الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرطا فيه كالوقوف بعرفة (1).
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه جمهور العلماء، وهو: أن ستر العورة شرط لصحة الطواف، وأن من طاف كاشفا عورته، وهو عالم بذلك، قادر على سترها، فطوافه غير صحيح، ولا يعتد به.
وذلك لما يلي:
أ - أسباب الترجيح في المسألة السابقة هي أسباب الترجيح في هذه المسألة.
2 -
الأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد، أمر بستر العورة في الطواف؛ لأنه لا يكون إلا في المسجد، ولأنه سبب نزول الآية، كما صح به الخبر.
3 -
النهي عن طواف العريان، دليل على اشتراط ستر العورة أثناء الطواف؛ لأن النهي يقتضي الفساد، والله أعلم.
(1) انظر: المغني 5/ 223
المطلب الخامس: الموالاة بين الأشواط:
لا خلاف بين العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت أتمه دون أن يفصل بين أشواطه، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه:«. . حتى أتينا البيت معه، استلم الركن، فرمل ثلاثا، ومشى أربعا (1)» . . الحديث.
فهل يشترط في الطواف الموالاة بين الأشواط وعدم
(1) تقدم تخريجه.
الفصل بينها؟
وهل لمن شرع في الطواف ثم أقيمت الصلاة، أن يقطع طوافه أم يجب عليه أن يتمه؟ وإذا قطعه هل يتمه أم يستأنفه؟
وهل لمن احتاج لقطع الطواف لقضاء حاجته، أو انتقاض وضوئه أن يبني على طوافه، أم يستأنفه؟
وإذا بنى على ما مضى فمن أين يكون البناء؟ وهل يشترط لمن قطع طوافه ألا يطول الفصل بين أشواطه، أم له أن يبني على طوافه ولو مضى لذلك أيام؟
هذه ونحوها من التساؤلات الدائرة حول الموالاة واشتراطها في الطواف ما سأتناوله في الفروع التالية:
الفرع الأول: حكم الموالاة بين الأشواط.
الفرع الثاني: الأمور التي يجوز قطع الطواف لها.
الفرع الثالث: موضع البدء لمن أراد البناء.
الفرع الأول: حكم الموالاة بين الأشواط:
لا خلاف بين العلماء أن القعود اليسير أثناء الطواف للاستراحة لا يضر. وإنما اختلفوا إذا كان القطع لغير ذلك هل
يكون مخلا بصحة الطواف أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أن الموالاة واجبة وشرط لصحة الطواف فمن تركها، لم يصح طوافه، وابتدأ من جديد، إلا إن كان القطع يسيرا (1). لحاجة.
وإلى هذا ذهب مالك، وأحمد، والشافعي في القديم.
(1) ضابط طول الفصل وقصره إلى العرف من غير تحديد. انظر: المغني 5/ 248، المبدع 3/ 222.
إلا أن المالكية يرون أن عليه الإعادة ما دام في مكة، فإن تعذرت عليه الإعادة لبعده لم يلزمه الرجوع، وعليه دم.
القول الثاني: أن الموالاة سنة. فلو قطع الطواف لغير عذر، جاز البناء مع الكراهة.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، والشافعي في الجديد، وهو الصحيح من المذهب، ورواية عن أحمد.
الأدلة:
أ - استدل أصحاب القول الأول:
الأول: بفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يوالي بين طوافه. وقال صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا عني مناسككم (1)» .
(1) صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).
وجه الاستدلال منه:
أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مبين لمجمل القرآن الكريم، إذ أمر الله بالطواف ولم يوجب ترتيبا ولا موالاة ولا عددا. فكان البيان لذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، إذ طاف عليه الصلاة والسلام مواليا بين طوافه، وأمر بالاقتداء بفعله؛ فدل ذلك على وجوب الموالاة، وأنها شرط لصحة الطواف.
الثاني: وبقوله صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة (1)» .
وجه الاستدلال منه:
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الطواف بالبيت صلاة، دليل على أنه يشترط له ما يشترط في الصلاة إلا ما استثناه الدليل، فدل ذلك على اشتراط الموالاة فيه كالصلاة.
الثالث: وبما رواه ابن أبي شيبة عن عطاء والحسن أنهما سئلا عن رجل طاف ستا؟ فقالا: يطوف طوافا آخر (2).
قالوا: فدل ذلك على وجوب الموالاة، إذ لو كان القطع لا يؤثر في صحة الطواف لأمراه بإكمال ما مضى.
الرابع: وقالوا: إنه عبادة متعلقة بالبيت فاشترطت لها الموالاة كالصلاة (3).
الخامس: وقالوا: إنه عبادة من شرط صحتها الطهارة،
(1) سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).
(2)
المصنف لابن أبي شيبة 4/ 104
(3)
انظر: المغني 5/ 248
فاشترطت لها الموالاة كالصلاة (1).
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2)
وجه الاستدلال منها:
أن الله أمر بالطواف ولم يشترط له الموالاة؛ فدل ذلك على صحته مع القطع ولو كان كثيرا (3).
الثاني وبما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الطواف، ودخل السقاية فاستسقى فسقى فشرب، ثم عاد وبنى على طوافه.
الثالث: بما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه خرج لجنازة، ثم عاد فبنى على الطواف (4).
الرابع: وقالوا: إن الطواف يخالف الصلاة في كثير من
(1) انظر: الحاوي4/ 148، المنتقى للباجي 2/ 290.
(2)
سورة الحج الآية 29
(3)
بدائع الصنائع 2/ 130.
(4)
أشار إليه السرخسي في المبسوط 4/ 48.
الأحكام، فلا يشترط له الموالاة كالصلاة (1).
الخامس: وقالوا: إنه عبادة تصح مع التفريق اليسير، فوجب أن يصح مع التفريق الكثير كسائر أفعال الحج (2).
السادس: وبما روي أن الحسن غشي عليه، فحمل إلى أهله، فلما أفاق أتمه.
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه أصحاب القول الأول وهو: أن الموالاة واجبة وشرط لصحة الطواف، فمن تركها لم يصح طوافه، وعليه أن يستأنفه، إلا إذا كان القطع يسيرا لحاجة. وذلك لما يلي:
1 -
أن الله أمر بالطواف، وأطلقه عن كل شرط، فكان بيان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالاقتداء به في أفعال المناسك، ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بين طوافه؛ فدل ذلك على وجوب الموالاة، واشتراطها لصحة الطواف.
2 -
أن التفريق بين أفعال النبي صلى الله عليه وسلم واعتبار بعضها واجبات وشرائط، والأخرى سننا ومستحبات، دون دليل معتبر، يعد تحكما محضا، كاشتراط العدد، والترتيب،. . إلخ، وعدم اشتراط الموالاة، والكل فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) أشار إليه السرخسي في المبسوط 4/ 48.
(2)
انظر: الحاوي 4/ 148. وقال: " كسائر أفعال الحج طردا، والصلاة عكسا ".