الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومرة عن شمالك (1).
وأما موقفه البطولي الذي دل على شخصية متميزة، فإنه موقفه يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ذاك الموقف الذي عصم الله به الأمة وحفظ به الدعوة.
كل هذه المناقب هي التي جعلت الصحابة الكرام يقولون: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.
(1) انظر: دلائل النبوة، البيهقي، ج 2، مصدر سابق، ص 476.
الفرع الثالث: أثر الدعوة في اتفاق الآراء بين الصحابة رضي الله عنهم:
لقد تربى أولئك الصحب الكرام في مجتمع الدعوة الأول الذي ينظر فيه الفرد إلى مصلحة الدعوة قبل أن ينظر إلى مصلحته الخاصة، ففي السقيفة كان للاهتمام بالدعوة أثر بالغ في البعد عن الخلاف واتفاق الآراء بين الصحابة الكرام؛ لأن خلافهم ليس مبنيا على حب الدنيا والتكالب عليها وحب المناصب، بل كان دافعه الأول البحث عن الأفضل والأصلح للمسلمين، ولولا هذا الدافع، وتلك التربية الأولى لاستلت السيوف، وأريقت الدماء، وصارت القضية قضية انتصار الأنصار أو المهاجرين، وبدأت حمية الجاهلية.
ومن هذا المفهوم بين الصديق رضي الله عنه سبب قبوله للبيعة
فقال: " لقد بايعوني وقبلتها منهم، وتخوفت أن تكون فتنة، وتقع بعدها ردة لو رفضت البيعة "(1).
وقال أيضا: " والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة قط، ولا كنت راغبا فيها، ولا سألتها الله في سر ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة، وما لي في الإمارة من راحة، لقد قلدت أمرا عظيما ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله "(2).
إن هذه المقولة مبدأ عظيم يحسن بالدعاة أن يحفظوها فيطبقوها، فلا يرى الداعي حريصا على منصب منشغلا بتحصيله دون دعوته؛ لأن طالب ذلك مخوف لا يؤمن جانبه، وحريص ينبغي أن يحترز من حرصه، وسؤاله والحرص عليه مع العلم بكثرة الآفات وصعوبة التخلص منها دليل على أنه يطلبه لنفسه ولأغراضه، ومن كان هكذا يوشك أن تغلب عليه نفسه فيهلك دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة
(1) انظر: البداية والنهاية، ابن كثر، ج 5، ط [القاهرة: مطبعة الفجالة] ص 247.
(2)
انظر: تاريخ الإسلام الذهبي ج 3، ط [بيروت: دار الكتاب الحديث، 1407 هـ] ص8.
أكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها (1)».
ويستثنى من ذلك من تعين الأمر في حقه، ورأى أن المصلحة في تقلد هذا المنصب؛ لأنه يحقق مصلحة راجحة لدعوته، فله أن يبادر إلى ذلك، يدل عليه طلب يوسف عليه السلام في قوله:{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (2).
وقد تظهر الرغبة في المنصب عند بعض المؤمنين الصادقين ولكنها تزول بالوعظ والتذكير ووجود الكفء لهذا المكان، كما فعل بعض الصحابة الكرام من الأنصار لما ذكروا بفضل الصديق رضي الله عنهم أجمعين، فعرفوا الفضل وأرجعوه إلى أهله وتجردوا من آرائهم ومطالبتهم، وذلك لمصلحة الدعوة.
كما يظهر من موقف السقيفة جانب مهم جدا وهو حق المدعوين في إبعادهم عن مواطن الفتن، فهذا الصديق رضي الله عنه يقبل البيعة قائلا: ولكني أشفقت من الفتنة. فهو إذن يقدم مصلحة الدعوة وأتباعها على مصلحته الشخصية؛ لأن الخلافة ليست له برغبة، بل هي ثقل يخاف منه.
(1) رواه الإمام مسلم في كتاب الإمارة، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها، ج 3، مصدر سابق، ص 1456، حديث رقم 1652.
(2)
سورة يوسف الآية 55