الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النساء الرجال
اطلعنا على الفصل التالي في إحدى المجلَاّت الفرنساوية فرأينا أن نترجمه لما فيه من بيان فضل المرأة الغربية ، وفوزها على الرجل في كثير من الأعمال الجلّي التي قلما يقدم عليها غير الشجاع الباسل. وهو مكتوب بقلم السيدة ريموند دلاروش الطيَّارة الفرنساوية التي أدهشت بطيرانها المتفرجين في حفلة عين شمس بمصر في شتاء سنة 1910. وقد أرادت بنشره أن تردَّ على جمهور من الكتَّاب قام ينتقدها على أثر سقوطها من الجوّ في حفلة الطيران في مدينة ريمس ويُعنّف من أجلها سائر النساء بدعوى أن المرأة لا تستطيع ما يستطيعه الرجل.
قالت الكاتبة:
تعجب بعضهم من إقدامي على الطيران ، وأدهشتهم جرأتي ومخاطرتي أحياناً كثيرة بدعوى أن الطيران خاص بالرجال لا يتعداهم إلى النساء. ثم انقلب تعجّبهم ودهشتهم إلى انتقاد وتأنيب يوم وقعت بي طيارتي في مدينة ريمس فأصبتُ ببعض الجراح والرضوض؛ ولو أسعدني الحظ فلم أقع لحوَّل أولئك الناس تعجبهم ودهشتهم إلى إعجاب بفضلي ، وإقرار بعلمي ، وكان مديحهم لي وثناؤهم على جراءَتي وخبرتي بدلاً من الانتقاد والتأنيب اللذين وجهوهما إليَّ! أو لم يقولوا علناً على أثر إصابتي تلك إنني حصدت ما زرعت ، ولقيت ما سعيت إليه؟؟ قلت مراراً عديدة من قبل ، وأنا أكرّر اليوم ما قلتهُ بالأمس أن الطيران ليس بأعظم خطراً من سواه بين أنواع الرياضيات البدنية والاختراعات المعدة لها. وإذا جازلي أن أتباهي بكوني أول امرأة لامست
الغيوم ، وصعدت إلى عالم النجوم فأشرقت من أعالي الفضاء على هذه الأرض ، وقسم لها شؤم حظها أن تقع مرة من شاهق فتصاب بالجراح والرضوض ، فإني لست المرأة الأولى التي قارعت الرجال في كثير من أنواع الرياضة ، وركبت من الأخطار كل مركب صعب ، فدلَّت على جلد ثابت ، وشجاعة فائقة. إن نساء كثيرات وأخص الانكليزيات والأسوجيات والدانماركيات بلغنَ حداً قاصياً في إتقان بعض الرياضيات كالجمنستيك ، وكرة القدم بجميع أنواعها ، والسباحة ، ولعب السيف ، وركوب السيارات والدرّاجات وهلمَّ جرّاً من أمثال هذه الفنون المروّضة التي اختصَّ بها الرجال دون النساء!
ولقد وددت لو تمكنت من ذكر جميع الشهيرات في العالم في مثل هذه الأعمال غير أني
سأقصر كلامي على بعضهنَّ مخافة أن يطول المجال. وسيرى القارئ من خلال حديثي هذا أن في وسع المرأة أن تسير إلى جانب الرجل وترفع رأسها تباهياً وكبراً.
جرَّب كثيرون أن يقطعوا خليج المانش سباحة فلم يُفلح منهم سوى القبطان وب في سنة 1875 على أنهُ كان بين أولئك المجرّبين امرأتان اشتهرتا بإِقدامهما ، حداهما البارونة فالبوكادساسكو والثانية الآنسة كلارمن. أما الأولى وهي نمسوية اشتهرت بالسباحة في نهر الدانوب الطونة
ومصادمة التيار فيهِ ، فإنها نزلت البحر في كاله في الساعة السابعة من صباح اليوم الخامس من سبتمبر أيلول سنة 1900 فعاكسها التيار وتقاذفتا الأمواج واللجج نحواً من ست ساعات متوالية حتى خارت قواها فأقرَّت بفشلها بادئ ذي بدسِ حتى إذا أراد المركب الذي كان يرافقها أن ينقلها إليهِ أبت عليها كبرياؤها الإقرار بالعجز فعادت تعارك الأمواج وتغالب اللجج حتى كانت الساعة الخامسة مساءً فتلاشت قواها تماماً ولم يعد في وسعها الثبات فأعلنت عجزها بعد مكافحة عشر ساعات. وكانت المسافة التي قطعتها ثلاثين كيلومتراً. وأما الثانية فنزلت إلى البحر من دوفر في صباح اليوم السادس والعشرين من أغسطس سنة 1905 فسبحت ست ساعات متوالية وكاد يسعدها الحظ ببلوغ أمنيتها لولا أن عاكستها الريح بعد ذلك وغالبها التيار فلم تتمكن من قطع ما كان قد بقي أمامها من المسافة إلى البرّ الفرنساوي. ومما يؤثر عن هذه المرأة قطعت سباحة مسافة 37 كيلومتراً في ثلاث ساعات وإحدى عشرة دقيقة. وبين النساء السبَّاحات كثيرات اشتهرنَ بجلدهنَّ وقوتهنَّ ولإقدامهنَّ على منازعة الرجال الجوائز في السباقات المتنوعة ، وأشهرهنَّ الأختان الشقيقتان مارث وسيسل روبرت السويسريتان ، والآنسة مارفنت الفرنساوية ، والآنسة فردندوفر النمساوية ، والآنسة جونسون الانكليزية. وقد طالما وضعت أندية الألعاب المروّضة في الدانمارك جوائز كبيرة
للسابقين في السباحة فنال كثيرات من النساء عدداً منها بعد أن زاحمنَ أشهر السباحين في سبيلها فتغلبنَ عليهم ، وعرف الجميع مقدرتهنَّ وسبقهنَّ في هذه الرياضة الخطرة المتعبة فأقرّوا لهنَّ بالفضل. ومن الأعمال التي اختص بها الجنس القويّ دون الجنس الضعيف التصعيد في الجبال العالية المغطاة قممها بالثلوج ، والمحفوفة سبُلها بالأخطار والمكاره كجبال الألب في أواسط أوروبا. كل من زار سويسرا في الصيف عرف أن كثيرين من الأجانب عنها إنما يؤمونها بغية التصعيد في جبالها
فيسير الواحد منهم متوكئاً على عصا طويلة صلبة يغرزها قدامه في الثلج ويتنقل وراءها بحذر وانتباه شديدين مرتقياً قمة فقمة ، وهو لا يأمن أن تزلّ بهِ القدم فيهوي من شاهق إلى أسفل حيث لا ينجو من الهلاك إلا بأعجوبة بالغة. وكثيراً ما تتدحرج عليهِ القطع العظيمة من الثلوج فيموت شرّ ميتة. فلهذا كله كان التصعيد في تلك الجبال عملاً طلباً للشهرة. على أن كثيرات من النساء قد صعّدنَ في جبال الألب وفزنَ بالغاية القصوى منها. فإن مسز سايرس الانكليزية فازت مرتين أيضاً وكان زوجها رفيقها فيهما. وفازت مدام رهاتش مرة برفقة زوجها أيضاً ، ومدام فون شزايو مرتين أيضاً وكان رفيقها فيهما مسيو أولر. فكان فوز أولئك النساء مدعاة لإعجاب الناس وإكبارهم هذه الأعمال الشاقة تأتيها المرأة المنسوب
جنسها إلى الضعف والوهن. واشتهر عن الرجل دون المرأة أيضاً إطلاق المسدسات ، وإتقان الإصابة بها. غير أن بعض النساء اللواتي جرّبنَ هذا العمل برعنَ فيه براعة أقرّ بفضلها الرجال أنفسهم. فإن سارة برنار الممثلة المشهورة معروفة بأنها قلما صوَّبت فأخطأت. ومثل سارة برنار الآنسة لويزابايما فإن شهرتها في ذلك لا تقلّ عن شهرة زميلتها الممثلة الطائرة الصيت. ومما يؤثر عن براعة النساء في الإصابة بالرصاص أن الماركيزة دي نسل غارت من الكونتس بولينياك وكلتاهما كانت تحب الدوق ريشيليو ، فتبارزتا واختارتا الرصاص دون السيف وقد كانتا مشهورتين بإتقان الرمي ولا تخطئان المرمى إلا نادراً. فلما تقابلتا في ساحة البراز أطلقت المركيزة رصاصها أولاً فأخطأت مرماها عمداً غير أن الكونتس اكتفت يومئذ بأن تقطع برصاصها إذن ضرّتها عقاباً لها. وممن اشتهر بهذا الفن البرنسيس تشيكا الرومانية فإنها كسرت 15 لعبة بخمس عشرة رصاصة بعد التصويب بل تبعاً لإشارة المشاهدين. أما المبارزة بالسيف فقد اشتهرت بها نساء كثيرات أيضاً لأن في هذه المبارزة مجالاً للمرأة لأن تستخدم نظراتها الحدة الصائبة ، ورشاقة قدها ، ولين أعضائها ، وخباثتها الفطرية. وإن في تاريخ انكلترا شاهداً بليغاً يصحُّ أن يتخذ دليلا على براعة النساء بالمبارزة. فقد حدث في اليوم التاسع من ابريل سنة 1787 إن الشفاليه سان جورج وهو أعظم
من اشتهر بضرب السيف وإتقان المبارزة بهِ بارز السيدة ديون الانكليزية في منزل لورد بروكهام بحضرة ولي عهد انكلترا يومئذٍ وعدد غفير من لوردة الانكليز ، وكبار رجالهم. فأسفرت المبارزة عن إصابة السيدة ديون للشفاليه
سان جورج سبع مرات متوالية بدون أن تمكنهُ من إصابتها مرة واحدة. أما اليوم فإن انكلترا وفرنسا تتباهيان بوجود نساء عارفات بهذا الفن كمسز سندرسون ومدام فيني في لندن ، ومدام اميل مارينياك ، والآنسة كاميل ليففر في باريس. وانتقلت مدام دلاروش من هذا الحديث في مقالها إلى ذكر الشهيرات في ركوب الدرَّاجات والسيَّارات ، فسمَّت النساء الشهيرات فيهما وذكرت عدداً من اللواتي ربحنَ الجوائز وفزنَ بها على الرجال وذلك في حديث يطول ، حتى انتهى بها البحث إلى الطيران فقالت أنها أول امرأة طارت. ولكنها ليست بالطيَّارة الوحيدة الموجودة اليوم بين جماعة الطيَّارين. ثم قالت أنها ذكرت يسيراً من كثير عن شجاعة المرأة وإقدامها وتفوّقها في هذه الأعمال بالرجال دون النساء. ونقول - ونحن قد اختصرنا أقوالها كثيراً أيضاً وصرفنا النظر عن أعمال وألعاب جلَّي فلم نذكرها - هل يصح بعد ذلك أن يقال الجنس القوي والجنس الضعيف على تعميم وإطلاق هاتين الصفتين؟؟