الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رياض الشعر
الشامية
نشرنا في سنة الزهور الثانية ص90 رسم الأخوين الشاعرين تامر بك وشبلي بك ملَاّط. وأشرنا إلى مرض الأكبر منهما الذي أصيب بذهولٍ في عقله. وهو لا يزال في دائهِ يُنشد الشعر المطرب من حين إلى حين عندما يفيق من ذهوله. وقد جاءتنا هذه القصيدة البديعة قالها شاعرها العبقري في مرضهِ:
روحي فِدى ظبيات الشامِ والشامِ
…
ولو كلفنَ ولوعاتٍ بإِعدامي
بين البريد وجابيها على كثَبٍ
…
أضعتُ قلباً معنّىَ نضوَ أسقامِ
ما أنسَ لا أنسَ إذ بالجزع من برَدَى
…
صوبُ اللجين يباري مدمعي إلهامي
تمرُّ ريحُ الصبا بالروضِ حاملةً
…
للكوثر العذب ريّا عرفهِ النامي
وزاجل الماءِ يروي للنسيم ضحىً
…
بردَ الحنانِ بتلحين وأنغامِ
واشٍ ينمُّ ونمَّام يشي أبداً
…
أحبِبْ بذينك من واشٍ ونمَّام
يا ظبيةً زوَّدتني نظرةً تركت
…
روحي تسيلُ على أطرافِ أقدامي
ما ضرَّ بالشام لو ثنّيتها فمضت
…
بمهجتي وانقضى تبريحُ آلامي
أنتِ المكِسّرة الأسيافَ صائلةً
…
بمرهف النصل ماضي الحدّ صمامِ
وما تخذتِ شعار السيف في لَقَب
…
إلاّ بجامع فتك الصارم الظامي
مكسور جفنكِ لو جرَّدتِ باترَهُ
…
يبري صحاحَ المواضي بري أقلامِ
لو تعرضين لذي مسحٍ بصومعةٍ
…
في القدسِ منقطعٍ بالنسك قَوَّامِ
أعطاكِ أجمع ما صلّى مناجرةً
…
بنظرةٍ من صبيحٍ منكِ بسَّامِ
وراح يسمح عثنوناً وعنفقةً
…
تيه المقامر لاقى نجحَ أزلامِ
ولو سموت لذات الرملِ سافرة
…
بسفح دُمَّرَ أو في هامة الهامي
ظنّتكِ جؤذرَها الوسنانَ فابتدرتْ
…
تدعوهُ بين يعافيرٍ وآرامِ
ما الروض باكره طلٌّ فرتّله
…
كاللؤلؤ الغضّ من زهر وأكمامِ
أبهى وأطرب نشراً منكِ ناضيةً
…
بكلةِ الخدر ذا وشيٍ وأعلامِ
لو في الملاحةٍ عن شمس النهار غنى
…
كفيتِ رمضاَءها مستوطن الشامِ
يا ظبية الشام ردّي قلبَ مكتئبٍ
…
أو شاركيه بوجدٍ جارحٍ دامِ
ولستُ أطمع في قربٍ بخلتِ بهِ
…
خوف احتراقكِ في مستوقد حامِ
أصبحتث جذوة نارٍ تلتظي لهباً
…
ستبصرينَ رمادي بعد أيامِ
تامر ملاط
الأسد الباكي
نظم الشاعر هذه القصيدة منذ سنتين ، وهو معتزلٌ في عين شمس للاستشفاء من داءٍ ألمَّ بهِ ، وسألناه يومئذٍ نشرها في الزهور فاعتذر بأنها من الخصوصيات التي نظمها لنفسه. وكان بعد ذلك أن امتدَّت إليها إحدى الأيدي على غير علمٍ من الشاعر وتلاعب بها النسَّاخ ، فنشرت في بعض صحف سوريا وأميريكا متبورة مغلوطة ، ونُسب فيها إلى ناظمها أغراضٌ لم تخطر له ببال. فلم يسع الشاعر والحالي هذه إلاّ إرسالها إلينا لنشرها على حقيقتها:
دعوتُك استشفي إليكَ فوافِني
…
على غير علمٍ منك أنكَ لي آسي
فإن تركي والحزنُ ملءُ جوانحي
…
إداريه فلغرركَ بشري وإيناسي
وكم في فؤادي من جراحٍ ثخينةٍ
…
يحجّبها برادي عن أعين الناسِ
تخذتُ لهمّي عين شمس مباَءةً
…
فثمَّتَ إِضحائي فريداً وإغلاسي
يخالون أني في متاعٍ حيالها
…
وبئس متاع الحيّ جيرة ديماس
أرى روضةً لكنها روضةُ الرَّدى
…
وأصغي وما في مسمعي غير وسواسِ
وأنظرُ من حولي مشاةً وركّباً
…
على مُزجّياتٍ من دخانٍ وأفراسِ
كأني في رؤيا يزفُّ الأسى بها
…
طوائفَ جنّ في مواكبِ أعراسِ
وما عين شمس غير ما ارتجل النهى
…
بقفرٍ جديبٍ من مبانٍ وأغراسِ
بنوها فأعلوها ما هو غير أن
…
جرتْ أحرفٌ مرسومة فوق قرطاسِ
بدت إرَمٌ ذات العماد كأنها
…
من القاعِ شدَّتها النجومُ بأمراسِ
كفتها ليالٍ نزرةٌ فتجدَّدت
…
ثوابت أركانٍ رواسخ آساسِ
وغالط فيها البعثَ ما خالط الحلى
…
بها من ضروبٍ محدثاتٍ وأجناسِ
هناك أُبيحُ الشجوَ نفساً منيعةَ
…
على لضيم مهما يفللِ الضيم من بأسي
يمرُّ بيَ الأخوانُ في خطراتهم
…
أولئك عوَّادي وليسوا بجلاّسي
أهشُّ إليهم ما أهشُّ تلطفاً
…
وفي النفس ما فيها من الحزن والياسِ
ذرونيَ وانجوا من شظايا تصيبكم
…
إذا لم أطقْ صبراً فأطلقتُ أنفاسي
فإني على ما نالني من مساءةٍ
…
لأرحمُ صحبي إن يلمَّ بهم بأسي
ذروني لا يملكْ وجيفي قلوبكم
…
إذا مرَّ ذاك الطيف وادَّكر الناسي
فتا لله لولا ذلك الطيفُ والهوى
…
لهُ مُسعدٌ لم يملك الدهرُ إتعاسي
ذروني أحسُ الخمر غير منفّرِ
…
عن الوردِ منها نفر الطائر الحاسي
فرَّبتً كأس عن شفاهي رددتُها
…
وقد قتلَ الدمع السُلافة في الكأسِ
ذروني أنكسْ هامتي غير متقٍ
…
ملامة رُوَّادٍ وشبهة حُوَّاس
فبي حرَّةٌ بكرٌ ضلوعي سياجها
…
أراشَ عليها سهمهُ معتدٍ قاسِ
أُعيدُ إليها كلَّ حينٍ نواظري
…
وأخفضُ من عطفٍ على جرحها راسي
يكادُ يبثُّ المجدَ ما لا أبثُّهُ
…
من السَقَمِ العَوَّادِ والسأمِ الراسي
أنا الألم الساجي لبُعد مزافري
…
أنا الأملُ الداجي ولم يخبُ نبراسي
أنا الأسدُ الباكي أنا جبلُ الأسى
…
أنا الرمسُ يمشي دامياً فوق أرماسِ
فيا منتهى حبّي إلى منتهى المنى
…
ونَعمةَ فكري فوق شقوة إحساسي
دعوتُك أستشفي إليكَ فوافني
…
على غيرِ علمِ منك أنك لي آسي
خليل مطران
النيل السعيد
صفت مرآتهُ وجلاهُ جالِ
…
فلاح كأنهُ ذوبُ اللآلي
وغازلتِ الحدائق شاطئيهِ
…
وألقت فوقهُ خضرَ الظلالِ
فكم غصنٍ قد ارتسمت حلاهُ
…
عليهِ تهزُّه ريحُ الشمالِ
كما ارتسمت على المرآة خود
…
يرنّح عطفها خمرُ الدلالِ
وناحية برمان أُظلّت
…
وناحية بأعراش الدوالي
ونخلٍ باسقاتٍ كالعذارى
…
تثّنى في غدائرها الطوالِ
خلعنَ الحسنَ منعكساً عليهِ
…
فآنسنَ الحقيقة بالخيالِ
وحلّى ألسن الأطيار منهُ
…
وقال لها إذكري باري جمالي
فجنَّ الطيرُ باسم الله حتى
…
تدانى الله والسبع العوالي
فآمن بالبديع الصنعِ قلبي
…
وفاض الطرف بالدررِ الغوالي
وسار النيل يطلبُ وصل مصرٍ
…
وهل يُرضي المحبَّ سوى الوصالِ
تُضاحكه الغزالة في علاها
…
وبدرُ النمِّ في أوج الكمالِ
عذارى الغرب قد سحتنَّ شرقاً
…
وغرباً للجنوب وللشمالِ
أمثل النيلِ شاهدتنَّ نهراً
…
تفرَّد بالمحاسن والجلالِ
لئن كان الأُلى عبدوهُ ضلّوا
…
فربَّ هداية تحت الضلال
أحبُّ النيلَ حبَّ أبي وأمي
…
وأهوى مصرَ فوق دمي ومالي
وبي عن كلَ مشروب حرامٍ
…
غنى برضابهِ العذب الحلالِ
رضعتُ هواه في مهدي صغيراً
…
وحينَ أشابت الدنيا قذالي
بلادي لا أروم بها بديلاً
…
ولو أُسكنت في روض المآلِ
وما فكّرت في الأهرام إلَاّ
…
بكيتُ مفاخرَ الحجج الخوالي
فلولا يمسك التوحيدُ ركني
…
سجدتُ لتلكم الرمم البوالي
بودّي لو قرعتُ صفاة همي
…
بأمثال الجبالِ من الرجالِ
فبي وخزٌ من الأيام جافٍ
…
على جرحٍ قريب الاندمالِ
أيمضي الدهر لا ميت فأنسى
…
ولا أشفي من الداء العضالِ
وما لي لا أرى إلَاّ ظلاماً
…
يكاد يغضُّ من نور الهلالِ
وما بالي أهمُّ بما أُرجّي
…
فتقعدَ بي على نِضو رحالي
بمن يا نيل أرمي مَن رمانا
…
وقد خلتِ الكنانةُ من نبالِ
حلفا
محمد توفيق علي
يوزباشي بالجيش المصري