المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذه جيش أسامة - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٨

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌الشرك في الربوبية أعظم من الشرك في الإلهية

- ‌اعتقاد أن الرسول نور وليس بشرا

- ‌المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب

- ‌الثناء في القرآن على طائفة من النصارى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌ هل الدعاء والصدقة ترد القضاء والقدر

- ‌ طلب مني رجل مسيحي مصحفا هل أعطيه أو لا

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌وجوب الزكاة ليس مربوطا برمضان

- ‌منكر وجوب الزكاة كافر

- ‌ حكم دفع الزكاة للأقارب والخدم

- ‌حكم من صام وهو تارك للصلاة

- ‌إذا طهرت الحائض ثم صامتثم حاضت فصيامها صحيح

- ‌المريض الذي لا يرجى برؤه يطعم

- ‌من يتأخر في القضاء آثم ويلزمه القضاء والتوبة

- ‌السواك جائز في رمضان

- ‌أصل صلاة التراويح

- ‌حضور المرأة للتراويح جائز

- ‌صفة دعاء القنوت

- ‌صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته

- ‌حكم ترك الصلاة

- ‌أخطئ على زوجي ولا أعتذر

- ‌أذن المؤذن وأفطر الناس قبل الوقت

- ‌ السفر المبيح للفطر

- ‌ آداب الصيام

- ‌الحامل والمرضع عليهما القضاء والإطعام

- ‌يصلي في الحرم ويترك نساءه في السوق

- ‌المرأة وهي تطبخ في عبادة لله

- ‌صيام ثلاثة أيام من كل شهر متتابعة أو متفرقة

- ‌ الاختلاف المذموم

- ‌الدم الكثير يستوجب إعادة الوضوء

- ‌ صيام فاقد الذاكرة

- ‌المحرمات من النساء

- ‌فضل قراءة القرآن الكريم

- ‌عمل صالحا ويتبعه سيئا

- ‌القنوت مشروع في الوتر

- ‌مات قبل أن يكمل رمضان

- ‌أفطر بسبب تقبيل

- ‌الدعاء المستحب عند الفطر

- ‌ طهرت قبل الفجر ولم تغتسل إلا بعد طلوع الشمس

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب

- ‌من أفطر بعذر عليه أن يمسك بقية يومه

- ‌ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ البول يخرج سائل هل لا بد من الغسل

- ‌ وهل يجوز للطبيب أن يتخصص في طب النساء والتوليد

- ‌ رفض علاج مريض متخلف عقليا

- ‌ هل يجوز للصائم استخدام معجون الأسنان

- ‌واجبات الطواف

- ‌المقدمة:

- ‌المطلب الأول: جعل البيت عن يساره:

- ‌المطلب الثاني: الطهارة من الحدث:

- ‌المطلب الثالث: الطهارة من النجس:

- ‌المطلب الرابع: ستر العورة:

- ‌المطلب الخامس: الموالاة بين الأشواط:

- ‌الفرع الثاني: الأمور التي يجوز قطع الطواف لها:

- ‌المسألة الأولى: قطع الطواف للصلاة

- ‌الفرع الثالث: موضع البدء لمن أراد البناء:

- ‌المطلب السادس: المشي مع القدرة:

- ‌الفرع الأول: حكم المشي في الطواف:

- ‌الفرع الثاني: شرط طواف المحمول:

- ‌المطلب السابع: الصلاة عقيبه:

- ‌الفرع الأول: حكم ركعتي الطواف:

- ‌الفرع الثاني: مكان أداء ركعتي الطواف:

- ‌الفرع الثالث: وقت أداء ركعتي الطواف:

- ‌الخاتمة:

- ‌تاريخ الدعوة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: اختيار الصديق رضي الله عنه ومبايعته إماما للمسلمين:

- ‌المطلب الأول: الأمة المصطفاة لوراثة كتاب الله والدعوة إليه:

- ‌المطلب الثاني: أهمية المبادرة في اختيار إمام للمسلمين:

- ‌المطلب الثالث: بيعة الصديق رضي الله عنه إماما للمسلمين:

- ‌الفرع الأول: اتفاق الصحابة الكرام على بيعة الصديق رضي الله عنه:

- ‌الفرع الثاني: أسباب قناعة الصحابة الكرام ببيعة الصديق رضي الله عنه:

- ‌الفرع الثالث: أثر الدعوة في اتفاق الآراء بين الصحابة رضي الله عنهم:

- ‌المطلب الأول: اهتمام الصديق رضي الله عنه بالدعوة حال توليه الخلافة:

- ‌المطلب الثاني: امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذه جيش أسامة

- ‌المطلب الثالث: دعوة المرتدين ليرجعوا إلى الإسلام:

- ‌الفرع الأول: أسباب اتباع الناس لتلك الدعوات المضللة:

- ‌الفرع الثاني: موقف الصحابة الكرام رضي الله عنهم من هذه الفتنة:

- ‌الفرع الثالث: جهود الصديق رضي الله عنه في القضاء على الدعوات المضللة:

- ‌ثانيا: القضاء على دعوتي سجاح بنت الحارث ومسيلمة الكذاب

- ‌ثالثا: القضاء على ردة أهل البحرين تحت زعامة الحطم بن ضبيعة

- ‌المطلب الرابع: جمع مصدر الدعوة الأول (القرآن الكريم):

- ‌المطلب الخامس: نشر الدعوة عن طريق الجهاد:

- ‌الفرع الأول: نشر الدعوة في العراق

- ‌الفرع الثاني: نشر الدعوة في الشام

- ‌المبحث الثالث: اهتمام الصديق بالدعوة عند وفاته رضي الله عنه:

- ‌الخاتمة:

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه:

- ‌المطلب الثاني: مولده ونشأته:

- ‌المطلب الثالث: طلبه للعلم وحياته العلمية:

- ‌المطلب الرابع: شيوخه وأقرانه:

- ‌المطلب الخامس: حياته العملية:

- ‌المطلب السادس: صفاته وأخلاقه:

- ‌المطلب السابع: تلاميذه:

- ‌المطلب الثامن: وفاته:

- ‌المطلب التاسع: آثاره العلمية ومؤلفاته:

- ‌الفصل الأول: (المنهج) تعريفه وأهميته وآثاره:

- ‌المبحث الأول: تعريف المنهج والمراد به في اللغة والاصطلاح

- ‌المبحث الثاني: أهمية المنهج ودواعي العناية به:

- ‌المبحث الثالث: الآثار الإيجابية والسلبية في قضية النهج:

- ‌المبحث الرابع: نظرة في مناهج الأصوليين:

- ‌الفصل الثاني: معالم منهج الشيخ عبد الرزاق الأصولي:

- ‌المطلب الأول: عنايته بتحرير محل النزاع

- ‌المطلب الثاني: تركيزه على التطبيق، وكثرة الأمثلة وتخريج الفروع على الأصول:

- ‌المطلب الثالث: اهتمامه بالتأصيل والتقعيد وبيان مقاصد الشريعة وحكمها وأسرارها:

- ‌المطلب الرابع: إيراده لثمرة الخلاف:

- ‌المبحث السابع: المعلم السابع: مجانبته التعصب والتقليد:

- ‌الإحسان: أهميته، أقسامه، ثمراته

- ‌هدف البحث وغايته:

- ‌التعريفات:

- ‌مقامات الإحسان ومنازله:

- ‌منزلة الإحسان في الدين

- ‌الأعمال تتفاضل بحسب فعلها بالإحسان:

- ‌ التقوى والإحسان:

- ‌ الإحسان والإنفاق في سبيل الله:

- ‌ الإحسان والعفو والصفح:

- ‌ الإحسان والتقوى والنسك والذكر:

- ‌ الإحسان والهدى والرحمة:

- ‌ الإحسان والصدق والتقوى:

- ‌ الإحسان وإرادة الله ورسوله، والدار الآخرة:

- ‌ الإحسان والجهاد:

- ‌ الإحسان والتقوى والاستجابة لله ولرسوله:

- ‌ الإحسان والإنفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس:

- ‌ الإحسان وإسلام الوجه لله:

- ‌ الإحسان، والعدل وإيتاء ذي القربى والنهي عن المنكر والبغي:

- ‌ الإحسان والصبر:

- ‌ الإحسان وسلام الله:

- ‌ الإحسان، والإيمان، والعمل الصالح:

- ‌ الإحسان، والتقوى، والصبر:

- ‌ الإحسان، والتقوى، وما أنزل الله:

- ‌ثمرات الإحسان:

- ‌ الخلود في جنات النعيم:

- ‌ حب الله لهم، وتفضله عليهم بثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة:

- ‌ ما يهبه الله من ذرية صالحة، وتفضيل، وهداية، وعلم، وحكمة، ونبوة:

- ‌ حصول رضى الله لهم:

- ‌ ومن ثمرات الإحسان الإحسان:

- ‌ حصول رحمة الله:

- ‌ كل ما يعمله العبد في سبيل الله يكتب له به عمل صالح

- ‌ رفع الحرج:

- ‌ الحكم، والعلم، وتأويل الأحاديث، والتمكين في الأرض، والملك:

- ‌ الظلال، والعيون، والفواكه، والأكل، والشرب الهنيء:

- ‌ الحسنى وزيادة:

- ‌ صرف المكاره والشدائد في الدنيا:

- ‌بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن نشرة مكذوبة حول عقوبة تارك الصلاة

الفصل: ‌المطلب الثاني: امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذه جيش أسامة

والسنة، وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 244

‌المطلب الثاني: امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذه جيش أسامة

بن زيد رضي الله عنهما (ت: 54 هـ):

إن من أهم الأوصاف الإيمانية التي يجب أن يتحلى بها الداعي قوة اليقين بأن وعد الله تعالى حق وقول رسوله صلى الله عليه وسلم صدق، وهذه القوة في اليقين هي التي جعلت الصديق رضي الله عنه يقول من غير تردد: إن كان قال فقد صدق. يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما جاءت قريش إلى أبي بكر يحدثونه عن الإسراء والمعراج وهم لا يشكون بأن ذلك سيفتنه (1).

إن على الداعي أن يكون متيقنا كامل اليقين بأن الله ناصر دينه، ومعل كلمته، ومعز أولياءه، وخاذل أعداءه، وبهذا يكون قد أوصد الباب أمام اليأس والقنوط من أن يتسلل إلى قلبه.

لقد عاش الصحابة الكرام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وصدر خلافة الصديق رضي الله عنه في شدة عظيمة؛ لأن كثيرا من الأمة قد

(1) انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج3، مصدر سابق، ص 172.

ص: 244

انقلبت على أعقابها؛ فمنهم من ارتد بالكلية، ومنهم من منع الزكاة، فاشرأبت اليهودية والنصرانية ونجم النفاق، إلا أن ذلك لم يثن الدعاة المخلصين ولم يفت في عضدهم، بل عرفوا كيف يتعاملون مع هذه الفتنة، وأدركوا بيقين تام أن الله تعالى ناصر الدعوة ومطفئ نار الفتنة، فعملوا جاهدين وضاعفوا الجهود بدلا من الاستسلام، واستطاعوا بفضل الله أولا ثم باجتهادهم ثانيا أن يقضوا على الفتنة، ثم بعد ذلك نشروا الدعوة في البلاد المجاورة وقضوا على القوى العظمى الكافرة في زمانهم.

وإن احتياج الدعاة المعاصرين إلى هذه الصفة احتياج ملح، بل هو ضرورة ماسة؛ لأن الداعية يواجه الناس بما يخالف معتقداتهم ومفهوماتهم في الحياة وأنواع سلوكهم بغية إقناعهم للتحول عن اتجاهاتهم التي هم فيها، والسلوك في صراط الله المستقيم عقيدة وعملا.

ومعلوم أن مفهومات الإنسان وعقائده وأنواع سلوكه جزء من ذاتيته التي يمتلكها وحده، فهو لا يتنازل عنها ما لم يقتنع بالبدائل الأفضل له لينبذها ويأخذ الأفضل ويستمسك به.

ومن طبيعة الناس أنهم حينما يجدون من يعلن خلاف معتقداتهم ومفهوماتهم في الحياة وأنواع سلوكهم، يقفون منه موقف الحذر، ما لم يجدوا الداعي يتحلى بقوة اليقين من دعوته وقوة الإرادة والوثوق من نفسه بما يدعو إليه مع الثبات ورباطة الجأش في إطار الحكمة عند العرض والبيان، فإنهم يشعرون عندئذ بأنه ناصح لهم،

ص: 245

وحريص على خيرهم وسعادتهم.

بهذه الصفة العالية تميز الصديق رضي الله عنه في تنفيذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما. قالت عائشة رضي الله عنها (ت: 57 أو 58 هـ): لما بويع أبو بكر، وجمع الله الأنصار عليه ارتدت العرب قاطبة، ونجم النفاق واشرأبت اليهودية والنصرانية، والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية؛ لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقلتهم وكثرة عدوهم.

فقال أبو بكر: ليتم بعث أسامة، ولينفذ جيش أسامة.

فقال له من حوله: إن جيش أسامة هو معظم المسلمين، عندك، وقد ارتدت العرب، ولا ينبغي لك أن تفرق جماعة المسلمين. فلا بد أن يكونوا عندك.

فقال أبو بكر: والله لا أحل لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق في المدينة أحد غيري لأنفذته.

وقال أيضا: أنا أوقف وأحبس جيشا بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أكون إذا اجترأت على أمر عظيم. والذي نفسي بيده لأن تميل علي العرب أحب إلى من أن أحبس وأوقف جيشا بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم. امض يا أسامة في جيشك الذي أمرت به، ثم اغز من حيث أمرك

ص: 246

رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين وعلى أهل مؤتة، واعلم أن الله سيكفينا من وراءك وفي رواية أنه قال: والله الذي لا إله غيره، لو جرت الكلاب أرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

بهذا الحرص التام على تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف الصديق رضي الله عنه أمام من أشار عليه ببقاء الجيش في المدينة خوفا على الدعوة في معقلها الأساس، وأمر أسامة بتنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وقال لعمر رضي الله عنه بعدما طلب منه تغيير أسامة لصغر سنه: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، أؤمر غير أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم نهض بنفسه إلى الجرف فاستعرض جيش أسامة، وأوصاهم وأمرهم بالمسير.

وبدأ المسير، والصديق رضي الله عنه معهم يسير ماشيا وأسامة راكبا، ولما يبلغ العشرين، فقال أسامة: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال: والله لست بنازل ولست براكب، وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة.

(1) المصدر السابق 17.

ص: 247

ولما كان عمر رضي الله عنه جنديا في جيش أسامة، وكان أبو بكر بحاجة إليه في تسيير أمور المسلمين، فقد استأذن أبو بكر أسامة في أن يبقي عنده عمر، فقال له: إن رأيت أن تبقي عمر عندي في المدينة. فوافق أسامة على ذلك، ولهذا كان عمر لا يلقى أسامة بعد ذلك إلا قال: السلام عليك أيها الأمير.

وسار أسامة رضي الله عنه في جيشه حتى وصل تخوم البلقاء، فأغار على العرب هناك وهم أعوان الروم، فقتل منهم وسبى آخرين ورجع إلى المدينة، ولم يفقد أحدا من المسلمين بعد أن حقق ما طلبه الرسول صلى الله عليه وسلم منه، واستغرق ذلك أربعين يوما.

وقد أثمر هذا الموقف الذي وقفه الصديق رضي الله عنه للدعوة ثمرة عظيمة؛ لأن أسامة رضي الله عنه لما سار بجيشه صاروا كلما مروا بقبيلة من العرب قال أفرادها: لولا أن المؤمنين أقوياء في المدينة لما بخرج من عندهم هذا الجيش، فخافت تلك القبائل، وتخلت عن مواجهة المسلمين في المدينة.

ص: 248

ومن هنا يظهر لنا جليا أن التمسك بالأثر من أهم ضوابط العمل الدعوي التي بمراعاتها يكون العمل صالحا مقبولا.

ولم يكن الصديق وحده المتمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يعتنون غاية العناية بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم وأحكامه، فصاروا موازين يرجع الناس إليهم عند الاختلاف، فبهم تعرف السنة والبدعة؛ لأنهم حفظة الكتاب والسنة، وحملة الإسلام ممتثلين قول الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1).

وإن هذا ليعطينا دلالة على أن من أطاع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعض على سنته بالنواجذ، فإن الله جل وعلا ينصره ويمنحه العز والشرف؛ إذ إن الصديق رضي الله عنه عندما أصر على تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم رغم تدهور الأحوال وتغيرها، وانقاد الصحابة الكرام لرأيه، وتمسكوا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبذلوا المستطاع لتحقيقه نصرهم الله تعالى، ورزقهم الغنائم، وألقى في قلوب الناس هيبتهم، وكف عنهم كيد الأعداء وشرهم. وإن هذا الموقف لصورة تطبيقية لقول الله عز وجل:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (2).

(1) سورة الحشر الآية 7

(2)

سورة الأحزاب الآية 36

ص: 249