المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الأولى: في تقسيم الماء - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌المسألة الأولى: في تقسيم الماء

- ‌المسألة الثانية: هل الماء المستعمل طهور أم أن الاستعمال يسلبه الطهورية

- ‌الفتاوى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌كلام العلماء في حكم تارك

- ‌الحكمة في شرعية الأذانوإذا أراد الأذان ثانية لشهادة الجبال

- ‌حكم الأذان والإقامةوهل يجوز لعن قرية تركتهما

- ‌لا يجوز استبدال المؤذن بأسطوانات مسجلة

- ‌الأذان من الإذاعة لا يكفي للصلاة

- ‌استعمال الميكروفونفي الصلاة ليس من البدع

- ‌التأكيد على المؤذنينبأن لا يؤذنوا قبل الوقت

- ‌تحديد ما بين الأذان والإقامة

- ‌يصلي المغرب أولا ولو فاتته الجماعة للعشاء

- ‌إن أمكن سرد الفوائت مرتبة وإلا وزعت

- ‌صحة صلاة مكشوف الرأس

- ‌ فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌إمامة المسافر بالمقيم والعكس

- ‌مقدار المدة والمسافةالتي يجوز فيها الجمع والقصر

- ‌هل الأفضل في الجمعبين الصلاتين التقديم أو التأخير

- ‌المسافر إذا كان وحدهفإنه يصلي مع الإمام بالإتمام

- ‌هل الأفضل للمسافر القصر بلا جمعأو الجمع والقصر وهل بينهما تلازم

- ‌حكم الجمع والقصر لمن دخل الوقت وهو لم يرتحل بعد

- ‌حكم الجمع عند المطر

- ‌هل النية شرط للجمع

- ‌الرقية الشرعية الصحيحة

- ‌ السنة لمن حاذى الحجر الأسود

- ‌ إتيان المرأة وهي حائض

- ‌ متابعة الإمام في تكبيرة الإحرام

- ‌تناول دواء لإيقاف العادة الشهرية في شهر رمضان

- ‌ بعض الناس يتسبب في إفطار نفسه في رمضان

- ‌ علامة الطهر بعد الحيض والنفاس

- ‌ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ هل على المرأة غسل إذا أنزلت بشهوة بدون جماع

- ‌لا يلزم الغسل بعد التوبة

- ‌ المني طاهر

- ‌ يكفي الغسل من الجنابة عن الوضوء للصلاة

- ‌من وجب عليه غسل فأكثر

- ‌ حكم التيمم

- ‌معتقد أهل السنة والجماعة في الشفاعة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: تعريف الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: تعريف الشفاعة لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الشفاعة اصطلاحا:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على ثبوت الشفاعة من الكتاب والسنة:

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على ثبوت الشفاعة من السنة:

- ‌المبحث الثالث: شروط الشفاعة:

- ‌المبحث الرابع: أقسام الشفاعة:

- ‌ الشفاعة المثبتة:

- ‌ الشفاعة المنفية:

- ‌المبحث الخامس: أنواع الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: شفاعات الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ الشفاعة في دخول أهل الجنة الجنة بعد الفراغ من حسابهم:

- ‌ الشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب:

- ‌ الشفاعة في رفع درجات بعض أهل الجنة:

- ‌ الشفاعة في دخول بعض المؤمنين الجنة بغير حساب ولا عذاب:

- ‌ الشفاعة في أهل الكبائر من أمته ممن دخلوا النار بذنوبهم أن يخرجوا منها:

- ‌ شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها:

- ‌ الشفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم بأن يدخلوا الجنة:

- ‌المطلب الثاني: الشفعاء غير الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولا: شفاعة الملائكة عليهم السلام:

- ‌ثانيا: شفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

- ‌ثالثا: شفاعة المؤمنين:

- ‌رابعا: شفاعة الشهداء:

- ‌خامسا: شفاعة أولاد المؤمنين لآبائهم يوم القيامة:

- ‌المطلب الثالث: الأعمال الصالحة التي تشفع لأصحابها يوم القيامة:

- ‌ شفاعة القرآن:

- ‌ شفاعة الصيام:

- ‌المبحث السادس: الأسباب التي تحصل بها الشفاعة:

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا: الصيام:

- ‌ثالثا: الأولاد الصالحون:

- ‌رابعا: سكنى المدينة والموت بها:

- ‌خامسا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له:

- ‌سادسا: المصلون على الميت الموحد لله عز وجل:

- ‌المبحث السابع: الأسباب التي تمنع الشفاعة:

- ‌أولا: الشرك بالله عز وجل والكفر به:

- ‌ثانيا: اللعن واللعانين بغير حق:

- ‌ثالثا: الغلو في الدين والتشدد بما ليس فيه:

- ‌المبحث الثامن: الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة في الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: الخوارج والمعتزلة:

- ‌المطلب الثاني: القبوريون ومن وافقهم في المعتقد:

- ‌المبحث التاسع: الشفاعة في أمور الدنيا:

- ‌عقيدة الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

- ‌ عقيدته في التوحيد:

- ‌ الحلف:

- ‌الإقرار بالشهادتين وصفات العلو والنزول والقرب:

- ‌عدم التكلف والتعمق في البحث في أمور التوحيد التي لا يبلغها العقل:

- ‌بدعة القول بخلق أسماء الله الحسنى:

- ‌إثبات الصفات التي جاءت في القرآن:

- ‌إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة:

- ‌حكم من قال بخلق القرآن:

- ‌إثبات أسماء الله وصفاته:

- ‌عقيدته في القدر:

- ‌عقيدته في الإيمان:

- ‌عقيدته في الصحابة:

- ‌‌‌نهيه عن الابتداع والخصومات في الدين:

- ‌نهيه عن الابتداع والخصومات في الدين:

- ‌التحذير من كتب أهل الكلام:

- ‌مناظرة أهل الكلام وتأليف الكتب في الرد عليهم:

- ‌نهيه عن الشرك ووسائله:

- ‌أولا: وسائل الشرك:

- ‌ثانيا: نماذج من الشرك التي حذر منها الإمام الشافعي وبعض أتباعه:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌الذبح لغير الله

- ‌النذر للمشاهد التي على القبور:

- ‌مذهب الحنفية

- ‌مذهب المالكية

- ‌مذهب الشافعية

- ‌مذهب الحنابلة

- ‌تلخيص المذاهب السابقة:

- ‌تخريج الأحاديث والآثار في الباب:

- ‌القول المختار:

- ‌حال الناس في الزمان الأول:

- ‌حال الناس في هذه الأزمنة:

- ‌المطلب الأول: تعريفات

- ‌ تعريف (التذييل)

- ‌ تعريف (الأمر):

- ‌ تعريف (المعروف):

- ‌ تعريف (النهي):

- ‌تعريف (المنكر):

- ‌المطلب الثاني: مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المطلب الثالث: مكانة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌المطلب الرابع: الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - دين وعبادة:

- ‌المطلب الخامس: أجر العاملين من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌المطلب السادس: صفات الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌ استجابتهم لله في أخذ أساليب الدعوة على وفق ما أمر الله به:

- ‌ الشفقة على المؤمنين والرحمة بهم:

- ‌ محبة بعضهم بعضا:

- ‌المطلب السابع: نموذج من حياة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌النموذج الثاني:لرجل صالح ذكره الله في القرآن

- ‌القسم الأول: وهو الذي يكون فيه المثل الأول ساكنا والثاني متحركا

- ‌القسم الثاني: وهو الذي يكون فيه المثلان متحركين

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المسألة الأولى: في تقسيم الماء

وإياهم في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ولما كان الأمر بهذه المثابة فإنا قد اخترنا أن تكون افتتاحية هذا العدد المبارك من مجلة البحوث، في مسائل فقهية تمس الحاجة إليها، وعادة العلماء البداءة بكتاب الطهارة؛ لأنه مفتاح الصلاة والصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ويبدءون من كتاب الطهارة بباب المياه ونحن على سننهم سائرون وبهم مقتدون، والله سبحانه الموفق والمعين. فنقول: باب المياه فيه مسائل:

ص: 10

‌المسألة الأولى: في تقسيم الماء

وهل هو منقسم إلى قسمين أو ثلاثة، وبعبارة أخرى هل الطهور بمعنى طاهر أو أنه قسم له؟

في المسألة خلاف:

القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر.

أدلتهم:

1 -

قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (1)، فقوله:(طهور) يراد به ما يتطهر به؛ يفسر ذلك قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (2).

(1) سورة الفرقان الآية 48

(2)

سورة الأنفال الآية 11

ص: 10

2 -

ما أخرجه الشيخان عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (1)» أي مطهرة، والأمة إنما خصت بجعل الأرض لهم مطهرة لا بكونها طاهرة، لأنها طاهرة في حق كل أحد.

3 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر قال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته (2)» أخرجه الترمذي.

وجه الدلالة: أن من المعلوم أنهم إنما سألوا عن التطهر بماء البحر لا عن طهارته، ولولا أنهم يفهمون من الطهور أنه المطهر، لم يحصل الجواب.

4 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا (3)» والمعنى: مطهر إناء أحدكم.

القول الثاني: قول الحنفية، وهو اختيار الخرقي من الحنابلة، وهو محكي عن الحسن البصري، وسفيان، وأبي بكر الأصم، وابن داود، وقول بعض أهل اللغة: إن الطهور هو الطاهر.

أدلتهم:

1 -

قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} (4).

(1) صحيح البخاري التيمم (335)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (521)، سنن النسائي الغسل والتيمم (432)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 304)، سنن الدارمي الصلاة (1389).

(2)

سنن الترمذي الطهارة (69)، سنن النسائي المياه (332)، سنن أبو داود الطهارة (83)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (386)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 361)، موطأ مالك الطهارة (43)، سنن الدارمي الطهارة (729).

(3)

صحيح البخاري الوضوء (172)، صحيح مسلم الطهارة (279)، سنن الترمذي الطهارة (91)، سنن النسائي المياه (338)، سنن أبو داود الطهارة (71)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (363)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 427)، موطأ مالك الطهارة (67).

(4)

سورة الإنسان الآية 21

ص: 11

وجه الدلالة: أن هذه الآية في بيان نعيم أهل الجنة، ومعلوم أن أهل الجنة لا يحتاجون إلى التطهير من حدث ولا نجس، فعلم أن المراد بالطهور الطاهر.

2 -

قال جرير في وصف النساء:

خليلي هل في نظرة بعد توبة

أداوي بها قلبي علي فجور

إلى رجح الأكفال هيف خصورها

عذاب الثنايا ريقهن طهور

وجه الدلالة: أنه وصف الريق بأنه طهور والريق لا يتطهر به. وإنما مراده أنه طاهر.

3 -

قالوا: إن العرب لا تفرق بين الفاعل والفعول في التعدي واللزوم، فما كان فاعله لازما كان فعوله لازما بدليل قاعد وقعود ونائم ونئوم وضارب وضروب.

وقد أجاب الجمهور عن أدلتهم:

1 -

أما قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} (1)

فيجاب عنه بأن الله تعالى وصف الشراب بأعلى الصفات وهي التطهير.

2 -

وقول جرير أجابوا عنه بقولهم: إنه حجة لنا؛ لأنه قصد تفضيلهن على سائر النساء، فوصف ريقهن بأنه مطهر يتطهر به لكمالهن وطيب ريقهن وامتيازه على غيره، ولا يصح حمله

(1) سورة الإنسان الآية 21

ص: 12

على ظاهره، فإنه لا مزية لهن في ذلك، فإن كل النساء ريقهن طاهر، بل البقر والغنم وكل حيوان غير الكلب والخنزير.

3 -

وأجابوا عما احتجوا به من حجة اللغة، بأنه غير مستقيم؛ لأن العرب فرقت بين الفاعل والفعول، فقالت: قاعد لمن وجد منه القعود وقعود لمن يتكرر ذلك منه.

فينبغي أن يفرق بينهما هاهنا، وليس إلا من حيث التعدي واللزوم.

وقد نقل صاحب الاختيارات عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية تحقيقا جيدا في هذه المسألة يحسن إيراده، قال رحمه الله: وفصل الخطاب في المسألة أن صيغة اللزوم والتعدي لفظ مجمل، يراد به اللزوم والتعدي النحوي اللفظي. ويراد به التعدي الفقهي.

فالأول هو أن يراد باللازم: ما لم ينصب المفعول به، ويراد بالمتعدي: ما نصب المفعول به. فهذا لا تفرق العرب فيه بين فاعل وفعول في اللزوم. فمن قال: إن فعول هذا بمعنى فاعل - من أن كلا منهما مفعول به - كما قال كثير من الحنفية، فقد أصاب. ومن اعتقد أن فعول بمعنى فعل الماضي، فقد أخطأ.

وأما التعدي الفقهي فيراد به: أن الماء الذي يتطهر به في رفع الحدث، بخلاف ما كان كالأدهان والألبان.

وعلى هذا فلفظ " طاهر " في الشرع أعم من لفظ طهور

ص: 13

فكل طهور طاهر وليس كل طاهر طهور.

وقد غلط الفريقان في ظنهم أن طهورا معدول عن طاهر.

وإنما هو اسم لما يتطهر به. فإن العرب تقول: طهور ووجور لما يتطهر به ويوجر به، وبالضم للفعل الذي هو مسمى المصدر، فطهور هو صيغة مبنية لما يفعل به، وليس معدولا عن طاهر. ولهذا قال تعالى في إحدى الآيتين:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (1) وقال في الآية الأخرى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (2) إذا عرفت هذا فالطاهر يتناول الماء وغيره. وكذلك الطهور فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل التراب طهورا، ولكن لفظ " الطاهر " يقع على جامدات كثيرة، كالثياب والأطعمة. وعلى مائعات كثيرة، كالأدهان والألبان وتلك لا يمكن أن يطهر بها، فهي طاهرة ليست بطهور. اهـ.

أما فائدة هذا الخلاف فمن الناس من قال إنه لا فائدة فيه.

ومنهم من رأى أنه فيه فائدة.

فقال القاضي أبو يعلى: فائدته: أنه عندنا لا تجوز إزالة النجاسة بغير الماء لاختصاصه بالتطهير، وعندهم تجوز لمشاركته غير الماء في الطهارة.

قال أبو العباس: وله فائدة أخرى وهي: أن الماء يدفع النجاسة عن نفسه بكونه مطهرا، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:«الماء طهور لا ينجسه شيء (3)» ، وغيره ليس بطهور، فلا يدفع، وعندهم الجميع سواء. اهـ.

(1) سورة الفرقان الآية 48

(2)

سورة الأنفال الآية 11

(3)

سنن الترمذي الطهارة (66)، سنن النسائي المياه (348)، سنن أبو داود الطهارة (66)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 420).

ص: 14

وقول القاضي ومن بعده ابن تيمية عندهم يعني الذين سووا بين الطاهر والطهور وهم الحنفية ومن نحا منحاهم.

هذا وإن مما يدخل في الماء الطهور ما يلي:

ماء السماء، يقول الله سبحانه وتعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (1)

ويدخل فيه ماء الثلج والبرد، ففي الحديث: ". . . «اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد (2)» . ويدخل فيه ماء البحر على الصحيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته (3)» .

ويدخل فيه ماء الآبار، والأصل فيها حديث بئر بضاعة، وهي بئر كانت تلقى فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الماء طهور لا ينجسه شيء (4)» أخرجه الترمذي وأبو داود.

ويدخل فيه الماء المتغير من طول المكث وهو الماء الآجن.

قال ابن المنذر رحمه الله بعد أن ساق جملة من الآيات في الماء - قال أبو بكر: قال الشافعي بعد أن ذكر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (5) الآية. فكان بينا عند

(1) سورة الفرقان الآية 48

(2)

صحيح البخاري الأذان (744)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (598)، سنن النسائي الافتتاح (895)، سنن أبو داود الصلاة (781)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (805)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 231)، سنن الدارمي الصلاة (1244).

(3)

سنن الترمذي الطهارة (69)، سنن النسائي المياه (332)، سنن أبو داود الطهارة (83)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (386)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 361)، موطأ مالك الطهارة (43)، سنن الدارمي الطهارة (729).

(4)

سنن الترمذي الطهارة (66)، سنن النسائي المياه (348)، سنن أبو داود الطهارة (66)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 420).

(5)

سورة المائدة الآية 6

ص: 15

من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء، ثم أبان الله في الآية أن الغسل بالماء، وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء، ثم أبان الله في الآية أن الغسل بالماء، وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن الماء ما خلق الله مما لا صنعة فيه للآدميين، وذكر الماء عاما، فكان ماء السماء وماء الأنهار، والآبار، والقلات، والبحار، العذب من جميعه والأجاج سواء، في أن من توضأ به أو اغتسل به.

قال أبو بكر: أما حمل المياه التي ذكرها الشافعي، فلا اختلاف بين كل من أحفظ عنه، ولقيته من أهل العلم أن المتطهر به يجزي، إلا ماء البحر فإن فيه اختلافا وأخبارا عن بعض المتقدمين اهـ.

هذا وإنه قد بقي من أنواع المياه غير النجسة التي نحب التنبيه عليها بخصوصها ثلاثة أنواع: الماء المسخن، وماء زمزم، والماء المستعمل.

فأما المسخن فنوعان:

1 -

المسخن بالشمس، ويسمى المشمس، وقد ضبط صاحب المنهاج من الشافعية المشمس فقال:" وضابط المشمس أن تؤثر فيه السخونة بحيث تفصل من الإناء أجزاء سمية تؤثر في البدن لا مجرد انتقاله من حالة لأخرى بسببها ".

وهذا قد كرهه بعض الفقهاء كالشافعي رحمه الله، وهو المعتمد عند المالكية، وقول لبعض الحنفية.

ص: 16

وقالوا: إن كراهته من جهة أنه يورث البرص وقد روى الشافعي عن عمر رضي الله عنه كراهية الاغتسال به.

وقالوا: إن الشمس بحدتها تفصل منه زهومة تعلو الماء فإذا لاقت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فيحتبس الدم فيحصل البرص.

وقد اشترط بعضهم للكراهية شروطا منها: أن يكون استعماله ببلاد حارة، وفي آنية منطبعة كحديد ونحاس، بخلاف الخزف والخشب والجلود والحياض وبخلاف المنطبع بالذهب والفضة، واشترطوا أيضا للكراهة أن يستعمل في حال حرارته. هذا ملخص ما قاله الشربيني في مغني المحتاج.

والقول الثاني: وهو مذهب الحنابلة، وجمهور الحنفية، جواز استعماله مطلقا بلا كراهة. والذي يظهر أنه إن ثبت أن فيه ضررا على البدن كره من هذه الجهة، وإلا فلا يكره.

والقسم الثاني من المسخن: هو المسخن بالنار:

عامة أهل العلم على جواز التطهر به، قال ابن المنذر رحمه الله بعد أن ساق طرفا من آية التيمم:(فالماء المسخن داخل في جملة المياه التي أمر الناس أن يتطهروا بها، وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير (1)» وممن روينا عنه أنه رأى الوضوء بالماء المسخن: عمر بن الخطاب، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك - وساق بعض

(1) سنن الترمذي الطهارة (124)، سنن النسائي الطهارة (322)، سنن أبو داود الطهارة (333)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 180).

ص: 17

الآثار - ثم قال: " وهو مذهب عطاء، والحسن أبي وائل وكذا قال كل من نحفظ عنه من أهل المدينة، وأهل الكوفة، وكذلك قال الشافعي، وأبو عبيد وذكر أنه قول أهل الحجاز والعراق جميعا ".

قال: وروينا عن مجاهد أنه كره الوضوء بالماء الساخن والذي - روى عنه ذلك ليث، وليس لكراهيته لذلك معنى. اهـ.

لكن إن سخن الماء بنجس فللحنابلة تفصيل فيه وهو عندهم على ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء فينجسه إذا كان يسيرا.

الثاني: ألا يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء والحائل غير حصين، فالماء على أصل الطهارة، ويكره استعماله، والشافعي لا يكره استعماله.

الثالث: إذا كان الحائل حصينا، فمنهم من كرهه أيضا كالقاضي أبي يعلى، ومنهم من قال: لا يكره، كالشريف أبي جعفر، وابن عقيل. ولعل الصواب عدم الكراهة؛ لعدم الدليل الموجب لها. والله أعلم.

أما ماء زمزم فقد كره بعضهم الوضوء والغسل بها؛ لقول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: لا أحلها لمغتسل، لكن لمحرم حل وبل. ولأنه يزيل به مانعا من الصلاة، أشبه إزالة النجاسة به، وهذا المذهب من مفردات الحنابلة.

ص: 18

القول الثاني: عدم كراهة الوضوء والغسل منه. دليلهم ما ثبت «أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من ماء زمزم وتوضأ فيه (1)» ، كما في زوائد المسند عن علي رضي الله عنه، قالوا: إن قول العباس هذا لم يثبت عنه بل هو ثابت عن أبيه عبد المطلب، ولو ثبت عن العباس فإنه لم يؤخذ بصريحه في التحريم ففي غيره أولى، وأيضا فإن شرف الماء وبركته لا يوجب كراهة استعماله؛ بدليل الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم؛ ولأن ماء زمزم يدخل في مطلق الماء. وهذا مذهب الجمهور كما نقله عنهم النووي وصاحب مواهب الجليل. ولعله الصواب إن شاء الله. لكن بعض العلماء كره استعماله في إزالة النجاسة، وبعضهم قال: هو خلاف الأولى، وآخرون بالغوا فقالوا بالتحريم.

وبكل حال فلا دليل على تخصيص ماء زمزم بشيء مما ذكر فهو ماء كسائر المياه، إلا أن له شرفا لبركته التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يوجب تحريم استعماله في إزالة النجاسة، ولا كراهته وإن كان الأولى عدم إزالة النجاسة به مع وجود غيره.

أما الماء المستعمل: فهو الماء الطهور الذي استعمل في رفع الحدث، وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: هل الماء المستعمل طاهر أم نجس؟

فيه خلاف:

القول الأول: أنه طاهر، وبه قال عامة الفقهاء سلفا

(1) مسند أحمد بن حنبل (1/ 76).

ص: 19

وخلفا، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، ورواية عن أبي حنيفة هي المشهورة عنه، وقول محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية.

الأدلة:

1 -

استدلوا بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «مرضت فجاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان، فأتاني وقد أغمي علي، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي فأفقت (1)» . . . الحديث أخرجه الشيخان.

2 -

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شيء (2)» أخرجه الترمذي وغيره، وقد صححه النووي، قالوا: فيبقى على عمومه إلا ما خصه الدليل.

3 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، كانوا يتوضئون ويتقاطر على ثيابهم ولا يغسلونها. فدل على طهارة الماء المستعمل.

4 -

أن الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يتبادرون إلى فضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فيتمسحون به للتبرك به، ولا يمكن أن يقرهم على التمسح بنجس، ومن ذلك ما أخرجه البخاري من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال:«خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به (3)» . . .

(1) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7309)، صحيح مسلم الفرائض (1616)، سنن الترمذي الفرائض (2097)، سنن النسائي الطهارة (138)، سنن ابن ماجه الفرائض (2728)، سنن الدارمي الطهارة (731).

(2)

سنن الترمذي الطهارة (66)، سنن النسائي المياه (348)، سنن أبو داود الطهارة (66)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 420).

(3)

صحيح البخاري الوضوء (188)، صحيح مسلم الصلاة (503)، سنن النسائي الصلاة (470)، أبو داود الصلاة (الصلاة)، أحمد (4/ 307).

ص: 20

الحديث.

5 -

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونساءه كانوا يتوضئون في الأقداح والأتوار ويغتسلون في الجفان، ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع في الماء من المستعمل؟ ولهذا قال إبراهيم النخعي: ولا بد من ذلك. فلو كان المستعمل نجسا لنجس الماء الذي يقع فيه.

6 -

قالوا: ولأنه ماء طاهر لاقى محلا طاهرا فكان طاهرا، كالذي غسل به الثوب الطاهر، والدليل على أن المحدث طاهر ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، قال: فانخنست منه، فذهبت فاغتسلت، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة. فقال: " سبحان الله إن المسلم لا ينجس (1)» متفق عليه.

القول الثاني: أن الماء المستعمل نجس، وهو رواية عن أبي حنيفة رواها أبو يوسف، والحسن بن زياد، إلا أن أبا يوسف رأى أن نجاسته مخففة، والحسن رأى أنها مغلظة.

الأدلة:

1 -

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة (2)» قالوا: فقرن فيه بين البول فيه والاغتسال منه، والبول ينجسه فكذلك الاغتسال، وقالوا

(1) صحيح البخاري الغسل (283)، صحيح مسلم الحيض (371)، سنن الترمذي الطهارة (121)، سنن النسائي الطهارة (269)، سنن أبو داود الطهارة (231)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (534)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 471).

(2)

صحيح البخاري الوضوء (239)، صحيح مسلم الطهارة (282)، سنن الترمذي الطهارة (68)، سنن النسائي الطهارة (57)، سنن أبو داود الطهارة (70)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (344)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 346)، سنن الدارمي الطهارة (730).

ص: 21

أيضا: حرم الاغتسال في الماء القليل، ولولا أنه ينجس بالاغتسال بنجاسة الغسالة لم يكن للنهي معنى؛ لأن إلقاء الطاهر في الطاهر ليس بحرام، أما تنجيس الطاهر فحرام، فكان هذا نهيا عن تنجيس الماء الطاهر بالاغتسال؛ وذا يقتضي التنجيس به.

2 -

قالوا: إن المحدث قد خرج شيء نجس من بدنه به يتنجس بعض البدن حقيقة، فيتنجس الباقي تقديرا، فإذا توضأ انتقلت تلك النجاسة إلى الماء فيصير الماء نجسا تقديرا وحكما.

المناقشة للأدلة:

نوقش استدلالهم بالحديث وأجيب عنه بعدة أجوبة ملخصها ما يلي:

1 -

أن دلالة الاقتران ضعيفة - قد قال بها أبو يوسف والمزني - وخالفهما غيرهما من الفقهاء والأصوليين، ومما يرد عليهما قوله تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (1) فلا يلزم من اقتران الأكل بإيتاء الزكاة وجوب الأكل.

2 -

أن رواية الحفاظ من أصحاب أبي هريرة لهذا الحديث هي كما أخرجه الشيخان ولفظهما «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه (2)» وفي رواية لمسلم «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب (3)» فقيل لأبي هريرة كيف يفعل؟ قال:

(1) سورة الأنعام الآية 141

(2)

صحيح البخاري الوضوء (239)، صحيح مسلم الطهارة (282)، سنن الترمذي الطهارة (68)، سنن النسائي الطهارة (57)، سنن أبو داود الطهارة (70)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (344)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 346)، سنن الدارمي الطهارة (730).

(3)

صحيح مسلم الطهارة (283)، سنن النسائي الطهارة (220)، سنن أبو داود الطهارة (70)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (605).

ص: 22

يتناوله تناولا ".

أما الرواية المستدل بها عند أبي يوسف والحسن بن زياد فيما يرويانه عن أبي حنيفة، فإنها مما أخرجه أبو داود ولفظها مخالف لما في الصحيحين. وهذا ما أشار إليه البيهقي في سننه ورجح ما في الصحيحين على رواية أبي داود.

3 -

وهو جواب من يرى أن الماء المستعمل طاهر غير طهور كما سيأتي بيانه إن شاء الله، قالوا: إن النهي في الحديث إنما يدل على أنه يؤثر في الماء وهو المنع من التوضؤ به، والاقتران يقتضي التسوية في أصل الحكم، لا في تفصيله.

4 -

وقيل: إن وجه النهي في الحديث ليس لأنه ينجسه، وإنما لأجل أنه يقذره ويؤدي إلى تغيره.

وهذه الأجوبة ملخصة من المجموع للنووي والمغني لابن قدامة وطرح التثريب للعراقي وغيرها.

2 -

أما ما استدلوا به من أن الحدث نجاسة حكمية على سائر أعضاء البدن فغير مسلم؛ لما سبق من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله إن المسلم لا ينجس (1)» . . . "، ولحديث عائشة رضي الله عنها وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها:«إن حيضتك ليست في يدك (2)» أخرجه مسلم.

هذا وإن الصواب في هذه المسألة هو: أن الماء المستعمل لا يتنجس بالاستعمال؛ لعدم الدليل الناهض لهذا القول مع توافر

(1) صحيح البخاري الغسل (283)، صحيح مسلم الحيض (371)، سنن الترمذي الطهارة (121)، سنن النسائي الطهارة (269)، سنن أبو داود الطهارة (231)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (534)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 471).

(2)

صحيح مسلم كتاب الحيض (298)، سنن الترمذي كتاب الطهارة (134)، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (384)، سنن أبو داود الطهارة (261)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (632)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 245)، سنن الدارمي كتاب الطهارة (771).

ص: 23