المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فتاوى سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌الشرك في الربوبية أعظم من الشرك في الإلهية

- ‌اعتقاد أن الرسول نور وليس بشرا

- ‌المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب

- ‌الثناء في القرآن على طائفة من النصارى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ هل الدعاء والصدقة ترد القضاء والقدر

- ‌ طلب مني رجل مسيحي مصحفا هل أعطيه أو لا

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌وجوب الزكاة ليس مربوطا برمضان

- ‌منكر وجوب الزكاة كافر

- ‌ حكم دفع الزكاة للأقارب والخدم

- ‌حكم من صام وهو تارك للصلاة

- ‌إذا طهرت الحائض ثم صامتثم حاضت فصيامها صحيح

- ‌المريض الذي لا يرجى برؤه يطعم

- ‌من يتأخر في القضاء آثم ويلزمه القضاء والتوبة

- ‌السواك جائز في رمضان

- ‌أصل صلاة التراويح

- ‌حضور المرأة للتراويح جائز

- ‌صفة دعاء القنوت

- ‌صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته

- ‌حكم ترك الصلاة

- ‌أخطئ على زوجي ولا أعتذر

- ‌أذن المؤذن وأفطر الناس قبل الوقت

- ‌ السفر المبيح للفطر

- ‌ آداب الصيام

- ‌الحامل والمرضع عليهما القضاء والإطعام

- ‌يصلي في الحرم ويترك نساءه في السوق

- ‌المرأة وهي تطبخ في عبادة لله

- ‌صيام ثلاثة أيام من كل شهر متتابعة أو متفرقة

- ‌ الاختلاف المذموم

- ‌الدم الكثير يستوجب إعادة الوضوء

- ‌ صيام فاقد الذاكرة

- ‌المحرمات من النساء

- ‌فضل قراءة القرآن الكريم

- ‌عمل صالحا ويتبعه سيئا

- ‌القنوت مشروع في الوتر

- ‌مات قبل أن يكمل رمضان

- ‌أفطر بسبب تقبيل

- ‌الدعاء المستحب عند الفطر

- ‌ طهرت قبل الفجر ولم تغتسل إلا بعد طلوع الشمس

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب

- ‌من أفطر بعذر عليه أن يمسك بقية يومه

- ‌ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ البول يخرج سائل هل لا بد من الغسل

- ‌ وهل يجوز للطبيب أن يتخصص في طب النساء والتوليد

- ‌ رفض علاج مريض متخلف عقليا

- ‌ هل يجوز للصائم استخدام معجون الأسنان

- ‌واجبات الطواف

- ‌المقدمة:

- ‌المطلب الأول: جعل البيت عن يساره:

- ‌المطلب الثاني: الطهارة من الحدث:

- ‌المطلب الثالث: الطهارة من النجس:

- ‌المطلب الرابع: ستر العورة:

- ‌المطلب الخامس: الموالاة بين الأشواط:

- ‌الفرع الثاني: الأمور التي يجوز قطع الطواف لها:

- ‌المسألة الأولى: قطع الطواف للصلاة

- ‌الفرع الثالث: موضع البدء لمن أراد البناء:

- ‌المطلب السادس: المشي مع القدرة:

- ‌الفرع الأول: حكم المشي في الطواف:

- ‌الفرع الثاني: شرط طواف المحمول:

- ‌المطلب السابع: الصلاة عقيبه:

- ‌الفرع الأول: حكم ركعتي الطواف:

- ‌الفرع الثاني: مكان أداء ركعتي الطواف:

- ‌الفرع الثالث: وقت أداء ركعتي الطواف:

- ‌الخاتمة:

- ‌تاريخ الدعوة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: اختيار الصديق رضي الله عنه ومبايعته إماما للمسلمين:

- ‌المطلب الأول: الأمة المصطفاة لوراثة كتاب الله والدعوة إليه:

- ‌المطلب الثاني: أهمية المبادرة في اختيار إمام للمسلمين:

- ‌المطلب الثالث: بيعة الصديق رضي الله عنه إماما للمسلمين:

- ‌الفرع الأول: اتفاق الصحابة الكرام على بيعة الصديق رضي الله عنه:

- ‌الفرع الثاني: أسباب قناعة الصحابة الكرام ببيعة الصديق رضي الله عنه:

- ‌الفرع الثالث: أثر الدعوة في اتفاق الآراء بين الصحابة رضي الله عنهم:

- ‌المطلب الأول: اهتمام الصديق رضي الله عنه بالدعوة حال توليه الخلافة:

- ‌المطلب الثاني: امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذه جيش أسامة

- ‌المطلب الثالث: دعوة المرتدين ليرجعوا إلى الإسلام:

- ‌الفرع الأول: أسباب اتباع الناس لتلك الدعوات المضللة:

- ‌الفرع الثاني: موقف الصحابة الكرام رضي الله عنهم من هذه الفتنة:

- ‌الفرع الثالث: جهود الصديق رضي الله عنه في القضاء على الدعوات المضللة:

- ‌ثانيا: القضاء على دعوتي سجاح بنت الحارث ومسيلمة الكذاب

- ‌ثالثا: القضاء على ردة أهل البحرين تحت زعامة الحطم بن ضبيعة

- ‌المطلب الرابع: جمع مصدر الدعوة الأول (القرآن الكريم):

- ‌المطلب الخامس: نشر الدعوة عن طريق الجهاد:

- ‌الفرع الأول: نشر الدعوة في العراق

- ‌الفرع الثاني: نشر الدعوة في الشام

- ‌المبحث الثالث: اهتمام الصديق بالدعوة عند وفاته رضي الله عنه:

- ‌الخاتمة:

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه:

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: طلبه للعلم وحياته العلمية:

- ‌المطلب الرابع: شيوخه وأقرانه:

- ‌المطلب الخامس: حياته العملية:

- ‌المطلب السادس: صفاته وأخلاقه:

- ‌المطلب السابع: تلاميذه:

- ‌المطلب الثامن: وفاته:

- ‌المطلب التاسع: آثاره العلمية ومؤلفاته:

- ‌الفصل الأول: (المنهج) تعريفه وأهميته وآثاره:

- ‌المبحث الأول: تعريف المنهج والمراد به في اللغة والاصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أهمية المنهج ودواعي العناية به:

- ‌المبحث الثالث: الآثار الإيجابية والسلبية في قضية النهج:

- ‌المبحث الرابع: نظرة في مناهج الأصوليين:

- ‌الفصل الثاني: معالم منهج الشيخ عبد الرزاق الأصولي:

- ‌المطلب الأول: عنايته بتحرير محل النزاع

- ‌المطلب الثاني: تركيزه على التطبيق، وكثرة الأمثلة وتخريج الفروع على الأصول:

- ‌المطلب الثالث: اهتمامه بالتأصيل والتقعيد وبيان مقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها:

- ‌المطلب الرابع: إيراده لثمرة الخلاف:

- ‌المبحث السابع: المعلم السابع: مجانبته التعصب والتقليد:

- ‌الإحسان: أهميته، أقسامه، ثمراته

- ‌هدف البحث وغايته:

- ‌التعريفات:

- ‌مقامات الإحسان ومنازله:

- ‌منزلة الإحسان في الدين

- ‌الأعمال تتفاضل بحسب فعلها بالإحسان:

- ‌ التقوى والإحسان:

- ‌ الإحسان والإنفاق في سبيل الله:

- ‌ الإحسان والعفو والصفح:

- ‌ الإحسان والتقوى والنسك والذكر:

- ‌ الإحسان والهدى والرحمة:

- ‌ الإحسان والصدق والتقوى:

- ‌ الإحسان وإرادة الله ورسوله، والدار الآخرة:

- ‌ الإحسان والجهاد:

- ‌ الإحسان والتقوى والاستجابة لله ولرسوله:

- ‌ الإحسان والإنفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس:

- ‌ الإحسان وإسلام الوجه لله:

- ‌ الإحسان، والعدل وإيتاء ذي القربى والنهي عن المنكر والبغي:

- ‌ الإحسان والصبر:

- ‌ الإحسان وسلام الله:

- ‌ الإحسان، والإيمان، والعمل الصالح:

- ‌ الإحسان، والتقوى، والصبر:

- ‌ الإحسان، والتقوى، وما أنزل الله:

- ‌ثمرات الإحسان:

- ‌ الخلود في جنات النعيم:

- ‌ حب الله لهم، وتفضله عليهم بثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة:

- ‌ ما يهبه الله من ذرية صالحة، وتفضيل، وهداية، وعلم، وحكمة، ونبوة:

- ‌ حصول رضى الله لهم:

- ‌ ومن ثمرات الإحسان الإحسان:

- ‌ حصول رحمة الله:

- ‌ كل ما يعمله العبد في سبيل الله يكتب له به عمل صالح

- ‌ رفع الحرج:

- ‌ الحكم، والعلم، وتأويل الأحاديث، والتمكين في الأرض، والملك:

- ‌ الظلال، والعيون، والفواكه، والأكل، والشرب الهنيء:

- ‌ الحسنى وزيادة:

- ‌ صرف المكاره والشدائد في الدنيا:

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن نشرة مكذوبة حول عقوبة تارك الصلاة

الفصل: ‌ فتاوى سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز

من‌

‌ فتاوى سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز

مفتي عام المملكة العربية السعودية سابقا

شرح معنى قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} (1)

س: قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (2){فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3)، والسؤال هو: أن بعض المسلمين يأخذون بهذه الآية أنه لا حرج على المسلم أن يذهب ويشد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله أن يستغفر له رسول الله وهو في قبره، فهل هذا العمل صحيح كما قال تعالى. وهل معنى جاءوك في حياتك أم في موتك؟ وهل يرتد المسلم عن الإسلام إذا لم يحكم سنة رسول الله؟ وهل التشاجر على الدنيا أم على الدين؟

ج: هذه الآية الكريمة فيها حث الأمة على المجيء إليه إذا ظلموا أنفسهم بشيء من المعاصي، أو وقعوا فيما هو أكبر من ذلك

(1) سورة النساء الآية 64

(2)

سورة النساء الآية 64

(3)

سورة النساء الآية 65

ص: 41

من الشرك أن يجيئوا إليه تائبين نادمين حتى يستغفر لهم عليه الصلاة والسلام، والمراد بهذا المجيء: المجيء إليه في حياته صلى الله عليه وسلم وهو يدعو المنافقين وغيرهم إلى أن يأتوا إليه ليعلنوا توبتهم ورجوعهم إلى الله، ويطلبوا منه عليه الصلاة والسلام أن يسأل الله أن يقبل توبتهم وأن يصلح أحوالهم؛ ولهذا قال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (1) فطاعة الرسول إنما تكون بإذن الله، يعني الإذن الكوني القدري، فمن أذن الله له وأراد هدايته اهتدى، ومن لم يأذن الله في هدايته لم يهتد، فالأمر بيده سبحانه، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2) أما الإذن الشرعي فقد أذن سبحانه لجميع الثقلين أن يهتدوا، وأراد منهم ذلك شرعا وأمرهم به، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (3)، وقال سبحانه:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (4)، ثم قال:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} (5)، أي تائبين لا مجرد قول، واستغفر لهم

(1) سورة النساء الآية 64

(2)

سورة التكوير الآية 29

(3)

سورة البقرة الآية 21

(4)

سورة النساء الآية 26

(5)

سورة النساء الآية 64

ص: 42

الرسول، أي: دعا لهم بالمغفرة، لوجدوا الله توابا رحيما، فهو حث لهم أي للعباد على أن يأتوا للرسول صلى الله عليه وسلم ليعلنوا عنده توبتهم وليسأل الله لهم، وليس المراد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما يظنه بعض الجهال، فالمجيء إليه بعد موته لهذا الغرض غير مشروع، وإنما يؤتى للسلام عليه لمن كان في المدينة أو وصل إليها من خارجها لقصد الصلاة بالمسجد والقراءة فيه ونحو ذلك، فإذا أتى المسجد سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، لكن لا يشد الرحل من أجل زيارة القبر فقط، بل من أجل المسجد وتكون الزيارة لقبره صلى الله عليه وسلم، وقبر الصديق وعمر رضي الله عنهما تابعة لزيارة المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى (1)» متفق على صحته، فالقبور لا تشد إليها الرحال، ولكن متى وصل إلى المسجد النبوي فإنه يشرع له أن يسلم عليه صلى الله عليه وسلم، ويسلم على صاحبيه رضي الله عنهما، لكن لا يشد الرحال من أجل الزيارة فقط للحديث المتقدم.

وأما ما يتعلق بالاستغفار: فهذا يكون في حياته لا بعد وفاته، والدليل على هذا أن الصحابة لم يفعلوا ذلك، وهم أعلم الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأفقه الناس في دينه، ولأنه عليه الصلاة والسلام لا يملك ذلك بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم:«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (2)» ، وأما ما أخبر به عليه الصلاة والسلام أن من صلى

(1) صحيح البخاري الجمعة (1189)، صحيح مسلم الحج (1397)، سنن النسائي المساجد (700)، سنن أبو داود المناسك (2033)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1409)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 234)، سنن الدارمي الصلاة (1421).

(2)

صحيح مسلم الوصية (1631)، سنن الترمذي الأحكام (1376)، سنن النسائي الوصايا (3651)، سنن أبو داود الوصايا (2880)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 372)، سنن الدارمي المقدمة (559).

ص: 43

عليه تعرض صلاته عليه فذلك شيء خاص يتعلق بالصلاة عليه، ومن صلى عليه صلى الله عليها بها عشرا، وقال عليه الصلاة والسلام:«أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة؛ فإن صلاتكم معروضة علي قيل: يا رسول الله: كيف وقد أرمت أي: بليت. قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، (1)» فهذا حكم خاص بالصلاة عليه. وفي الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام (2)» فهذا شيء خاص للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه يبلغ ذلك، وأما أن يأتي من ظلم نفسه ليتوب عند القبر ويستغفر عند القبر فهذا لا أصل له، بل هو منكر، ولا يجوز وهو وسيلة للشرك، مثل أن يأتي فيسأله الشفاعة أو شفاء المريض أو النصر على الأعداء أو نحو ذلك، أو يسأله أن يدعو له فهذا لا يجوز؛ لأن هذا ليس من خصائصه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ولا من خصائص غيره، فكل من مات لا يدعى ولا يطلب منه الشفاعة لا النبي ولا غيره، وإنما الشفاعة تطلب منه في حياته، فيقال: يا رسول الله اشفع لي أن يغفر الله لي، اشفع لي أن يشفي الله مريضي وأن يرد غائبي، وأن يعطيني كذا وكذا، وهكذا يوم القيامة بعد البعث والنشور، فإن المؤمنين يأتون آدم ليشفع لهم إلى الله حتى يقضي بينهم فيعتذر، ويحيلهم إلى نوح فيأتونه فيعتذر، ثم يحيلهم نوح إلى إبراهيم فيعتذر، فيحيلهم إبراهيم إلى موسى فيعتذر، ثم يحيلهم موسى إلى عيسى فيعتذر، عليهم جميعا الصلاة والسلام، ثم يحيلهم عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتونه فيقول عليه الصلاة والسلام: أنا لها، أنا لها

(1) سنن النسائي الجمعة (1374)، سنن أبو داود الصلاة (1047)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1636)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 8)، سنن الدارمي الصلاة (1572).

(2)

صحيح البخاري الدعوات (6408)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2689)، سنن الترمذي الدعوات (3600)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 252).

ص: 44

فيتقدم ويسجد تحت العرش ويحمد ربه بمحامد عظيمة يفتحها الله عليه، ثم يقال له: ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعط واشفع تشفع فيشفع صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف حتى يقضى بينهم، وهكذا يشفع في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم موجود، أما في البرزخ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فلا يسأل الشفاعة ولا يسأل شفاء المريض ولا رد الغائب ولا غير ذلك من الأمور، وهكذا بقية الأموات لا يسألون شيئا من هذه الأمور، بل يدعى لهم ويستغفر لهم إذا كانوا مسلمين، وإنما تطلب هذه الأمور من الله سبحانه، مثل أن يقول المسلم: اللهم شفع في نبيك عليه الصلاة والسلام، اللهم اشف مريضي، اللهم انصرني على عدوي، ونحو ذلك؛ لأنه سبحانه يقول:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1)، ويقول عز وجل:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (2) الآية، أما قوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (3) الآية، فهي عامة على ظاهرها، فلا يجوز للمسلمين أن يخرجوا عن شريعة الله، بل يجب عليهم أن يحكموا شرع الله في كل شيء، فيما يتعلق بالعبادات، وفيما يتعلق بالمعاملات، وفي جميع الشئون الدينية والدنيوية لكونها تعم الجميع، ولأن الله سبحانه يقول:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (4)

(1) سورة غافر الآية 60

(2)

سورة البقرة الآية 186

(3)

سورة النساء الآية 65

(4)

سورة المائدة الآية 50

ص: 45

ويقول: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (1)، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2)، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (3)، فهذه الآيات عامة لجميع الشئون التي يتنازع فيها الناس ويختلفون فيها، ولهذا قال سبحانه:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} (4) يعني الناس من المسلمين وغيرهم {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} (5) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، وذلك بتحكيمه صلى الله عليه وسلم حال حياته وتحكيم سنته بعد وفاته، فالتحكيم لسنته هو التحكيم لما أنزل من القرآن والسنة؛ {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (6) أي فيما تنازعوا فيه، هذا هو الواجب عليهم أن يحكموا القرآن الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم، في حياته وبعد وفاته باتباع سنته التي هي بيان القرآن الكريم وتفسير له ودلالة على معانيه، أما قوله سبحانه:{ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (7) فمعناه أنه يجب أن تنشرح صدورهم لحكمه صلى الله عليه وسلم، وألا يبقى في صدورهم حرج مما قضى بحكمه عليه الصلاة والسلام؛ لأن حكمه هو الحق الذي لا ريب فيه وهو حكم الله عز وجل، فالواجب التسليم له وانشراح الصدر بذلك وعدم الحرج، بل عليهم أن يسلموا

(1) سورة المائدة الآية 44

(2)

سورة المائدة الآية 45

(3)

سورة المائدة الآية 47

(4)

سورة النساء الآية 65

(5)

سورة النساء الآية 65

(6)

سورة النساء الآية 65

(7)

سورة النساء الآية 65

ص: 46

لذلك تسليما كاملا رضا بحكم الله واطمئنانا إليه، هذا هو الواجب على جميع المسلمين فيما شجر بينهم من دعاوى وخصومات، سواء كانت متعلقة بالعبادات أو بالأموال أو بالأنكحة أو الطلاق أو بغيرها من شئونهم.

وهذا الإيمان المنفي هو أصل الإيمان بالله ورسوله بالنسبة إلى تحكيم الشريعة والرضا بها والإيمان بأنها الحكم بين الناس، فلا بد من هذا، فمن زعم أنه يجوز الحكم بغيرها أو قال: إنه يجوز أن يتحاكم الناس إلى الآباء أو إلى الأجداد أو إلى القوانين الوضعية التي وضعها الرجال سواء كانت شرقية أو غربية. فمن زعم أن هذا يجوز فإن الإيمان منتف عنه ويكون بذلك كافرا كفرا أكبر، فمن رأى أن شرع الله لا يجب تحكيمه ولكن لو حكم كان أفضل، أو رأى أن القانون أفضل، أو رأى أن القانون يساوي حكم الله فهو مرتد عن الإسلام. وهي ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن يقول: إن الشرع أفضل ولكن لا مانع من تحكيم غير الشرع.

النوع الثاني: أن يقول: إن الشرع والقانون سواء ولا فرق.

النوع الثالث: أن يقول: إن القانون أفضل وأولى من الشرع. وهذا أقبح الثلاثة، وكلها كفر وردة عن الإسلام.

أما الذي يرى أن الواجب تحكيم شرع الله، وأنه لا يجوز تحكيم القوانين ولا غيرها مما يخالف شرع الله ولكنه قد يحكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه ضد المحكوم عليه، أو لرشوة، أو لأمور سياسية، أو ما أشبه ذلك من الأسباب وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ

ص: 47

ومخالف للشرع فهذا يكون ناقص الإيمان، وقد انتفى في حقه كمال الإيمان الواجب، وهو بذلك يكون كافرا كفرا أصغر، وظالما ظلما أصغر، وفاسقا فسقا أصغر، كما صح معنى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وجماعة من السلف رحمهم الله، وهو قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سلك سبيلهم. والله المستعان.

ص: 48

معنى قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (1)

س: قال الله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (2) هل معنى هذا أن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بكتاب الله ولا يجتهد رأيه فيما لم ينزل عليه كتاب؟ وهل اجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ج: الله جل وعلا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين الناس بما أنزل الله عليه، قال سبحانه:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (3)، فكان يحكم بما أنزل الله، فإذا لم يكن هناك نص عنده اجتهد عليه الصلاة والسلام وحكم بما عنده من الأدلة الشرعية كما قال في الحديث الصحيح: «إنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة

(1) سورة النساء الآية 105

(2)

سورة النساء الآية 105

(3)

سورة المائدة الآية 49

ص: 48

من النار فليحملها أو يذرها (1)» متفق على صحته من حديث أم سلمة رضي الله عنها، ومعنى هذا أنه قد يجتهد في الحكم حسب القواعد الشرعية؛ لأنه لم ينزل عليه فيه شيء، فمن عرف أن الحكم ليس بمطابق، وأن الشهود زور؛ فقد أخذ قطعة من النار، فليحذر ذلك وليتق الله في نفسه، ولو كان الرسول هو الحاكم عليه؛ لأن الحاكم ليس له إلا الظاهر من ثقة الشهود وعدالتهم، أو يمين المدعى عليه، فإذا كان المدعي أحضر شهودا يعلم أنهم قد غلطوا ولو كانوا تقاة وأن الحق ليس له، أو يعلم أنهم شهود زور ولكن القاضي اعتبرهم عدولا؛ لأنهم عدلوا عنده وزكوا لديه، فإن هذا المال الذي يحكم به له أو القصاص كله باطل بالنسبة إليه لعلمه ببطلانه، وهو قد تعدى حدود الله وظلم، وإن حكم له القاضي؛ لأن القاضي ليس له إلا الظاهر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار (2)» والنبي صلى الله عليه وسلم يحكم بما أنزل الله فيما أوصاه الله إليه، وما لم يكن فيه نص اجتهد فيه عليه الصلاة والسلام حتى تتأسى به الأمة، وهو في ذلك كله يعتبر حاكما بما أنزل الله؛ لكونه حكم بالقواعد الشرعية التي أمر الله أن يحكم بها، ولهذا قال للزبير بن العوام رضي الله عنه لما ادعى على شخص في أرض:«شاهداك أو يمينه فقال الزبير: إذا يحلف يا رسول الله ولا يبالي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لك إلا ذلك (3)» متفق عليه «ولما بعث معاذا وفدا إلى اليمن قال له: إن عرض لك قضاء فبم تحكم؟ قال: أحكم بكتاب الله، قال: فإن لم تجد قال: فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن لم تجد. قال: أجتهد رأيي ولا

(1) صحيح البخاري الأحكام (7169)، صحيح مسلم الأقضية (1713)، سنن الترمذي الأحكام (1339)، سنن النسائي كتاب آداب القضاة (5422)، سنن أبو داود الأقضية (3583)، سنن ابن ماجه الأحكام (2317)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 307)، موطأ مالك الأقضية (1424).

(2)

صحيح البخاري الحيل (6967)، صحيح مسلم الأقضية (1713)، سنن النسائي آداب القضاة (5401)، سنن أبو داود الأقضية (3583)، سنن ابن ماجه الأحكام (2317)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 320)، موطأ مالك الأقضية (1424).

(3)

صحيح البخاري الرهن (2516).

ص: 49

آلو، فضربه صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله (1)» رواه الإمام أحمد وجماعة بإسناد حسن.

(1) سنن الترمذي الأحكام (1327)، سنن أبو داود الأقضية (3592)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 230)، سنن الدارمي المقدمة (168).

ص: 50

تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (1)

س: الأخ: أ. ع. ز. من بانياس الساحل في سوريا يقول في سؤاله: قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (2)، وهذا يعني أنه سبحانه ألزم نفسه بنفسه إطعام كل ما يدب على هذه الأرض من إنسان أو حيوان أو حشرات. . . إلخ، فبماذا نفسر المجاعة التي تجتاح بلدان قارة إفريقيا؟

ج: الآية على ظاهرها، وما يقدر الله سبحانه من الكوارث والمجاعات لا تضر إلا من تم أجله وانقطع رزقه، أما من كان قد بقي له حياة أو رزق، فإن الله يسوق له رزقه من طرق كثيرة قد يعلمها وقد لا يعلمها، لقوله سبحانه:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (3){وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (4)، وقوله:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} (5)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تموت نفس

(1) سورة هود الآية 6

(2)

سورة هود الآية 6

(3)

سورة الطلاق الآية 2

(4)

سورة الطلاق الآية 3

(5)

سورة العنكبوت الآية 60

ص: 50

حتى تستكمل رزقها وأجلها» وقد يعاقب الإنسان بالفقر وحرمان الرزق لأسباب فعلها من كسل وتعطيل للأسباب التي يقدر عليها، أو لفعله المعاصي التي نهاه الله عنها، كما قال الله سبحانه:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (1) الآية، وقال عز وجل:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (2) الآية، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه (3)» رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد.

وقد يبتلى العبد بالفقر والمرض وغيرهما من المصائب لاختبار شكره وصبره لقول الله سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (4){الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (5) وقوله عز وجل: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (6)، والمراد بالحسنات في هذه الآية النعم، وبالسيئات المصائب. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته ضراء صبر

(1) سورة النساء الآية 79

(2)

سورة الشورى الآية 30

(3)

سنن ابن ماجه المقدمة (90)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 282).

(4)

سورة البقرة الآية 155

(5)

سورة البقرة الآية 156

(6)

سورة الأعراف الآية 168

ص: 51