الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 24
- بتاريخ: 1 - 5 - 1912
كسوف الشمس
كسفت الشمس في السابع عشر من الشهر الفائت حوالي الساعة الثانية وربع بعد الظهر ، فرأينا أن نذكر للقرَاء شيئاً عن هذا الحادث الطبيعي: يعرف كلُّ من له إلمام بالنظام الفلكي أن القمر يدورُ حولَ الأرض ، وهو والأرض يدوران حول الشمس. وعليهِ فلا بدَّ من أن يكون القمر تارةً بين الشمس والأرض ، فلا نرى منهُ إلَاّ القسم المظلم إذ أن القسم المنير يكون محاذياً للشمس ، وهذا هو المحاق؛ وتارةً تكون الأرض بينهُ وبين الشمس فيمكننا أن نرى حينئذٍ القسم المنير ، وذلك بعد خمسة عشر يوماً ، وهذا هو البدر؛ وطوراً يكون والأرض متحاذيين على مسافةٍ واحدة من الشمس ، وذلك هو التربيع. وبين المحاق والتربيع يكون التثليث وبين التربيع والبدر يكون التسديس. ولما كان القمر كالأرض غير مضيء بنفسه بل يستمدُّ كلاهما النور من الشمس ، كان لا بدَّ من أن يكون وراءَ القمر ووراء الأرض في الفضاء ظلٌّ ، وكل من يكون في هذا الظلّ لا يرى الشمس ، فتظهر الشمس
مكسوفة ، عندما تدخل الأرض في مخروط ظلّ القمر ، ويظهر القمر مخسوفاً عندما يكون في ظلّ الأرض لأنها تحول دون وصول نور الشمس إليهِ ويسهل عليك أن تتمثل ذلك إذا افترضت القنديل بمثابة الشمس ، وجعلت يدك بمثابة القمر ورأسك الأرض فعندما تمرُّ يدك أمام المصباح يحتجب ضؤُه قليلاً عن ناظريك حتى يختفي تماماً ، ثمَّ يعود فيظهر ثانية هكذا يكون كسوف الشمس
ميعاد الكسوف وأنواعه - عرفه الأقدمون باسم ساروس وهو كناية عن 18 سنة و11 يوماً ، يحدث فيها 41 كسوفاً و29 خسوفاً تتعاقب في المدة نفسها كما دلّلت مراقبتهم للسماء. أما اليوم فإن لدى العلماء جداول فلكية وضعوها بعد الاختبار الطويل والكسوف إما جزئي ، وإما كليّ أو تام ، وإما دائري على شكل حلقة وذلك عندما تصير الشمس شبه دائرة قاتمة اللون حولها هالة منيرة. وفي الكسوف التام يكون المنظر ذا عظمةٍ مروّعة تلقي الرعب في النفوس ، فتسودّ الشمس ، ويخيم الظلام وتظهر النجوم في السماء ويستولي على الحيوانت نفسها رعب ذكره جميع الفلكيين الذين وصفوا هذا المشهد ، فرأوا المواشي واجفةً تنقطع عن المرعى ، والطيور تلجأ إلى وكناتها والكلاب مرتعشة تشُغل عن متابعة أصحابها. ولو أردنا ذكر كلّ ما كتبه علماء الفلك في هذا الباب لأستغرق الموضوع صفحات عديدة.
درس الشمس أثناء كسوفها - تروي هذه المغالطة عن فونتينل لا شيء أكثر ظلاماً في طبيعته من الشمس ، فلا يتسنى لنا درسها إلاّ
أثناء كسوفها وواقع الحال يؤيد هذا القول ، فإن الكسوف قد أفادنا عن الشمس أكثر من جميع المظاهر الجوّية. وإذا كان وجيزاً ، يكفي لأخذ الرسوم ودرس أطوار الشمس وبقَعِها. فإن التقارير عن هذه الحوادث قد أفادت العلم فائدة عظمى ومهّدت السبيل لاستخراج النتائج المهمة من هذا القبيل
اعتقادات الشعوب - قال فونتنيل نرى لدى كسوف الشمس من الخزعبلات والخرافات ما يقضي بسنّ قانونٍ يمنع العلماء من الإشارة إلى هذا الحادث قبل أوانهِ. . . وكان القدماءُ ينسبون الكسوف إلى غضب الآلهة ، أو إلى حنق الشمس التي تحجب طلعتها النيرة دون فظائع البشر. وقد عزا ذلك قومٌ إلى يدٍ قوية تسدلُ ستاراً على منبع الأنوار ، وآخرون إلى ضلال الأرض عن مركزها ، وتوهم البعض أن الحادث الطبيعي ليس إلَاّ مفعول أعمال السحرة التي تطفئ النور. وهذا هو سبب ما كان يقدم عليهِ - حتى في أيامنا - من صراخٍ وهتاف وضرب على صفائح نحاسية زعماً منهم أنهم يبطلون بهذه الطريقة مفعول السحر أو يخيفون التنّين الذي يبتلع الكواكب. ونجد أن هذا الاعتقاد كان سائداً بين معظم الشعوب ، كالهنود والصينيين واليونان والرومان والعرب وسكان أميركا. وقد رأينا مما تقدم أن هذا التنين المخيف ليس إلَاّ القمر الذي يقف بيننا وبين أختهِ الشمس فيحجب عنا نورها
زعمُ هيرودوتوس 484 - 425 ق م - إنَّ كتابات هذا المؤرخ
الشهير تدلُّ على أن أوهام الشعب كانت ساطية على أفكره من هذا القبيل. فهو يذكر حدوث الكسوف أربع مراتٍ في كتابهِ ، والألفاظ والعبارات التي يستعملها لوصف هذا الحادث تدلُّ على جهله حتى كلمة بمعنى كسوف فهو تارة يقول أظلمت السماء بغتة وتارة صار النهارُ ليلاً والنور ظلاماً ومرةً واحدة يفصلّ ذلك إذ يقول تركت الشمس مكانها في السماء واختفت عن الأبصار ولم يكن إذ ذاك لا غيم ولا سحاب ، وكان الجوُّ صافياً
زَعْمُ اليونان - وكان من عادات بلاد مكيدونيا على عهد سقراط (486 - 400 ق م) أن تّوصد أبواب المنازل وتُحلَق شعور الأولاد حزناً وحداداً. ويروى عن الاسكندر الكبير أنه عندما كُسفت الشمس قبيل موقعة أربيل قرّب القرابيين وذبح الذبائح استرضاءً للشمس والقمر ودفعاً لغضب الآلهة وتمويهاً على الشعب
زعم الرومان - في سنة 178 ق م أثناء الحرب التي دارت رحاها بين برسه وبولس اميليوس حدث كسوفٌ ألقى الهلع في قلوب المتحاربين ولكنهُ لحسن طالع الرومان كان بين قوّادهم فلكي مشهور اسمه سلبيسيوس جالُّوس وكان قد أنبأهم عن هذا المظهر الجويّ قبل أوانه فأصاب أعداءَهم الفشل وأصابوا الظفر. ويروي المؤرخ ديون كاسيوس أن الإمبراطْور أقلوديوس لما علم أن يوم تذكار تبوّئهِ السدة الإمبراطورية يوافق يوم كسوفٍ خاف أن يتشاءم الشعب ويتطير منهُ فأمر بنشر الخبر في كل المملكة مع شرح أسبابه الطبيعية وذلك تلافياً لوقعهِ السيء
زَعمْ الهنود والصينيين - حدث سنة 1877 كسوف في مدينة
لاوس من أعمال الهند الصينية ، فأحدث قلقاً عظيماً بين السكان. فكنت تراهم سائرين في الشوارع والأزقّة ينشدون الأهازيج الحربية ، ويطلقون العيارات النارية نحو السماء لتهويل التنين. وفي الصين تجري احتفالات ولما كان الصينيون يعتقدون أن ملكهم ابن السماء ومملكتهم المملكة السماوية أصبحوا يتوهمون أن كلَّ خللٍ يطرأ على نظام السماء ناجمٌ عن خللٍ في نظام بلادهم ، وعليهِ فهم يقيمون الاحتفالات ويقربون القرابين عند حدوث مثل هذه الأمور
الكسوف في التاريخ - إن النظر في بعض الحوادث التاريخية التي كان للكسوف دورٌ عظيم فيها يبيّن لنا ما وراء العلم من الفوائد ، وإلى أي حدٍّ تبلغ الخرافات بالشعب متى سطا عليهِ الجهل أقدم كسوفٍ يرويه لنا المؤرخون مدوَّنٌ في تاريخ الصينيين على عهد الملك شو ويرتئي العلماء أنهُ حدث في الثالث عشر من أكتوبر (ت1) سنة 2128 قبل الميلاد وأشهرُ كسوفٍ ذكره التاريخ القديم هو كسوف سنة 585 ق م وهو جديرٌ بالذكر لسببين: الأول لأن العالمِ تالس كان قد تنبأ عنهُ ، وهو أول فلكيٍّ عند الأقدمين قد شرح هذا الحادث وأدرك أسبابه؛ والثاني لأنهُ بواسطة هذا الكسوف قد توصل العلماءُ إلى تقرير بعض حوادث مهمة. وقد رواه المؤرخ هيرودوتس في معرض كلامهِ عن الحرب المنتشبة بين الفرس وأهل ليديا حيث قال ما ترجمتهُ:
كانت رحى الحرب دائرة بين الأمتين منذ سنوات ، ففي إحدى المواقع صار النهار ليلاً والنور ظلاماً ، فدُعر المتحاربون لهذا المشهد ، وكفوا عن القتال وعقدوا الصلح وكان المؤرخون مختلفين على السنة التي جرت فيها هذه الحرب ، فمنهم من جعلها في سنة610 ، ومنهم في سنة 593. غير أن الأبحاث الفلكية
دلت أخيراً على هذا الكسوف كان حدوثهُ تماماً في 28 مايو (أيار) سنة 585 ، وهكذا ساعد علم الفلك علم التاريخ على حبلّ هذا المشكل وغيره وقد حّث كسنوفون عن كسوفٍ آخر في كتابه آناباس لما روى وصول اليونان إلى ضفاف دجلة ، قال ما ملخصه: وكان هناك مدينة قديمة مهجورة تحدق بها أسوار منيعة يبلغ علوّها مئة قدم ، وهي مبنية بالأجرّ الأحمر ، وكان الفُرسَ قد حاصروها دون جدوى لمناعتها ، حتى ساعدتهم الأقدار على فتحها؛ وذلك أنه في أحد الأيام احتجبت الشمس عن العيان فهلع السكان وخلّوا المدينة بين أيدي العدو وقد حقق العلماء أن هذا الكسوف حدث في 19 كايو 557 وفي 3 أغسطس سنة 431 حدث كسوف تام رواه بلو ترخوس في كتابه حياة بريكلس ، قال وكان الأسطول (اسطول اليونان) على أهبة السفر للحرب (محاربة أهل سبارطه) وكان بريكلس على ظهر السفينة إذ كسفت الشمس كسوفاً تاماً. فأثر ذلك في البحارة وتشاءموا
من هذا الظلام غير المنتظر ، وكادت همتهم تخونهم ، لو لم يعمد بريكلس إلى حيلة لطيفة ، وهي أخذ رداءه ووضعه على وجه أحد القواد قائلاً: ألستَ الآن ، فقال بريكلس: وأي فرقٍ بين هذا الظلام وذاك سوى أن الأول ناتج عن شيء أضخم من ردائي. .؟ وجاء في توسيديد وفي ذلك الصيف عند ولادة القمر ، بعد الظهر بقليل أصاب الشمس كسوف ، حتى أصبحت كالهلال ، وظهر في السماء بعض نجوم ، لم تلبث أن عادت إلى منظرها الأول ثم كثر بعد ذلك ورود ذكر الكسوف وشرح مظاهره في التاريخ مما لا مجال لذكره الآن. على أننا نكتفي بإيراد خبر نجاة كريستوف كولمبس: كان ذلك في غرة مارس سنة 1504 وكان الزاد فرغ من السفينة فألقت مرساتها تجاه الجزيرة المعروفة اليوم باسم جامايكا فطلب كولمبس من سكانها المتوحشين مؤونة وزاداً ، فرفضوا. وكان عالماً بأن الشمس ستكسف في اليوم الثاني فاتخذ ذلك وسيلة للتهويل عليهم ، فأنذرهم بمنع نور الشمس عنهم ، إذا هم لم يجيبوا طلبه ، ولا تسل عن رعبهم في ثاني يوم عندما رأوا كسوف الشمس ، ولم يفهموا فيه إلَاّ تنفيذ ما هُدّدوا به. فتراموا على أقدام كولمبس يستعطفونه ، وقدموا له كلّ ما طلب وأصبحوا ينظرون إليه نظرهم إلى إلهٍ