الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطواف واجبة، لارتباطها بالطواف.
أو لعلهم استدلوا بما رواه عبد الرزاق عن طاوس أنه كان يصلي في البيت بعد الطواف، ثم يخرج فيصلي ركعتي الطواف خارجا من البيت (1).
3 -
حجة أصحاب القول الثالث:
كذلك لم أقف لهم على حجة فيما ذهبوا إليه، والذي يظهر أنهم رأوا ارتباطها بالطواف، والطواف لا يكون إلا في الحرم، أو يجب أداؤهما خلف المقام؛ لبيان الله- جل وعلا- مكان أدائهما، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ومداومته على فعلهما خلف المقام، دليل على وجوب أدائهما خلفه.
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وهو: أن المستحب والأفضل أداء الركعتين خلف المقام، لكن لو أداهما خارج المسجد أو خارج الحرم جاز ولا شيء عليه. وذلك لما يلي:
1 -
دلت أدلة الفريق الأول على عدم وجوب أداء ركعتي الطواف خلف المقام، بل ظاهرها جواز أدائهما خارج الحرم.
2 -
لم أقف للأقوال الأخرى على حجة تقوي ما ذهبوا إليه، أو تضعف ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، والله أعلم.
(1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/ 6 (8999) من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه.
الفرع الثالث: وقت أداء ركعتي الطواف:
لا خلاف بين العلماء- رحمهم الله أن المستحب أن
يصلي الطائف الركعتين عقيب طوافه، تأسيا بفعله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه وغيره.
واختلفوا إن كان الوقت وقت كراهة، هل له أن يصليهما أم عليه أن يؤخرهما إلى انقضاء وقت الكراهة؟ وهل إذا أخرهما لعذر أم غيره له أن يتداركهما أم لا؟ وهل له الجمع بين عدد من الأسابيع دون الفصل بينها بالصلاة أم لا؟ هذا ما سأتناوله في المسائل التالية:
المسألة الأولى: صلاة ركعتي الطواف في أوقات الكراهة.
المسألة الثانية: وقت ركعتي الطواف إذا أخرهما.
المسألة الثالثة: الجمع بين الأسابيع.
مسألة: حكم صلاة ركعتي الطواف في أوقات الكراهة:
لا خلاف بين العلماء أن الطواف جائز في جميع الأوقات، ولو كان ذلك في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها.
وإنما اختلفوا إذا أتم الطائف طوافه في وقت الكراهة، كبعد صلاة الصبح، أو العصر، أو وقت طلوع الشمس أو غروبها، هل يشرع له أن يصلي ركعتي الطواف في هذه الأوقات، أم عليه تأخيرها إلى انتهاء تلك الأوقات التي يكره الصلاة فيها؟
اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يجوز أداؤهما في جميع الأوقات بلا كراهة،
ولو كان وقت طلوع الشمس أو غروبها.
وإلى هذا ذهب: الشافعي، وأحمد في المشهور.
القول الثاني: يندب له أن يؤخر الصلاة إلى أن ينقضي وقت الكراهة.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، ومالك والثوري.
القول الثالث: أنه يكره أداؤهما بعد الصبح والعصر، ولا يجوز فعلهما في غيرهما من الأوقات الخمسة وهي:(وقت الطلوع، والغروب، وعند قيام قائم الظهيرة)، فإن صلاها لم تنعقد صلاته.
وإلى هذا ذهب: أحمد في رواية، والأحناف في قول.
الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار (1)» .
(1) أخرجه الشافعي، كما في ترتيب المسند 1/ 57 (170)، وأحمد 4/ 80، والدارمي في المناسك، باب الطواف في غير وقت الصلاة 2/ 70، وأبو داود في المناسك باب الطواف بعد العصر 2/ 180 (1894)، والترمذي في الحج، باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد المغرب 2/ 178 (869)، والنسائي في المواقيت، باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة (41) 1/ 284 (585)، وفي المناسك، باب إباحة الطواف في كل الأوقات (137) 5/ 223 (2924)، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب ما جاء في الرخصة في الصلاة بمكة في كل وقت (149) 1/ 398 (1254). وأخرجه أيضا: ابن خزيمة 4/ 225 (2747)، وابن حبان كما في الموارد 164، 165 (626، 627)، والحاكم 4/ 448، والدارقطني 1/ 423، والطحاوي 1/ 186، والبيهقي 2/ 461، 5/ 92. كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة عن أبي الزبير المكي عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم به. وقد جاء في بعض هذه الطرق التصريح بسماع أبي الزبير عند ابن خزيمة، والنسائي. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري في المختصر 2/ 382 تصحيح الترمذي وأقره. وكذا الحافظ في الفتح 3/ 488، وفي التلخيص 1/ 190 وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. قال الألباني في الإرواء 2/ 239:(وهو كما قالا، وقد صرح أبو الزبير بالسماع في رواية النسائي وغيره وتابعه- أي تابع ابن عيينة- ابن جريج. قال: أنا أبو الزبير أنه سمع عبد الله بن باباه به. أخرجه أحمد 4/ 81، 84 وهو صحيح أيضا. وتابعه عبد الله بن أبي نجيح عن عبد الله بن باباه به. أخرجه أحمد 4/ 82، 83 عن محمد بن إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي نجيح به. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم معروفون غير عبد الله بن أبي نجيح، واسم أبي نجيح، يسار مولى ابن عمر، وقد روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات) ومتابعة ابن جريج أخرجها عبد الرزاق في مصنفه 5/ 61 (9004). قال البيهقي: (أقام ابن عيينة إسناده، ومن خالفه في إسناده لا يقاومه، فرواية ابن عيينة أولى أن تكون محفوظة. وقد روي من أوجه عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا). وقد تابع ابن عيينة عمرو بن الحارث عند ابن حبان كما في الموارد ص 165 (628) من طريق حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا الزبير حدثه. أما حديث نافع بن جبير عن أبيه فأخرجه الدارقطني 1/ 424، 425 من ثلاثة طرق. من طريق عمرو بن دينار، وعطاء، وابن الزبير. قال الترمذي: وفي الباب عن ابن عباس وأبي ذر. أما حديث ابن عباس: فأخرجه الدارقطني 1/ 426، والطحاوي 1/ 186، وأشار الحافظ في التلخيص إلى أنه عند الطبراني وغيره وقال: هو معلول. أما حديث أبي ذر فأخرجه الدارقطني أيضا 1/ 425، والبيهقي 2/ 461، 462. وفي الباب من حديث جابر أخرجه الدارقطني 1/ 424، والبزار 2/ 22 (1111) من طريق معقل بن عبد الله وأيوب عن أبي الزبير عنه. قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد 3/ 245. ومن حديث ابن عمر عند الطبراني في الكبير من طريق عمران بن محمد بن أبي ليلى عن عبد الكريم عن مجاهد. قال الهيثمي: فإن كان عبد الكريم هو الجزري فرجاله ثقات، وإن كان هو ابن أبي المخارق فالحديث ضعيف. ومن حديث عطاء مرسلا عند عبد الرزاق في المصنف 5/ 61 (9003). (تنبيه) نبه الحافظ في التلخيص 1/ 190 إلى أن المجد ابن تيمية عزا حديث جبير لمسلم؛ فإنه قال: رواه الجماعة إلا البخاري. وهذا وهم منه، ثم تبعه عليه غيره
صفحة فارغة
وجه الاستدلال منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من ولي الحرم ألا يمنع أحدا من الطواف والصلاة به أية ساعة من ليل أو نهار، فدل ذلك على جواز الطواف والصلاة في جميع الأوقات، ولو كانت أوقات نهي.
الثاني: وبآثار عن الصحابة أنهم كانوا يطوفون بعد الصبح والعصر، وكانوا يصلون بعد فراغهم من الطواف، فدل ذلك على
عدم كراهتها.
الثالث: وقالوا: إن ركعتي الطواف تابعة للطواف، وإذا أبيح المتبوع، فينبغي أن يباح التبع (1).
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: بما رواه أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال.
«كنا نطوف فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة، ولم نكن نطوف بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس. قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تطلع الشمس بين قرني
(1) انظر المغني 2/ 517.
شيطان (1)».
وجه الاستدلال منه:
أن إخبار جابر رضي الله عنه بامتناع الصحابة رضي الله عنهم عن الطواف بعد الصبح والعصر، دليل على كراهته وكراهة الصلاة في أوقات الكراهة.
الثاني: واستدلوا بعموم أحاديث النهي عن الصلوات في الأوقات الخمسة.
(1) أخرجه أحمد 3/ 393، وحسن إسناده الحافظ في الفتح 3/ 489. وقال الهيثمى في مجمع الزوائد 3/ 245:(رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وفيه كلام، وقد حسنوا حديثه) وانظر: بلوغ الأماني 12/ 55.
وقالوا: إن النهي شامل لصلاة ركعتي الطواف.
الثالث: وبما رواه مالك وغيره: " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طاف بعد الصبح، فلما قضى طوافه، نظر فلم ير الشمس طلعت، فركب حتى أناخ بذي طوى، فصلى ركعتين "(1).
الرابع: وبآثار عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يؤخرون الصلاة إلى انقضاء وقت الكراهة.
(1) تقدم تخريجه.
وجه الاستدلال منها:
أن امتناع الصحابة رضي الله عنهم عن الصلاة بعد الطواف، دليل على كراهة الصلاة في أوقات النهي، واستحباب تأخيرها إلى زوال وقت الكراهة.
3 -
واستدل أصحاب القول الثالث بما يلي:
الأول: بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه قال: «ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة (1)
(1) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها 6/ 114.
حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» رواه مسلم.
وجه الاستدلال منه:
أن هذه الأوقات الثلاثة النهي عن الصلاة فيها أشد وآكد، ولذا فإنه ينهى عن الصلاة على الجنائز فيها، بخلاف الوقتين الآخرين، وهما: بعد الصبح وبعد العصر، فدل ذلك على عدم جواز صلاة ركعتي الطواف فيهما (1).
الثاني: واستدلوا بأحاديث النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس (2).
ووجه استدلالهم منها:
قالوا: إن النهي عن الصلاة في تلك الأوقات، دليل على
(1) انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي 1/ 188.
(2)
تقدم الإشارة إليها في أدلة أصحاب القول الثاني.
كراهية الصلاة فيها، إلا أنه قد دلت الأدلة على جواز أداء غير النوافل المطلقة فيها، كصلاة الجنازة، وقضاء الراتبة، بخلاف الأوقات الثلاثة الأخرى، فدل ذلك على كراهة صلاة ركعتي الطواف في الأوقات الثلاثة، وجوازها في الوقتين الآخرين.
الثالث: وبما رواه البخاري بسنده عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن ناسا طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح، ثم قعدوا إلى المذكر حتى إذا طلعت الشمس يصلون، فقالت عائشة رضي الله عنها:(قعدوا حتى إذا كانت الساعة التي تكره فيها الصلاة قاموا يصلون)(1).
وجه الاستدلال منه:
لم تنكر عائشة رضي الله عنها على من طاف بعد الصبح طوافه، وإنما أنكرت قعوده وتأخيره الصلاة إلى وقت الطلوع، وأن ذلك وقت تكره فيه الصلاة، فدل ذلك على كراهة الصلاة وقت الطلوع، كما دل بمفهومه على عدم كراهتها قبل ذلك.
الرابع: قالوا: يمكن بهذا القول الجمع بين كثير من الآثار المتعارضة عن الصحابة في ذلك، وذلك بأن تحمل الآثار الدالة على الجواز بأن الطواف والصلاة كانا بعد الفجر أو بعد العصر، وتحمل الآثار الدالة على الطواف دون الصلاة أو على الامتناع عنهما، أن ذلك كان وقت الطلوع أو الغروب.
(1) أخرجه البخاري في الحج، باب الطواف بعد الصبح والعصر (73) 2/ 166.
ويوضح ذلك أن ابن عمر رضي الله عنهما صح عنه الأمران جميعا، كما سبقت الإشارة إليه، أعني الطواف والصلاة بعد العصر أو بعد الفجر، وتأخير الصلاة عن الطواف حتى تطلع الشمس أو تغيب.
وقد روى سعيد بن أبي عروبة في (المناسك) عن أيوب عن نافع: " أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يطوف بعد صلاة العصر، ولا بعد صلاة الصبح "(1).
وقد دل على هذا الجمع: ما أخرجه البخاري تعليقا فقال: " وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس "(2).
ووصله سعيد بن منصور من طريق عطاء: " أنهم صلوا الصبح بغلس، وطاف ابن عمر بعد الصبح سبعا ثم التفت إلى أفق السماء، فرأى أن عليه غلسا، قال: فتبعته حتى أنظر أي شيء يصنع، فصلى ركعتين) (3).
ويدل عليه أيضا حديث عائشة المتقدم.
الرأي المختار:
الذي أختاره هو: أن من طاف بعد الصبح وبعد العصر فله أن يصلي عقيب طوافه، ما لم تكن الشمس قد آذنت بالطلوع أو بالغروب،
(1) أشار إليه الحافظ في الفتح 3/ 489.
(2)
أخرجه البخاري في الحج، باب الطواف بعد الصبح والعصر (73) 2/ 166.
(3)
أشار إليه الحافظ في الفتح 3/ 489.
أو كانت قائمة في كبد السماء، فإن الأولى به أن يؤخر الركعتين إلى زوال وقت الكراهة، فإن صلاها أجزأت. وذلك لما يلي:
1 -
أن حديث جبير بن مطعم عام في كل وقت، وهو يحتمل التخصيص. وليس تخصيصه للأحاديث القاضية بالكراهة، بأولى من تخصيصها إياه.
2 -
ما ثبت عن الصحابة من الطواف بعد الصبح والعصر والصلاة عقيب طوافهم، يحمل ذلك على طوافهم وصلاتهم بغلس بعد الصبح، أو والشمس بيضاء نقية بعد العصر، جمعا بينها وبن الآثار الدالة على امتناعهم عن الصلاة بعد الطواف وتأخيرهم ذلك إلى طلوع الشمس أو غروبها.
أو امتناعهم عن الطواف كما في أثر جابر، وقد دل استدلاله بقوله صلى الله عليه وسلم:«تطلع الشمس بين قرني شيطان (1)» أن المراد بامتناعهم من الطواف بعد الصبح، وبعد العصر، امتناعهم من ذلك وقت الطلوع ووقت الغروب.
إذ حمله على امتناعهم عن الطواف بعد الصبح والعصر مطلقا، بعيد مع تلك الآثار الكثرة الدالة على طوافهم بعد الصبح والعصر.
3 -
أن حديث عقبة بن عامر دال على تأكيد النهي عن الصلاة
(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3273)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (829)، سنن النسائي المواقيت (563)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 13)، موطأ مالك النداء للصلاة (513).
وقت الطلوع ووقت الغروب؛ لشمول هذين الوقتين في الأحاديث الدالة على النهي عن الصلاة بعد الصبح والعصر، ولذا نهي عن صلاة الجنازة فيهما، والإجماع على جواز الجنازة بعد الصبح والعصر. فعمومه يقتضي منع صلاة ركعتي الطواف في هذه الأوقات الثلاثة.
4 -
تقدم في هذه المسألة السابقة ترجيح القول بأن ركعتي الطواف واجبة، وذلك لا يستلزم وجوب أدائهما عقيب الطواف. فالأولى به تأخيرهما إلى انقضاء وقت الكراهة، والله أعلم.
مسألة: وقت ركعتي الطواف إذا أخرهما:
اختلف العلماء- رحمهم الله في الواجب على من أخر ركعتي الطواف فلم يصلهما عقيب الطواف نسيانا، أو امتناعا من أدائهما في أوقات الكراهة، على قولين:
القول الأول: أن الواجب على من تركهما أو نسيهما، أن يؤديهما متى ذكرهما، وأنهما لا يتقيدان بزمان ولا بمكان. ولا يلزمه بهذا التأخر شيء.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد.
القول الثاني: أن الواجب عليه أن يصليهما عقيب الطواف بطهارته.
فلو انتقضت طهارته قبل أدائهما، استأنف الطواف، وإن سعى قبل أدائهما، فعليه أن يعيده بعد الطواف والصلاة، إلا إذا كان الترك في العمرة ثم أحرم بالحج، أو تعذر عليه الرجوع لأدائهما، فإنه يصليهما وعليه دم.
وإلى هذا ذهب: مالك.
الأدلة:
لم أقف للعلماء- رحمهم الله في هذه المسألة على أدلة خاصة بها. لكن يمكن أن يحتج لكل قول من خلال ما سبقت الإشارة إليه.
1 -
حجة القول الأول:
يمكن الاستدلال لهم بحديث أم سلمة - في تأخيرها الصلاة حتى خرجت، وكذلك فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حيث أخرهما حتى أناخ بذي طوى.
ففيهما دليل على عدم اشتراط أدائهما في المسجد، وعدم اشتراط أدائهما فور الطواف، وظاهر ذلك عدم اشتراط أدائهما بطهارة الطواف؛ إذ اشتراط ذلك مفتقر إلى دليل، ولا دليل عليه، والله أعلم.
2 -
حجة القول الثاني:
يمكن الاستدلال لهم بعموم فعله صلى الله عليه وسلم إذ كان يصليهما فور الطواف بوضوئه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«خذوا عني مناسككم (1)» فدل ذلك على وجوبهما، وأنهما من الطواف يوصلان به، فمن انتقض وضوءه قبل أدائهما، أخل بشرط الموالاة في الطواف، فوجب عليه استئناف الطواف.
ومن سعى قبلهما، أعاده بعد إعادة الطواف والصلاة؛ لسعيه قبل إتمام الطواف، ولفصله بين الطواف وبينهما، فأخل بشرط الموالاة.
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وهو: أن من أخر ركعتي الطواف أو نسيهما، فإن عليه أن يؤديهما بعد ذلك ولا شيء عليه، فلا يتقيد أداؤهما بزمان ولا مكان. وذلك لما يلي:
1 -
أن القول بوجوب ركعتي الطواف لا يستلزم القول بركنيتها، أو القول باشتراطها، أو اشتراط أدائها بطهارة الطواف، لمخالفتها لحقيقة الطواف.
2 -
لا خلاف بين العلماء على جواز تأخر ركعتي الطواف، وعدم اشتراط موالاتها له، وذلك للأدلة من تقريره- عليه الصلاة والسلام لأم سلمة رضي الله عنها، ومن فعل الصحابة رضي الله عنهم.
3 -
أن القول باشتراط أداء ركعتي الطواف بطهارته، مفتقر إلى دليل
(1) سنن النسائي مناسك الحج (3062).
يصح الاعتماد عليه، ولا دليل على ذلك إلا عمومات هي محل نظر واحتمال، والله أعلم.
مسألة: الجمع بين عدد من الأسابيع:
لا خلاف بين العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من سبوعه صلى ركعتين، ولم يثبت أنه- عليه الصلاة والسلام طاف عددا من الأسابيع مواليا بينها، أو فاصلا بينها بمجرد الصلاة.
ولا خلاف بينهم أيضا أنه يجوز التطوع بالطواف، بأن يطوف أكثر من سبوع، وإنما اختلفوا هل يجوز أن يوالي بين الأسابيع، ثم يصلي لها، أم ينبغي له الفصل بينها؟
اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: يجوز الوصل بين الأسابيع من غير كراهة، والفصل أولى.
وإلى هذا ذهب: الشافعي، وأحمد في المشهور، وأبو يوسف من الحنفية، وإسحاق.
القول الثاني: يكره الوصل بين الأسابيع، إلا أنهم اختلفوا فيما إذا شرع في سبوع آخر فتذكر في أثنائه:
أ- فذهبت طائفة: إلى أنه إن شرع في سبوع آخر، فإن كان قبل إتمام الشوط رفضه، وإن كان بعد إتمامه لا يرفضه، بل يلزمه إتمامه؛ لأنه دخل فيه.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن.
ب- وذهبت طائفة أخرى إلى أنه إن شرع في سبوع آخر، قطعه على كل حال، ولو طاف عددا من الأشواط، فإن أتمه، صلى
لكل سبوع ركعتين.
وإلى هذا ذهب: مالك.
الأدلة:
أ- استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: بأن عائشة رضي الله عنها طافت ثلاثة أسابيع، ثم صلت لكل أسبوع ركعتين، وفعل مثله المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
الثاني: وقالوا: إن الكراهة لا تثبت إلا بنهي الشارع، ولم يثبت في هذا نهي (1).
الثالث: وقالوا: كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله لا يوجب كراهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعين ولا ثلاثة، وذلك غير مكروه بالاتفاق (2).
الرابع: الموالاة غير معتبرة بين الطواف والركعتين، فجاز
(1) انظر: المجموع للنووي 8/ 63. وقال: (فهذا هو المعتمد في الدليل).
(2)
انظر: المغني 5/ 233.
الفصل بينهما بطواف آخر، كما لو فصل بينهما بأكل أو نوم (1).
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: بما أخرجه عبد الرزاق بسنده عن نافع: (أن ابن عمر كان يكره قرن الطواف، ويقول: على كل سبع ركعتان، وكان لا يقرن بين سبعين).
الثاني: وقالوا: إتمام كل أسبوع من الطواف بركعتين، فيكره له الاشتغال بالأسبوع الثاني قبل إكمال الأول (2).
الثالث: وقالوا: إن ترتيب الركعتين على الطواف كترتيب السعي عليه؛ لأن كل واحد منهما واجب، ثم لو جمع بين سبوعين من الطواف وأخر السعي يكره، فكذا إذا جمع بين سبوعين منه وأخر الصلاة (3).
الرابع: وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، فدل ذلك على كراهته (4).
(1) انظر: المبسوط 4/ 47، المغني 5/ 233.
(2)
انظر: المبسوط 4/ 47.
(3)
انظر: بدائع الصنايع 2/ 151.
(4)
انظر: المغني 5/ 233، فتح الباري 3/ 485.
الرأي المختار:
الذي أختاره هو: أن الأولى بالطائف الذي يريد أن يطوف أكثر من سبوع، أن يركع لكل سبوع عقيبه، إلا إذا كان الوقت وقت اشتداد الكراهة؛ كطلوع الشمس وغروبها، فله أن يجمع بينهما دون فصل.
وذلك لما يلي:
1 -
عدم فعله صلى الله عليه وسلم ليس دليلا على الكراهة؛ إذ لم يثبت أنه طاف عددا من الأسابيع وفصل بينهما بالصلاة فقط.
2 -
أن ما ثبت عن عائشة والمسور من الجمع بينهما، وما ثبت عن ابن عمر من كراهة ذلك، دليل على أن المسألة محل نظر واجتهاد، وليس فعل أحدهما بأولى من الآخر، فضلا عمن دونهما من التابعين.
3 -
تقدم ترجيح القول بوجوب ركعتي الطواف، وهما من إتمامه، فالأولى المبادرة بفعلهما، وإن لم يكن ذلك شرطا لصحة الطواف.
4 -
تقدم ترجيح القول بتأخير ركعتي الطواف في الأوقات الثلاثة، لاشتداد كراهة الصلاة فيها، فالأولى تأخير الصلاة عنها لمن أراد أن يطوف أكثر من سبوع، والله أعلم.
الفرع الرابع: هل يجزئ عن ركعتي الطواف غيرهما أم لا؟ اختلف العلماء- رحمهم الله هل يجزئ عن ركعتي الطواف
غيرهما، كصلاة فريضة، أو وتر ونحوهما، أم أنهما خاصتان بالطواف لا يقوم غيرهما مقامهما؟ اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: يجزئ عنهما غيرهما، فلو صلى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عن ركعتي الطواف.
وإلى هذا ذهب: الشافعي، في الأصح، وأحمد في المشهور، وإسحاق.
القول الثاني: أنه لا يجزئ عنهما غيرهما، فلو صلى المكتوبة عقب طوافه، صلاهما بعدها.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، في قول، وأحمد في رواية، وأبو ثور، وابن المنذر.
الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: قالوا: إنهما ركعتان شرعتا للنسك، فأجزأت عنهما المكتوبة كركعتي الإحرام (1).
الثاني: واستدلوا بآثار عن الصحابة والتابعين في ذلك: كابن عمر، وابن عباس، وعطاء، وجابر بن زيد، ومجاهد، وسالم بن عبد الله، وطاوس، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وعبد الرحمن بن الأسود.
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: قالوا: إنهما واجبتان، كالمنذورة، أو سنة كالراتبة، فلا
(1) انظر: المغني 5/ 233.
تنوب عنها المكتوبة (1).
الثاني: واستدلوا بآثار عن الصحابة والتابعين في ذلك: كابن عمر، والزهري، والحسن.
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني وهو: أنه لا يجزئ عنهما غيرهما، لا فريضة ولا راتبة. وذلك لما يلي:
1 -
أنها صلاة شرعت للطواف، فلم يجزئ عنها غيرها، كالسنة
(1) انظر: المبسوط 4/ 47، المغني 5/ 233.