الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شؤون لبنانية
اتجهت الأنظار في الآونة الحاضرة إلى جبل لبنان انتهاء مدة حاكمهِ العام واجتماع السفراء بالباب العالي في الاستانة لتقرير التعديل المرغوب في إدخاله على النظام الأساسي. ولما كانت مثل هذه الشؤون السياسية لا تدخل في دائرة أبحاث الزهور لم نشأ أن نتعرض لها من هذه الوجهة بل اكتفينا بإيراد كلمة من الوجهة الاجتماعية التاريخية سنردفها ببحثٍ واف في وقت قريب. كان الأمراء في لبنان أصحاب السلطة المطلقة شأن معظم حكام ذلك الزمان. فكانت البلاد تسعد أو تشقى لمجرد استعداد أميرها ورغبته في إسعادها أو ظلمها. وقد تولى الحكم في لبنان أمراء كثيرون أشهرهم الأمير فخر الدين المعني والأمير بشير الشهابي والأمير حيدر اللمعي. ثم كان أن أخذت الرعية تفهم حقوقها وتدرك أن الحاكم إنما هو منها وبها ، فشرعت تعمل على تقييد سلطته. وأخذ أفرادها يجدّون ويجتهدون ، فأثروا علماً ومالاً واكتسبوا نفوذاً بعيداً ، فحدثت في البلاد حركات سياسية واجتماعية أفضت منذ نصف قرن إلى تغيير الهيأة الحاكمة ونزع السلطة من الأمراء والزعماء وتأليف الحكومة اللبنانية على شكلها الحاضر. وكانت قاعدتها الأساسية المساواة بين أفراد الرعية بإلغاء امتيازات الأسَر وأصحاب المقاطعات. فكان لهذا الانقلاب أكبر تأثير في ذوي المقامات وهم لم يتعوّدوا إلا توّلي الأحكام فتضعضعت أحوالهم وساء مصيرهم ، وهذه
سنّة الاجتماع في سيره. على أن فريقاً منهم لم يستسلموا إلى هذا الانقلاب بل شمروا عن ساعد الجدّ لينالوا بالاجتهاد ما لم يكن بقي في الإمكان نيله بفضل الآباء والأجداد. ولنعم ما فعلوا. ومن هؤلاء العظاميين العصاميين الأمير يوسف أبي اللمع. وقد جاءنا بمناسبة وفاته في الشهر الماضي مقالة ضافية من أحد كبراء كتّاب لبنان ضمّنها كاتبها نظرة في تاريخ لبنان الاجتماعي منذ عهد إبراهيم باشا المصري ونبذة من ترجمة حياة الأمير المتوفي ضاق نطاق هذا الجزء عن استيعاب هذه وتلك ، فاكتفينا بما تقدم مرجئين الإفاضة في البحث التاريخي إلى فرصة أخرى. أما الأمير المتوفي فهو ابن الأمير إسماعيل
ابن الأمير حسن سليل أمراء قيدبيه. وأمه السيدة أسماءُ وحيدة الأمير حيدر اللمعيّ الشهير ، وللأسرة اللمعية شأن كبير في تاريخ لبنان. ولد رحمه الله في بيت شباب سنة 1848. وبعد أن أحرز نصيباً وافراً من العلوم واللغات دخل في سلك الحكومة وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره ، فعيّن وكيلاً لقأعقامية المتن على عهد الأمير بشير عساف وأخذ بعد ذلك يتقلب في
وظائف الإدارة مدة ثلاثين سنة فأسندت إليهِ قأعقاميات مختلفة ترك فيها آثاراً طيبة تشهد له برغبة حقيقة في نفع بلاده وتحسين شؤونها الاقتصادية. وهذه ميزة حياته الكبرى ، فإن له فضلاً يذكر في تمهيد سبل المواصلات ، وأنشأ المجالس البلدية ، وإحياء التجارة والصناعة والزراعة ولاسيما زراعة التبغ التي اعتنى بها مدة خمس عشرة سنة حتى أحيا مواتها وأعاد إلى البلاد ما كانت تجني قديماً من المنافع من هذا الصنف. فأصبح اليوم الألوف من اللبنانيين يستدرّون الأرباح الطائلة من زراعة التبغ والمتاجرة بهِ. وقد عرفت الحكومة له فضله فكافأته بالأوسمة والرتب العالية. وكان رضي الأخلاق سليم الطوية ناهض الهمة ، أحب وطنه حبّّا جمّاً وخدمهُ خدمة صادقة. وبالإجمال فإنه عرف أن يحفظ بسعيه مقام أسرته الكريمة فجمع بين طارف المجد وتالده ، فعاش حميداً ومات فقيداً. ووقف شبلي بك ملَاّط شاعر لبنان على قبره باكياً:
على الركنِ الذي كانت لديهِ
…
تهونُ المثقلاتُ من الأمورِ
على الرجلِ الذي رمتِ المنايا
…
بهِ القطبين من حسَبٍ ونورِ