الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجب (1).
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه جمهور العلماء وهو: أن الطهارة من النجس شرط لصحة الطواف، فمن طاف وعليه نجاسة في بدنه، أو ثوبه، أو المكان الذي يطؤه في طوافه، وهو عالم بها، قادر على إزالتها، فطوافه غير صحيح، ولا يعتد به. وذلك لما يلي:
1 -
استدلالهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بيان لمجمل الكتاب، والفعل إن كان بيانا للواجب كان ذلك دليلا على وجوبه؛ لأن المبين تبع للمبين وجوبا وندبا.
2 -
عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا عني مناسككم (2)» دليل على وجوب أفعاله في هذه العبادة، إلا ما دلت الأدلة على استثنائه، ومن ذلك وجوب الطهارة من النجس.
3 -
تشبيهه صلى الله عليه وسلم الطواف بالصلاة دليل على أنه يشترط له ما يشترط للصلاة، إلا ما دل الدليل على استثنائه، ومن ذلك اشتراط الطهارة من النجس.
(1) انظر: المبدع 3/ 221.
(2)
صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).
المطلب الرابع: ستر العورة:
المراد بستر العورة: ستر عورة كل من الذكر والأنثى، سترا تصح به صلاة كل منهما. فليس المراد بالعورة هنا: " العورة المغلظة، ولا ما يجب ستره عن الأجانب، بل ما يجب ستره في الصلاة.
ولن أتطرق في هذا المطلب إلى بيان عورة كل من الرجل
والمرأة، والحرة والأمة، وما يجب ستره في الطواف، فإن ذلك يخرجنا عما نحن بصدده.
والذي يهمنا من دراسة هذا المطلب معرفة آراء العلماء في اشتراط ستر العورة لصحة الطواف، وحكم من طاف كاشفا لعورته مع علمه بذلك، وقدرته على سترها.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن ستر العورة في الطواف شرط لصحته، فلو طاف كاشفا عورته، فطوافه غير صحيح ولا يعتد به.
وإلى هذا ذهب: مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه.
القول الثاني: أن ستر العورة واجب من واجبات الطواف، وليس شرطا لصحته، فلو طاف منكشف العورة، وجب عليه إعادة
الطواف، فإن تعذر عليه ذلك لبعده عن مكة، وجب عليه جبره بالدم. وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، ووجه للحنابلة.
الأدلة:
- استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: بقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (1).
وجه الاستدلال منها:
أن سبب نزول الآية أن المرأة كانت تطوف بالبيت عريانة.
(1) سورة الأعراف الآية 31
فأمر الناس بأخذ زينتهم، أي ستر عوراتهم؛ فدل ذلك على وجوب ستر العورة أثناء الطواف، وأنه شرط لصحته.
القول الثاني: وبقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1)، مع فعله صلى الله عليه وسلم وقوله:«لتأخذوا عني مناسككم (2)» . وقد تقدم بيان وجه استدلالهم منها في المسألة السابقة.
الثالث: وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع، يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان (3)» متفق عليه.
(1) سورة الحج الآية 29
(2)
صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).
(3)
صحيح البخاري الحج (1622)، صحيح مسلم الحج (1347)، سنن النسائي مناسك الحج (2958)، سنن أبو داود المناسك (1946)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 299)، سنن الدارمي الصلاة (1430).
زاد البخاري في رواية: «ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فأمره أن يؤذن ببراءة، قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان (1)» .
وجه الاستدلال منه:
نهي العريان من الطواف دليل على عدم صحة طوافه؛ لأن النهي يقتضي الفساد، ودليل على وجوب ستر العورة، وأنها شرط لصحة الطواف.
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: بالإطلاق في قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2) وقد تقدم وجه استدلالهم منها في المسألة السابقة.
الثاني: وبحديث أبي هريرة - المتقدم - ووجه استدلالهم منه:
قالوا: إن النهي عن الطواف بالبيت عريانا، دليل على وجوب ستر العورة، وهذا لا يقتضي اشتراطه لصحة الطواف؛ لأن الدليل المقتضي له خبر آحاد، والقول بالاشتراط مفض إلى تقييد إطلاق الكتاب (3).
الثالث: وقالوا: إن الطواف ركن الحج، فلم يكن ستر العورة
(1) أخرجه البخاري في الصلاة، باب ما يستر العورة (10) 1/ 96، وفي الحج، باب لا يطوف بالبيت عريان (67) 2/ 164، ومسلم في الحج، باب لا يحج البيت مشرك 9/ 115.
(2)
سورة الحج الآية 29
(3)
انظر: شرح فتح القدير 3/ 51.