الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الأول منهما، فإن الأحناف اعتبروه من السنن والمندوبات لا من الواجبات.
وأما الثاني، فإن ملا القاري اعتبرها واجبا مستقلا إذ قال:(فصل في ركعتي الطواف، وهي واجبة).
قال الشارح: (أي: مستقلة، لا سنة)(1).
(1) المرجع السابق ص105.
المطلب الأول: جعل البيت عن يساره:
لا خلاف بين العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف جعل البيت عن يساره وسار متجها تلقاء وجهه، لما روى جابر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه، ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا، ومشى أربعا (1)» . فهل تعد هذه الصفة شرطا لصحة الطواف أم من واجباته؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن جعل البيت عن يسار الطائف، واتجاهه تلقاء وجهه شرط لصحة الطواف. وإلى هذا ذهب: مالك، والشافعي، وأحمد، وهو قول للأحناف.
(1) صحيح مسلم الحج (1218)، سنن الترمذي الحج (856)، سنن ابن ماجه المناسك (3074)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 321)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850).
القول الثاني: أن هذه الصفة المشار إليها ليست شرطا لصحة الطواف، وإنما هي واجبة، فلو جعل البيت عن يمينه، أو جعله عن يساره وسار القهقرى أو جعله تلقاء وجهه أو خلفه فعليه الإعادة، فإن عاد إلى بلده ولم يعد فعليه دم. وإلى هذا ذهب الأحناف في المشهور.
القول الثالث: أن هذه الصفة سنة، يكره تركها، فإن أخل بها صح طوافه ولم يلزمه شيء. وإلى هذا ذهب الأحناف في قول،
داود الظاهري (1).
الأدلة:
أ - استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البيت في الطواف عن يساره، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لتأخذوا عني مناسككم (2)» فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاقتداء به في أداء المناسك، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم البيت عن يساره؛ فدل ذلك على وجوب الترتيب.
الثاني: وقالوا: إن الترتيب وجعل البيت عن يسار الطائف بيان لمجمل الكتاب، فكان شرطا لصحة الطواف، كالترتيب في الصلاة (3).
الثالث: وقالوا: إنها عبادة تفتقر إلى البيت فوجب أن يكون التنكيس مانعا من صحتها كالصلاة (4).
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي: بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (5) وجه الاستدلال منها:
أن الله أمر بالطواف، ولم يقيد الطواف باليمن أو باليسار،
(1) انظر: بدائع الصنائع 2/ 131، منسك ملا القاري ص104، حاشية ابن عابدين 2/ 468، الحاوي 4/ 150.
(2)
صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).
(3)
انظر: المغني 5/ 231.
(4)
انظر: الحاوي 4/ 151، المجموع 8/ 30.
(5)
سورة الحج الآية 29
إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب على جعل البيت عن يساره. فدل ذلك على وجوبه، وأن الإخلال به موجب للدم (1).
3 -
واستدل أصحاب القول الثالث، القائلون بأنه سنة بما يلي:
الأول: بالآية. وقالوا: إن الله أمر بالطواف، ولم يقيد ذلك بصفة، فمن طاف حول البيت فقد أدى الفرض سواء جعل البيت عن يساره أم عن يمينه أم تلقاء وجهه أم خلف ظهره، فدل ذلك على أن هذه الصفة - وهي جعل البيت عن يساره - سنة في الطواف، كهيئة الرمل، والاضطباع (2).
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه الجمهور وهو: أن على الطائف أن يجعل البيت عن يساره، وأن من أخل بهذه الصفة، بأن جعل البيت عن يمينه، أو عن يساره ورجع القهقرى، أو جعله تلقاء وجهه أو خلف ظهره. لم يصح طوافه، ولا يعتد به، وأن عليه أن يعيده لإخلاله بشرط صحته. وذلك لما يلي:
أ - أن الله جل وعلا أمر بالطواف، ولم يبين كيفيته، فجاء البيان بفعله صلى الله عليه وسلم إذ طاف وجعل البيت عن يساره، ولم يخل بهذه الكيفية في شيء من طوافه، فكان ذلك دليلا على وجوب هذه الكيفية، وأنها شرط لصحة الطواف.
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم في بيانه لأفعال المناسك كان يأمر أصحابه - وأمته
(1) انظر: بدائع الصنائع 2/ 131، شرح فتح القدير 3/ 58.
(2)
انظر: المغني 5/ 231.