الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلا شك. ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول. قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه (1)» . فكيف يستسيغ أحد أن يبرأ اليهود من إثم قتل المسيح عليه السلام مع هذا الحديث الصريح وغيره من الأدلة، وهم لم يقتلوا الذي ألقي عليه شبهه إلا على أنه هو. وكل من عرف اليهود عرف أنهم أعداء لله وأعداء لرسله وأعداء للمسلمين بل أعداء للنصارى، والله المستعان.
س: قولهم: هل قال شيخ علماء الأزهر الشيخ شلتوت شيئا من هذا القبيل، وإذا كان قال شيئا فما الذي قاله؟
ج: إننا لا نعنى بتتبع أقوال شلتوت، ولا نعلم عما قاله، وإذا كان قد قال شيئا فقوله مما يحتاج أن يستدل له لا أن يستدل به، فقد أغنتنا نصوص الوحيين وكلام العلماء المحققين عن كلام غيرهم.
(1) صحيح البخاري الإيمان (31)، صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2888)، سنن النسائي تحريم الدم (4122)، سنن أبو داود الفتن والملاحم (4268)، سنن ابن ماجه الفتن (3965)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 51).
الثناء في القرآن على طائفة من النصارى
استجابت للحق لا على جميع النصارى
س: إن الله تعالى يقول في كتابه عن النصارى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} (1) الآيات، ومعلوم لدينا في الوقت الحاضر عداوتهم الشديدة للإسلام
(1) سورة المائدة الآية 82
والمسلمين. فما موقفنا منهم؟ ويقول: هل تجوز اللعنة عليهم كما جازت على اليهود؟ ويصف شدة حيرته في هذه المسألة.
ج: ليس في الثناء المذكور في هذه الآيات ما يوجب الحيرة في شأن النصارى والتوقف في لعنتهم، فإن الموصوفين بتلك الصفات ليس المقصود بهم جميع النصارى، بل طائفة منهم استجابت للحق ولم تستكبر عن اتباعه. وفي تعيين تلك الطائفة مسلكان للمفسرين:
1 -
أن المقصود بهذه الطائفة أصحاب النجاشي: إما الذين آمنوا إذ جاءتهم مهاجرة المؤمنين كما في رواية أبي الشيخ وابن جرير عن عطاء. وإما الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى الحبشة، لما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} (1) قال: هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة.
2 -
أن تلك الطائفة قوم كانوا على شريعة عيسى عليه السلام من أهل الإيمان، فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم آمنوا به وصدقوه؛ لما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله تعالى:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} (2) قال: أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى يؤمنون به وينتهون إليه، فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم
(1) سورة المائدة الآية 82
(2)
سورة المائدة الآية 82
صدقوه وآمنوا به وعرفوا ما جاء به من الحق أنه من عند الله فأثنى عليهم بما تسمعون. وعلى هذين التفسيرين اقتصر ابن جرير الطبري في تفسيره؛ اختار أن هذه الآيات في صفة أقوام بهذه المثابة سواء كانوا أصحاب النجاشي أو غيرهم. وعبارته: والصواب في ذلك عندي أن الله وصف صفة قوم قالوا: إنا نصارى، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أقرب الناس ودادا لأهل الإيمان بالله ورسوله ولم يبين لنا أسماءهم. وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النجاشي. ويجوز أن يكون أريد به قوم كانوا على شريعة عيسى عليه السلام فأدركهم الإسلام فأسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق ولم يستكبروا عنه.
وتوجيه هذه الآيات إلى أنها في طائفة معينة من النصارى استجابت للحق هو المشهور، وهو الذي يقتضيه سياق الآيات المسئول عنها. وإليه مال العلامة ابن القيم في (هداية الحيارى من اليهود والنصارى). ثم قال بعد كلام طويل في هذه الآيات: والمقصود أن هؤلاء: أي الموصوفين بهذه الصفات الذين عرفوا أنه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة إلى الإيمان.
وقال ابن كثير في تفسيره: وهذا الصنف من النصارى أي الذين أثنى الله عليهم في هذه الآيات هم المذكورون في قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} (1) الآية وهم
(1) سورة آل عمران الآية 199
الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} (1){وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} (2) إلى قوله {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (3)، ولهذا قال تعالى هنا:{فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (4) أي: فجازاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق جنات تجري من تحتها الأنهار {خَالِدِينَ فِيهَا} (5) أي: ماكثين فيها أبدا لا يحولون ولا يزولون {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (6) أي: في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان وأيا كان، ومع من كان اهـ.
وممن صرح بأن هذه الآيات لم يرد بها جميع النصارى الإمام البغوي في معالم التنزيل. قال في قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} (7) لم يرد به جميع النصارى؛ لأنهم في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين وأسرهم وتخريبهم بلادهم، وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم لا، ولا كرامة لهم، بل الآية فيمن أسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه. وحكى القول بأن ذلك في جميع النصارى لما فيهم من اللين حكاه بصفة التمريض.
وأما لعنة من لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من النصارى فلا يحصى ما جاء من الأدلة القطعية، ومنها ما روى البخاري ومسلم في
(1) سورة القصص الآية 52
(2)
سورة القصص الآية 53
(3)
سورة القصص الآية 55
(4)
سورة المائدة الآية 85
(5)
سورة المائدة الآية 85
(6)
سورة المائدة الآية 85
(7)
سورة المائدة الآية 82
صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، (1)» وكيف لا يلعن من وصف الله قوله في كتابه إذ يقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (2)، وإذ يقول:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (3) إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة لكفرياتهم وضلالاتهم، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الضالين في قوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (4){صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (5) بأنهم النصارى. وقال الإمام ابن أبي حاتم في تفسيره: لا أعلم بين المفسرين في هذا - أي تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى - اختلافا اهـ.
ومن الآيات المصرحة. بمصيرهم قوله تعالى آخر تلك الآيات التي ذكرها السائل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (6).
والخلاصة: أن الآيات لا تعني جميع النصارى بل إنما تعني طائفة منهم استجابت للحق بعدما عرفته ولم تستكبر عن اتباعه، وأن لعنة النصارى جائزة مثل لعنة اليهود. والله الموفق.
(1) صحيح البخاري الجنائز (1390)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531)، سنن النسائي المساجد (703)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 146)، سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2)
سورة المائدة الآية 72
(3)
سورة المائدة الآية 73
(4)
سورة الفاتحة الآية 6
(5)
سورة الفاتحة الآية 7
(6)
سورة المائدة الآية 86
س: حديث «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد (1)» هل هو الناقل عن الملة؟
ج: اختلف أهل العلم فيه. فقيل: إنه لا يخرجه من الإسلام بل هو من العصاة من أهل الإسلام المتغلظة معاصيهم، وإلا لو كان كافرا لما قيد بأربعين. وقيل: إن هذا من أحاديث الوعيد فيمر كما جاء ولا يتعرض له بتأويل. وهذا قول أحمد وعامة السلف؛ لأن ذلك أبلغ في الردع عن الجرائم. فالأول ليس من التأويل. وهو تأدب في المعنى مع اللفظ. والثاني تأدب مع اللفظ، وكل مصيب.
ولكن الأولى أن يقال لمن يظن أنه يرى مذهب الخوارج: لا ينقل فإنه بيان لحكمه، فإن الخوارج زعموا أنه وأشباهه دليل على تكفير العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وإن كان الحال مأمونا أن ينزع به أحد إلى تكفير العصاة قيل كما في النص: أطلق كما أطلق النص.
وكذلك المنجم والضارب بالحصى والودع، لكن عدم كفر الواحد منهما ما لم يعتقد إباحته، فإن اعتقد إباحته فهو مرتد؛ لأن برهانها ظاهر بالشرع؛ لأنه معلق على الاستخذاء للشياطين بهم. وكذلك ما لم يدع أنه يعلم الغيب، أو يدع التصرف في الوجود في بعض الأشياء. وكثير منهم أو أكثرهم لا ينفكون عن ادعاء علم المغيبات. ويعزر أصحاب هذه الأمور تعزيرا يردعهم وأمثالهم ثم يكف عنهم. والتعزير يرجع إلى الإمام الناظر النظر الشرعي، فإذا اقتضى القتل لا سيما من كان له شهرة في ذلك فإنه يقتل.
(1) سنن الترمذي الطهارة (135)، سنن أبو داود الطب (3904)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (639)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 429)، سنن الدارمي الطهارة (1136).