الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كنت قاربت الكبر. وأدركني الأعياء. وها أنا اليوم اسمع بلابل الله في ملكه فأجاوبه. ما هذا بنات هديل ، وإنما هي بنات حواء. آن لأقلامنا أن تختار أحسن ما عندها من الدرر تلك الأجياد جديرة بهذه العقود. . .
ولي الدين يكن
جريدة الأخبار
بلغت الصحافة المصرية منزلة سامية من الترقي واشتغل بها في العهد الأخير جمهور من كبار الكتاب ورجال السياسة ، فأصبح لها تأثير بليغ في الرأي العام ، فرأينا أن نخصّ من حين إلى آخر كل جريدة بفصل يصوّرها لقراء الزهور من حيث خطتها وأسلوبها وكيفية تحريرها. ونبتدئ في هذا الجزء بجريدة الأخبار لمناسبة عودتها إلى الظهور في هذه الأثناء على أثر توقيفها شهرين بمقتضى القرار الذي أصدره مجلس النظار
الأخبار - أنشأها صاحبها سنة 1896 بالاشتراك مع داود أفندي بركات رئيس تحرير الأهرام اليوم. وتوقفت سنة 1900 ثمّ عادت إلى الصدور سنة 1906 فكانت أول جريدة عربية مصرية تصدر في الصباح. وهي أصغر الصحف المصرية حجماً ولكنها من أغزرها مادَّةً بالنظر إلى الأسلوب الذي توختهُ في إيراد الحوادث. وقد كادت تقصر أبحاثها على الشؤون المحلية أو ما كان لهُ علاقة بها من الشؤون الخارجية. وأنك لتقرأ الخبر في صحف المساء ثمَّ تصبح فتقرأه في الأخبار فلا تستنكف من معاودة قراءَتهِ لأنك على يقين من أنك ستجد في طريقة إيراده شيئاً جديداً. وللأخبار على سائر الصحف ميزتان: الأولى أنها تنشر ما لها وما عليها تاركة لمن يكتب فيها الحرية التامة في إبداء فكرة ولو جاء هذا الفكر مخالفاً لمذهبها ، والثانية أنها ذات اعتناءٍ خاص بعنوانات أخبارها ومقالاتها
حتى لقد يجيء العنوان فيها وحدَه أبلغ من مقالة طويلة. ولقد جرى بعض هذه العنوانات مجرى المثل بين القرَّاء أما الشيخ يوسف الخازن صاحب الأخبار فهو معروفٌ بشدَّة الذكاء وتوقد الذهن. وهو من أكثر كتَّابنا حفظاً للتاريخ ونوادره وأقدرهم على الاستشهاد بها عند اللزوم ، فتراه دائماً أبداً حاضر القريحة لإيراد حادثة أو نكتة يطبّقها على حوادث اليوم ، يظهر لك ذلك في حديثه كما يظهر في كتابته ، وقد حلَّى كثيراً بالدرس والمطالعة السليقة الانتقادية التي عرفت بها الأسرة الخازنية. وله من هذا القبيل نكت وأجوبة تروى بين الناس. والشيخ لطيف المعاشرة لا يملهُ جليسهُ.
وخصومه السياسيون أنفسهم يشهدون له بخفة الروح. وفد لا تفارق الابتسامة ثغره - كما ترى في رسمهِ الذي أمامك - وهي غالباً ابتسامة استهزاء من كل شيء. . عثرنا في بعض أعداد الأخبار على مقالة نعتقد أن الشيخ قد كتب مقدَّمتها وهو أمام المرآة يصوّر نفسه إذ قال لي صديقٌ شاذُّ الأخلاق ، غريب الأطوار قلما يتفق رأيهِ ، مخالفاً للجمهور في حكمهِ. وليس السبب في ذلك اعتاد معظم
الناس أن ينظر إليها منهُ ، فيكشف أموراً جديدة قد تخفى على الآخرين ، وهو يعبّر عنها تعبيراً فكهاً لا يخلو من نكتةٍ تسرُّك فتجعلك تضرب صفحاً عن شذوذه وغرابة أطواره لاسيما وأنهُ بعيدٌ عن المكابرة فلا يحاول أن يقنعك بصواب رأيهِ بل يقول هذا رأيي والسلام وصاحبنا مزيجٌ من التعصب والتسامح بل هو بوجه عام شديد التعصب لمذهبهِ فلا يخط حرفاً إلا تأييداً لهذا المذهب أو انتقاداً للمذهب المخالف ، وإن كان ذلك لا يظهر لأوَّل وهلةٍ في جريدتهِ التي أباح أعمدتها لكل المذاهب. ومن رأي السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار أن خطة الأخبار تظهر في ما تختاره من أقوال الصحف أكثر مما تظهر في مقالاتها الخاصة. وقد أثَّت أخلاق الرجل في أسلوب الكاتب أي تأثير حتى صحَّ فيهِ قول بوفون الكتابة هي الرجل فجريدته هي صورته المعنوية وهو شديد الولع بها فقد ضحى لأجلها في مراكز عديدة عُرضت عليه وأنفق في سبيلها حتى اليوم ستة آلاف جنيه من ثروتهِ. وهو كثير التأني في كتابتهِ شديد الحكم على إنشائهِ ، يكتبُ ويشطب ويشذّب ويمزّق كثيراً قبل أن يدفع إلى الطبع مقالة لا تتجاوز العمود فهو من هذا القبيل أقلّ الصحافيين مقدرة على سدّ الفراغ ، على أن مقالته تخرج بعد ذلك موسومةً بسمتهِ الخاصة فتُعرف بهِ ويشاركه الآن في تحرير الأخبار توفيق أفندي حبيب ، ومقالاتهُ لا تخرج عن دائرة التعليق على الحوادث اليومية بأسلوب فكاهي لذيذ لا يخلو غالباً من