المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع: المعلم السابع: مجانبته التعصب والتقليد: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌الشرك في الربوبية أعظم من الشرك في الإلهية

- ‌اعتقاد أن الرسول نور وليس بشرا

- ‌المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب

- ‌الثناء في القرآن على طائفة من النصارى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ هل الدعاء والصدقة ترد القضاء والقدر

- ‌ طلب مني رجل مسيحي مصحفا هل أعطيه أو لا

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌وجوب الزكاة ليس مربوطا برمضان

- ‌منكر وجوب الزكاة كافر

- ‌ حكم دفع الزكاة للأقارب والخدم

- ‌حكم من صام وهو تارك للصلاة

- ‌إذا طهرت الحائض ثم صامتثم حاضت فصيامها صحيح

- ‌المريض الذي لا يرجى برؤه يطعم

- ‌من يتأخر في القضاء آثم ويلزمه القضاء والتوبة

- ‌السواك جائز في رمضان

- ‌أصل صلاة التراويح

- ‌حضور المرأة للتراويح جائز

- ‌صفة دعاء القنوت

- ‌صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته

- ‌حكم ترك الصلاة

- ‌أخطئ على زوجي ولا أعتذر

- ‌أذن المؤذن وأفطر الناس قبل الوقت

- ‌ السفر المبيح للفطر

- ‌ آداب الصيام

- ‌الحامل والمرضع عليهما القضاء والإطعام

- ‌يصلي في الحرم ويترك نساءه في السوق

- ‌المرأة وهي تطبخ في عبادة لله

- ‌صيام ثلاثة أيام من كل شهر متتابعة أو متفرقة

- ‌ الاختلاف المذموم

- ‌الدم الكثير يستوجب إعادة الوضوء

- ‌ صيام فاقد الذاكرة

- ‌المحرمات من النساء

- ‌فضل قراءة القرآن الكريم

- ‌عمل صالحا ويتبعه سيئا

- ‌القنوت مشروع في الوتر

- ‌مات قبل أن يكمل رمضان

- ‌أفطر بسبب تقبيل

- ‌الدعاء المستحب عند الفطر

- ‌ طهرت قبل الفجر ولم تغتسل إلا بعد طلوع الشمس

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب

- ‌من أفطر بعذر عليه أن يمسك بقية يومه

- ‌ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ البول يخرج سائل هل لا بد من الغسل

- ‌ وهل يجوز للطبيب أن يتخصص في طب النساء والتوليد

- ‌ رفض علاج مريض متخلف عقليا

- ‌ هل يجوز للصائم استخدام معجون الأسنان

- ‌واجبات الطواف

- ‌المقدمة:

- ‌المطلب الأول: جعل البيت عن يساره:

- ‌المطلب الثاني: الطهارة من الحدث:

- ‌المطلب الثالث: الطهارة من النجس:

- ‌المطلب الرابع: ستر العورة:

- ‌المطلب الخامس: الموالاة بين الأشواط:

- ‌الفرع الثاني: الأمور التي يجوز قطع الطواف لها:

- ‌المسألة الأولى: قطع الطواف للصلاة

- ‌الفرع الثالث: موضع البدء لمن أراد البناء:

- ‌المطلب السادس: المشي مع القدرة:

- ‌الفرع الأول: حكم المشي في الطواف:

- ‌الفرع الثاني: شرط طواف المحمول:

- ‌المطلب السابع: الصلاة عقيبه:

- ‌الفرع الأول: حكم ركعتي الطواف:

- ‌الفرع الثاني: مكان أداء ركعتي الطواف:

- ‌الفرع الثالث: وقت أداء ركعتي الطواف:

- ‌الخاتمة:

- ‌تاريخ الدعوة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: اختيار الصديق رضي الله عنه ومبايعته إماما للمسلمين:

- ‌المطلب الأول: الأمة المصطفاة لوراثة كتاب الله والدعوة إليه:

- ‌المطلب الثاني: أهمية المبادرة في اختيار إمام للمسلمين:

- ‌المطلب الثالث: بيعة الصديق رضي الله عنه إماما للمسلمين:

- ‌الفرع الأول: اتفاق الصحابة الكرام على بيعة الصديق رضي الله عنه:

- ‌الفرع الثاني: أسباب قناعة الصحابة الكرام ببيعة الصديق رضي الله عنه:

- ‌الفرع الثالث: أثر الدعوة في اتفاق الآراء بين الصحابة رضي الله عنهم:

- ‌المطلب الأول: اهتمام الصديق رضي الله عنه بالدعوة حال توليه الخلافة:

- ‌المطلب الثاني: امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذه جيش أسامة

- ‌المطلب الثالث: دعوة المرتدين ليرجعوا إلى الإسلام:

- ‌الفرع الأول: أسباب اتباع الناس لتلك الدعوات المضللة:

- ‌الفرع الثاني: موقف الصحابة الكرام رضي الله عنهم من هذه الفتنة:

- ‌الفرع الثالث: جهود الصديق رضي الله عنه في القضاء على الدعوات المضللة:

- ‌ثانيا: القضاء على دعوتي سجاح بنت الحارث ومسيلمة الكذاب

- ‌ثالثا: القضاء على ردة أهل البحرين تحت زعامة الحطم بن ضبيعة

- ‌المطلب الرابع: جمع مصدر الدعوة الأول (القرآن الكريم):

- ‌المطلب الخامس: نشر الدعوة عن طريق الجهاد:

- ‌الفرع الأول: نشر الدعوة في العراق

- ‌الفرع الثاني: نشر الدعوة في الشام

- ‌المبحث الثالث: اهتمام الصديق بالدعوة عند وفاته رضي الله عنه:

- ‌الخاتمة:

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه:

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: طلبه للعلم وحياته العلمية:

- ‌المطلب الرابع: شيوخه وأقرانه:

- ‌المطلب الخامس: حياته العملية:

- ‌المطلب السادس: صفاته وأخلاقه:

- ‌المطلب السابع: تلاميذه:

- ‌المطلب الثامن: وفاته:

- ‌المطلب التاسع: آثاره العلمية ومؤلفاته:

- ‌الفصل الأول: (المنهج) تعريفه وأهميته وآثاره:

- ‌المبحث الأول: تعريف المنهج والمراد به في اللغة والاصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أهمية المنهج ودواعي العناية به:

- ‌المبحث الثالث: الآثار الإيجابية والسلبية في قضية النهج:

- ‌المبحث الرابع: نظرة في مناهج الأصوليين:

- ‌الفصل الثاني: معالم منهج الشيخ عبد الرزاق الأصولي:

- ‌المطلب الأول: عنايته بتحرير محل النزاع

- ‌المطلب الثاني: تركيزه على التطبيق، وكثرة الأمثلة وتخريج الفروع على الأصول:

- ‌المطلب الثالث: اهتمامه بالتأصيل والتقعيد وبيان مقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها:

- ‌المطلب الرابع: إيراده لثمرة الخلاف:

- ‌المبحث السابع: المعلم السابع: مجانبته التعصب والتقليد:

- ‌الإحسان: أهميته، أقسامه، ثمراته

- ‌هدف البحث وغايته:

- ‌التعريفات:

- ‌مقامات الإحسان ومنازله:

- ‌منزلة الإحسان في الدين

- ‌الأعمال تتفاضل بحسب فعلها بالإحسان:

- ‌ التقوى والإحسان:

- ‌ الإحسان والإنفاق في سبيل الله:

- ‌ الإحسان والعفو والصفح:

- ‌ الإحسان والتقوى والنسك والذكر:

- ‌ الإحسان والهدى والرحمة:

- ‌ الإحسان والصدق والتقوى:

- ‌ الإحسان وإرادة الله ورسوله، والدار الآخرة:

- ‌ الإحسان والجهاد:

- ‌ الإحسان والتقوى والاستجابة لله ولرسوله:

- ‌ الإحسان والإنفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس:

- ‌ الإحسان وإسلام الوجه لله:

- ‌ الإحسان، والعدل وإيتاء ذي القربى والنهي عن المنكر والبغي:

- ‌ الإحسان والصبر:

- ‌ الإحسان وسلام الله:

- ‌ الإحسان، والإيمان، والعمل الصالح:

- ‌ الإحسان، والتقوى، والصبر:

- ‌ الإحسان، والتقوى، وما أنزل الله:

- ‌ثمرات الإحسان:

- ‌ الخلود في جنات النعيم:

- ‌ حب الله لهم، وتفضله عليهم بثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة:

- ‌ ما يهبه الله من ذرية صالحة، وتفضيل، وهداية، وعلم، وحكمة، ونبوة:

- ‌ حصول رضى الله لهم:

- ‌ ومن ثمرات الإحسان الإحسان:

- ‌ حصول رحمة الله:

- ‌ كل ما يعمله العبد في سبيل الله يكتب له به عمل صالح

- ‌ رفع الحرج:

- ‌ الحكم، والعلم، وتأويل الأحاديث، والتمكين في الأرض، والملك:

- ‌ الظلال، والعيون، والفواكه، والأكل، والشرب الهنيء:

- ‌ الحسنى وزيادة:

- ‌ صرف المكاره والشدائد في الدنيا:

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن نشرة مكذوبة حول عقوبة تارك الصلاة

الفصل: ‌المبحث السابع: المعلم السابع: مجانبته التعصب والتقليد:

" كتعليل وجوب الشاة في باب الزكاة بدفع حاجة الفقراء لما فيه من رفع وجوب الزكاة "(1).

فعلق الشيخ رحمه الله على ذلك توضيحا لمراد المؤلف فقال:

" بيانه: أن وجوب الشاة زكاة عن أربعين شاة إذا كان المقصود منه مجرد دفع حاجة الفقراء ولو ببذل القيمة ارتفع وجوب الشاة على التعيين في الزكاة "(2).

ولعل فيما سبق من أكبر الشواهد على هذا المعلم، وإيثارا للاختصار فسأكتفي بذكر أرقام الصفحات المبينة لنماذج أخرى في ذلك.

(1) 3/ 244 من الإحكام.

(2)

تعليق رقم 1، 1/ 244 منه.

ص: 330

‌المبحث السابع: المعلم السابع: مجانبته التعصب والتقليد:

تبين مما سبق لا سيما في المعلم الثاني حرص الشيخ رحمه الله على الدليل وتعظيمه للنصوص وبناؤه منهجه الأصولي عليها؛ ولذلك كان رحمه الله بعيدا عن التعصب لمذهب أو الجمود على مشرب، أو التقليد للغير بدون دليل صحيح أو نظر سليم.

وإذا كان للأصوليين آراء ومناهج بنوا عليها مسائلهم واستنباطاتهم، وسار عليها الخلف اقتداء بالسلف، فإن الشيخ رحمه

ص: 330

الله كان له تميزه في ذلك، فلم يتعصب لمدرسة أصولية متكلمين أو غيرهم، ولم يسلم عقله ومنهجه لمذهب فقهي لا يحيد عنه كما عليه كثير من الفقهاء والأصوليين، لكنه رحمه الله جانب ذلك كله، وجعل الدليل منهجه والنظر الصحيح مسلكه، فجاء منهجه متميزا بمجانبة التعصب والتقليد المجرد، وهذه بعض النماذج على ذلك:

ا - في محاولة للآمدي رحمه الله أن يقصر الرد للكتاب والسنة على المجتهدين فقط (1)، وهو يومئ ولو من طرف خفي للتقليد للمذاهب دون رجوع مباشر إلى الوحيين.

علق الشيخ رحمه الله على ذلك بقوله: ". . . إن وجوب الرد إلى الله والرسول لم يخص بحال ولا زمن ولا بأحد، فيجب بقاؤه على عمومه، ولا يخرج منه إلا الرد إليه بسؤاله بعد وفاته لتعذره، وإلا من عجز عن الرد إليه لضعف استعداده أو مؤهلاته فلا يكلف ذلك. . . "(2) وهو ظاهر في اتباع الدليل وطلبه من كل أحد، ويتجلى هذا المعلم كثيرا في مبحث الاجتهاد والتقليد عند الأصوليين يمثلهم الآمدي رحمه الله، فكان الشيخ رحمه الله يعلق على المسائل الخاصة بذلك مما يؤكد هذا المنهج بجلاء.

خذ على سبيل المثال:

(1) 4/ 26 من الإحكام.

(2)

تعليق رقم 2، 4/ 26 من الإحكام.

ص: 331

أول تعليق في باب التقليد (1) أحال الشيخ رحمه الله القارئ إلى كلام المحققين من أهل العلم في هذه المسألة، الذين حققوا مناطها، وفصلوا القول فيها حسب قوة الدليل وسلامة التعليل، وحذروا من التعصب والتقليد.

وفي التعليق الثاني والثالث فصل الشيخ رحمه الله في مسألة من يجوز له التقليد ممن يحرم عليه (2) وفي الرابع حث على الدليل، وعظم السنة وعد مساواتها بالإجماع تسامحا أو تحريفا كما أورده المصنف (3) رحمه الله.

وفي التعليق الخامس لما سوى المصنف بين التقليد والاتباع والاستفتاء وعدها خلافا في عبارة، علق الشيخ رحمه الله بقوله:" ليس هذا مجرد اختلاف في العبارة والاصطلاح بل الاختلاف بين حقائق ومدلولات تلك العبارات يتبعه اختلاف في حكم بعضها واتفاق على حكم بعض آخر "(4).

وفي مسائل الاجتهاد فصل الشيخ الكلام فيها بقول نفيس

(1) تعليق رقم 1، 4/ 221 منه.

(2)

تعليق رقم 2، 3، 4/ 211 من الإحكام.

(3)

4/ 211، وانظر: تعليق رقم 4.

(4)

تعليق رقم 5، 4/ 221.

ص: 332

خلاصته أنه لا يخلو منه زمان وأنه لا ينقطع (1).

وتلك دعوة إلى تحري الحق في مسائل الاجتهاد والنظر فيها على حسب أدلة وقواعد الشريعة الغراء.

ولعله بذلك قد تبين حرص الشيخ رحمه الله على تحقيق هذا المعلم المهم حرصا على ما دل عليه النقل الصحيح والعقل الصريح، بعيدا عن التعصب والتقليد، وفتحا لباب الاجتهاد بالضوابط الشرعية والشروط المرعية.

(1) تعليق رقم 2، 4/ 233.

ص: 333

المبحث الثامن: المعلم الثامن: عنايته الفائقة باللغة العربية:

اللغة العربية لغة القرآن الكريم، بها نزل وبها أبان التوحيد وأوضح الأحكام، وبمعهود العرب ومألوفهم وأسلوبهم جاء الخطاب الشرعي، ولما كانت الألفاظ قوالب للمعاني، واللغة وعاء المعنى، فإن للغة العربية أثرا كبيرا وأهمية كبرى ومنزلة عظمى عند العلماء، لا سيما علماء الشريعة، خاصة علماء الأصول؛ لأنها عمدة في معرفة دلالات الألفاظ وبناء الأحكام عليها، كما يحتاجها المجتهدون والمفتون للنظر في دلالات اللفظ، ومن ثم بناء الحكم عليه، ولهذا كانت اللغة مصدرا يستمد منه علم الأصول، ومعينا ثرا للأصوليين يبنون من خلاله استنباطاتهم وأحكامهم (1)، وكذلك سلك الشيخ رحمه الله، فكان حريصا على اللغة العربية، مجانبا البعد عنها وتركها

(1) ينظر في فائدة اللغة للأصولي: 1/ 100 من شرح الكوكب المنير لابن النجار الفتوحي.

ص: 333

إلى فلسفات منطقية ومذاهب كلامية يبني عليها بعض الاستدلالات الشرعية.

فها هو رحمه الله يعيب على بعض الأصوليين خروجهم عن منهج الكتاب والسنة واللغة العربية إلى صناعة منطقية ومباحث كلامية، لا سيما في الحدود والتعريفات.

فعند إغراق الآمدي في التعريفات للقياس والاعتراضات عليها والمناقشات والإجابات، علق الشيخ رحمه الله بقوله:" هذه التعاريف دخلتها الصناعة المنطقية المتكلفة، فصارت خفية غامضة، واحتاجت إلى شرح وبيان، ومع ذلك لم تسلم من النقد والأخذ والرد، ولو سلكوا في البيان طريقة القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومعهود العرب ومألوفهم - وهذا هو الشاهد - من الإيضاح بضرب الأمثال لسهل الأمر. . . إلخ "(1).

كما اعتنى رحمه الله ببناء الدلالات الأصولية - كدلالة الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم، وغيرها - على ظاهر اللغة، فتبقى على دلالتها اللغوية حتى يأتي ما يصرفها عنه، كالدلالة الشرعية أو العرفية أو نحوها، وهذا هو المتمشي مع الأصل الذي سار عليه علماء الأصول.

كما كان رحمه الله كثيرا ما يعلق على ملحوظات لغوية ونحوية مما تسامح فيه الآمدي، وذلك غيرة من الشيخ رحمه الله على اللغة وحرصا على الالتزام بها وبعدا عن اللحن فيها.

(1) تعليق رقم 2، 3/ 190، 191 من الإحكام.

ص: 334

والنماذج على ذلك كثيرة لا يسمح المقام بسردها، ولذلك فسأكتفي بالإحالة على أماكن وجودها.

ولأختم هذا المعلم بهذه اللطيفة اللغوية، فقد أورد الآمدي لفظة (ذات) على الله سبحانه وتعالى (1)، فعلق الشيخ رحمه الله على ذلك بقوله:(جرى علماء الكلام والأصول على إطلاق كلمة: (ذات) على نفس الشيء وعينه وحقيقته، وأن يدخلوا عليها الألف واللام، وهذا لا يصح في اللغة العربية، فإن كلمة (ذات) مؤنث كلمة (ذو) وكلتاهما لا يدخل عليها الألف واللام، ولا تطلق على نفس الشيء وحقيقته، إنما تنسب إليه نسبة الصفة إلى الموصوف وتضاف إلى ما لها به نوع ملابسة واتصال).

(1) 2/ 316 من الإحكام.

ص: 335

المبحث التاسع المعلم التاسع تأثره بمنهج المحققين من الأصوليين

ص: 335

:

من المتقرر أن من العلماء من لم يسلك منهجي المتكلمين والفقهاء المعروفين في علم الأصول، بل استفاد من إيجابيات كل منهما، وجانب المؤاخذات عليه، والتزم بصحة الدليل وسلامة التعليل والعناية بالتطبيق والتمثيل، مع وضوح العبارة ومجانبة الولوغ في الجدل، فأخذ اللباب واهتم بالجوهر، فكانت طريقته متميزة ومنهجه سليما، بل منهم من هو مدون علم الأصول لكن نهج من جاء بعده - في الغالب - نهج المتكلمين ذلك هو الإمام الشافعي رحمه الله ولقد أثنى شيخنا رحمه الله عليه في المقدمة فقال: (وكان أول من عني بتدوين أصول الفقه فيما اشتهر بين العلماء أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، فأملى كتابه المعروف بالرسالة. . . وقد جمع فيه بين أمرين:

الأول: تحرير القواعد الأصولية وإقامة الأدلة عليها من الكتاب والسنة، وإيضاح منهجه في الاستدلال وتأييده بالشواهد من اللغة العربية.

الثاني: الإكثار من الأمثلة لزيادة الإيضاح والتطبيق لكثير من الأدلة على قضايا في أصول الشريعة وفروعها، مع نقاش للمخالفين

ص: 336

تزيده جزالة العبارة قوة وتكسبه جمالا، فكان كتابه قاعدة محكمة بنى عليها من جاء بعده، ومنهجه فيه طريقا واضحا سلكه من ألف مع هذا العلم. . . " وتوسع فيه إلى أن قال رحمه الله:(ولو سلك المؤلفون في الأصول بعد الشافعي طريقته في الأمرين تقعيدا واستدلالا وتطبيقا وإيضاحا بكثرة الأمثلة، وتركوا الخيال وكثرة الجدل والفروض، وأطرحوا العصبية في النقاش والحجاج، ولم يزيدوا إلا ما تقتضي طبيعة النماء في العلوم إضافته من مسائل وتفاصيل لما أصل في الأبواب، وإلا ما تدعو إليه الحاجة من التطبيق والتمثيل من واقع الحياة للإيضاح. . . لسهل هذا العلم على طالبيه، ولانتهى بمن اشتغل به إلى صفوف المجتهدين من قريب)(1).

وممن استفاد منه شيخنا رحمه الله الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله، فقد أثنى عليه وعلى كتابه في الأصول من حيث العناية بالأدلة النقلية والإكثار منها وربطها بالفروع، غير أنه رأى أنه لا يبلغ مبلغ الشافعي رحمه الله وأنه أخذ عليه الجمود على الظاهر، وإغفال المقاصد والحكم الشرعية، مع شدته في المعارضة والنقاش.

(1) ص: ب، ج من المقدمة للشيخ رحمه الله.

ص: 337

وإليك ما قاله الشيخ رحمه الله عنه وعن كتابه، والمقارنة بينه وبين الشافعي، فيقول:(وقد تبعه - يعني الشافعي - في الأمرين، وهما العناية بالقواعد الأصولية والاستدلال عليها، والتمثيل والتطبيق - أبو محمد علي بن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام، بل كان أكثر منه سردا للأدلة النقلية مع نقدها وإيرادا للفروع الفقهية مع ذكر مذاهب العلماء فيها وما احتجوا به عليها، ثم يوسع ذلك نقدا ونقاشا ويرجح ما يراه صوابا، غير أن أبا محمد وإن كان غير مدافع في سعة علمه واطلاعه على النصوص، وتمييز صحيحها من سقيمها، والمعرفة بمذاهب العلماء وأدلتها، وإيراد ذلك في أسلوب رائع وعبارات سهلة واضحة، لم يبلغ مبلغ الشافعي، فقد كان الشافعي أخبر منه بالنقل، وأعرف بطرقه، وأقدر على نقده، وأعدل في حكمه، وأدرى بمعاني النصوص ومغزاها، وأرعى لمقاصد الشريعة وأسرارها وبناء الأحكام عليها، مع جزالة في العبارة تذكر بالعربية في عهدها الأول، ومع حسن أدب في النقد، وعفة لسان في نقاش الخصوم والرد على المخالفين (1).

ولقد كان منهج الشيخ رحمه الله وموقفه من ابن حزم موقف المنصف، فأثنى عليه بما أصاب فيه ونقده حين أخطأ، والكمال لله وحده، بل إنه رحمه الله أحال على كتابه في كثير من المواضع، فعند

(1) 1 / ج من المقدمة.

ص: 338

ذكر الآمدي أدلة المنكرين للقياس أحال إلى كلام ابن حزم في الأحكام؛ لأنه ذكرها وتوسع فيها، والنماذج على ذلك كثيرة (1) ومن العلماء الذين تأثر الشيخ بهم العالم الإمام والمجاهد الهمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل أكاد أقول: إنه الحائز لقصب السبق وصاحب القدح المعلى في تأثر الشيخ به، وليس هذا إلا توفيقا من الله لهما، فشيخ الإسلام ابن تيمية لا يستطيع القلم في هذه العجالة ذكر أفضاله ومآثره في كل فن، لا سيما علم الأصول، مما حدا بشيخنا بل بكل سالك مسلك التحقيق والتدقيق والعلم العميق أن ينهل من معين علمه، وأن يستفيد من منهجه وطريقته، فقد جمع رحمه الله ما قل أن يجمعه غيره، ولقد استفاد منه الشيخ رحمه الله في تعليقاته، سواء منها ما يتعلق بالعقيدة أم بالأصول أم بغيرها، حتى بلغ ما أحال الشيخ إلى كتبه وعلمه نحوا من ستين موضعا يصعب سردها في هذه العجالة؛ لذلك سأكتفي بالإحالة إلى نماذج من أرقام الصفحات في ذلك.

(1) تعليق رقم 1، 4/ 46 من الإحكام للآمدي.

ص: 339

ومن العلماء الذين استفاد الشيخ منهم وتأثر بهم الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله، ولا غرو فهو تلميذ شيخ الإسلام، وأشد طلابه ولعا به وشغفا بملازمته والنهل من علمه، وقد كان لابن القيم رحمه الله لمسات قيمة في علم الأصول، نهج فيها نهج شيخه رحمه الله، ولقد استفاد شيخنا رحمه الله من منهجه وأحال في كثير من المواضع على كتبه، لا سيما إعلام الموقعين، وبدائع الفوائد وغيرها، وقد وصلت إحالة الشيخ إلى كتب ابن القيم في قرابة عشرين موضعا.

ومن العلماء المحققين الذين استفاد الشيخ رحمه الله من علمهم ومنهجهم الإمام الشاطبي رحمه الله، الذي تميز منهجه بالنظر في

ص: 340

مقاصد الشريعة وجمع مسائل الفقه ولو اختلفت أبوابها تحت قضية أصولية، وقد أثنى الشيخ رحمه الله على منهج الشاطبي في مقدمة تعليقه على الإحكام، فلما ذكر المناهج الأصولية وأورد منهج الفقهاء وطريقة الحنفية قال:(ولو سلك هؤلاء طريق الاستقراء فأكثروا المسائل الفقهية من أبواب شتى على أن يجمعها وحدة أصولية، كما فعل ذلك الشاطبي أحيانا في كتاب الموافقات، وقصدوا بذلك الشرح والبيان والإرشاد إلى ما بينها من معنى جامع يقتضي اشتراكها في الحكم دون تقيد بمذهب معين؛ ليخلصوا إلى القاعدة الأصولية، وأتبعوا ذلك ما يؤيده الاستقراء من أدلة العقل والنقل لكان طريقا طبيعيا، تألفه الفطر السليمة وتعتمده عقول الباحثين المنصفين، ولأكسبوا من قرأ في كتبهم استقلالا في الحكم، وفتحوا أمامهم باب البحث والتنقيب ويسروا لهم تطبيق القواعد الأصولية على ما جد ويجد من القضايا في مختلف العصور)(1).

ولهذا الإعجاب من شيخنا بالشاطبي رحمه الله فقد أحال إلى كتابه القيم (الموافقات) في مواضع شتى تزيد على العشرة، لا سيما في كتاب المقاصد (2).

كما أحال الشيخ رحمه الله على كتاب الاعتصام للشاطبي (3)

(1) د، هـ من المقدمة للشيخ رحمه الله.

(2)

وهذه النماذج على ذلك بالصفحات كما يلي: 1/ 37 - 124 - 131. 3/ 107 - 274 - 276. 4/ 160.

(3)

4/ 160 من الإحكام تعليق رقم 1.

ص: 341

رحمه الله.

وبذلك المعلم تتبين الكوكبة العلمية الوضاءة التي استنار الشيخ رحمه الله بمنهجها، واستقى من حسن طريقتها ومسلكها، فرحم الله الجميع ووفقنا للاستفادة من علمهم ومنهجهم.

ص: 342

المبحث العاشر: المعلم العاشر: موقفه المنصف من المخالف، وفقهه لأدب الخلاف:

العلم والأدب صنوان لا يفترقان بل أقول: ينبغي ألا يفترقا لأن جمال العلم أدب جم يزين صاحبه، ويدفعه للمعالي، ويبعده عن السفاسف، وعميق العلم لا يحتاج إلى لجاج في إثبات دعواه ولا تشنج في الرد على خصمه، وعفة اللسان منقبة كبيرة من وفق إليها فقد وفق للصواب، وكان حريا بالأثر العظيم في نشر علمه وفقهه ومنهجه، وقد يحرم العالم من نشر علمه وإفادة الآخرين بسبب تقصيره في هذا المجال، ولذلك لما فقه الصحابة أدب الخلاف ومن بعدهم الأئمة العظام كان لذلك الأثر الفاعل في قبول الناس لقولهم والإفادة منه، وعلى ذلك سار أهل العلم والإيمان إلى يومنا هذا، ولله در النخبة والصفوة المميزة من علماء هذه الأمة كيف فقهوا العلم والأدب معا، وما أحسن وأبلغ منهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه

ص: 342

الله في ذلك فله فيه القدم الراسخة والقمة السامقة، وعلى ذلك درج العلماء، يأخذ الخلف بمنهج السلف، وكان شيخنا رحمه الله من هؤلاء الأئمة الذين جمعوا بين العلم وأدبه، فكان لمنهجهم التميز الموفق والأثر العظيم، فكان الشيخ رحمه الله يسلك مسلك الحجة والدليل والبرهان الناصع مع عفة لسان وحسن أدب، لا سيما عند نقد المخالف، بل لعله أن يعتذر عن مخالفه، فانظر إليه رحمه الله عند إيراده القصة التي رمي فيها الآمدي بترك الصلاة فعمد إليه بعضهم، ووضع على رجله شيئا من الحبر فبقيت نحو يومين، فينبري الشيخ انبراء المنصف فيلتمس العذر له فيقول:(قد يبقى الحبر أياما على العضو مع تتابع الوضوء والغسل، وخاصة عضو من لا يرى التدليك فرضا في الطهارة بل يكتفي بإسالة الماء في غسله ووضوئه) ثم يختم القصة فيقول: (وعلى كل حال فالأصل البراءة حتى يثبت الناقل)(1).

الله أكبر هذا هو المنهج المتميز الذي يتلألأ أدبا وأخلاقا، أين هو من منهج كثير من الناس الذين أغرقوا بتتبع السقطات وأولوا بتصيد العثرات، فسوء الظن طويتهم، والمبادرة بالاتهام مطيتهم، فالله المستعان.

وقد كان الشيخ رحمه الله في تعليقه على مواضع من الإحكام مترسما منهج الأدب، فكان يصحح الخطأ وينبه على الرأي المرجوح، فيقول مثلا: الصحيح كذا، أو فيه نظر. ويبين الصواب، ولا يتهم أو

(1) ص: ز من المقدمة وترجمة الشيخ للآمدي رحمه الله.

ص: 343

يسيء الظن أو يعنف أو يقسو في العبارة، نعم قد يمسك المخالف من مأمنه، ويحتج عليه بنفس دعواه، ويتألم لمواضع التناقض عند من يخالفه، أو التعسف في استدلال، أو لي أعناق النصوص لخدمة مذهب، أو الإقناع برأي معين.

وهذا نموذج يثبت ذلك:

وهو أن الآمدي رحمه الله كثيرا ما يكرر أن مسائل الأصول قطعية، فيخالفه الشيخ رحمه الله، وأن مسائل الأصول فيها ما هو قطعي وفيها ما هو ظني، وقد تعقب الشيخ الآمدي رحمه الله في مواضع صرح الآمدي واعترف بأن بعض المسائل ظنية وأحيانا يتوقف، ولم يكن الشيخ رحمه الله في ذلك معنفا ولا متعسفا، بل يوقف القارئ بكل أدب على خطأ المؤلف وتناقضه في المسألة (1).

ولعلي أختصر القول في ذلك بالإحالة إلى النماذج الحية في هذا المعلم المهم.

وهكذا ينتهي الحديث عن هذا المعلم، وبانتهائه تنتهي المعالم العشرة الرئيسة في منهج الشيخ الأصولي رحمه الله. وأعترف أنها خطوط عريضة، وملامح خاطفة بحاجة إلى التعمق والدراسة والاستقصاء. وإني لأرى أن كل معلم منها بحاجة إلى بحث مستقل

(1) انظر 2/ 71 - 80، 117 من الإحكام، وتعليق رقم 1، 2 منه.

ص: 344

يتم من خلاله الشرح والبسط والاستقراء والتعليق والاستقصاء، لكن لعلي وفقت بجهد المقل لأن أرسم صورة مختصرة عن منهجه رحمه الله، وإني لأطالب بدراسة أراء الشيخ الأصولية ومنهجه العلمي بشكل موسع ومقارن؛ ليفيد منه الباحثون وطلاب العلم عامة والمتخصصون في علم الأصول خاصة، فهو بحر محيط - بلا مبالغة - جدير بإبحار المختصين للحصول على درره ولآلئه وأصدافه، عليه رحمة الله.

ص: 345

الخاتمة:

وبعد هذه الرحلة العلمية الممتعة التي عشنا فيها في رحاب منهج علم من علمائنا الأجلاء، ومشايخنا الفضلاء، هو سماحة العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي، يحسن أن أورد بعض النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث في معالم منهجه الأصولي رحمه الله.

ولقد تحصل لي من خلال هذا البحث نتائج عامة وأخرى خاصة سأفرد كلا منها بحديث كالأتي:

أولا: النتائج العامة:

أهمها:

1 -

الحاجة الماسة إلى إبراز مثل هذا النوع من البحوث في التركيز على تجلية الصورة العلمية المشرقة لعلمائنا الأجلاء.

2 -

ضرورة العناية بقضية (المنهج) في دراسة الشخصيات العلمية عامة والأصولية خاصة.

3 -

مكانة الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله علميا وأصوليا ومنهجيا.

ص: 345

4 -

التعرف على جوانب سيرته المباركة والإفادة منها.

5 -

تبحر الشيخ رحمه الله في علم الأصول مما لم أستطع معه لإخفاقي في الإبحار إلا أن أرسم المعالم وأوضح الملامح والخطوط العريضة في منهجه رحمه الله.

6 -

إبراز المنهج الأصولي الصحيح الذي سار عليه المحققون من العلماء وسلكه شيخنا رحمه الله التزاما بالعقيدة الصحيحة والأدلة النقلية السليمة.

تلك أهم النتائج العامة التي توصلت إليها.

أما النتائج الخاصة فهي كما يلي:

1 -

بروز منهج الشيخ رحمه الله في إبراز عقيدة السلف ونقد ما يخالفها، وضرورة بناء علم الأصول على صحة الاعتقاد.

2 -

تركيز الشيخ رحمه الله في منهجه الأصولي على الأدلة الصحيحة، وعنايته بالنصوص من الكتاب والسنة، وتقعيد علم الأصول على صحيح المنقول، ونقد الروايات الضعيفة والأخبار الموضوعة.

3 -

تجلي منهج الشيخ رحمه الله في تنقية علم الأصول، مما علق به من الإغراق في الجدل والمنطق، والاسترسال في المباحث العقلية والمسائل الافتراضية.

4 -

لقد سار الشيخ رحمه الله في عرض المسائل الأصولية وبحثها على المنهج العلمي الرصين الذي يقرب المعلومة للقارئ في أجلى صورة، واعتنى بتحرير محل النزاع، وركز فيها على التطبيقات وكثرة الأمثلة والتفريعات، وربط المسائل الأصولية

ص: 346

بالفروع الفقهية، فجمع بين التقعيد والتأصيل والتفريع بمنهج متميز زاده بهاء وإفادة تجليته لمقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها، وعنايته بثمرة الخلاف العلمية في جمع متكامل وعرض سليم وطرح فريد.

5 -

بروز شخصيته العلمية الأصولية رحمه الله وتميزه بالدقة، فكل كلمة لها دلالتها وكل حرف له موضعه وأثره، وهذا شأن العالم المتمكن والأصولي المتمرس.

6 -

عنايته رحمه الله بزبدة هذا العلم تيسيرا وتسهيلا على المتلقي بذكر المسألة والقاعدة والمثال بطريقة واضحة وبصورة مختصرة بلا إغراق وتطويل فيما لا طائل تحته من المباحث الكلامية والمسائل الجدلية.

7 -

تحرر الشيخ رحمه الله من التعصب المذهبي والتقليد العلمي والمنهجي لأحد دون دليل واضح وبرهان ساطع، فالدليل رائده، والحجة مطلبه، والحكمة ضالته.

8 -

عناية الشيخ رحمه الله بلغة القرآن الكريم اللغة العربية تأصيلا والتزاما وأسلوبا ونقدا، غيرة على لغة الضاد، وعاء المعاني، وقالب الأحكام الشرعية.

9 -

استفادة الشيخ رحمه الله من منهج المحققين من الأصوليين، أعلام التجديد فيه، على ضوء الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، فكان أن عاش بين التأثر بهم والتأثير من خلال منهجهم، ومع كل هذا وذاك فهو مستقل الشخصية متميز النزعة رحمه الله.

ص: 347

10 -

جمعه بين العلم الجم والأدب الأتم، فقيه لأدب الخلاف، منصف للخصم، عف اللسان في المناقشة للآخرين، يقصد إصابة الحق بدليله وإقامة الحجة على الغير، لا للتشفي منه والتقليل من شأنه، وتلك لعمر الحق سمة العلماء العاملين المخلصين.

وفي الختام إن كان هناك من توصيات في هذا الصدد؛ فإنها تكمن في الحاجة الماسة إلى إيلاء علم الشيخ ومنهجه في مختلف الفنون - لا سيما في العقيدة والأصول والفقه ونحوها - العناية والإبراز من قبل المتخصصين وطلاب الدراسات العليا، وضرورة نشر ذلك للباحثين، وربط الناشئة والأجيال العلمية المعاصرة بعلمائهم ومشايخهم ذوي الاعتقاد الصحيح، والمنهج السليم.

وقبل أن أضع القلم أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى للشيخ رحمه الله سابغ الرحمة والرضوان والفردوس الأعلى في الجنان، وأن يجزيه عن المسلمين وطلاب العلم خير الجزاء، وأن يوفق الباحثين للاستفادة من علمه ومنهجه، وأن يجمعنا به في دار كرامته، وأن يوفقنا لرد شيء من جميله وفاء لبعض حقه علينا، إنه جواد كريم، وهو سبحانه خير مسئول وأكرم مأمول، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ص: 348