الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه أصحاب القول الأول وهو: أن المشي في الطواف مع القدرة عليه شرط لصحته، وأن من طاف راكبا أو محمولا لغير عذر فطوافه غير صحيح ولا يعتد به. وذلك لما يلي:
1 -
أن الله أمر عباده بالطواف ببيته العتيق، فدل ذلك على وجوب مباشرتهم له، والراكب والمحمول لم يباشر الطواف حقيقة.
2 -
أن الطواف عبادة بدنية فينبغي أن يباشرها المرء بنفسه، وفعل الراكب والمحمول إنما هو للمركوب والحامل.
3 -
أن الله- جل وعلا- أمر بالطواف مجملا، لم يبين صفته ولا شروطه، فجاء البيان بفعله صلى الله عليه وسلم وقد طاف ماشيا، ولم يتركه إلا من عذر.
4 -
أن النبي شبه الطواف بالصلاة، فدل ذلك على أنه يشترط له ما يشترط لها- إلا ما دل الدليل على استثنائه- وصلاة الفريضة للراكب لا تصح من غير عذر، فكذلك الطواف.
5 -
أن طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا، وكذلك أم سلمة رضي الله عنها إنما كان لعذر، سواء كان مرضا أم غيره، فلا يقاس عليه غيره، والله أعلم.
الفرع الثاني: شرط طواف المحمول:
سبقت الإشارة في الفرع الأول إلى أنه يجوز للعاجز عن المشي أن يطوف راكبا أو محمولا، وإلى اشتراط بعض العلماء المشي للقادر عليه. وحديثنا في هذا الفرع عن طواف المحمول، هل يشترط ألا ينوي حامله الطواف لنفسه، أم يجوز أن يكون الطواف للحامل
والمحمول في آن واحد.
وهذه الصورة كثيرة الوقوع، خاصة في طواف الآباء بأبنائهم الصغار، فهل يصح أن ينوي الأب مثلا الطواف عن نفسه وعن الطفل الذي يحمله أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على أربعة أقوال:
القول الأول: يصح الطواف عن الحامل والمحمول جميعا إذا
نوياه، بأن ينوي الحامل عن نفسه، والمحمول عن نفسه إن كان كبيرا، أو نواه الحامل عن نفسه وعن طفله المحمول.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، ومالك في رواية، والشافعي في قول، وأحمد في رواية، والثوري، وابن المنذر.
القول الثاني: إن نوى الطواف كل من الحامل والمحمول عن نفسيهما. فالطواف طواف الحامل.
وإلى هذا ذهب: الشافعي في الأصح، ومالك في رواية، وأحمد في رواية.
القول الثالث: إن نوياه عن نفسيهما، فالطواف للمحمول دون الحامل.
وإلى هذا ذهب: مالك في رواية، والشافعي في قول، وأحمد في رواية، وهي الصحيحة من المذهب.
القول الرابع: أنه لا يجزئ عن واحد منهما.
وإلى هذا ذهب: مالك في الرواية المشهورة، وأحمد في رواية.
الأدلة:
1 -
حجة أصحاب القول الأول:
الأول: قالوا: إن الغرض حصول الطواف بالبيت، وقد حصل من كل من الحامل والمحمول، فأجزأ عنهما، كالوقوف بعرفة.
الثاني: وبما أخرجه عبد الرزاق بسنده: أن أبا بكر طاف بابن الزبير في خرقة (1).
2 -
وحجة أصحاب القول الثاني:
قالوا: إن الفعل الواحد لا يصح عن اثنين، فكان الطواف للحامل؛ لأنه هو الأصل المباشر للطواف والمحمول تبع (2).
3 -
وحجة أصحاب القول الثالث:
- قالوا: إن الطواف عبادة أدى بها فرض غيره، فلم يقع عن فرضه كالصلاة.
- وقالوا: إن الحامل آله للمحمول، كالراكب مع الدابة، فكان الطواف للمحمول.
- وقالوا: إن المحمول لم ينو بطوافه إلا لنفسه، والحامل لم يخلص قصده بالطواف لنفسه (3).
(1) المصنف 5/ 70 (9026)، ورواه الأثرم كما في المغني 5/ 52.
(2)
انظر: الحاوي 4/ 152.
(3)
انظر: المبدع 3/ 219، كشاف القناع 2/ 560.
- وحجة أصحاب القول الرابع:
قالوا: إن الفعل الواحد لا يقع عن اثنين، وقد وقع الطواف منهما جميعا، ولا أولوية لأحدهما عن الآخر، فلم يجزئ عنهما جميعا (1).
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وهو: أن الحامل والمحمول إذا نوى كل واحد منهما الطواف عن نفسه، وقع عنهما جميعا؛ لما يلي:
ا- أن الطواف وقع منهما جميعا، فصح عنهما، فإبطاله عنهما أو عن أحدهما، يفتقر إلى دليل.
2 -
لا خلاف أنه لو قاد الدابة، أو دفع العربة التي يركبها، أن الطواف يصح منهما، مع أن طواف الراكب إنما تم بمعونة القائد أو الدافع.
فلا فرق أن تكون الإعانة بالدفع أو الحمل. والله أعلم.
(1) انظر: المبدع 3/ 220