الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي بكر رضي الله عنه إلى المأمون قد وضعوا النظم الصالحة الموفقة للحياة الإنسانية في رقعة واسعة من العالم، وإنهم كانوا من أقدر الحكام في التاريخ كله. ولقد كان في مقدورهم أن يصادروا كل شيء أو أن يخربوا كل شيء، كما فعل المغول أو المجر أو أهل الشمال من الأوروبيين لكنهم لم يفعلوا هذا. . كانت العراق قبل الفتح الإسلامي صحراء جرداء فاستحالت أرضها بعده جنانا فيحاء، وكان كثير من أرض فلسطين قبيل الفتح رملا وحجارة، فأصبحت خصبة غنية عامرة بالسكان. . لقد أمن الخلفاء الناس إلى حد كبير على حياتهم وثمار جهودهم، وهيأوا الفرص لذوي المواهب، ونشروا الرخاء مدى ستة قرون في أصقاع لم تر قط مثل هذا الرخاء بعد عهدهم، وبفضل تشجيعهم ومعونتهم انتشر التعليم، وازدهرت العلوم والآداب، والفلسفة، والفنون ازدهارا جعل آسية الغربية مدى خمسة قرون أرقى أقاليم العالم كله حضارة) (1).
(1) انظر: قالوا عن الإسلام، خليل، ص 359.
المبحث الثالث: اهتمام الصديق بالدعوة عند وفاته رضي الله عنه:
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب سحولي، ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين. قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين. قال: أرجو فيما بيني وبين الليل. فنظر إلى
ثوب عليه كان يمرض فيه، به ردع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما. قلت: إن هذا خلق. فقال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة. فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح.
وقد كانت وفاته رضي الله عنه في جمادى الآخرة من سنه ثلاث عشرة من الهجرة وله ثلاث وستون سنة (1)، وأما مدة ولايته فسنتان ونصف (2).
ومما ورد من وصاياه قبل موته مما يدل على علمه وإيمانه وحرصه على الدعوة لما مرض رضي الله عنه مرض الموت قال لعثمان رضي الله عنه (ت: 35 هـ) اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها، حين يصدق الكاذب،
(1) صحيح مسلم، جـ 4، ط [مصر: دار إحياء الكتب العربية الطبعة الأولى] ص 1826.
(2)
انظر: المعجم الكبير، الطبراني، جـ 1، مصدر سابق، ص 14.
ويؤدي الخائن، ويؤمن الكافر، إني استخلفت بعدي عمر بن الخطاب، فإن عدل فذلك ظني به، ورجائي فيه، وإن بدل وجار فلا أعلم الغيب، ولكل امرئ ما اكتسب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (1).
وبعد ذلك أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله:
اتق الله يا عمر وإن وليت على الناس غدا، واعلم أن لله عز وجل عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا.
وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف أن لا ألحق بهم. وإن الله تعالى ذكر أهل النار، فذكرهم بأسوأ أعمالهم، ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء. ليكون العبد راغبا راهبا، لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمته.
(1) سورة الشعراء الآية 227