الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أزهار وأشواك
توارد الخواطر
توارد الخواطر أمرٌ معروفٌ بين الناس عامةً ، وكلٌّ يروي من هذا القبيل الشيء الكثير مما حدث له شخصياً أو اتصل بهِ عن الغير. على أن توارد الخواطر بين الأدباء كثيراً ما جاء بصورة مدهشة غريبة ، فتقرأ الشطرة الواحدة من الشعر ، أو الفقرة الواحدة من النثر ، لشاعرين أو لكاتبين مختلفين ، حتى لتكاد تتصوَّر الواحد قد اقتبس قول الآخر مع أنه لم يتفق له الإطلاع على شيء منهُ؛ وتاريخ آداب العرب حافل بمثل هذه النوادر. وإلى القراء حادثة من هذا القبيل جرت في مصر ، واتصل خبرها بحاصد الزهور وهو ينقلها تفكهة للقراء: وضع أحد الأدباء كتاباً عنوانه العرب وأطوارها وأحبَّ أ، يهديه إلى العالم العربي أحمد زكي باشا ، فسأل الأديب محمود أفندي عماد أن يصوغ له كلمة الإهداء في بيتين من الشعر ، وطلب مثل هذا الطلب أيضاً من شاعر الأمير شوقي بك. فجاءه من الأول هذا البيتان:
إيهٍ ذكيَّ النفس تحيا نسبةٌ
…
تنمي إليك ويستحيلُ سرارها
وكذا أرددتُ لما عرضتُ فهذهِ
…
عربُ النجادِ وهذه أطوارها
ونظم له الثاني البيتين الآتيين:
أذكيُّ يا ربَّ الفضائل والنهى
…
وأجلَّ من يُعزَى إليهِ فخارُها
إن شئتَ تعجبُ بالرجال فهذه
…
عربُ النجادِ وهذه أطوارها
فيرى القارئ كيف أنفق الشاعران في الشطر الأخير حتى في اللفظ فجاء واحداً عند كليهما.
ولقد ذكرتكِ
نهر الصفا وصفته مي في هذا الجزء بشعر منثور ، ووصفه من قبلها في أحد أجزاء السنة الأولى من الزهور الأمير نسيب أرسلان بشعر منظوم قال في مطلعه:
يا صاحبيَّ قفا على نهر الصفا
…
نهر لدينا بات أشهر من قفا
وقد وقف عليه في الصيف الماضي أديب مصري لا أعرف من هو ، وأديب لبناني هو رشيد بك نخله الشاعر الذي يعرفه قرَّاء الزهور أنقل محضر تلك الوقفة عن جريدة الشعب
اللبنانية فقد جاء للرشيد فيها قوله:. . . فتناشدَنا الأديب المصري وتناشدناهُ من قديم الشعر وحديثه إلى أن أنشد:
ولقد ذكرتك والرماحُ نواهلٌ
…
مني وبيض الهندِ تقطرُ من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوف لأنها
…
لمعتْ كبارقِ ثغركِ المبتسم
فقلنا رحم الله فارس بني عبس إن صحَّت النسبة أوَ تذكر ما يقول الرشيقُ على خد ذلك:
ولقد ذكرتكِ في السفينة والردى
…
متوقَّعٌ بتلاطمِ الأمواج
وعلتْ لأصحاب السفينةِ ضجةٌ
…
وأنا وذكركِ في ألذِّ تناجي
فقال واذكر للظفراوي قوله:
إني لأذكركم وقد بلغ الظما
…
مني فأشرق بالزلال الباردِ
وأقولُ ليتَ أحبتي عانيتهم
…
قبل الممات ولو بيومٍ واحدِ
ولا أنسى ما يقول أبو الحسن الوزير:
ذكرتُ سُليمى وحرُّ الوغى=بقلبيَ ساعةَ فارقتها
وشاكل سمرُّ القنا قدَّها
…
وقد ملنَ نجوي فعاقتها
قلتُ حسن ولكنك تبدَّلت الوزن وغيَّرت المطلع. فقال إذاً اسمع للحلّي:
ولقد ذكرنكِ والعجاجُ كأنهُ
…
مطلُ الغنيّ وسوءُ عيش المعسرِ
فظننتُ أني في صباحٍ مسفرِ
…
من ضوء وجهك أو سناءِ مقمرِ
قلتُ جيّد وأطرقتُ بقدر ما تقرأ وقلت:
ولقد ذكرتكٍ عند آخر نظرة
…
مني لقومي والحِمامُ مهدّدي
فبكى الجميعُ وكنتُ أبسم بينهم
…
أملاً بأنكِ حولَ نعشي في الغدِ
فارتجف المصري وتدارك دمعتين جالتا في حدقتيهِ وقال: بربك البيتين فأعدتهما له فاستظهرهما قائلاً: سأردّدهما مدى العمر. قلت: ولو انفق لي حضور ذلك المجلس لختمت مذاكرة الأديبين ببيتٍ فردِ ينسيهما ما تناشداه ، وهو لشاعر ظريف ذكر محبوبته في موقف لم يقفه عنترة بن عبس ولا أقرانه الشعراء ، فقد دهمه القطار الحديدي الإكسبرس وهو على صهوة برذون حرون فأيقن بالهلاك فهاجته الذكرى ، فأنشأ يقول من فؤاد متبول:
ولقد ذكرتكِ والحمارُ معاندي
…
فوق الشريطِ وقد أتى الوابورُ. . .!
سؤالٌ من الهند
آل إبراهيم في الهند قومٌ كرام جمعوا إلى شرف المحتد وعريض الجاه أدباً جمّاً وظرفاً وافراص ، ولهم على الأدب والأدباء في الشرق مآثر غير دوائر. قدَّرت الأيام لوديع أفندي البستاني - وهو الفتى النشيط الأديب المعروف لدى قراء العربية بكتبهِ المفيدة النافعة - أن يكون بين هؤلاء القوم الأمجاد ، فكاد ينسى بينهم في الهند أرقى مجتمعات وادي النيل لما يدور بينهم من المذاكرات الشعرية والأبحاث الأدبية. . . وكدتُ أنا أيضاً أنسى الموضوع الذي من أجله اكتب الآن ، وأستطرد إلى ذكر ما يرويه لي صديقي عن الهند وعن مكارم من حلَّ بينهم على الرحب والسعة ، فأهمل السؤال الذي كلفني أن أنشره على صفحات المجلة. قال البستاني الصغير: هذان بيتان من الشعر رواهما الشيخ أحمد آل إبراهيم قال:
لقي نبلنا العوارضِ فانثنوا
…
لأوجههم منها لحىً وشواربُ
خلقنا بأطراف القنا لظهورهم
…
عيوناً لها وقعُ السهام حواجبُ
فلمن هذا الشعر؟ وأنا أقول: من عرف الشاعر وكتب إليَّ عنهُ ضمنت له جائزة تجيئه عن طريق الهند. . .
كرمه ابن هاني
سبق لي حديث قديم مع القرَّاء عن كرمة ابن هاني - أو منزل شوقي بك - وقد كانت هذه الكرمة في الشهر الفائت مسرحاً أقيمت فيهِ معالم الأفراح والحفلات الأدبية. وكل حفلة تقام في ذلك الصرح