الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في رياض الشعر
لو يُفيد اللهف
لما نكبت الأستانة في العام الماضي بحريقها تألفت في مصر لجنة لجمع الإعانات للمنكوبين ، وأنفذت ولي الدين بك يكن إلى حضرة السريّ الأمثل الخواجة حبيب لطف الله. فوفد بينهما معرفة من قبل. حدثنا ولي الدين قال: تلقَّائي ذلك الشيخ الجليل على الرحب والسعة وأدناني منهُ. ثم أعلمتهُ بحاجتي فانبسط لها نفسه وجاد بخمسين جنيهاً مرتاحاً إلى تلك الغاية النبيلة فأبقت هذه المقابلة أثراً طيباً في نفس الشاعر حتى إذا فجع الخواجة لطف الله بزوجتهِ في الشهر الماضي ، رثاها بالأبيات الآتية وإنما يذكر الإنسان بحسناته:
بكتكِ عيونُ العلى
…
وناح عليكِ الشرَفْ
لحى الله هذا الرَّدى
…
فأيَّ الشموس كسفْ
أيعلم ماذا جنى
…
أيعرفُ ماذا اقترفْ؟
ألا تلفتْ مهجةٌ
…
حمتْ مُهجاً من تَلفْ
ألا جلَّ فيها الأسى
…
ألا عمَّ فيها الأسفْ
بكى الناس جوداً مضى
…
وكان يحاكي السَّرَفْ
تُكتّمهُ جُهدّها
…
ويعرفهُ من عَرَفْ
بهِ كَلفتْ دهرَها
…
فزادَ ونعم الكلفْ
تواضعُ في عزِّها
…
وأرابُها في صَلفْ
وما حلَّ لطف الإل
…
هـ ذا القلب إلَاّ لَطَفْ
فكمْ لبكيٍّ رثى
…
وكم لأسيٍّ عطفْ
لقد شِرُفِتْ بالسَّلَفْ
…
وقد شرُفَتْ بالخلَفْ
وما ترفتْ نعمةً
…
وإن نشأتْ في الرَفْ
أُفيضَ عليها الثنا
…
ففاض إلى أن وكَفْ
ولو أنها كفكفتْ
…
ثناء الورى ما استكفْ
تخالَفَ في غيرها
…
ولكنَّ فيها ائتلفْ
فصار لها كالحلي
…
وباتَ لها كالتُّحَفْ
وما الوصفُ مدحاً إذا
…
جرى الصدقُ فيما وَصَفْ
أيا دُرَّة المجد قد
…
رجعتِ لجوف الصدَفْ
فلهفاً لفقدك لو
…
يُفيدُ عليكِ اللهفْ
ولي الدين يكن
إلى شاعر الأمير
هذه هي القصيدة التي وعدنا بنشرها وبها يقرظ شاعرها المجيد قصيدة شوقي بك التي يقول في مطلعها:
العام أقبل قم نحيِّ هلالا
…
كالتج في هام الوجود جلالا
ويرى القراءَ في ختامها أن شاعر الفيحاء قد شاء مساجلة شاعر النيل فإذا رأى أميرُ الشعراء أن يفعل فمن حسن حظ الأدب وقراء الزهور:
حلًّق فكري في سماءِ الخيالْ
…
وساحَ في سُوح المعاني وجالْ
وغاصَ والوجدُ له سائقٌ
…
في أبحرِ الشعرِ لمجني اللآلْ
فلم يجدْ أبدعَ من دُرَّة
…
قد صاغها شوقي بنعتِ الهلالْ
غارت لها الشمسُ وخافتْ بأن
…
تُعلي على الأيام فضل الليالْ
يا شمس فاستجدي الهلال الضيا
…
فإِنما حالُكِ للعكس حالْ
ألبسهُ أحمد في وصفهِ
…
نوراً على نورٍ ففاق المثالْ
لا تَنكروا من أحمدٍ مُعجزاً
…
إِن قيل سحرٌ فهو سحرٌ حلالْ
سطورُ حسنٍ مشرقاتِ السنا
…
كأنها بعضُ ليالي الوصالْ
وتارة تحكي عيونَ المها
…
سواحرَ الدلِّ مواضي النصالْ
آياتها بيّنةٌ للنهى
…
وقدرُها أرفع من أن يطالْ
هيهاتِ ما الإتيانُ من مثلها
…
بسورةٍ إلاّ ورا الاحتمالْ
تظهرُ من أحرُفِها هيبةٌ
…
تشخّصُ الضرغامَ وسطَ الِحال
فلو تحدَّي في البرايا بها
…
داست على هام النهى بالنعالْ
هذا هو الشعرُ الذي تعتلي
…
بمثل شأواهُ معالي المقالْ
في كل شطرٍ منهُ ثغرٌ غدا
…
يفترُّ عن نظمِ اللآلئ الغوالْ
وكلُّ بيت حلَّه يعربٌ
…
مطنَباً فوق الدراري العوالْ
فصاحةُ البدو على لفظهِ
…
تسيل كالماءِ النمير الزلالْ
أما مغازيهِ فكم سلسلتْ
…
بلاغةً فيها يهيمُ الخيالْ
سهلٌ على الأفهام لكنهُ
…
ممتنع أن يُنتحى بالنضالْ
فيهِ مع الرَّقةِ روحٌ وما ال
…
أرواح بالتقليدِ مما ينالْ
يُعجزُ من جاراه مهما ارتقى
…
فضلاً كمن حاولَ نيلَ المحالْ
وجاذب الحسنِ لعمري لهُ
…
معنىً يراهُ الذوقُ فوق الجمالْ
فيا أمير الشعر مهلاً فقد
…
سلبتَ والله شعورَ الرجالْ
كم لك من عذراءِ فكرٍ زهتْ
…
كالروض وافي الزهر ضافي الظلالْ
فتنتَ أهل الشام في حسنها
…
وفخرُ وادي النيل فيها استطالْ
رقَّت فكانت كنسيم الصبا
…
إذا تلوناها على الغصن مالْ
إيجازُها رحبُ المعاني على
…
زهوٍ كغمز اللحظِ من ذي الدلالْ
وجوهرُ الأطناب منها جلا
…
عقود أجياد بها النور قالْ
إذا العقول العشر أبصرتها
…
أصبحنَ من دهش بها في عقالْ
والملك الضلّيل لو رامها
…
مُعارضاً لم يجنِ إلاّ الضلالْ
خفَّت على السمعِ وكم ضَّمنت
…
معنىً بهِ استزرت رسوخ الجبالْ
لهُ على الألباب مع لطفهِ
…
كالراح سلطانٌ عظيمُ الجلالْ
يخالهُ الطبعُ على أنسهِ
…
ليثاً تبدَّي من كناسِ الغزالْ
لذا تراني مضمراً رهبةً
…
ورغبتي تدفعني للسؤالْ
أودُّ أن تجريَ ما بيننا
…
رسائلُ الشعر بملء السجالْ
وإن يكن ثمَّة فرقٌ فقد
…
تُشبَّهُ البيض ببيض الرآلْ
وقصديَ الفخرُ فما أدَّعي
…
أنيَ من فرسان هذا المجالْ
بل اجتلي نهجَ ابتداعٍ بهِ
…
ملائكُ الشعر عليكم عيالْ
انير فكري باحتكاك الضيا
…
ما يُظهرُ الافرندَ غيرُ الصقالْ
فإِن أجبتم فهو لطفٌ وما
…
للُّطفِ عن أهليهِ قطُّ انفصالْ
وما عليكم حطةٌ إنما
…
تواضعُ العالين عين الكمالْ
عبد الحميد الرافعي
رُسُل الثغور
وما شُربنا الدخان عيبٌ وإنما
…
قصدنا بهِ مَعنى قفوا وتأملوا
أدرّناهُ فيما بيننا فَلعلَّنا
…
إلى ثعرِ مَن نهوى بهِ نتوصلُ
نجيب زلزل