الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والناس أولاد علاّتٍ فمن علموا
…
أن قد أقلَّ فمهجورٌ ومحقورُ
وهم بنو الأم لما أن رأوا نشباً
…
فذاك بالغيب محفوظٌ ومنصورُ
والخير والشرّ مقرونان في قرَنِ
…
فالخير متّبعٌ بالغيب والشرّ محذورُ
فلما قدم على كسرى أخبره بقول سطيح فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً تكون أمور. فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى زمن عثمان. وكان من أمر انقلاب دولتهم ما كان
اسكندر عمون
نابوليون الأول وحرب روسيا
وضع الكونت لأون تولستوي ، الكاتب الروسي المشهور ، كتاباً تحت عنوان نابوليون وحرب روسيا وصف فيهِ فظائع تللك الحرب الهائلة بأسلوبٍ انتقادي خطَّأَ فيهِ مزاعم معظم المؤرخين الفرنسيس والروس الذين أسهبوا في الكلام على تلك الحرب ، وسفَّه آراءَهم من مثل إيجاد مؤرخي الفرنسيس أعذاراً لعاهلهم تنصّلهُ من تبعة تلك الحملة التي هلكت فيها مئات الألوف من البشر ، وانتفقت في سبيلها القناطير المقنطرة من المال ، ومثل ادعاء مؤرخي الروس أن قيصرهم وقادة جيوشهِ تمكنوا بدهائهم من إلقاء الفرنسيس في تلك الورطة التي فغرت فاها وابتلعتهم. ولما كان تولستوي ينظر إلى نابليون بغير المقلة التي ينظر بها إليهِ السواد الأعظم من بني الطينة ، أحببنا أن ننقل لقراء الزهور الكرام الفصل الأخير من الكتاب المذكور وننشره لهم على علاتهِ ، فاسحين على صفحات هذه المجلة مجالاً لأقلامهم
لعلهم يتحفوننا بما يعنُّ لهم من الملاحظات في الموضوع الذي نحن في صدد الكلام عنهُ قال تولستوي:
نابوليون واسكندر الأول
إذا جارينا المؤرخين في أن الرجال العظام يسيرون بالإنسانية إلى غايات معلومة ، وأن الموازنة الأوروباوية ، وانتشار الأفكار الثورية ، وعمران البلدان وغير ذلك من الأغراض تتعلق بعظة الدولتين الروسية والفرنساوية ، تعذَّر علينا والحالة هذه أن نفسِّر معاني الحوادث التاريخية دون أن نجعل للصدفة والدهاء شأناً فيها
ولو كانت الغاية من الحروب الأوروباوية التي شبت نيرانها في مفتتح هذا القرن (التاسع عشر) إعلاء شأن الدولة الروسية لكان من الممكن إدراك تلك الغاية بغير الحروب التي سبقتها وبغير تلك الغزوة
ولو كانت عظمة فرنسا هي الضالة المنشودة لكان من المستطاع أصابتها بغير الثورة والإمبراطورية
ولو كان الغرض الذي يرمون إليهِ نشر الأفكار الثورية لكانت الكتب أسهل منالا له من الجنود
ولو كان رفع منار العمران هو الحاجة التي يطلبونها ، لسهل عليهم قضاؤها بذرائع أنجع
من إهلاك عباد الله ونهب أشيائهم
ولماذا جرت الحوادث في هذا المجرى ، ولم تجرِ في غيره؟
إن التاريخ يجيب أن الصدفة أوجدت الحالة ، فاستفاد منها الدهاء ولكن ما هي الصدفة وما هو معنى لفظة دهادء؟
إن كلمت صدفة ودهاء لا تعبّران عن شيء موجودٍ في الحقيقة. وهذا هو السبب الذي يجعل تحديدهما متعذّراً فهما لا تدلَاّ على طريقة واحدة يستعان بها على إدراك حقائق الأمور. إني أجهل مثلاً سبب هذا الحادث ، ويجري في وهمي أني أعجز عن فهمهِ ، ومن جراء ذلك لا أعالج الوقوف على كنههِ ، فأقول أن الصدفة هي التي أوجدتهُ إني أرى قوةً تنتج عملاً لا ينطبق على صفات البشر المألوفة ، وحين تصعب عليَّ معرفة سبب تلك القوة ، أقول إن هذا ضرب من ضروب الدهاء إن الخروف الذي يضعهُ الراعي كل مساءٍ في حظيرة خصوصية ، ويقدم له طعاماً زائداً ، يفوق من جراء ذلك رفاقهُ في السمن ، ويبين لأولئك الرفاق أنَّ في أمرهِ شيئاً من الدهاء ، على أن الحقيقة هي أن ذلك الخروف ، بدلاً له فيها العلف. وحين يسمن ذلك الخروف ، ينحر ويباع للجزار ، فيؤثر ذلك الأمر في باقي الغنم ، ويبين لها أنهُ نتيجة من نتائج الدهاء المقرون بسلسلة من سلاسل الصدف الغريبة ولو لم تعد الغنم تعتقد أن كل ما يجري يرمي بهِ إلى غايات تتعلق بها دون سواها ، ولو زعمت الحوادث الطارئة تجري إلى غايات تجهل حقيقتها ، لتجلت لها للحال وحدهٌ في العمل ، وتعاقب منطقي في كل ما يطرأ على الخروف الذي يُسمّن إن الغنم وإن لم تكن تدرك الغاية من تسمينهِ ، تدرك أنهُ لم يحدث
شيء من الذي حدث للخروف من باب البداهة، ولا تحتاج إلى تفسير معناه إلى الالتجاء إلى الصدفة أو إلى الدهاء. أنّا لا نكتشف في حياة الأشخاص المذكورين في التاريخ تعاقبا منطيقيا للحوادث التي تقتضيها الضرورة إلا حين نعرض عن معرفة غاية الأشياء الأخيرة باعترافنا إن فهمنا يقصر عن الوصول إليها. فحينئذ يتجلى لنا سبب التفاوت بين أعمالهم ومقدرة الأشخاص العاديين ولا نعود محتاجين البتة إلى الأعتقاد بكلمتي صدفة ودهاء. وبناء عليه نقول انه يكفينا أن نعتقد أنا نجهل الغرض من حركات الشعب الأوروباوي وأنا لا نعلم إلا الحوادث الناشئة عن المجاوز التي جرت في فرنسا وبروسيا والنمسا وروسيا وأن الداعي لتلك الحوادث هو زحف الشعوب الغربية على الشعوب الشرقية وبالعكس أي زحف الشعوب الشرقية على الشعوب الغربية. وحسبنا الأعتقاد بهذه الأمور حتى لا نعود ند شيئا من الدهاء والشذوذ في صفات نابليون وإسكندر الأول ولا نعود نعتبر ذينك العاهلين إلاّ رجلين مثل سائر الجال ولا نعود فقط محتاجين إلى أن نفسر بالصدفة معنى الحوادث الصغيرة التي صيرت ذينك الرجلين في الحالة التي كانا عليها بل يتضح لنا بجلاء أن تلك الحوادث الصغيرة لم يكن بد منها.
وحين نهمل أمر المسير إلى الغاية النهائية ندري أنه كما يتعذر وجود أزهار وبذور لنبات من النباتات غير الأزهار والبذور التي له، يتعذر وجود شخصين من الأشخاص الذين ينوه عنهم التاريخ يستطيعان على مثال الأسكندر الأول ونابليون من مفتتح حياتهما إلى مختتمها أن ينهضا كل
النهوض بأعباء المهمة الملقاة إليهما إن السبب الأصلي للحوادث الأوروباوية في فاتحة هذا العصر منشأة الحركات الحربية التي أجرتها في بدء الأمر الشعوب المحتشدة للزحف من الغرب على الشرق وفيما بعد من الشرق على الغرب كان بدء هذه الحركة في الغرب وكانت الأمور الآتية تدعو الشعوب الغربية إلى الإغارة على الديار الروسية والتوغل فيها حتى موسكو:
1ً - إن تلك الشعوب كانت متكاتفةً تكاتفاً حربياًّ يمكنها من تلقّي صدمة مجموع الشعوب الحربية الشرقية
2ً - إنها نبذت كل تقاليدها وعاداتها
3ً - إنها كانت تأتمر لإجراء تلك الحركة الحربية بأمر رجلٍ تمكن من تزكية نفسهِ ساحتها باستعاذتهِ بالكذب والنهب والقتل لإدراك غايتهِ. إن الثورة الأصلية الصغيرة المنتمية إلى الثورة الفرنساوية الكبرى تبددت من جراء صغرها. وتغيرت التقاليد والعادات فتألفت شيئاً فشيئاً جماعة جديدة ونشأت معها تقاليد وعادات جديدة وفي ذلك الوسط نهض للاضطلاع بمهمتهِ الرجل ساقتهُ الأقدار يوماً من الأيام إلى ترأُس الحركة وحمل أعباء مسئولية الحوادث التي توالت. إن ذلك الرجل الذي لم تكن لهُ مبادئ ولا عادات ولا تقاليد ولا اسم والذي لم يكن فرنساوياً هادنتهُ الأحداث مهادنةً غريبة وعرَضية فنال ما وصلت إليهِ يدهُ في أول الأمر وتدخل مع جميع الأحزاب التي كانت تلقي الشقاق في فرنسا دون أن يعتصم بحبل واحدٍ منها وكان من أمرهِ أنهم رفعوهُ إلى أعلى درجة
إن جهل المحيطين بهِ وضعف خصومهِ وعدم الاعتداد بهم وإخلاصه في الكذب وضيق دائرة عقلهِ الذي تكتنفهُ الدعوى دفعت ذلك الرجل إلى تولي زعامة الجيش إن حسن لانتظام في جيش الحملة الإيطالية وما أبداهُ العدو من الرغبة عن القتال وثقة ذلك الرجل بنفسه وجرأته الوهمية كانت مرقاة إلى مجدهِ العسكري. وقد رافقتهُ في كل شيء صدف سعيدة على زعم البعض وكان أولياء الأمور في فرنسا ينظرون إليهِ شزراً إلَاّ أن تلك المعاملة كانت مساعدةً لهُ على نيل رغائبه إن المساعي التي بذلها لتغير الخطة التي توخي إنتاجها أحبط الواحد منها بعد الآخر ، فالدولة الروسية أبت أن تدخلهُ في خدمتها والدولة العثمانية نبذت ما كان يعرضه عليها من الخدمة وفي حرب إيطاليا كان غير مرةٍ الخطر أدنى إليهِ من قاب قوسين بيد أن أحوالاً غير منتظرة كانت تخرجه من تلك الورطة الوبيلة إن الجنود الروسية التي كانت قادرة على تقويض أركان مجدهِ بجميع أنواع التدابير السياسية لم تطأ أوربا بأقدامها مدة بقائه فيها ولدن رجوعه من إيطاليا وجد الحكومة الفرنساوية في حالة من الانحلال تقضي على الأشخاص المتآلفة منهم بأن يتواروا أو يهلكوا. فكأنَّ الخروج من تلك الحالة المصحوبة بالخطر على نابليون قد عرض من غير سعيٍ ولا تمهيد وكان ذلك الأمر عبارة عن حملتهِ إلى أفريقيا وهي حملة لا محل لها من الإعراب تدلُّ على الحماقة
وعادت الصدفة إلى خدمته بنوع عجيب فإن مالطة المعتبرة منيعةً جدًّا استسلمت إليهِ بغير حربٍ وإن عزائم نابليون التي تخلو من التغرير بالنفس كللها النجاح وترك أسطول العدو أي أسطول
الانكليز جيشاً برمتهِ يمرُّ في عرض البحر على أنهُ بعد قليل من الحين لم يعد يأذن لمركب وإن زورقاً أن يمرّ على متن اللجة وفي أفريقيا ساق كثيراً من الفظائع إلى قوم عزَّل على التقريب وكان الرجال الذين أتوا تلك المنكرات وخصوصاً زعيمهم يزعمون أن ما أجروهُ عظيم وجميل وأنهم يجنون من أدواحهِ ثمار المجد وأن مآثرهم الخطيرة تحكي مآثر قيصر والاسكندر المقدوني وأن تصورته الوهمية بالمجد والسؤدد التي لم يكن من شأنها فقط الأحجام عن اقتراف الجرائم بل الافتخار بها والنسبة إليها معنى يفوق الطبيعة والتي ستكون هادياً لهذا الرجل ولجميع مريديهِ وأشياعهِ أطلقت حريتها للاستعداد في أفريقيا وأفضى كل ما عالجه إلى الفوز فأن الطاعون تجاوزهُ ولم يُعتبر قتلهُ الأسرى جناية تلصق به وإن انطلاقه ُالمعجل الوهمي الخالي من السبب والدالّ على النذالة لتركهِ وراءَهُ رفاقهُ في حال الضيق عدَّهُ لهُ بعضهم فضيلةً وقد مكَّنهُ الأسطول الانكليزي مرة ثانية من النجاة فحينئذ انبهر من تلك الجرائم التي فتحت في وجهه باب السعادة
وانتهى إلى باريس دون أن يكون له غاية مقررة. فالحكومة الجمهورية التي كانت منذ سنة من الزمان تقدر أن تهلكهُ كانت في حالة من الانحلال أوصلتها إلى شفير الدمار وكان حضور ذلك الرجل الذي لم يكن ينتمي لحزب من الأحزاب مدرجة لارتقائهِ إلى مكانة عالية. ولم يكن قد رسم له أدنى خطة بل كان يخاف كل شيء إلَاّ أن الأحزاب اعتقدت أن فيهِ نجاتها ولذلك التمست مساعدتهُ فهو وحده بما كان يجول في خاطره من أوهام المجد والعظمة وما كان يساورهُ من تلك الأحلام في ايطاليا وفي مصر وما كان فيهِ من الإعجاب بنفسهِ والجرأة على ارتكاب الجرائم والإخلاص في الكذب يستطيع أن يحقق تلك الحوادث الموشكة أن تتمّ وكان هو الشخص اللازم للحلول في المركز الذي كان يتوقعهُ وقد اشترك بغير إرادتهِ ومع فقدان الخطة الواجب الجري عليها ومع ما كان هو عليهِ من التردد ومع كان يأتيه من الهفوات في تدبير مكيدة يراد بها القبض على أزمة السلطة فكان الفوز موالياً لهُ فدفعوهُ إلى وسط جلسة كان الدير كتوار قد عقدها فذُعر وصمم على الهرب لتوهمهِ أنهُ قد هوى إلى وهدة العطب فأدَّعى انحراف الصحة وفاه بكلمات خالية من المعنى كادت تكون القاضية عليهِ ولكن الأشخاص الذين كانت حينئذ حكومة فرنسا مؤلفة منهم وكانوا قبل ذلك الحين كبار النفوس وأرجحي الحصاة شعروا في تلك الساعة بأن دورهم قد انقضى وكانوا أشد
اضطراباُ من نابليون نفسهِ ففاهوا
بخلاف ما كان يجب عليهم التفوه به للمحافظة على السلطة وخذل المختلس إن الصدفة أو بالحري ملايين من الصدف ساقت إليهِ السلطة وأن جميع الناس قد اتفقوا على تثبيت تلك السلطة كأنهم قد تداولوا في ذلك الأمر. إن الصدفة أوجدت ضعف أخلاق أعضاء الدير كتوار الذي حملهم على الخضوع لنابليون إن الصدفة منحت بولس الأول تلك الأخلاق وجعلتهُ يعترف بسلطة نابوليون إن الصدفة كادت لهُ تلك المكيدة التي ثبتت صرح سلطتهِ بدلاً من أن تنقض دعائمها إن الصدفة أسلمته البرنس دنفين ومكنتهُ من الفتك بهِ بنوع لم يكن منتظراً وقد برهن هذا العمل أكثر من سواهُ للملإِ طرَّا أن لنابوليون الحق بإجرائهِ لأن القوة بجانبهِ إن الصدفة جعلتهُ يستنفد الميسور لتأليف حملة على انكلترا وهو مشروع يؤول إلى هلكتهِ ويتعذر وضعهُ موضع الإجراء بيد أنهُ وقع على غير انتظار على ماك والجيش النمساوي الذي استسلم من غير ما حرب ولا قتال إن الصدفة والدهاء جعلاهُ ينتصر في أوسترليتز وقد اعترفت بالصدفة جميع الأمم وأوربا بأسرها ما عدا انكلترا التي لم تشترك في الحوادث الموشكة أن تجري مع ما كانت جرائم نابوليون تثيرهُ في أفئدتها من النفور والفظاعة بسلطتهِ واللقب الذي انتحلهُ لنفسهِ وأوهام المجد والعظمة
التي كان جميع الناس يجدونها جميلة ومعقولة وكانت قوات الغرب التي كان يبين أنها تتهيأ لإجراء حركة في المستقبل تعظم وتتثبت أركانها بعد أن كانت قد رمت بأنظارها غير مرة إلى الشرق في السنوات 1805 و1806 و1807 و1809 وسنة 1811 اتحدت العصابة التي تألفت في فرنسا مع شعوب الوسط وأنشأت مجموعاً هائلاً وكان مع تعظم ذلك المجموع يتعاظم تبرئة ذلك المترأس عليهِ من تبعة المسئولية وكان أن ذلك الرجل في خلال السنوات الست التي جرى فيها الاستعداد للحركة العظيمة تولى العلاقات مع جميع عهال أوربا وملوكها وأمرائها. وإن الاقيال الذين فقدوا تيجانهم لم تكن أوهامهم المعقولة مما تقاوم بهِ الأوهام غير المعقولة التي ابتدعها نابوليون لنيل العظمة والمجد. وقد بادر الواحد منهم بعد الآخر ليبينوا لهُ أنهم ممن لا يُعتدُّ بهم وأرسل ملك بروسيا زوجتهُ الملكة إلى ذلك الرجل العظيم طمعاً بنيل الحظوة لديهِ واعتبر عاهل النمسا إن ذلك الرجل يوليه نعمةً كبرى باقترانهِ بابنتهِ وجعل البابا حارس القداسة في البشر الدين قاعدةً لتمثال مجد ذلك الرجل العظيم
الياس طنوس الحوّيك