الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنهما سئلا عن الرجل يطوف بالبيت وهو غير متوضئ فلم يريا به بأسا (1)، فدلت هذه الآثار على أن الطهارة ليست شرطا لصحة الطواف.
الرأي المختار:
الذي أختاره ما ذهب إليه جمهور العلماء، وهو: أن الطهارة شرط لصحة الطواف لا يصح الطواف بدونها مع القدرة عليها، وأن الحائض لا يصح طوافها، ولو طافت فلا يعتد بذلك. وذلك لما يلي:
1 -
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثم طاف؛ فكان فعله بيانا لمجمل الكتاب. وقد أمر بامتثال أفعاله في المناسك.
2 -
تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الطواف بالصلاة دليل على وجوب الطهارة، واشتراطها لصحته كالصلاة.
3 -
أن نهي الحائض عن الطواف حتى تتطهر وتغتسل، دليل على اشتراط الطهارة من الحدث لصحة الطواف.
4 -
أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحابستنا هي (2)» نص في منع الحائض، وعدم صحة الطواف منها، ولو احتاجت إلى ذلك. والله أعلم.
(1) أورده في مجموع الفتاوى 26/ 182، وشرح فتح القدير على الهداية 3/ 51.
(2)
صحيح البخاري الحج (1757)، سنن أبو داود المناسك (2003)، سنن ابن ماجه المناسك (3072)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 82).
المطلب الثالث: الطهارة من النجس:
المراد بالطهارة من النجس: طهارة البدن والثوب، والمكان الذي يطؤه في طوافه، من النجاسات.
ولن أخوض في تحديد أعيان النجاسات، ومقدار المؤثر منها، فإن ذلك يطول، ويخرجنا عما نحن بصدده (1).
والذي يهمنا من ذلك معرفة آراء العلماء في صحة الطواف بالنجاسة - غير المعفو عنها - سواء كانت في بدن الطائف، أم في ثوبه، أم في مكان طوافه.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الطهارة من النجس، شرط لصحة الطواف.
فمن طاف وعليه نجاسة في بدنه أو ثوبه، أو كان في مكان طوافه،
(1) لأن بحث تلك المسائل متعلق بكتاب الطهارة.
وهو عالم بها، قادر على إزالتها، فطوافه لا يعتد به.
وإلى هذا ذهب: مالك، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه، وحكاه الماوردي عن جمهور العلماء.
القول الثاني: أن الطهارة من النجاسة سنة مؤكدة، فلو طاف وعليه نجاسة كان مسيئا، ولا يلزمه شيء. وهذا هو المشهور عند الحنفية.
القول الثالث: أن الطهارة من النجاسة واجبة وليست شرطا لصحة الطواف، فمتى طاف متنجسا فعليه الإعادة ما دام في مكة، فإن تعذرت عليه الإعادة لرحيله عن مكة، جبره بالدم.
وإلى هذا ذهب: بعض الحنفية. وهو وجه للحنابلة.
الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1).
وجه الاستدلال منها:
أن الله - جل وعلا - أمر بالطواف مجملا، فلم يبين صفته، ولا ما يشترط لصحته، فكان بيان ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم، وقد طاف عليه الصلاة والسلام متطهرا من الأحداث، طاهرا من الأنجاس والأخباث؛ فدل ذلك على اشتراط الطهارة من النجس في الطواف. ويزيد ذلك تأكيدا أمره صلى الله عليه وسلم في قوله:«لتأخذوا عني مناسككم (2)» .
الثاني: وبقوله صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة (3)» . . . الحديث.
وجه الاستدلال منه:
أن تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت بالصلاة دليل على أنه يشترط للطواف ما يشترط للصلاة - إلا ما ورد الدليل باستثنائه - ومن ذلك اشتراط الطهارة من النجاسات.
الثالث: وقالوا: إنه عبادة متعلقة بالبيت فاشترطت له الطهارة من النجس.
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (4).
(1) سورة الحج الآية 29
(2)
صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).
(3)
سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).
(4)
سورة الحج الآية 29
وجه الاستدلال منها:
أن الله - جل وعلا - أمر بالطواف مطلقا عن شرط الطهارة من النجس، ولم يأت من السنة ما يأمر بالطهارة منها، أو ينهى عن الطواف بها؛ فدل ذلك على عدم وجوبها، فضلا على عدم اشتراطها.
الثاني: وقالوا: إن المنع من الطواف مع الثوب النجس ليس لأجل الطواف، بل لأجل المسجد، وهو صيانته عن إدخال النجاسة فيه، وصيانة عن تلويثه، فلا يوجب ذلك نقصانا في الطواف، فلا حاجة إلى الجبر (1).
3 -
واستدل أصحاب القول الثالث بما يلي:
الأول: بالآية. ووجه الاستدلال منها:
نحو استدلال القول الثاني وهو: أن الآية أمرت بالطواف ولم تقيده بوصف؛ فدل ذلك على عدم اشتراط الطهارة له.
الثاني: ولعلهم يستدلون بحديث «الصلاة بالبيت طواف» . . الحديث.
وجه الاستدلال منه:
أن تشبيه الطواف بالصلاة دليل على أنه يجب له ما يجب لها من طهارة النجس.
الثالث: وقالوا: إنه عبادة لا يشترط فيها الاستقبال فلم يشترط فيه الطهارة من النجس كالسعي، وإذا لم يكن شرطا فهو
(1) انظر: بدائع الصنائع 2/ 129.