الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
4049 -
[8] عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ -يَعْنِي مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ- يُقِيمُ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ، كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. قَالُوا: لَا نُقِرُّ بِهَا، فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ:"أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ". ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: "امْحُ: رَسُولَ اللَّهِ" قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ. . . . .
ــ
وأيضًا لا حاجة إلى مبايعة كل امرأة على حدة، فافهم.
الفصل الثالث
4049 -
[8](البراء بن عازب) قوله: (أن يدعوه) بفتح الدال، أي: يتركوه.
وقوله: (حتى قاضاهم) أي: صالحهم.
وقوله: (لا نقر) من الإقرار، (بها) أي: بهذه الكلمة أو برسالتك.
وقوله: (لا أمحوك) أي: اسمك، وفي رواية لمسلم:(ما أنا بالذي أمحاه)، وهو لغة في أمحو، كان عليًّا رضي الله عنه فهم أن الأمر ليس للإيجاب وإلا فلا يسعه مخالفته، وليس في الحقيقة مخالفة بل كمال موافقة، وغلبة محبة وإخلاص.
وقوله: (وليس يحسن يكتب) جملة معترضة أقيم الفعل المضارع مقام المصدر، أو هو بتقدير أن، كما في قوله: فقلت الهو (1).
(1) كذا في الأصل.
فَكَتَبَ: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ بِالسِّلَاحِ إِلَّا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا"، فَلَمَّا دَخَلَهَا، وَمَضَى الأَجَلُ، أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1844، م: 1773].
* * *
ــ
وقوله: (فكتب) أي: بيده، وإلى هذا ذهب بعض، أو أمر بكتابته.
وقوله: (فلما دخلها) أي: العام القابل (ومضى الأجل) وهو ثلاثة أيام.
تنبيه: واعلم أنه قد وقع الاختلاف بين العلماء في كتابته صلى الله عليه وسلم، فقيل: لم يكتب قط، ولم يكن يحسن أن يكتب لوصفه تعالى إياه بالأمي، والأمي من لا يقرأ عن الكتاب ولا يخط ويكتب، وقيل: كتب بعد ما قام الحجة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وانحسمت الشبهة، وذهب الارتياب، وظاهر هذا الحديث حجتهم، وتأول المنكرون أن المراد به الأمر بالكتابة بطريق المجاز المشهور، هذا حاصل خلافهم وكلامهم في ذلك، وتفصيله ما ذكر في (فتح الباري)(1) ولا علينا أن ننقله، فنقول: قال الشيخ: قد تمسك بظاهر رواية البخاري في (المغازي): فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللَّه، وبه قال أبو الوليد الباجي، فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب بيده بعد أن لم يكن أن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة، وأن الذي قاله يخالف القرآن، حتى قال قائلهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة
…
وقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد كتبا
(1)"فتح الباري"(7/ 503 - 504).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فجمعهم الأمير، فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال: هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن؛ لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن، قال تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] وإذ تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته، وأمن الارتياب في ذلك، لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم، فتكون معجزة أخرى، وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي على ذلك، منهم: شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية، واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق مجالد عن عون بن عبد اللَّه قال: ما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ، قال مجالد: فذكرته للشعبي، فقال: صدق، وقد سمعت من يذكر ذلك.
وقال القاضي عياض: وردت آثار تدل على معرفته حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه: (ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك)(1)، وقوله لمعاوية:(ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولا تعور الميم) إلى غير ذلك، قال: وهذا وإن لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شيء.
وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث، وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة، والكاتب فيها هو علي بن أبي طالب، وقد صرح في حديث المسور بن مخرمة بأن عليًّا هو الذي كتب، فيحمل على أن النكتة في قوله:(فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب) لبيان أن قوله: (أرني إياها) أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك:(فكتب) فيه
(1) أخرجه الترمذي في "سننه"(2714).