الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أزهار وأشواك
خليل بعد حافظ
النعَم على أدبائنا تتوالى تترى من حكومة أفندينا العباس. في العامين السابقين عيّن فريق منهم في نظارات الداخلية والمالية والمعارف والحقانية والأوقاف وسائر دواوين الحكومة؛ وقد قلتُ كلمتي بهذا الشأن في حينها. وجاء في هذا العام دور الرتب والنياشين فكانت فاتحتهُ رتبة حافظ ، وقد تلاها الآن نيشان خليل مطران. والآني للآتي إن شاء الله. . . مثل هذه الرتب والأوسمة لا تحلّي مثل تلك الصدور وفيها من درر المعاني ، وجواهر الأفكار ما يزري بقلائد النحور. بل هي تكتسب من الرونق والبهاء ، ما لا يكون لها وهي على صدر الفضلاء والأدباء. فإن أوسمة الشرف على صدر من لا يستحقّها كالطغراء السلطانية على النقود الزائفة ، أو كالتمثال البديع على قبر يضمُّ عظاماً نخرة. أما الوسام المجيدي وقد عُلّق على صدر الخليل فكأنهُ رُصع بأغلى الجواهر وأثمن الأحجار. فليهنأ النيشان باستوائهِ على صدر المطران.
تذكار الأدباء
إذا كنتُ قد ضفرت من أزهاري باقاتِ وأكاليل قدَّمتها إلى من بسم لهم ثغر التوفيق من أدبائنا. فقد حفظت من تلك الأزهار أبهجها وأنضرها لأنثرَها مُرطَّبة بدموع الذكرى على ضريح من اغتالهم غائلُ المنية ممن سالت أرواحهم الزكية من شق تلك القصبة. . . تُقام الحفلات تباعاً ، شائقةً رائقة ، لا كرام كبار أدبائنا وتهنئتهم بظهور فضلهم ، ولنعم العمل عمل القائمين بهذه الأعياد الأدبية. على أن لأدبائنا الأموات كذلك حقّاً علينا يجب أن لا نتغاضى عنهُ. وهل إلى التغاضي من سبيل وقد كان لنا بمن فقدنا في هذا الصيف تذكير شديد: مات الشيخ أمين الحداد فذكّرنا فاجعة الأدب بأخيه النجيب فوجب على أدباء وادي النيل أن يخلّدوا ذكرى الأخوين الشاعرين. وحملت إلينا أنباء لبنان نعي الشيخ سعيد
الشرتوني ، فأعادت لاعج الأسف على شقيقهِ الرشيد فتحتم على أدباء الشام أن يحيوا اسم الشقيقين العالمين اللغويين. وهذا عثمان بك جلال ، كاد يكون نسيَّا لولا أن همة جوق أبيض أبرزت لنا على مسرح عباس طائفة من رواياتهِ التمثيلية هي كالخرائد جمالاً وجديرةٌ بأن تحيي على لغة الإعراب ، سيحتفَل قريباً بنقل رفاتهِ من مصر إلى لبنان ،
لترقد بقاياه أبيه وأخواتهِ في لحد واحد. . . فالفرصة إذن موافقة لتهنئة الذين تفترَّ لهم ثغر الدهر. ولئن سرَّني تأليف اللجان في بيروت ولبنان برئاسة الآنسة الذكية سلمى أبي راشد مديرة جريدة النصير للقيام باستقبال رفات اليازجي بما يليق ، فقد ساءني أن أرى الشرتوني الكبير والصغير يذهبان ، ولا أرى كلمةً فيهما لأساتذتنا الأعلام كعبد الله البستاني أو جبر من ضومط ، كما أنهُ عزَّ عليَّ أن نفقد الأمين بعد النجيب ، ولا يقوم من بين أصدقائهما - ولا أسمّي - من يتحفنا ببحث تاريخي أدبي انتقادي عن آثارهما الكتابية.
التمثيل العربي
من الكرسي الخاص بمجلة الزهور في تياترو عباس حضرت كل الروايات التي مثّلها جوق أبيض فشاهدتُ: الأحدب لفيفال ، ومضحك الملك ` لفيكتور هوغو وقد ترجمها إلياس فياض ، والساحرة لفيكنوريان ساردو ، وترجمتها لفرح أنطون؛ والشيخ متلوف ، والنساء ومدرسة الأزواج ومدرسة النساء ` ` من وضع موليير الشهير وترجمة المرحوم عثمان بك جلال. . ليلات ستّ رأيتُ وسمعت فيها أبهج ما ترى عين للأديب ، وأطرب ما تسمع أذنه: مناظر بهية ،
ومجتمع راقٍ ، حِكم بليغة ، وملاحظات دقيقة مسبوكة فب ألطف قالب وأبلغ أسلوب فاجتمعت لذة البصر والسمع والعقل. كلّ روايةٍ من تلك الروايات ترمي إلى تمجيد إحدى الفضائل ، أو شجب بعض الرذائل بطرق متنوعة تتراوح بين الهزل والجد: فهذا يهذّب نفسك والابتسامة على ثغرك ، وذاك يرقي عواطفك والدمعة في عينيك فلكلّ مؤلّفٍ أسلوب ، ولكلّ أسلوب طريق إلى القلوب. هذا ما شعرنا بهِ في ليالي أبيض ، وهذا ما رأيناه بأم العين بعد ما سمعنا بهِ من تأثير الروايات في رقيّ الشعوب. ومقابل ما وجدنا من اللذة ، وجنينا من الفائدة في تلك الليالي الغرّ ، أزفُّ كلمة تهنئةِ وكلمة شكر إلى جورج أبيض على الخطوة الكبيرة التي خطاها في هذا الفن ، وأشرك معهُ من التفَّ حولهُ من الممثلين والممثلات ، ولا مجال لديَّ اليوم لأذكرَ كلّ من يستحقُّ الذكر. كلمة التهنئة والثناء واجبة أيضاً لمن ألبس تلك الروايات الإفرنجية حلةً عربية قشيبة. فقد عرفنا قلم الفيَّياض كاسمه فيَّاضاً يتدفق بالمعاني كسلسبيل الماء ، ويتفجر منهُ الكلام وكله عذوبة وسهولة وصفاء. ورأينا من بيان منشئ الجامعة في الساحرة سحراً يفتن الألباب. أما المرحوم عثمان دلّنا إلى ما يمكن استخراجه لمسارحنا من
تلك اللغة العامية المملوءة جزالة وعذوبة وإلى ما فيها من النكات والتلاعب بالألفاظ مع سهولة فهمها وطَبَعية التخاطب بها. وأن في نجاح الممثلين الباهر في تلك الروايات وتصفيق الحاضرين المتواصل لأكبر دليل على ما أقول. ويا حبذا لو جاد الزمان بزجَّال من طبقة عثمان جلال ، فإنهُ ولا شك قادر على إدخال نوع الكوميدي الذي كنا نقنط من وجوده في لغتنا. ولا تنسيني كلمات التهنئة التي أصوغها للمثلين والمترجمين كلمة شكر خصوصية أوجهها إلى رجل يدير كل هذه الحركة كالزنبلك ويكاد لا تراه عين عنيت عبد الرزاق بك.