الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خارج الحرم؟ وهل يجزئ عنهما غيرهما أم لا؟
هذا ما سأتناوله في هذا المطلب من خلال الفروع التالية:
الفرع الأول: حكم ركعتي الطواف.
الفرع الثاني: مكان أدائهما.
الفرع الثالث: وقت أدائهما.
الفرع الرابع: هل يجزئ عنهما غيرهما أم لا؟
الفرع الأول: حكم ركعتي الطواف:
اختلف العلماء في حكم ركعتي الطواف على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنهما سنتان سنة مؤكدة، غير واجبة، فلو تركهما أساء، وليس عليه شيء لتركهما.
وإلى هذا ذهب: أحمد، ومالك في إحدى الروايتين عنه، والشافعي في الأصح، والأحناف في قول.
القول الثاني: أنهما واجبتان، وليستا شرطا لصحة الطواف، فإن تركهما عقب الطواف، وجب عليه أداؤهما بعد ذلك، فلا يتقيد أداؤهما بزمان ولا مكان.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، والشافعي في أحد القولين عنه، ورواية عن أحمد.
القول الثالث: أنهما واجبتان، يجب أداؤهما عقيب الطواف بطهره، فإن أخرهما لكراهة الصلاة في ذلك الوقت، فلا بأس بذلك ما لم تنتقض طهارته، فإن انتقضت وكان الطواف واجبا، وجب عليه إعادة الطواف، إلا إن تباعد، فله أن يصليهما وعليه دم.
وإلى هذا ذهب: مالك في المشهور.
صفحة فارغة
الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: بحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه «أن أعرابيا قال: يا رسول الله، ماذا فرض الله على عباده من الصلاة؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة. قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع (1)» . متفق عليه.
(1) أخرجه البخاري في الإيمان، باب الزكاة من الإسلام (34) 1/ 16، واللفظ له، وفي الشهادات، باب كيف يستخلف (26) 3/ 161، ومسلم في الإيمان، باب بيان الصلوات 1/ 166
وجه استدلالهم منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن الصلوات التي افترضها الله على عباده إنما هي الصلوات الخمس، فدل ذلك على أن ما عداها ليس بفرض ولا واجب، وأكد ذلك بقوله: إلا أن تطوع فدل ذلك على أن ما عدا الصلوات الخمس تطوع وليس بواجب.
الثاني: وبحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد (1)» . . الحديث.
وجه الاستدلال منه:
كسابقه، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصلوات التي كتبهن الله على عباده، وافترضهن عليهم إنما هي خمس صلوات، فدل ذلك على أن ما عداهن ليس بفرض، ومن ذلك ركعتا الطواف.
الثالث: وبحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول
(1) أخرجه أحمد 5/ 315، ومالك في الموطأ في صلاة الليل، باب الأمر بالوتر 1/ 123، وأبو داود في الصلاة، باب في المحافظة على وقت الصلوات 1/ 115 (425)، وباب فيمن لم يوتر 2/ 62 (1420)، والنسائي في الصلاة، باب المحافظة على الصلوات الخمس (6) 1/ 230 (461)، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس (194) 1/ 449 (1401)، وابن حبان كما في الموارد ص 86 (252)، والبيهقي 1/ 361، 2/ 8، 467
الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من طاف بالبيت وصلى ركعتين، كان كعتق رقبة (1)» .
وجه الاستدلال منه:
قالوا: كون النبي صلى الله عليه وسلم أخرج الحديث مخرج الفضل، وجعل له ثوابا محدودا، فإنه دليل على أن ركعتي الطواف تطوع؛ لأن الواجب غير محدود الثواب (2).
الرابع: وقالوا: إنها صلاة لم تشرع لها جماعة، فلم تكن واجبة كسائر النوافل (3).
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: بقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (4).
وجه الاستدلال منها:
إن الله جل وعلا أمر بالصلاة عند مقام إبراهيم بعد الفراغ من الطواف، والأمر للوجوب، فدل ذلك على وجوب ركعتي
(1) أخرجه ابن ماجه في المناسك، باب فضل الطواف (32) 2/ 985 (2956) وأخرجه أحمد 2/ 95، والحاكم 1/ 489، وليس فيه موضع الشاهد، وهو قوله:((وصلى ركعتين))، وقال في مجمع الزوائد، 3/ 241:(وفيه عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط).
(2)
انظر: الحاوي 4/ 153.
(3)
انظر: المغني 5/ 232.
(4)
سورة البقرة الآية 125
الطواف.
الثاني: وبحديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:«. . حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقرأ: فجعل المقام بينه وبين البيت (2)» . . . الحديث.
الثالث: وبحديث ابن عمر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف ومشى أربعة، ثم سجد سجدتين (3)» . . . الحديث.
(1) أخرجه مسلم في الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم 8/ 175.
(2)
سورة البقرة الآية 125 (1){وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}
(3)
متفق عليه. أخرجه البخاري في الحج، باب من طاف بالبيت إذا قدم (63) 2/ 163، ومسلم في الحج، باب استحباب الرمل في الطواف 9/ 7، ونحوه ما أخرجه البخاري عنه أنه قال:((قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج إلى الصفا))، وقد قال الله تعالى:(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، في الحج من صلى ركعتي الطواف خلف المقام (72) 2/ 166.
وجه الاستدلال منهما من أوجه:
أحدها: أن فعله- عليه الصلاة والسلام لهما متصل بالطواف دليل على أنهما من الطواف، وفعله بيان لمجمل الكتاب (1).
الثاني: أنه- عليه الصلاة والسلام نبه أن ما فعله امتثالا للأمر في الآية، والأمر للوجوب، فدل على وجوبهما (2).
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب عليهما بعد الطواف، فدل ذلك على وجوبهما (3).
الرابع: وبما رواه عبد الرزاق عن عطاء مرسلا: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على كل سبع ركعتين (4)» .
الخامس: وبما رواه البخاري عن الزهري تعليقا أنه قال: «لم يطف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبوعا قط إلا صلى ركعتين (5)» .
(1) انظر: الحاوي 4/ 153.
(2)
انظر: المنتقى للباجي 2/ 288.
(3)
انظر: بدائع الصنائع 2/ 148.
(4)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/ 60 (9002). وانظر: نصب الراية للزيلعي 3/ 47 فقد أشار إلى آثار أخرى.
(5)
أخرجه البخاري في الحج، باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين (69) 2/ 165.
وجه الاستدلال منهما:
الحديثان ظاهران في مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الركعتين بعد كل طواف، وأنه لم يكن يتركهما، فدل ذلك على وجوبهما.
السادس: وبأن عمر رضي الله عنه نسي ركعتي الطواف، فقضاهما بذي طوى.
قالوا: إن قضاءه لهما بعد أن خرج من الحرم، دليل على وجوبهما؛ إذ لو لم تكونا واجبتين لما قضاهما (1).
السابع: وقالوا: إن الطواف ركن من أركان الحج له تابع، فوجب أن يكون تابعه واجبا كالوقوف بعرفة، فإن الذي يتبعه
(1) انظر: بدائع الصنائع 2/ 148.
الوقوف بمزدلفة (1).
3 -
لعل حجة الفريق الثالث هي: جمله أدلة الفريق الثاني القائلين بالوجوب، إلا أنهم اعتبروا ركعتي الطواف جزءا منه، واشترطوا أداءها بطهارة الطواف. وقد تقدم أنهم يرون أن نقض الطهارة مبطل للموالاة. ولذا فإن من انتقضت طهارته بعد إكمال الطواف وقبل الصلاة، وكان الطواف واجبا فإنه يجب عليه أن يستأنف الطواف بعد الطهارة؛ ليؤدي الركعتين بطهارة الطواف. فمن تعذر عليه إعادة الطواف، صلاهما وعليه دم.
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني وهو: أنهما واجبتان، يجب أداؤهما عقب الطواف، فإن أخرهما، أداهما بعد ذلك، ولو تأخر الزمان طويلا. وذلك لما يلي:
1 -
أن ما استدل به أصحاب القول الأول من الأدلة الدالة على عدم وجوب غير الصلوات الخمس أدلة قوية، إلا أنها عامة، فلا يجب بالشرع على عموم الناس غير الصلوات الخمس. ولا يعني ذلك عدم إيجاب غيرها، على فئة خاصة لا على التعيين كالصلوات المفروضة على الكفاية، أو من أوجب على نفسه صلاة بنذر ونحوه. فكذلك ركعتا الطواف إنما وجبت على من طاف. ولم تجب على غيره.
2 -
أن الأدلة الدالة على وجوبهما هي التي سبق الاستدلال بها على
(1) انظر: المنتقى للباجي 2/ 288.