الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طوفي من وراء الناس، وأنت راكبة (1)». . . متفق عليه.
واختلفوا في غير العاجز والمحتاج، هل له أن يطوف راكبا أو محمولا، أم لا؟ وهل يشترط في طواف المحمول ألا ينوي حامله الطواف عن نفسه، أم لا؟
هذا ما سأتناوله في الفرعين التاليين وهما:
الفرع الأول: حكم المشي في الطواف.
الفرع الثاني: شرط طواف المحمول.
(1) أخرجه البخاري في الصلاة، باب إدخال البعير في المسجد للعلة (78) 1/ 119، وفي الحج باب طواف النساء. . . (64) 2/ 164، وباب المريض يطوف راكبا (74) 2/ 166، وفي التفسير سورة الطور (52) 6/ 49، ومسلم في الحج، باب جواز الطواف على بعير 9/ 20.
الفرع الأول: حكم المشي في الطواف:
اختلف العلماء- رحمهم الله في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المشي- مع القدرة عليه- شرط لصحة الطواف، فمن طاف راكبا أو محمولا لغير عذر، فطوافه غير صحيح، ولا يعتد به.
وإلى هذا ذهب أحمد في المشهور، ورواية لمالك.
القول الثاني: أن المشي- مع القدرة عليه- واجب، وليس شرطا لصحة الطواف، فمن طاف راكبا أو محمولا لغير عذر، فعليه الإعادة ما دام بمكة، فإن تعذرت عليه الإعادة جبره بدم.
وإلى هذا ذهب: أبو حنيفة، ومالك في المشهور، وأحمد في رواية
القول الثالث: أن ذلك سنة، وليس بواجب، فلو طاف راكبا أو محمولا لغير عذر أجزأه ولا شيء عليه.
وإلى هذا ذهب: الشافعي، ومالك في رواية، وأحمد في رواية، وداود، وابن المنذر.
الأدلة:
1 -
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
الأول: بفعله صلى الله عليه وسلم في سائر عمره، وفي طوافه الأول للحج، وأنه بيان لمجمل الكتاب، فدل ذلك على وجوبه، ولم يتركه- عليه الصلاة والسلام إلا للعذر.
الثاني: وبحديث: «الطواف بالبيت صلاة (1)» . . . .
وجه الاستدلال منه:
تقدم مرارا، وذلك أن مقتضى تشبيه الطواف بالصلاة أن
(1) سنن الترمذي الحج (960)، سنن الدارمي كتاب المناسك (1847).
يشترط له ما يشترط لها، والصلاة لا يجوز فعلها راكبا لغير عذر، فكذلك الطواف (1).
الثالث: وقالوا: إنها عبادة متعلقة بالبيت، فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر كالصلاة (2).
الرابع: وقالوا: إن المشي هو نفس الطواف، فإذا أخل به مع القدرة عليه، لم يأت به.
2 -
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
الأول: بالآية. واستدلوا بها من وجهين:
(أحدهما) أن الآية مطلقة لم تقيد الطواف بالمشي، ومداومته- عليه الصلاة والسلام على المشي دليل الوجوب، إن تركه لغير عذر فعليه دم.
(الثاني) أن الراكب ليس بطائف حقيقة، بل الطائف حقيقة مركوبه، وهو في حكمه، فأوجب ذلك نقصا في الطواف، فوجب جبره بالدم (3).
وقالوا: إن المشي شرط كمال في الطواف، فتركه من غير
(1) انظر: الروايتين والوجهين 1/ 283، شرح الزركشي 3/ 219.
(2)
انظر: المغني 5/ 250، المجموع 8/ 27.
(3)
انظر: بدائع الصنائع 2/ 2 / 130، شرح فتح القدير 3/ 58.
عذر يوجب الدم (1).
الثاني: وقالوا: إن ترك المشي في الطواف، تركه لصفة واجبة في ركن الحج، فأشبه ما لو وقف بعرفة نهارا، ودفع قبل غروب الشمس (2).
الثالث: وقالوا: إن طوافه- عليه الصلاة والسلام كان لعذر، وكذا إذنه لأم سلمة بأن تطوف راكبة، لكونها شاكية، فمن ترك المشي لعذر فلا بأس به ولاشيء عليه؛ لأنه لم يترك الواجب؛ إذ لا وجوب مع العجز، ومن تركه لغير عذر فعليه دم؛ لإخلاله بما وجب عليه (3).
3 -
واستدل أصحاب القول الثالث بما يلي:
الأول: بالآية. ووجه استدلالهم منها:
أن الله أمر بالطواف مطلقا ولم يقيده بالمشي، فكيفما أتى به أجزأه، ولا يجوز التقييد إلا بدليل (4).
الثاني: وبفعله صلى الله عليه وسلم إذ طاف راكبا، ولم يكن يشتكي مرضا، وأرشد أم سلمة إلى أن تطوف راكبة.
(1) انظر المبسوط 4/ 45.
(2)
انظر المغني 5/ 250.
(3)
انظر بدائع الصنائع 2/ 128، شرح القدير 3/ 58.
(4)
انظر المغني 5/ 250.
فدل ذلك على أن المشي ليس بواجب، وأنه كهيئة الرمل.
الثالث: وقالوا: إنه ركن من أركان الحج، فصح فعله راكبا، كالوقوف بعرفة والسعي (1).
الرابع: وقالوا: إنه طاف راكبا فوجب ألا يلزمه دم لجبرانه كالمريض.
(1) انظر: الروايتين والوجهين 1/ 283، الحاوي 4/ 152.