الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما يتلى فيها من المنكرات والأضاليل والخزعبلات، وفي مقدمة المنكرات الغلو في شخص الرسول عليه الصلاة والسلام تقليدا للنصارى، ومصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام:«لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى، قال: فمن؟ (1)» فلقد غلا النصارى في شخص عيسى عليه السلام وأنكروا بشريته، وقالوا عنه - زورا وبهتانا وإثما مبينا - بأنه ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
لقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الحذر على أمته أن تسلك المسلك الذي سلكه النصارى في رسولهم عيسى عليه السلام، فقال صلى الله عليه وسلم:«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله (2)» . وقال أيضا: «إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو (3)» .
(1) صحيح البخاري الأدب (6130)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2440)، سنن أبو داود الأدب (4931)، سنن ابن ماجه النكاح (1982)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 234).
(2)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3445)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 47).
(3)
سنن النسائي مناسك الحج (3057).
المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب
س: هل مات عيسى على الصليب؟
ج: المسيح عليه السلام قد صانه الله وحماه، فلم يقتل ولم يصلب، وإنما قتل وصلب المشبه به. وذلك أنه عليه السلام لما قصد منه أعداؤه من اليهود مقصد السوء وقاه الله كيدهم ورفعه عنهم في السماء، وألقى شبهه على رجل من الحواريين فأمسكوه وقتلوه وصلبوه بناء منهم على أنه المسيح عليه السلام، قال الله تعالى في حق
اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (1){وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} (2){وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (3){بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (4){وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (5).
فمن تأمل هذه الآيات عرف كذب اليهود بدعواهم قتله وصلبه، ولكن هموا بقتله وعزموا عليه وحاصروه ومن معه في البيت فأنقذه الله من كيدهم ورفعه إليه وألقى شبهه على واحد من أصحابه، وتأمل قوله تعالى:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} (6) تجد ذلك صريحا. وقد صرح المفسرون المحدثون والمؤرخون بمعنى ما ذكرنا.
قال ابن كثير: قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق: كان يوجد في زمن عيسى ملك اسمه داود بن نورا، فلما سمع بخبر عيسى أمر بقتله وصلبه، فحصروه في دار بيت المقدم، وذلك عشية الجمعة ليلة السبت، فلما حان وقت دخولهم ألقي شبهه على بعض أصحابه الحاضرين عنده، ورفع عيسى من روزنة في ذلك البيت إلى السماء وأهل البيت ينظرون، ودخل الشرطة فوجدوا ذلك الشاب الذي ألقي عليه شبهه فأخذوه ظانين أنه عيسى، فصلبوه ووضعوا الشوك
(1) سورة النساء الآية 155
(2)
سورة النساء الآية 156
(3)
سورة النساء الآية 157
(4)
سورة النساء الآية 158
(5)
سورة النساء الآية 159
(6)
سورة النساء الآية 157
على رأسه إهانة له، وسلم لليهود عامة النصارى الذين لم يشاهدوا ما كان من أمر عيسى أنه صلب، وضلوا بسبب ذلك ضلالا مبينا، وقال الله تعالى:{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (1)، ففي هذه الآيات أن الله وعده بأنه سيتوفاه ويرفعه إليه ويطهره من الذين كفروا، وقد صدق الله وعده وهو لا يخلف الميعاد.
وهذه الوفاة هي النوم كما قال غير واحد من العلماء بأنه نزل عليه النوم حينما رفع. والنوم يعبر عنه بالوفاة قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (2).
ومما يدل على أنه رفع إلى السماء وأنه ينزل في آخر الزمان إلى الأرض فيقتل الدجال، ما قاله ابن كثير في تفسير قوله تعالى {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (3) أي: بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وتصير الملل في ذلك الوقت ملة واحدة وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم، فلا يبقى أحد من أهل
(1) سورة آل عمران الآية 55
(2)
سورة الزمر الآية 42
(3)
سورة النساء الآية 159
الكتاب إلا آمن به، وقيل بل اليهود خاصة. وقال الحسن على هذه الآية:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (1) قال: قبل موت عيسى، والله إنه لحي الآن عند الله. وأصرح ما قيل في تفسير هذه الآيات ما قاله ابن جرير رحمه الله: إنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا من آمن به قبل موته عليه السلام فيكون الضمير عائدا إلى عيسى.
ثم ساق الأحاديث الواردة في هذا، ومنها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد وحتى تكون السجدة لله خير له من الدنيا وما فيها (2)» . وقد روي أنه ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق. وأنه يقاتل الدجال هو ومن معه من جنود الإسلام المنصورة فيدرك الدجال عند باب لد أو إلى جانب لد فيقتله. قال مجمع بن حارثة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يقتل ابن مريم الدجال بباب لد أو إلى جانب لد (3)» . وليس فيما يذكر من كذب اليهود بقتل عيسى عليه السلام ما يدل على براءتهم من إثم قتله وارتكاب جريمة اغتياله عليه السلام، فإنهم وإن لم يقتلوه بالفعل إلا أنهم صمموا على قتله، وبذلوا كل ما يستطيعون، وعملوا مع من ألقي عليه شبهه من قتله وصلبه وصفعه وإلقاء الشوك عليه وغر ذلك من الأشياء التي عملوها ظانين أنه عيسى عليه السلام، ثم صاروا يفتخرون بقتله، فقد باءوا بإثم قتله
(1) سورة النساء الآية 159
(2)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3448)، صحيح مسلم الإيمان (155)، سنن الترمذي الفتن (2233)، سنن أبو داود الملاحم (4324)، سنن ابن ماجه الفتن (4078)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 538).
(3)
صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2937)، سنن الترمذي الفتن (2240)، سنن أبو داود الملاحم (4321)، سنن ابن ماجه الفتن (4075)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 182).