الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عيد الميلاد
للكاتب الأميركي الشهير وشنطون أرفنغ
لست أشعر بيقظة العواطف الشجية في فؤادي ، وثورة الذكرى بين جوانحي عندما نحتفلُ بالأعياد مثلما أشعر بها حينما تبدو طوالع عيد الميلاد. إخال أن في هذا العيد جاذباً علويّاً يجتذب الايئدة إلى هياكل الشعور والتأمل ، ويطير بالنفوس إلى فراديس المسرّات حيث تحلّق في أجواء الملذات الروحية وتتمتع باستكانتها إلى العقائد الدينية. أي شيء أعظم تأثيراً ووقعاً في النفوس ، وأسرع نفوذاً إلى أوتار القلوب ، واستيلاءَ على الأفكار من ترنيم تلك الأنشودة الملكية المنبعثة من أرجاء الهيكل يتوهم الكثيرون مجرد تمتيع الجثمان بلذيذ الأطعمة وجديد الثياب ونفيس الحلي. إن للعيد غاية أسمى من هذه. للعيد معنى نبيل رمى به واضعوه إلى تجديد المودة وربط قلوب الشعوب بأسباب المحبة وتوثيق عرى الفرابة بين الأسر ، والصداقة بين الأصحاب التي فصمتها يد المصائب وعبثت بها عواصف الحياة ، فيجتمع البنون حول موقد والديهم ، ويلتئم شمل الأصحاب حول موائد بعضهم بعض ويصطبغ الجميع بصبغة العيد. ومما جعل لعيد الميلاد مزيةً وميزةً خصوصيةً على غيره هو أن
الفصل الذي يقع فيهِ فصل شتاء ، فنحن في ما سوى ذلك من الفصول الثلاثة نستعد أغلب مسراتنا من محاسن الطبيعة - من نضارة الربيع وجمال الصيف وجلال الخريف حيث كلٌّ من اخضرار المروج وتغريد الطيور وسكينة الطبيعة تستفزُّ منا كوامن السرور ، وتفتح في قلوبنا ينابيع منهُ ، أما فصل الشتاء حيث الطبية ملتحفة بأكفانها البيضاء ، مستسلمة إلى سبات الموت إلى يوم تبعث في الربيع ، حيث قد تقلصت الأيام وتمددت الليالي ، وأكمدَّت أنوار الغزالة ونضبت عيون السرور منا نشعر بحاجتنا إلى الاجتماعات ونميل إلى المعاشرة لنولّد من نفوسنا سروراً لنفوسنا ، فتصبوا القلوب إلى القلوب وتشترك العواطف مع العواطف لمباثَّة الإحساسات الرقيقة وتمتزج الأرواح بالأرواح ويتعهدها سيّال الحب فتتمّ الألفة وتتركب عناصر السعادة المشتركة ، كما تتألف العناصر الطبيعية وتساعد حرارة نار الشتاء مع تمديد الصدور المنقبضة وإضاءة الثغور ببرق الابتسام وصقل غضون الجباه بمكواة الانشراح ، ثم يستهوي الكرم الجميع فيفتح كلٌّ منزله للضيوف ، وصدره للأحباب. بين هتاف الجذلين ، وضوضاء
المغتبطين ، وحفيف أرواح الحب ، أيُّ فؤادٍ لا يجب جموداً ، وأي صدرِ لا تنفتح أريحيته؟ أجل ليس فصل الشتاء الوقت الملائم لإيقاظ العواطف السامية وإضرام نار القرى في البيوت فقط ، بل لإِشغال جذوة الإحسان في القلوب أيضاً. أنا وإن كنت نائياً عن موطن آبائي ، غريباً في هذه الأصقاع ، لا يضمني منزل والد آوي فيهِ إلى ناره. ولا تصافحني كفُّ قريب ، أو