الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسائل غرام
بين نساء شهيرات ورجال عظام
كان القراء في السنة الماضية ولع كبير بهذه الرسائل اللطيفة التي ينشرها في الزهور حضرة الكاتب المجيد سليم أفندي عبد الأحد. وقد نقل بعض الصحف والمجلات شيئاً منها مع إطراء صاحبها على ديباجتها. وسيوالي حضرته في هذه السنة أيضاً إتحاف قرائنا بما يختاره من هذه الرسائل اللطيفة
من الشاعر سونبرن إلى سيبيل اشتن
(علق الشاعر سونبرن بحب فتاة قروية تسمى سيبيل اشتن ، قيل إنها كانت ذات جمال يندر مثله بين النساء. وكانت في أول الأمر تبغض سونبرن بغضة
شديدة ولا تطيق مرآه. ولكن مرور الأيام حول بغضتها إلى حب مبرح أسقمها وكاد يودي بحياتها. وكان أهل سونبرن يمانعون في قرانه بها ، لأنها كانت من أصل وضيع ، فسمعوا جهدهم وأبعدوها عنه. ولكن الحبيبين طلا يتراسلان نحواً من أربعة أعوام ، ويتعللان باللقاء. ثم انقطعا عن التراسل لسبب غير معروف. ولعل الزمان شفاهما من داء الحب، أو لعلهما يئسا من اللقاء. ولا يعلم ماذا وقع لسيبيل فيما بعد. قيل إنها ماتت في أثناء سياحة قامت بها أملاً بأن تنسى الماضي. وقيل إنها تزوجت أحد قواد الجيش ، فلم تقم معه طويلاً حتى أتت ، والله أعلم)
. . . لا تعلمين كم أترقب ورود بفروغ صبر. كلما قرب ميعاده ، يخفق فؤاد خشية أن لا يكون حاملاً إليَّ كلمة منك تعزيني في هذه الأيام المظلمة. لماذا أنت بعيدة يا سيبيل؟ ولماذا تفصل بيننا فراسخ هذا عددها؟ إن كان الله يحاول أن يفرق بيننا ، فقد أساء إلينا بأن جمع بيننا قبلاً. وإن كانت الأقدار تداعبنا ، فالقلوب أرقُّ من أن تحتمل مداعبات الزمِان
سيبيل يا معبودتي. أراكِ من خلال رسالتك الأخيرة حزينة كئيبة النفس. لعلي أسأت إليكِ بكلمة فرطت مني؟ فهل لكِ أن تضميها إلى سيأتي العديدة التي قد سامحني عنها قلبك الطاهر؟ كلما قابلتُ نفسي بك ، أراني مجموعة سيآت ، لا تشفع بها إلَاّ حسنة واحدة ، وهي أنني أحبك حباً يجعلني انظر إليك كما ينظر العابد إلى معبودة ، بل أن حبي لكِ أسمى من العبادة يا سيبيل ، لأن العبادة تخرج من الشفتين ، وأما الحب فهو صادر عن القلب
غداً تنطوي صفحة أخرى من صفحات العمر؛ غداً يتم لي خمسة
وعشرون ربيعا من حياة لولاك لكانت خمسة وعشرين شتاء مظلما. ولكنني منذ أحببتك، صرت أرى للحياة معنى جديدا. ولئن كان أهلي يعدون على هذا الحب هفوة من هفوات الشباب، فسلام الله على هفوات كلها حسنات، وحبذا غرور أنت مبعثه أيتها الساحرة المعبودة!
خمسة وعشرون ربيعا يا " سيبيل "؛ بل ثلاثة وعشرون شتاء وربيعان. فلقد مر على حبنا عامان، كنا في خلالهما عائشين في أحلام هنيئة. ولسوف يأتي يوم يرى فيه العلم أن حبنا الذي يزعمونه هفوة من هفوات الشباب، إنما هو السبيل الوحيد إلى السعادة الخالدة. وما أطمع المحبين بتلك السعادة فإنهم يرون الخلود قصير المدى لا يكفيهم للتمتع بأحلام الغرام.
هل تذكرين أيامنا في " وندرمير " بقرب تلك البحيرة الهادئة؟ سلام الله على تلك الأيام يا سيبيل. إن من التذكارات ما ينبض لها الفؤاد طربا، ويطفر لها الدمع سرورا. لقد كانت إقامتنا بقرب تلك البحيرة أشبه بحلم في إشراق النهار، ما لبثنا أن استيقظنا منه، فصاح بنا داعي الفراق. إذا افسح الله في أيامنا ، فسنحج إلى " وندرمير " ونجلس على شواطئها الهادئة، لأنه إذا كان للبوذي نهره، وللمسلم مكتَّهُ ولليهودي أورشليمه، فلماذا لا تكون تلك البحيرة كعبتنا المقدسة نزورها من آن ألى آن، وننم عندها فروض الغرام؟
دعيت البارحة للذهاب إلى
…
فأبيت محتجا بأعذار باطلة. ولكن أختي علمت السبب، وأدركت أن رؤية ذلك الغدير وحدها كافية أن
تعيد إليَّ التذكارات الماضية، وتثير في نفسي عواطف كان أولى بها أن تظل دفينة في الفؤاد. مسكينة أختي!
…
هي تظن أن الغدير وحده يذكرني بك في هذه الحياة، وفاتها أن خيالك ماليء كل فكري، وأنني أتمثلك حاضرة في كل مكان؛ فلا تشرق الشمس إلا واتذكر محياك الجميل، ولا تزقق الطيور، إلا وأخالني منصتا إلى صوتك الرخيم، ولا أشاهد الأزهار، إلا واتصورني أنشق عبيرك الفياح. نعم انك تتمثلين لي بسائر مشاهد الطبيعة، لأن رسمك ماليء فكري، وشبحك ماليء الفضاء.
عفوا يا سيبيل، إن كان حبي ينشيء لك آلاما، فإنني أسعى منذ الأن لإطفاء جذوته المحرقة، وإن كنت ترين السعادة لا تتفق مع حبك لي، فلماذا لا تنزعينه من قلبك وتستريحين من آلامه، وأمامك مجال الشباب الواسع كلما قطعت منه مرحلة نسيت مواقف العهد القديم.
لا تظني أنني أشقى إذا رأيتك سعيدة مع غيري يا سيبيل. أليست سعادتي مستمدة منك؟ فكيف أشقى متى رأيتك تبتسمين إبتسامة السرور؟ وكيف أحزن إذا رأيتك متمتعة بأحلام لا يجوز لغيرك أن يتمتع بها في هذا العالم؟ وإن كان يعوزك موتي لإكمال سعادتك، فهذه روحي بين يديك. ضعي لها حدا، فأموت شبعانا سعادة عند موطئ قدميك ولكن
…
حسن أن يحب الإنسان، وأحسن من ذلك أن يكون محبوبا
ما أقصر الأيام التي نعمنا بها يا سيبيل! وما أطول فسحة هذا
الفراق. . .! تلك أيام مرَّت بنا مرّ السحاب ، وهذه أيام تمشي متثاقلة بنا إلى القبر ، غير عابئة بما تطيل من آلام وعذابات؛ فلا تنطوي منها دقيقة ، إلَاّ وتنطوي معها أنفاس. وإلا بدية محبة لذاتها تضم إلى سفرها من أعمارنا أيام السعادة ، وتبقي لنا أيام الشقاء. ولولا شعاع أملِ ضئيل يحترق حجب الظلام ، لكانت الحياة أعظم نقمة ينتقم بها الله من خليقة يديه
لا يا سيبيل. بل الحياة كلها سعادة وهناء ، لأنك أنتِ فيها. ولولاكِ لكان العالم في نظري فراغاً ، وكل ما فيه ألغازاً وأوهاماً. وكثير ما أتساءَل: ترى لماذا لا يكون العالم كله سعيداً لوجودك فيه.؟ ثم أثوب إلى نفسي وأقول: بل يجب أن تكوني لي وحدي لا للعالم أجمع. لأننا إذا كنا كلانا سعيدين ، فما الذي يهمنا سعد العالم أو شقيَ؛ عُمّر الكون أو خرب ، ثبتت الكائنات أو زلزلت
لماذا تطلبين إليّ يا سيبيل أن أحرق رسائلك؟ إنجيل الغرام المنزل تجُعل آياته أكلا للنار؟ استغفر الله أيتها القاسية. إن رسائلك تبقى إلى الأبد في مأمن من عيون الرقباء؛ فليهدأ روعكِ وليطمئن بالك. واسلمي لمن لا ينساك مدى العمر
بقلم سليم عبد الأحد سونبرق