الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخواتم
نشرنا في الزهور (2: 245) مقالة عن التعليم الإجباري في مصر لحضرة الكاتبة الفاضلة السيدة هند كريمة سعادة اسكندر عمون بك المحامي المشهور. ووعدنا حينئذ بإتحاف القراء بشيء جديد من تفئات قلمتها. وانه ليسرنا أن يكون من جملة محسنات الزهور في سنتها الحاضرة سلسلة مقالات ستكتبها حضرتها في موضوع لم تطرقه مجلاتنا من قبل على ما تعلم ، وهو تاريخ الحلي النسائية وعادات التحلي بها عند جميع الشعوب ولا ريب عندنا في أن هذا البحث سيروق قراءنا كثيراً - وقارئاتنا على الأخص - لاسيما وان حضرة الكاتبة قد أحاطت بالموضوع من جميع أطرافه ووفته حقه من التحري والتنقيب. وقد اختارت أن تفتح هذا الباب بمقالة عم الخواتم وهي أكثر الحلي شيوعاً: الخاتَم والخاتِم نوع من أنواع الحليّ الشرقية الأصل ، اشتق العرب اسمهُ من ختَمَ ، لأنه كان يُستعمل للختم ، وكان العرب في جاهليتهم يتختمون لمجرَّد التحلّي ، ويصوغون خواتمهم من الذهب والفضة والشبه وغير ذلك من المعادن ويرصّعها امرارءهم بالحجارة الكريمة. وفي الحديث التختم بالياقوت ينفي الفقر أي انهُ إذا ذهب مال الرجل ، باع خاتمه فوجد فيهِ الغنى. وقال ابن الأثير: انهُ قد ينفي الفقر لخاصة فيهِ. وقد نهى النبيّ عن التختم بالذهب. وفي الحديث انهُ نهى عن ليس الخاتم مطلقاً إلَاّ لذي سلطان يحتاجه ليختم بهِ الكتب ، وكره له أن يلبسهُ للزّينة المحصنة أو لغير حاجة. وفي الحديث أيضاً انهُ جاءَه رجل عليهِ خاتم شبَهَ فقال: ما لي أجد منك ريح الأصنام؟ - لأنها كانت تتخذ من الشَبه. وقال في خاتم الحديد: ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟ - لأنهُ كان من زي الكافرين
أصحاب النار. وروي عن عمر بن عبد العزيز انهُ أتاه أن ابنهُ اشترى فَص خاتم بألف دينار ، فكتب إليه: عزمت عليك إلَاّ ما بعت خاتمك بألف دينار وجعلتها في بطن جائع ، واستعمل خاتماً من ورق وانقش عليهِ رحم الله امرءاً عرف نفسه ومما قاله ابن خلدون أنَّ الخاتم من الخطوط السلطانية والوظائف الملكية والختم على الرسائل والصكوك معروف للملوك قبل الإسلام وبعده. وقد ثبت في الصحيحين أن النبيَّ أراد أن يكتب إلى كسرى فقيل له أن العجم لا يقبلون كتاباً إلَاّ أن يكون مختوماً. فاتخذ خاتماً من فضة ونقش فيهِ محمد رسول الله. قال البخاري: جعل الثلاث كلمات في ثلاثة اسطر ، وختم بهِ وقال لا ينقش أحد مثله. قال وتختم بهِ أبو بكر وعُمر وعثمان. ثمَّ سقط من يد عثمان في بئر أريس ، فاغتم عثمان وتطيرَّ منهُ وصنع
آخر مثله. واقتدى الخلفاء في صدر الإسلام بالنبي فنقشوا على خواتمهم الحكم والآيات بعد إن كانوا لا ينقشون عليها سوى الأسماء فنقش أبو بكر على خاتمهِ نعم القادر الله وعمر كفى بالموت واعظاً يا عمر وعثمان الملك لله وفي الجدول التالي ما نقشهُ بعض الخلفاء على خواتمهم:
الخلفاء: ما نقش على خواتمهم
الوليد بن عبد الملك: يا وليد انك ميت ومحاسَب
سليمان بن عبد الملك: آمنت بالله مخلصاً
عمر بن عبد العزيز: الوفاء عزيز
يزيد بن عبد الملك: فنيَ الشباب يا يزيد
الوليد بن اليزيد: يا وليد احذر الموت
يزيد بن الوليد: يا يزيد قم بالحق
إبراهيم بن الوليد: توكلت على الحيّ القيّوم
مروان بن محمد: اذكر الموت يا غافل
أبو العباس السفّاح: الله ثقة عبد الله
المنصور عبد الله: وبهِ يؤمن
المهدي: العزة لله
الهادي: بالله أثق
هارون الرشيد: كن من الله على حذر
الأمين: حسبي الله
المأمون عبد الله: يؤمن بالله مخلصاً
المعتصم بن هارون الرشيد: الحمد لله الذي ليس كمثله شيء
الواثق بالله: الله ثقة الواثق
المتوكل على الله: على الله توكلت
المنتصر بالله: على الله توكلت
المستعين بالله: استعنت بالله
المعتز بالله: استعنت بالله
المهتدي بالله: هداني الله
المعتمد على الله: اعتمادي على الله وهو حسبي
المعتضد على الله: أحمد يؤمن بالله الواحد
المكتفي بالله: المكتفي بالله
المقتدر بالله: العظمة لله
القاهر بالله: القاهر بالله
الراضي بالله: الراضي بالله
المتقي لله إبراهيم بن المقتدر: بالله يثق
المستكفي بالله: المستكفي بالله أمير المؤمنين
المطيع لله: المطيع لله
الطائع لله: الطائع لله
القادر بالله: القادر بالله
القائم بأمر الله: العزة لله وحد
المقتدي بأمر الله: من توكل عليهِ كفاء
المستظهر بالله: ثقتي بالله وحده
المسترشد بالله: من توكل عليهِ كفاه
الراشد بالله: من آمن بالانتقال عمل للمآل
المقتدي بأمر الله: كن مِن الله على حذر تسلم
المستنجد بالله: من أحبَّ نفسه عمل لها
المستضيء بنور الله: من فكر في المآل عمل للانتقال
الناصر لدين الله: رجائي من الله عفوه
الظاهر بأمر الله: راقب العواقب
المستنصر بالله: العفو بك أولى
وكان الخلفاء من الصحابة يتختمون في اليد اليمنى ، فجعل ذلك معاوية بن أبي سفيان في
اليسرى؛ واخذ الأموية في ذلك ، إلى أن نقله السفاح العباسي إلى اليمنى ، فبقي إلى أيام الرشيد فأعاده إلى اليسرى ، واخذ الناس في ذلك وفي كيفية نقش الخاتم والختم بهِ وجوه كثيرة: فمنهُ خاتم السلطان أو الخليفة أي علامتهُ. قال الرشيد ليحيى بن خالد لما أراد أن يستوزر جعفراً ويستبدل بهِ من الفضل أخيهِ: إني أردت أن أحوّل الخاتم من يميني إلى يساري فكنى له بالخاتم
عن الوزارة لمّا كانت على الرسائل والصكوك من وظائف الوزارة لعهدهم ثمَّ صاروا في دول المغرب يعدونهُ من علامات الملك وشاراتهِ فيستجيدون صوغهُ من الذهب ، ويرصعونهُ بالفصوص من الياقوت والفيروزج والزمرد ، ويلبسهُ السلطان شارة في عرفهم ، كما كانت البردة والقضيب في الدولة العباسية ، والمظلة في الدولة العُبيدية
ويرون أن الخواتم أربعة: الياقوت لإرواء العطش ، والفيروزج للمال ، والعقيق للسنَّة ، والحديد الصيني للحرز ، وقيل للخوف. ومن كلام المتأخرين: من تختم بالعقيق وقرأ لعمر بن العلاء ،، وتفقه للشافعي ، وحفظ قصيدة ابن زريق فقد استكمل ظرفه. أما أقدم خاتم عربي فقد وجده الباحثون في ضواحي دمشق ، وعلى فصّه كتابة حميرّية ، ولا يبعد أن يكون من عهد الغساسنة الأول
الخواتم عند المصريين - الخواتم في مصر قديمة العهد جداً ، وأجملها ما عثر عليهِ في قبور الدولة الثامنة عشرة ، والدولة التاسعة عشرة ، والدولة العشرين.
وكانت خواتم الملوك والأمراء من الذهب الخالص ، وعليها في غالب الأحيان اسم صاحبها وألقابها محفورة بحروف هيروغليفية على فص مستطيل الشكل. وكانت خواتم العامة مصنوعة من مواد أقل قيمة من الذهب ، كالفضة والشَبَه والزجاج والخزف المطلي بطبقة من الزجاج الملون بأكسيدات النحاس ألواناً زاهية من الأصفر والأزرق. وكان على هذه الخواتم الخزفية كتابات هيروغليفية مطبوعة عليها قبل طبخها بالنار. وقد وجد في تلك القبور أيضاً خواتم مصنوعة من العاج والكهرباء والحجارة الصلدة ، كالجزع والعقيق. وكان بعض الخواتم في زمن السلالة الثامنة عشرة مرصعاً بفصوص من الجُعَل الجعران مركبة في حلقات من الذهب تدخل في ثقوبها فيتسنى لحاملها أن يديرها كيف يشاء وقد اتخذ المصريون الخاتم عندهم رمزاً للسلطان من قديم الزمان ، كما يظهر ذلك
من قصة
يوسف الصديق. فان فرعون ألبسهُ خاتمهُ لما قلدهُ خطة الوزارة. وكان تزوير الختم عندهم جريمة من الجرائم الكبيرة التي تتنصل النفس منها يوم المعاد. ومن الغريب أن اسم الخاتم بالمصرية مثل اسمهُ بالعربية
وفي المتحف المصري خواتم كثيرة منها خاتم من ذهب على فصهِ صورة طائر من الطيور التي كان يقدّسها المصريون. وقد وجد هذا الخاتم في ناووس من الرصاص وعليهِ من النقوش ما يدل على انهُ صنع في زمن البطالة يوم امتزجت العقائد المصرية بالعقائد اليونانية وقد آثر الرأي أيضاً العلامة سايس. والغريب من أمر هذه الخواتم إن فتحاتها إهليليجية لا توافق استدارة الإصبع
الخواتم عند البابليين - لم يكن الخاتم معروفاً على ما يظهر عند قدماء البابليين؛ فكانوا يتختمون باسطوانات من البلّور ، أو غيره من الحجارة الصلدة في كلٍّ منها ثقب نافذ من الطرف الواحد إلى الطرف الآخر كانوا يدخلون فيه سلكاً ويلبسون الاسطوانة في المعصم كالسوار. وقد أشار الكتاب المقدس في سفر نشيد الأناشيد إلى ذلك بما نصَّهُ: اجعلني كخاتم على قلبك ، كخاتم على ذراعك
الخواتم عند الفينيقيين والأشوريّين - كان الفينيقيون والأشوريّون كالمصريين ينقشون على خواتمهم صور أشخاص وحيوانات ورموز أخرى. ومهروا في ذلك حتى لم بفقهم المتأخرون وكثيراً ما كان الخاتم عند الفينيقيين مرصعاً بجعل على أحد جانبيهِ اسم صاحبه وقد ركّب الجعل على محورٍ بهِ من جانبٍ إلى آخر
الخواتم عند العبرانيين - كان خاتم عند العبرانيين ضرباً من كماليات الملبس وقد جاء في أخبارهم أن طوبال قايين كان أول من صاغها فاستعملها العبرانيون
رمزاً إلى المقام والسلطان. وفي التوراة أن أحشو يرش ملك فارس أعطى خاتمهُ هامان الاجاجي لما فوّض إليه قتل اليهود ، ثمَّ استرده منهُ وأعطاه مردخاي اليهودي. أما الإسرائيليات فكنَّ يلبسنَ خواتم كبيرة الفصوص للتحلي فقط. وقد رمز البعض من اليهود بالفتخة إلى دوام رباط الزيجة ، ولعلهم اقتبسوا ذلك من قدماء المصريين لأن الدائرة عند هؤلاء رمز الدوام
الخواتم عند اليونانيين والرومانيين - لم يكن الخاتم معروفاً عند قدماء اليونانيين - لم يكن الخاتم معروفاً عند قدماء اليونانيين قبل زمن هوميروس. وكان أول عهدهم بهِ في القرن
السادس فبل المسيح. ثم شاع استعماله عند نسائهم ورجالهم ، فكان يتحلى بهِ عظماؤهم كأرشوطاليس وذيموسطنيس. وكانت أنواعهُ كثيرة أثمنها ما صنع من الذهب ورصّع بالحجارة الكريمة كالجزع والعقيق واليشب والجمشت ولا يزال كثيراً منها محفوظاً في دور العديات إلى يومنا
أما الرومانيون فلم يتختموا لمجرد الزينة كاليونانيين ، بل كان الخاتم عندهم رمزاً إلى طبقة معلومة من الشعب ، أو إلى منصب من المناصب. فكان خاتم الحديد رمز العبودية؛ وخاتم الذهب رمز الشرف وعلو المرتبة. وكانت لهم في ذلك شرائع وقوانين لا يتعدونها فلا يتختم العبد بخاتم السيد ، ولا الأمير بخاتم العبد
وقد كان أول استعمال الرومانيين للخواتم أن الحكومة كانت تمنحها للشيوخ الذين ترسلهم سفراء إلى الحكومات الأجنبية. ولما منحت هؤلاء حقّ التختم بتلك الخواتم في الاجتماعات الرسمية بعد استقالتهم من مناصبهم ، أخذ غيرهم من الأشراف في أوائل القرن الخامس يقتدي بهم. وما كان الأشراف عندئذ إلاّ نفراً قليلاً
من بيت تولى أحد أبنائهِ كرسيّ القضاء العاجية. وفي أوائل المئة السادسة أجازت الحكومة حمله لأعضاء مجلس الشيوخ ، سواء كانوا من الأشراف أو من عامة الناس. ولم يمضِ على ذلك زمن بعيد حتى أنعمت بهِ على بعض الفرسان من أنسبائهم ، وأكثرهم من الكتائب الست الأولى. ثم أذنت فيهِ شيئاً فشيئاً لفرسان الكتائب الأخرى. ثم لغيرهم من الفرسان
على أن التختم لم يكن عندئذٍ إجبارياً. والأدلة على ذلك كثيرة منها امتناع ماريوس عن استبدال خاتمه الحديدي بخاتم من ذهب ، إلى أن عُيّن للمرة الثانية والياً على رومه. وفي أواخر العهد الجمهوري خوَّلت الحكومة قوَّادها وولاتها حق الأنعام بالخاتم على من يشاؤون ، فكانوا في أول الأمر يكافئون بهِ الأبطال والعظماء الذين يظهرون بسالة عظيمة ، أو يأتون خدمة جليلة ، ولكنهم مالبثوا أن تطوَّحوا ، ولكنهم ما لبثوا أن تطوَّحوا في السلطة المعطاة لهم ، ورأت الجمهورية أن تضع حداً لهذا الإفراط فسنت لذلك قوانين جديدة لم تأت بفائدة تذكر. ثم قامت الإمبراطورية فأعارت الأمر اهتماماً كبيراً؛ ولجأت إلى كل الوسائط لإصلاحه ، لكنها لم تفلح. ومازال التختم ينتشر في البلاد إلى أن أمسى حقاً شرعياً لكل الفرسان الذين يمتلكون أربعمائة ألف سترس. وكان ذلك بأمر أغسطُس قيصر. ثم بعد
سنوات قليلة أراد الأغنياء المحرَّرون ، وأصلهم من سفلة الشعب ، أن يضيفوا الرتب والألقاب. إلى الثروة والسعة ، وأخزوا يسعون للحصول على بعضها كالتختم. فهاج الأشراف لهذه المطامع وخشي الإمبراطور طيباريوس أن تحتدم نار العداء بين طبقات الشعب ، فعجل
لتلافي الأمر ، واقتدى بهِ ودوميتانوس وتريانوس. ولكنهم كانوا أول من خرق حرمة القوانين التي وضعوها لهذه الغاية فأنعموا بالخواتم على غير مستحقيها حباً منهم بالحصول على فوائد شخصية ، أو رغبة في تنفيذ أغراض سياسية. وفي أوائل المائة الثانية بعد المسيح ألغى الإمبراطور ادريانوس كل القوانين التي وضعها سلفاؤه للتختم ، وأجازه قانونياً للعبد المحرَّر ، ثم جعله من شروط التحرير. وفي زمن سبتيموس سيفيروس واورليانوس ، أصبح حمل الخاتم حقاً لكل عسكري ، فقيراً كان أو غنياً ، فصار الخاتم الذهبي بطبيعة الحال رمز الحرية فقط ، كما صار الخاتم الحديدي رمز العبودية وما كان تاريخ الواحد سوى عكس تاريخ الآخر. ويقال أن الرومانيين اقتبسوا لبس الخواتم من الصابييّن الذين كانوا يقيمون في الشمال الشرقي من رومة. وكانوا يحملون لمجرد التحلي خواتم مصنوعة من الفضة والعاج والكهرباء. ويتضح من تواريخ هوراس كونتليانس ويوفنال أن استعمال هذه الحلي لم يكن جائزاً إلا لمن جازلهم حمل الخواتم الذهبية. وقد غالى الرومان في أثمانها حتى بلغ ثمن الواحد من بعضها ستين ألف دينار وأسرفوا في حملها حتى كان بعضهم يلبس خاتماً أو أكثر في كل إصبع
وكانوا في أول الأمر لا يتختمون إلا في البنصر ثم أجازوا التختم في السبَّابة ففي الخنصر ففي الإصبعين الباقيتين. ومن الخواتم عندهم ما كان يحمل في الأعراس رمزاً إلى عقد الزيجة ويلبسونهُ في السبابة
الخواتم الدينية - كان الأساقفة في صدر النصرانية يحملون الخواتم كسائر الناس ، وينقشون عليها الرموز والآيات كالصليب والسمكة والمرساة والحمامة والسفينة وغير ذلك. وكان بعضهم يحفر فيها اسم المسيح وصوَر الرُّسل وعبارات دينية مثل عش بالله وما شاكل. أما الخاتم الأسقفي فهو الذي كان يعطى المطرانَ عند سيامنهِ إشارة إلى اتحاده بالكنيسة. في اليد اليسرى لكيلا يتبادر للأذهان أن الأساقفة إنما كانوا يفعلون ذلك تصديقاً لزعم الوثنيين أنَّ شرياناً يمتد من بنصر اليد
اليسر توَّا إلى القلب. وأوجب حمله في اليمنى
لأنها اليد التي تمنح البركة. وكان الخاتم الأسقفي من الذهب الخالص وله فص من الجمشت أو الياقوت الأزرق أو الأحمر أو الزمرّد غير محلّى بالنقوش. ثمَّ أجيز استعماله لرؤساء الديور على الإطلاق. أما الخاتم الكردينالي فكان فصّه من الياقوت الأزرق ومحفوراً عليه اسم البابا وشعاره. وكان البابا يحمل خاتماً عليهِ صورة القديس بطرس وهو جالسٌ في قلوب وطاوح شبكته في البحر. وحول هذا النقش اسم البابا والى جانبه رقم روماني يشير إلى منزلتهِ العددَّية بعد سلفائهِ الذين سبقوا فتسموا بنفس الاسم. فكان خلفاء بطرس الرسول يستعملونه لختم منشوراتهم بالشمع الأحمر. ثم اتخذوه بعد ذلك لدمغ لفافة الرقّ أو لختم عَصبتِه. ولما كانت هذه الطوابع تتكسر عند فتح
المنشور صعبً وجود أثر سليم منها
الخواتم السحريّة - ما من امة في الأرض إلَاّ وقد اعتقدت في جاهليتها بخواتم الجنّ والسَحَرة. ومن أشهر هذه الخواتم ، خاتم سليمان الحكيم ، وخاتم علاء الدين المشهور في إحدى روايات ألف ليلة وليلة وخاتم الراعي جيجس
خاتم سليمان - كان سليمان إذا تمعن في فص خاتمهِ رأى كل ما شاء رؤيته ، وإذا لمسهُ ازداد حكمةً فوق حكمة وقوة فوق قوة. زعموا انهُ دخل يستحمَُ مرةَ وقد ترك خاتمهُ في حجرة محاذية ، ثمَّ تفقده فلم يجده. وكان أحد خدمه قد سرقهُ وطرحهُ في البحر. فاغتَّم سليمان لذلك كثيراً ، وبلغ اليأس منهُ أشدَّه ، حتى لقد كره الملك. على انهُ ما لبث أن وجد ذلك الخاتم في جوف سمكة قدَّمت له مع طعامِه ، فعادت إليهِ حكمته التي طبقّت شهرتها الخافقين. ولقد شاعت هذه الرواية شيوعاً عظيماً في العصور الوسطى ، واعتقد صحتها أهل الشرق والغرب الذين كانوا يميلون إلى المستغربات ، ويؤمنون بالسحر والجنَ ، وينسبون إلى نوابغ الرجال ، كهوميروس وفرجيل وسليمان ، قوة السحر ومعرفة الغيب. ومن المرجّح أن حكاية خاتم سليمان حديثة العهد فلا ترى لها ذكراً عند قدماء السلف ممن ذكروا سليمان في تأليفهم أو تناقلوا أحاديث الجن وعجائبه
خاتم علاء الدين - أعطاه إياه الساحر الإفريقي الذي ادخله مغارة المصباح العجيب. والغريب من أمر هذا الخاتم انهُ كان إذا لُمس خرج مارد وانتصب وقال: لبّيك عبدك بين يديك
وكان هذا المارد يأتي بالآيات والمعجزات كسائر الجن فلا يسأله صاحب الختم أمراً إلاّ استطاعهُ
خاتم جيجس - نقل شيشرون عن أفلاطون أن السموات تصببت يوماً
أنهراً وبحاراً ، وأن الأرض زلزلت زلزالها ، فانشقت بمن عليها ، وزلّت بجيجيس القدم فسقط في الهاوية ، فوجد جواداً من النحاس الأصفر فيه جثة أحد الجبابرة متختماً بخاتم كبير الفص مستديرة فأخذه ولما تختم بهِ اختفى عن العيان وهنالك أيضاً خواتم أخرى من شأنها أن تقطع بحاملها مسافات كبيرة في وقت قصير أو تحوله إلى حيوان أعجم. وتقسم الخواتم السحرية إلى قسمين عامين: الخواتم التي تمنح صاحبها قوّى غير مألوفة ، والخواتم التي تقيده بقيود العبودية؛ وفي ذلك وجه للشبه بين معنى الخواتم السحرية والخواتم التاريخية. ألم يقلد فرعون خاتمه يوسف لما استوزره؟ ألم يلبس يوبيتير أسيره برومتيه خاتماً ليذكره بهِ كيف قيده وخذله على جبال القوقاس؟ وفي الخواتم السحرية أقوال وخرافات أخرى لا موضع الإيجاز
الخواتم المجوَّفة - الخواتم المسمومة ذات الفصوص المجوَّفة قديمة العهد جدًّا. فمنها الخاتم الذي مصَّ هنيبال السمَّ منهُ بعد فشله في يوم زاما وخاتم ذيموستينس وحكايته معروفة. وقد ذكر يلينيوس الروماني أنهُ لما سرق قراسوس الكنز الذي كان تحت عرش يوبيتير في الكابيتول ، خاف الحارس شرَّ العاقبة ، فمصَّ سماً كان في خاتمهِ ومات لساعتهِ. وكان القتل بالخواتم المسمومة شائعاً في الأعصر الوسطى ، فكان للخاتم منها فصٌّ فيه إبرة مجوفة تتحرك بزنبلك وهي متصلة بنقرة وراء الفصّ مملوءة سُماً. فإذا أراد حامله قتل عدوّ له خدش يده بالإبرة عند التسليم فتسرَّب إليها السمَُ. وفي رواية انهُ لما تعذَّر علّى الزّباء النجاة من عمرو بن عدي مصَّت السمَّ من خاتمها وهي تقول: بيدي لا بيد عمرو
خواتم الزواج - لا يُعرف أول من اتخذ الخواتم رمزاً إلى عقد الزيجة. ولكن من المؤكد أن العبرانيين استعملوها لذلك قبل النصرانية بزمن طويل. وكان الجرمانيون والفرنساويون في العصور الوسطى يتغالون في ثمن خاتم الزواج. ثم تغيرت الحال فاقتصروا على فتخة من الذهب. ولكن بقي في ثمن خاتم الزواج. ثم تغيرت الحال فاقتصروا على فتخة من الذهب. ولكن بقي التأنق عندهم وعند غيرهم من الأمم في خاتم الخطبة إلى يومنا هذا.
وفي المتحف البريطاني خواتم قديمة من خواتم
الزواج بعضها ذهب وبعضها فضة أو حديد أو شبهَ أو رصاص أو نحاس أو صُفر أو عاج أو عظم. وعلى واحد من هذه الخواتم المصنوعة من عظم صورةُ قلب إنسان ، وهو من آثار سكان في سويسرا ، وعلى آخر رسم يدين متصافحتين وهو مصري الأصل ، وعلى آخر من الحديد رسم يد قابضة على قلب وأصله روماني وفي القرن الرابع عشر للميلاد أشار أحد الايطاليين باختبار فصوص خواتم الزيجة على حسب الشهر الذي ولدت فيه العروس. فلشهر كانون الثاني الحجر البجادي فيزيد تعلق أصدقائها بها ، ولشباط الجمشت فيقوي فيها الإخلاص ويقيها من السموم ومن النميمة ، ولآذار الياقوت فيعطيها الحكمة والطاقة على احتمال أتعاب بيتها ، ولنيسان اللازورد فيطهر قلبها ، ولأيار الزمرد فيسعدها ، ولحزيران اليشم فيحفظ صحتها ويقيها الجن والغيلان ، ولتموز الألماس فيقيها غيرة زوجها ، ولآب العقيق فيسعد أولادها ، ولأيلول اللؤلؤ فيمنع الخصام من بيتها ، ولتشرين الأول الزمرد المائي فيقوّي الحب ، ولتشرين الثاني الياقوت الأصفر فيجعلها مطيعة لزوجها ، ولكانون الأول الفيروز فإنه حرز العفة. وشاعت هذه الخرافة في أوروبا وعمل الناس بهاز فكان الزوج في فرنسا يهدي إلى عروسه اثني عشر خاتماً لكي تنختم بخاتم منها كل شهر. ولا يزال الجرمانيوم يرصعون خاتم الخطبة بالفيروز وعندهم
إن المحبة تثبت مادام لونه ثابتاً. ومن عادات الانكليز أن يتبادلوا إهداء الخواتم في الأعراس. فادوردِ كلي أهدي إلى إحدى خادماته يوم زواجها خواتم قيمتها أربعة آلاف ليرة انكليزية. والأوربيون جميعهم يعتبرون خواتم الزيجة شديد الاعتبار. ومنهم من لا يحسبها ثابتة ما لم يكن فيها خاتم ذهب ، كالارلنديين مثلاً ، فالفقراء منهم يستأجرون خاتماً من أحد الصاغة لهذه الغاية. وعند بعضهم أن انكسار خاتم يدل على قرب أحد الزوجين
واختلف الناس في الإصبع التي يلبس فيها خاتم الزيجة والشائع اليوم حمله في بنصر اليد اليمنى قبل الزواج ، وفي بنصر اليسرى بعده. ويقال أن سبب ذلك وجود وريد في هذه الإصبع يحمل الدم إلى القلب رأساً. وورد في كتاب الطقوس الدينية الرومانية أن الكاهن الإلهي. ثمَّ يرجعه إلى الزوج مشيراً بذلك إلى أنَّ الله قد ختم بهذا الحب على قلبهِ فلا ينفتح لحبٍ آخر ، فيصبح بين يدي الزوج رمز المحبة المتبادلة ، وضمانةً لارتباط قلبه بقلب
عروسهِ ، ثمَّ يخرجه الزوج من إصبعهِ ويضعهُ في البنصر اليسرى من يد زوجتهِ. ثمَّ توسع بعضهم في معنى خاتم الزواج فرمز بهِ إلى دوام الصداقة ، أو إلى دوام السلطان ، أو إلى دوام العهود ، وما شاكل ذلك. فكان ولا يزال بعض الانكليز يتبادلون الخواتم عندما يحلفون يمين الصداقة. وكان دوج البندقية في بحر الادرياتيك يوم خميس الصعود خاتماً ويقول: أيتها البحار إننا نتخذك زوجةً لنا إشارةً إلى تسلطنا عليك
فالخاتم الذي اختلفت أشكاله ، وتنوعت رموزه ، وتعددت معانيه بحسب اختلاف الشعوب والأزمنة ، وتنوّع العادات وتعدّد الأغراضٍ ، لا يزال إلى يومنا أوفر الحلي حظاً ، وأكثرها نفعاً؛ يتختم بهِ الغنيُّ والفقير معاً وإنما الفرق أن الأول يتخذه من الذهب محلَّىً بالجواهر ، والثاني يكتفي بأن يلبسه من نحاس أصفر
هند اسكندر عمون