الحديث قبل الترخيص فلا تخصيص، والأخص منه ما كان بالقرآن ونحوه، ويحتمل أن يكون هذا الاسم غالبًا على ما كان في الجاهلية، فتدبر.
4554 -
[41](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقًا) الحديث، الترياق المشهور بكسر التاء وتضم أيضًا، وقد تبدل التاء دالا: دواء مركب مشهور نافع عن السموم وأمراض أخر، و (التميمة) ما تعلق في العنق من العين وغيرها من التعويذات، والمراد تمائم الجاهلية مثل الخرزات وأظفار السباع وعظامها، أما ما يكون بالقرآن والأسماء الإلهية فهو خارج عن هذا الحكم، وجائز كما يدل عليه حديث عبد اللَّه بن عمر، بل يستحب التعلق والتبرك بها، كذا قال الطيبي (1).
والمراد بقول الشعر من قبل النفس: إنشاؤه قصدًا واختيارًا، وإن صدر من غير قصد واختيار فذلك غير مذموم ومنهي عنه، بل لا يعد في الاصطلاح شعرًا وليس مصدوقًا لقوله عز وجل:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69]، وهذا في إنشاء الشعر لا إنشاد شعر غيره، وهذا هو الأظهر من العبارة، وقد أنشد صلى الله عليه وسلم مثل قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل
(1)"شرح الطيبي"(8/ 303).
4555 -
[42] وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [حم: 4/ 249، ت: 2055، جه: 3489].
ــ
وقد قيل: إنه كان لا يتيسر منه صلى الله عليه وسلم في صورة الإنشاد أيضًا ولا يجيء موزونًا، واللَّه أعلم.
ومعنى الحديث: أني إن فعلت هذه الأشياء كنت ممن لا يبالي بما فعله من الأفعال مشروعة كانت أو غيرها، ولا يميز بين المشروع وغيره، والمقصود تذميم هذه الأشياء وتقبيحها، أما الترياق فلأنه يجعل فيه من الأشياء المحرمة مثل لحوم الأفاعي والخمر، ولو عمل ترياق ليس فيه منها فلا بأس، وقال بعضهم: الأولى والأحوط تركه عملًا بإطلاق الحديث، وأما التعلق بالتميمة فلما علم من أن المراد بها تمائم الجاهلية التي هي من شعار المشركين، وأما الشعر فإن المذموم منه إن كان شعر الزور وما لا يعني، لكن الحق تعالى وتقدس نزه ساحة النبوة عنه وعصمه منه مطلقًا، فهو في حقه صلى الله عليه وسلم نقص ووبال، وإن كان محمودًا وممدوحًا في غيره، وهذا كمال خاص به صلى الله عليه وسلم، وإن أطلق الترياق والتميمة، وكان المقصود بيان توكل خاص به صلى الله عليه وسلم أو كان الغرض تنبيه الأمة على التوكل وترك المعالجات والحيل، وتعريضًا ببيان حالهم على طريقة قوله تعالى:{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: 22] لم يبعد.
4555 -
[42](المغيرة بن شعبة) قوله: (من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل) يعني أن ذلك وإن كان مباحًا لكن مقام التوكل والتفويض وترك الأسباب أعلى وأرفع، وإن كان المراد مع اعتقاد المؤثرية والعلية فهو شامل لجملة الأسباب والمعالجات، ولا يختص بالكي والاسترقاء، وقد مرّ الكلام في الكي وتطبيق الأحاديث الواردة فيها، فتذكر.
4556 -
[43] وَعَنْ عِيسَى بْنِ حَمْزَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ وَبِهِ حُمْرَةٌ فَقُلْتُ: أَلَا تُعَلِّقُ تَمِيمَةً؟ فَقَالَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِليهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (1).
4557 -
[44] وَعَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. [حم: 4/ 436، ت: 2057، د: 3884].
4558 -
[45] وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُرَيْدَةَ. [جه: 3513].
4559 -
[46] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ دَمِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3889].
ــ
4556 -
[43](عيسى بن حمزة) قوله: (وعن عبد اللَّه بن عكيم) بلفظ التصغير.
وقوله: (نعوذ باللَّه من ذلك) إن كان المراد تميمة أهل الجاهلية فظاهر، وإن كان من القرآن وأسماء اللَّه فذلك لغاية توكله، وكونه من الذين لا يسترقون ولا يداوون، وإليه ينظر السياق.
وقوله: (من تعلق شيئًا) أي: تمسك به من المداواة والرقية وتعلق قلبه به وبتأثيره وُكِّل شفاؤه إليه ولم يشفه اللَّه، ولا شفاء إلا من اللَّه، فلا يحصل الشفاء.
4557، 4558 - [44، 45](عمران بن حصين، وبريدة) قوله: (لا رقية إلا من عين أو حمة) قد عرفت معنى الحصر سابقًا أن المراد به الاهتمام من جهة شيوع هذه الأشياء فيما بين الناس وكثرة نفع الرقى فيها.
4559 -
[46](أنس) قوله: (أو دم) المراد بالدم الرعاف، ولو عمم حتى
(1) لم نجده في "سنن أبي داود"، ولكن رواه الترمذي في "سننه"(2072).
4560 -
[47] وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ يُسْرِعُ إِلَيْهِمُ الْعَيْنُ، أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ:"نَعَمْ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرَ لَسَبقَتْهُ العينُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [حم: 6/ 438، ت: 2059، جه: 3510].
4561 -
[48] وَعَنِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ: "أَلَا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ. . . . .
ــ
يشتمل جميع العلل الدموية سواء كان من جهة سيلان الدم أو فساده لم يبعد، وذلك ظاهر، وجاء في رواية لأبي داود:(إلا من نفس) مكان (إلا من عين)، قالوا: والمراد بالنفس العين، وجاء مكان (أو دم)(أو لدغة)، وهي بمعنى العض بالأسنان كما في الحية وأمثالها، والرقية نافع من كل داء وعلة كما جاء في الأحاديث، وقد ثبت في (صحيح مسلم) (1) أن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان به صلى الله عليه وسلم ألم فقال: بسم اللَّه أرقيك من كل داء يؤذيك، فالحصر ليس إلا لما ذكرنا.
4560 -
[48](أسماء بنت عميس) قوله: (لسبقته العين) إجازة لها بالاسترقاء مع مبالغة في بيان تأثير العين كما مرّ.
4561 -
[48](الشفاء) قوله: (وعن الشفاء) بكسر الشين المعجمة والفاء (بنت عبد اللَّه) بن عبد شمس بن خالد القرشية العدوية، من عاقلات النساء وفاضلاتهن، أسلمت قبل الهجرة.
وقوله: (ألا تعلمين هذه) أي: حفصة (رقية النملة) النملة نوع من القروح،
(1)"صحيح مسلم"(2185).
كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ؟ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3878].
ــ
ومرّ تفسرها، ونقل الطيبي (1) عن التُّورِبِشْتِي: يرى أكثر الناس أن المراد من النملة ههنا هي القروح المذكورة، وليس كذلك؛ لأن رقية النملة من المحرمات التي كان ينهى عنها، فكيف يأمر بتعليمها إياها، بل المراد بها شيء كانت نساء العرب يسمينها رقية النملة، وهو قولهن: العروس تنتعل، وتختضب، وتكتحل، وكل شيء تفتعل غير أنها لا تعصي الرجل، فأراد صلى الله عليه وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة والتعريض بتأديبها حيث أشاعت السر الذي استودعه إياها على ما يشهد به التنزيل، وقوله سبحانه:{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم: 3] الآية، انتهى.
وهذا التوجيه إن صح نقله حسن، لكن استدلاله على عدم إرادة المعنى المشهور بأنها من المحرمات المنهي عنها، فكيف يأمر بتعليمها إياها منظور فيه بما ذكره صاحب (سفر السعادة)(2) من أن الشفاء بنت عبد اللَّه كانت ترقي بمكة هذه النملة، ولما هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتته وقالت: يا رسول اللَّه! كنت أرقي النملة في الجاهلية أريد أن أعرضها عليك، فعرضت، وقال: بسم اللَّه ضلت حتى تعود من أفواهنا ولا تضر أحدًا، اللهم اكشف البأس رب الناس، ويعلم من أنها من الرقى التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم فأجازها فلم تكن محرمة، ثم قيل: إنه يعلم من قوله: (كما علمتيها الكتابة) أن تعليم الكتابة للنساء جائز، وقد ورد في حديث آخر النهي عنه بقوله:(ولا تعلموهن الكتابة)، وأجيب أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم خصصن من هذا النهي لعدم خوف الفتنة.
(1)"شرح الطيبي"(8/ 305).
(2)
"سفر السعادة"(ص: 314).
4562 -
[49] وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: رَأَى عَامِرُ ابْنُ رَبِيعَةَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ، قَالَ: . . . . .
ــ
وقال الطيبي (1): في الحديث وجهان آخران، أحدهما: التحضيض على تعليم الرقية وإنكار الكتابة، أي: هلا علمتها ما ينفعها من الاجتناب عن عصيان الزوج كما علمتيها ما يضرها من الكتابة، انتهى. وهذا المعنى مبني على أن المراد من رقية النملة ما نقل عن التُّورِبِشْتِي، وثانيهما: أن يتوجه الإنكار إلى الجملتين جميعًا، يعني: يحمل حرف التحضيض على معنى الإنكار والتهديد كالاستفهام قد يكون بهذا المعنى، فيكون إنكارًا عن تعليم الأمرين معا، فافهم.
4562 -
[49](أبو أمامة) قوله: (ابن حنيف) بالحاء المهملة والنون على لفظ التصغير.
وقوله: (ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة) بضم ميم وفتح خاء معجمة وموحدة مشددة وهمزة، أي: جارية مخدرة لم تتزوج، كذا في (القاموس)(2)، وخصها بالذكر لأن حفظها وصيانتها لنفسها أبلغ، وجلدها أصفى وأنعم، وتقدير الكلام ما رأيت جلد غير مخبأة مثل جلد رأيته اليوم ولا جلد مخبأة، وغير المخبأة يشمل الرجل والمرأة، والغير المخبأة مع أقسام لها باعتبار القيود المعتبرة في مفهوم المخبأة، فظهر أن تقدير الكلام كما قدره بعض الشارحين من قوله: ما رأيت جلد رجل ولا جلد مخبأة قاصر عن أداء المقصود، وقيل: تقديره: ما رأيت يومًا مثل هذا اليوم، وما رأيت
(1)"شرح الطيبي"(8/ 306).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 50).
فَلُبِطَ سَهْلٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ ابْنِ حُنَيْفٍ؟ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَقَالَ:"هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا؟ "، فَقَالُوا: نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامِرًا، فتغَلَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ:"عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ ألَا بَرَّكْتَ؟ اغْتَسِلْ لَهُ". . . . .
ــ
جلد مخبأة مثل هذا الجلد، والمراد من نفي رؤية يوم مثل هذا اليوم هو نفي رؤية المرئي فيه مثل هذا المرئي، ويؤول الكلام إلى مدح الجلد، لكن التقدير الأول هو الأولى المختار، كذا قيل، فافهم.
وقوله: (فلبط) بالباء الموحدة على صيغة المجهول بمعنى سقط من قيام، وصُرِع، كذا في (القاموس)(1).
وقوله: (فأتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) أيضًا بلفظ المجهول، وفيه ضمير لسهل، أي: أتى خبر سقوط سهل لأجل إصابة عين من غير أن يعينوا عائنًا.
وقوله: (هل لك في سهل بن حنيف؟ ) أي: هل لك رغبة في معرفة حاله وعلاجه ومداواته؟
وقوله: (ألا بركت؟ ) أي: هلا دعوت له بالبركة بأن تقول: اللهم بارك له فيه فلم تصبه هذه الآفة.
وقوله: (اغتسل له) استئناف لبيان العلاج، كأنه قال عامر: قد وقع فماذا أفعل يا رسول اللَّه؟ فقال: اغسل أعضاءك لأجله وصب الماء عليه، وكان ذلك متعارفًا بينهم، فقرره النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى فيه من الحكمة كما قال الطيبي (2) في شرح قوله:(العين حق) في آخر الفصل الأول.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 631).
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 293).
فَغَسَلَ لَهُ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَداخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ لَهُ بَأْسٌ. رَوَاهُ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ"، وَرَوَاهُ مَالكٌ وَفِي رِوَايَتِهِ: قَالَ: "إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأ لَهُ" فَتَوَضَّأَ لَهُ. [شرح السنة: 12/ 164، ط: 2/ 939].
ــ
وقوله: (داخلة إزاره) قال بعض الشارحين: فيه قولان، أحدهما: أن المراد بها الفرج، وثانيهما: أن المراد طرف الإزار الذي أصاب بدنه من الجانب الأيمن، وزاد القاضي عياض أن المراد جسده المتصل بالإزار.
وقيل: المراد الورك الذي هو معقد الإزار، ورئي بخط السخاوي أن هذا كناية عن الثوب المتصل بالحلد، كذا في (المواهب اللدنية)(1)، وأما التخصيص بالجانب الأيمن فلا دلالة في اللفظ عليه، ولكن هكذا فسروه، ونقل الطيبي (2) عن أبي عبيد أنه قال: إنما أراد بداخلة إزاره طرف إزاره الذي يلي جسده مما يلي الجانب الأيمن، فهو الذي يغسل، قال: ولا أعلمه إلا جاء مفسرًا في بعض الحديث هكذا، انتهى.
ثم للغسل كيفية مخصوصة، وقد ذكرناه في (شرح سفر السعادة)(3) مع قصور كان في متنه نقلًا عن (المواهب)، وقال صاحب (المواهب) (4): وهذه المعاني لا يمكن دركه من جانب العقل ويعجز عن دركه قطعًا، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: إن توقف فيه أحد من المتشرعة يقال له: قل: اللَّه ورسوله أعلم، وإن توقف متفلسف، فالرد عليه أظهر، إذ عندهم يفعل الدواء تارة بقوته وكيفيته وتارة بالخاصية، ولا يمكن
(1)"المواهب اللدنية"(3/ 432 - 433).
(2)
"شرح الطيبي"(8/ 307).
(3)
انظر: "شرح سفر السعادة"(ص: 477).
(4)
"المواهب اللدنية"(3/ 433).
4563 -
[50] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ، حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. [ت: 2058، جه: 3511].
4564 -
[51] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ رُئِيَ. . . . . .
ــ
درك معناه، ويقولون: هكذا خاصيته، ومقتضى صورته النوعية، فليكن هذا مثل ذلك، انتهى، وهذا كما قالوا في جذب المغناطيس الحديد وأمثاله، واللَّه أعلم.
4563 -
[50](أبو سعيد الخدري) قوله: (من الجان) في (القاموس)(1): اسم جمع للجن، وفي (الصراح) (2): الجان: بدر بريان، وفي (مجمع البحار) (3): الجان: الشيطان، وفي التفسير: الجان: الجن، وقيل: أبو الجن كآدم أبو البشر.
وقوله: (فلما نزلت أخذ بهما) إفراد الضمير في نزلت بتأويل العوذة ولأن السورتين في حكم سورة واحدة حكمًا ونزلتا دفعة، أو بتأويل كل واحدة، وأما التثنية في (أخذ بهما) فلعله لأجل أن العمل كان بكل واحدة منهما على انفراده أيضًا، ولو جوزنا إفراد الفعل في إضمار الفاعل كما في إظهاره مستندًا بهذا الحديث وإن كان مخالفًا لقاعدة النحاة، فذلك شيء آخر، واللَّه أعلم.
4564، 4565 - [51، 52](عائشة، وابن عباس) قوله: (هل رئي) بلفظ
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1093).
(2)
"الصراح"(ص: 505).
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 396).
فِيكُمُ الْمُغَرِّبُونَ؟ " قُلْتُ: وَمَا الْمُغَرِّبُونَ؟ قَالَ: "الَّذِينَ يَشْتَرِكُ فِيهِمُ الجِنُّ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 517].
4565 -
[52] وَذُكِرَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: "خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ" فِي "بَابِ التَّرَجُّل". [أخرجه الترمذي: 2035].
ــ
المجهول من الرؤية، و (فيكم) أي: في جنس الإنسان، وفيه تغليب، و (المغربون) بلفظ اسم الفاعل من التغريب بالغين المعجمة، والاستفهام للتنبيه والتهديد، وقيل:(هل) بمعنى قد، كما قيل في قوله تعالى:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1].
وقوله: (قلت: وما المغربون؟ ) أورد (ما) ولم يقل: ومن المغربون سؤالًا عن الجنس، أي: ما هذا الجنس وحقيقة معنى التغريب؟
وقوله: (الذين يشترك فيهم الجن) ذكروا فيه وجوهًا، أحدها: أن المراد مشاركة الجن في الأنساب وأولاد بني آدم بترك ذكر اللَّه تعالى عند الوقاع كما جاء في حديث الصحيحين (1): (إذا جامع أحدكم امرأته فليستعذ باللَّه من الشيطان الرجيم، وليقل: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا)، فإذا لم يذكر اللَّه كان للشيطان فيه نصيب وشركة.
وجاء في بعض الروايات: (فيلوي الشيطان على إحليله ليجامع معه)، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الإسراء: 64] فمعنى المغربين المبعدون عن ذكر اللَّه عند الوقاع حتى شارك الشيطان في أولادهم، والمبعدون أنفسهم عن ذكر اللَّه، أو يغربون الولد من جنسهم، ويدخلون العرق الغريب في النسب، أو
(1)"صحيح البخاري"(141)، و"صحيح مسلم"(1434).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يبعدون النسب من الجنسية بمداخلة نسيب بعيد، ومادة الغربة للبعد.
وثانيهما: أن المراد بمشاركة الشيطان إياهم أمرهم بالزنا كقوله تعالى: {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21]، والزنا سبب لإدخال العرق الغريب والنسيب البعيد في النسب، فالمراد بالمغربين الزناة الذين يدخلون الغريب في النسب.
واعلم أنه قد جاء في الحديث: هل تحس فيكن امرأة أن الجن يجامعها كما يجامعها زوجها؟ وقد اشتهر فيما بين الناس وصح أن بعض النساء يعشق بها بعض الجن ويجامعها ويظهر لها، وربما يذهب بها حيث شاء، كذا في (مجمع البحار)(1)، وقد ذكر السيوطي في (التقاط الدرر والمرجان في أحكام الجان) أحوالًا عجيبة من الجن، ومناكحتهم الإنسان من الطرفين، وقد ذكر أن بلقيس أمها كانت جنية.
وذكر أن بعض العلماء كانت عنده جارية من الجن تزوجها، وذكر من بعض العلماء أن جارية له كان الجن يعشقها، فهتف يومًا إلى متى أزني بها زوجونيها، وذكر أنهم اختلفوا أن لمجامعة الجن هل يجب الغسل على الإنسية؟ وأنه ذكر بعض الحنفية أنه لا يجب الغسل، فهذا يمكن جعله وجهًا ثالثًا في اشتراك الجن فيهم، ولكن ينبغي أن يفسر معنى المغربين على هذا الوجه ولم يبينوا، ويمكن أن يكون معناه تبعيد بني آدم أنفسهم عن التطهير وتقصيرهم في الاستعاذة من شر الجن والشياطين بتلاوة القرآن والأدعية والأذكار التي هي مانعة عن تعوذهم من الجن وتصرفها في أنسابهم.
ورابعها: أن المراد بالمغربين الطائفة الذين لهم قرناء من الجن، يلقون إليهم الأخبار وأصناف الكهانة، ويشاركونهم في أنواع الشرور والقبائح، ويبعد هؤلاء
(1) انظر: "مجمع بحار الأنوار"(1/ 396).