الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في جنائن الغرب
الحرب
عن الفيلسوف جوزيف دي مستر
نرى في ميدان الطبيعة قوةً غريبة كأنها غضبٌ محتوم يُسلط جميع المخلوقات على بعضها بعض ، حتى حكم الموت مكتوباً على حدود الحياة كلها. فإذا أغفلنا الجماد رأيناه يبتدئ بالنبات ، ويتناول أصغر عشبة تنبت إلى أكبر شجرةً تنمو. كم غصن ذوى وكم زهرة ذبلت. . . . غير أنه يتجلى هذا الحكم في الحيوان في أفظع حقائقه كأنَّ هناك دافعاً خفيّاً ظهرت نتيجته مشيرة إلى أصل الحياة بوسائط قاسية. فهي كل طائفة من طوائف الحيوان عددٌ يفترس قويّها ضعيفها. ففي بين حشرات تقتنص ، وزخَّافات تبتلع ، وطيور جارحة ، وذوات أربع كاسرة ، بحيث لا تمرّ برهةٌ إلَاّ قتَل حيوانٌ حيواناً.
فالحيوان أرقى من النبات ، والإنسان أرقى الحيوان. وهو لا يغفل واحدة منها. لأنه يقتل ليأكل ، ويقتل ليلبس ، ويقتل ليتزّين ، ويقتل مهاجماً ، ويقتل مدافعاً ، ويقتل متعلماً ، ويقتل لاعباً ، ويقتل قاتلاً. . . . ملكٌ عظيم غاشم لا شيء يسدّ عوزه ، ولا شيء يقف أمامه. تراه قد أحصى مقدار الزيت الذي يستخرج من رأس الحوت ، ثم تراه قد شكّ بإبرته هذه الفراشة الجميلة الذي اقتنصها بإصبعه وهي طائرة ، يحنّط التمساح ويسجن الطير ، ويحزن الحية ذات الأجراس في ماءٍ يحفظها لأعين المفرّجين ، وإذا ركب جواده ليصيد النمر كان سرج جواده من جلد ذلك النمر؛ يأخذ أمعاءَ الخرفان ليشدّها أوتاراً على قيثارة طربه؛ وينتزع أضالع الحوت فيصنع منها مشداً لخصر الفتاة العذراء. ويستعمل عظام الذئب آلاتٍ تتقاضاها صناعاته ، ويجعل نيوب الفيل ألعوبةً لولده الصغير. أن مكاتبه لحافلة بأشلاء قتلاه. غير أن الفيلسوف الذي يتتبع هذه الحوادث لابد له من التطلع إلى حيث تنتهي في هذا الكون العظيم. إذ لم يبقَ فوق الحيوان إلَاّ الإنسان وليس غير الإنسان من ينفّذ هذا الناموس عليهِ. نعم إن الإنسان موكَّل بقتل الإنسان ، ولكن كيف يتم ذلك وهو مخلوق ملؤه الحب والشفقة ، يبكي مصائب قريبه كما يبكي مصائبه ، ويخترع خرافاتٍ لنفسهِ لكي يبكي. . . كيف يتم ذلك وقد قيل له أنهُ يُسأل عن آخر قطرة من الدم المهزوق ظلماً الحرب كافلة هذا الحكم الرهيب. ألا تسمعون الأرض تهدر ظامئةً طالبةً شرب الدماء؟. .
لا تشفي أوارها دماء الحيوان ولا دماء
المجرمين الذين ماتوا بسيف الأحكام. ولو أن عدل البشر قضى على الكل لما بقي مجالٌ للحرب ولكنها لا تطول إلَاّ عدداً نزراً لعلّها تهمله في أكثر الأحايين وهي لا تدري أن إنسانيتها الفظيعة تدعو إلى لزومية الحرب. الأرض لا تصرخ عبثاً. هذه الحرب قد أنقذت نارها وتطاير شرارها فإذا بالإنسان قد تناوله غضبٌ إلهي بعيدٌ عن الحقد والغضب البشري فمشى إلى ساحة القتال لا يدري ماذا يفعل ولا ماذا يريد. وهنا اللغزُ المعقَّد. إذ أن الذي يفعله الآن مباين لطبيعته ولكنهُ يفعله مستلذاً مطيعاً. ألا ترون أن الإنسان في ساحة الوغى لا يعصى لكبيره أمراً. هل حدَّثنا التاريخ أن جنوداً شقوا على قائدهم عصا الطاعة ولو كان ذلك القائد من أكبر شرَّاب الدماء والقوم الظالمين. لا شيء يقف في سبيل تلك القوة التي تدفع الإنسان إلى الحرب فيصبح قائلاً وهو بريء لأنهُ آلة تسيّرُها يدٌ رهيبة فيقع في المهواة التي احتفرها لنفسه قائلاً مقتولا وهو لا يشكّ أنه هو الذي صنع الموت. . . وهكذا تنفذ تلك الشريعة الهائلة في الحشرات وفي الإنسان وتبقى الأرض هيكلاً عظيماً لا تفتر إراقة الدماء على مذبحهِ بلا رحمة ولا شفقة منذ البدء إلى انقضاء العالم وموت الموت. . .
خليل شيبوب
المغفرة دليلُ عدم الاهتمام والاكتراث. إذا وُجد الحب الحقيقي يجب أن لا توجد المغفرة.
كارمن سيلفا