الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويوسف باشا سابا والشيخ محمد بخيت. وتوزَّعت أصواتٌ على كثيرين غيرهم وممن ذُكروا بين النوابغ جورج أفندي أبيض في فن التمثيل؛ وسمعان بك صيدناوي في التجارة؛ ونجيب بك هواويني في الخط؛ والشيخ سلامه حجازي وعبد الحي أفندي حلمي وإبراهيم أفندي القباني في الغناء والتلحين. وحسبو بك محمد في الصناعة. ولم ينسَ القراء سيداتنا الأديبات. فنالت السيدة لبيبة هاشم والسيدة ملَك ناصف باحثة في البادية والآنسة مي أصواتاً غير قليلة. وقد ذكر بعض الظرفاء على سبيل الفكاهة مَن يعدُّون نوابغ في نوعهم ، كحافظ نجيب المحتال الشهير ، والحاتي في شيّ اللحم الخ. . ومن هذه النتيجة يرى القراءُ مرآة للرأي العام في رجال مصر في هذا العصر. فنرجو أن يزداد عدد نوابغنا الأعلام في كل فنٍ وعلم وحرفة حتى يعيدوا للشرق مجده القديم وفخره الغابر.
أزهار وأشواك
كان سبب انقطاعي عن محادثة القرَّاء على غير إرادة مني. وها أنا اليوم عائد إليهم ببعض ما جنيت لهم. كانت الأزهار والأشواك كثيرة في هذه المدة ، ولا عجب فإننا كنا في فصل الربيع. على أن بقاءها شهرين متواليين في جعبتي قد أفقد الأزهار بهجتها ، وكسر من الأشواك حدّتها. فطرحتُ بكثير منها على الطريق.
غرق تيتانيك
هي الباخرة الكبرى التي أقلُّ ما يُقال في وصفها أنها كانت مدينة عائمة على
وجه المياه. تفاصيل غرقها - وقد عرفها القرّاء - مما تقشعرّ له الأبدان؛ وتصوُّر الفاجعة التي حدثت في وسط الأوقيانس ، بين الماء والسماء ، مما تنخلع له القلوب. لا أحاول إعادة ما رددتهُ الصحف عن عظمة تيتانيك وهول نكبتها؛ بل أنا ذاكرٌ للقراء بعض خواطر دوّنتها لهم: تيتانيك نسبة إلى التيتان ، وهم ، في خرافات الأقدمين ، طائفة من الجبابرة تمرّدوا على جوبيتر فصعقهم صعقاً. وكأن الإنسان الذي توصل بقوة ذكائه إلى تذليل القوى الطبيعية ، فسخّر لخدمته الماء والهواء وسائر العناصر ، قد غالى بفوزه ، فأحبَّت الطبيعية أن تنتقم لنفسها: جبل من الجليد انفصل عن البحّار المتجلدة وصدم تلك الباخرة فذهب بها وبمن عليها ، فيا لله من انتقام الطبيعية! وقد كان بين ضحايا هذه الفاجعة رجل من أبناء سوريا هو المرحوم إبراهيم المشعلاني. أخصُّهُ بالذكر لأنه كان يتولى إدارة الجريدة التي كانت تصدر في الباخرة يومياً ، وتتلقى أخبار العالم بالتلغراف اللاسلكي. غريبٌ في السوريّ هذا الميل إلى الصحافة أينما حل وحيثما وُجد. ولا أُغالي في قولي أنهُ إذا كان في العالم الثاني جرائد ومجلات سيكون كتابها في الجنة وفي الجحيم من أبناء سوريا
حافظ بك إبراهيم
هطلت في الأسبوع الماضي على موظفي الحكومة مزنُ الألقاب والرتب السنوية ، فأصابت الرتبة الثانية الشاعر الكبير حافظ إبراهيم ، وكيل الكتبخانة الخديوية. فأصبح حافظ عزتلو بك. ولا تسل عن فرح الشعراءِ وزمرة الأدباء ، فإنهم استبشروا بهذا الإنعام ، وباتوا يؤملون من ورائه خيراً وأيقنوا أن أدبهم سيرفعهم يوماً إلى أعلى المناصب والرتب ، بعدما كان عليهم مجلبةَ شقاءٍ ونصَب. لا اعتراض لي على هذا الأنعام الذي صادف محله
كما تقول الصحف عادةً. بل أني اثني مع المثنين على حكومتنا الخديوية التي أخذت تقدر الأدباء قدرهم. وسألبي الدعوة التي جاءتني من سليم سركيس وداود بركات إلى الاحتفال الذي سيقيمه في الكونتيننتال جمهورٌ من أدباء وادي النيل برئاسة شوقي بك إكراماً للشاعر إليك. غير أنني
لا أرى رأي الذين يرون أن أقدر حافظ قد زاد بتبييكه فلهو ، في حكمي وحكم التاريخ ، مجرَّداً عن كل لقب اسمي وأشهر منه محلَّي بأعظم الألقاب ، فإذا أنت قلت الشاعر حافظ إبراهيم عرفه كل الناطقين بالضاد ، وإذا قلت عزتلو الوجيه الفاضل حافظ بك إبراهيم قد لا يعرفه إلَاّ بوّاب منزله وفرّاش الكتبخانة. وقد قال لي أحد الظرفاء عن الأنعام بالرتبة الثانية على شاعرنا إن شعره رفعه إلى الرتبة الأولى ، ولمَّا توظف ، سكت ، فأنزله سكوته إلى رتبة الثانية
الرتب والألقاب
مهما أطنب الإنسان بمدح المساواة ، لا يزال في فطرته ميالاً إلى علاماتٍ تميّزه عن سائر أبناء جنسهِ ، مشغوفاً بألقابٍ ترفعهُ عن عامة الناس. لأن العامة تُكرم صاحب الرتبة ، وتنظر إلى حامل اللقب بغير العين التي تنظر بها إلى مَن كان خلواً منه ، حتى رأينا الأميركان أنفسهم ، وقد حظّرت عليهم قوانين بلادهم حمل ألقاب الشرف ، يسعون في تزويج بناتهم صاحبات الألوف والملايين بحملة الألقاب علّ العدوى تسير إليهم. . . على أن هذه الفئة من الناس قد تكاثر عديدها ، حتى أصبح الامتياز بعدم الحصول على لقب امتياز. يذكّرنا ذلك بكلمة تُروى عن ريشليو الكردينال الوزير على عهد لويس الثالث عشر ، فإنهُ لما كان يسعى إلى كسر شوكة الأشراف ، أخذ ينعم بألقاب الشرف على عامة الناس حتى يساويهم بغيرهم ، وقد قال مشيراً إلى ذلك: سأجود بالألقاب على معظم الرعية ، حتى يصبح من العار أن يحمل الإنسان لقباً ، كما يصبح من العار عليهِ أن يكون بلا لقب. وقد اتفق في الأيام الأخيرة أن كاتب إدارة الزهور أردف في عنوانٍ كتبهُ اسم أحد أعيان البلاد بلقب بك فورد على الإدارة كتابٌ من الوجيه المذكور يطلب فيهِ استبدال البكوية بالأفندية رجوعاً إلى الحقيقة. ولعمري أنها لمأثرة تُذكر في هذه الأيام حيث أصبح منتحلو البكوية والبشوية لا يحصرهم عدٌّ.
قليلٌ من السياسة
يعلم الله أني لا أحب السياسة ولا أنا منها ، وقرّائي أيضاً يعرفون ذلك. وإذا كان قلمي يخط عنها اليوم كلمةً فلعلاقة بينها وبين مشتركي الزهور: في بلاد السلطنة العثمانية حزبان سياسيان - الاتحاديون والائتلافيون - ولكليهما خطةٌ ورجال. وإذا كنتُ أنا - لجهلي بالسياسة - لا أرى بينهما إلاّ الفرق الذي يراه اللغويون بين اتّحد وائتلف فالظاهر أنه يوجد هناك في الواقع فرقٌ عظيم جداً ، بدليل تلك الحرب الطاحنة التي شبت نيرانها إبّان الانتخابات ، فدارت فيها الدائرة على حزب الائتلاف ، وكانت النتيجة إقفال صحفٍ كثيرة ومحاكمة أو نفي صحافيين عديدين. أما علاقة هذه الحوادث بهذه المجلة ، فهي أن للزهور في بلاد السلطنة مشتركين ، وهم لا يخرجون عن أن يكونوا من رجال أحد الحزبين ، لأنهم والحمد لله من قادة الأفكار وزعماء القوم. فرأيناهم ، بعد انجلاء المعمعة ، فريقاً منهم في مجلس النواب متربعين ، وفريقاً آخر في طي السجون معتقلين.
قضية قديمة
بين الإله الخلَاّق ، وجماعة العشاق ، قضية قديمة: خلق الله لهم من جهة كل حسن مليح ، وخلق لهم من جهة ثانية أعيناً تنظر وقلوباً تخفق. فحدث بين الفريقين نزاع - ويا له من نزاع ، على ما يقول فرسان هذا الميدان - كانت نتيجته دائماً أبداً شؤماً ووبالاً على الفريق الثاني غالباً كان أو مغلوباً. فأصبح لسان حاله ينشد:
ما بين معترك الأحداق والمهجِ
…
أنا القتيل بلا إثم ولا حرجِ
وقد تطوَّع الشعراء منذ القديم للدفاع في هذه القضية؛ كيف لا وهم من عبَّاد الجمال ، وحارقي البخور على مذابح الحُسْن. أنا لا أحاول التحيّز إلى أحد الخصمين. بل أحافظ على موقف الحياد. فقد عرفتهُ أربح لي وأنفع. ولكني سمعتُ في هذه القضية مرافعات لطيفة دونتها لقرَّائي لأنهم يحبون الشعر الجميل ، وناقِلُ الكفرِ ليس بكافر. . . من جبل لبنان جاءَنا هذان البيتان لأمين ناصر الدين:
جعلتَ يا ربِّ هذا الحسن واسطةً
…
نلقى بها الهمّ أشكالاً وألواناً
إن شئتَ فاخلق وجوه الغيد أجمعها
…
شنعاء أو فاخلقِ الشبَّان عميانا
وفي وادي النيل أنشدنا طانيوس عبده:
لا تظلمي دَنِفاً ذابت حشاشتهُ
…
فقد عطفتِ عليهِ قبلُ أحيانا
أو كان شأنكِ شأن الله متّعنا
…
بكلّ ما قد نهى عنهُ وجازانا
بليغٌ والله دفاع الشاعرين! وهو جديرٌ بأن يُضمُّ إلى دفاع من تقدمهما فقال:
إلهي ليسَ للعشَّاق ذنبُ
…
لأنك أنتَ تبلوا لعاشقينا
فتخلق كلَّ ذي وجه مليح
…
بهِ تسبي عقول الناظرينا
وتأمرنا بغضِّ الطرف عنهُ
…
كأنكَ ما خلقتَ لنا عيونا
وما دام المجال منفسحاً أمامي في هذا الجزء ، لا بأس عليَّ من إيراد أبيات وردت على إدارة الزهور من ناظمها محمود أفندي الناظر ، وهي لا تخرج كثيراً عن هذا الموضوع. قال موجّهاً السؤال إلى خليل مطران:
أتنجلي في النهار
…
محجوبة الأقمار
أم تلك سرب ظباءِ
…
كرهن سكنى القفارِ
جاءت تصولُ علينا
…
بأين كالشفارِ
بالقدّ كالغصنِ لدناً
…
والخدًّ كالجلّنارِ
قد كنتُ من قبل جلداً
…
واليومُ عزَّ اصطباري
إن دام واللهِ هذا
…
فسوف ألقى تباري
فيا خليل أجبني
…
كيما يقرّ قراري
وزار خليل إدارة الزهور فعرضت عليهِ الأبيات ، فكتب للحال تحتها:
محمود صبراً على ما
…
لقيتَ في الأقمار
وفي الظباءِ الجوافي
…
وهنَّ أنسُ الديار
لا يكمل الحبُّ ما لم
…
يَجُزْ مدى الاصطبارِ
فصبراً إذن أيها المحبُّون حتى يبلغ حُبكم حدَّ الكمال
حاصد